الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْحِصَارِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ رُسُلِهِ بِأَنَّ التَّوَكُّلَ مَلْجَأُهُمْ وَمَعَاذُهُمْ. وَأَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. وَقَالَ: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [يونس: 84] . فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَوْهَى السُّبُلِ وَهَذَا شَأْنُهُ؟ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ دَرَجَاتُ التَّوَكُّلِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى التَّوَكُّلُ مَعَ الطَّلَبِ]
فَصْلٌ
قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. كُلُّهَا تَسِيرُ مَسِيرَ الْعَامَّةِ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: التَّوَكُّلُ مَعَ الطَّلَبِ، وَمُعَاطَاةِ السَّبَبِ عَلَى نِيَّةِ شُغْلِ النَّفْسِ بِالسَّبَبِ مَخَافَةً، وَنَفْعِ الْخَلْقِ، وَتَرْكِ الدَّعْوَى.
يَقُولُ: إِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ. وَلَا يَتْرُكُ الْأَسْبَابَ. بَلْ يَتَعَاطَاهَا عَلَى نِيَّةِ شُغْلِ النَّفْسِ بِالسَّبَبِ، مَخَافَةَ أَنْ تَفْرُغَ فَتَشْتَغِلَ بِالْهَوَى وَالْحُظُوظِ. فَإِنْ لَمْ يَشْغَلْ نَفْسَهُ بِمَا يَنْفَعُهَا شَغَلَتْهُ بِمَا يَضُرُّهُ. لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْفَرَاغُ مَعَ حِدَّةِ الشَّبَابِ، وَمِلْكِ الْجِدَّةِ، وَمَيْلِ النَّفْسِ إِلَى الْهَوَى، وَتَوَالِي الْغَفَلَاتِ. كَمَا قِيلَ:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَّهْ
…
مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ
وَيَكُونُ أَيْضًا قِيَامُهُ بِالسَّبَبِ عَلَى نِيَّةِ نَفْعِ النَّفْسِ، وَنَفْعِ النَّاسِ بِذَلِكَ. فَيَحْصُلُ لَهُ نَفْعُ نَفْسِهِ وَنَفْعُ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا تَضَمُّنُ ذَلِكَ لِتَرْكِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالسَّبَبِ تَخَلَّصَ مِنْ إِشَارَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، الْمُوجِبَةِ لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ، الْمُوجِبِ لِدَعْوَاهُ. فَالسَّبَبُ سَتْرٌ لِحَالِهِ وَمَقَامِهِ. وَحِجَابٌ مُسْبَلٌ عَلَيْهِ.
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ فَقْرُهُ وَذُلُّهُ، وَامْتِهَانُهُ امْتِهَانَ الْعَبِيدِ وَالْفَعَلَةِ. فَيَتَخَلَّصُ مِنْ رُعُونَةِ دَعْوَى النَّفْسِ، فَإِنَّهُ إِذَا امْتَهَنَ نَفْسَهُ بِمُعَاطَاةِ الْأَسْبَابِ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ.