الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَجِدْ لِلْعَمَلِ حَلَاوَةً فِي قَلْبِكَ وَانْشِرَاحًا، فَاتَّهِمُهُ، فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى شَكُورٌ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثِيبَ الْعَامِلَ عَلَى عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَلَاوَةٍ يَجِدُهَا فِي قَلْبِهِ، وَقُوَّةِ انْشِرَاحٍ وَقُرَّةِ عَيْنٍ. فَحَيْثُ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَعَمَلُهُ مَدْخُولٌ.
[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُرَاقَبَةُ نَظَرِ الْحَقِّ بِرَفْضِ الْمُعَارَضَةِ]
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ دَرَجَاتِ الْمُرَاقَبَةِ: مُرَاقَبَةُ نَظَرِ الْحَقِّ بِرَفْضِ الْمُعَارَضَةِ، بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ، وَنَقْضِ رُعُونَةِ التَّعَرُّضِ.
هَذِهِ مُرَاقَبَةٌ لِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ لَكَ. فَهِيَ مُرَاقَبَةٌ لِصِفَةٍ خَاصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَهِيَ تُوجِبُ صِيَانَةَ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ. فَصِيَانَةُ الظَّاهِرِ: بِحِفْظِ الْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَصِيَانَةُ الْبَاطِنِ: بِحِفْظِ الْخَوَاطِرِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الْبَاطِنَةِ، الَّتِي مِنْهَا رَفْضُ مُعَارَضَةِ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ. فَيَتَجَرَّدُ الْبَاطِنُ مِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ وَإِرَادَةٍ تُعَارِضُ أَمْرَهُ، وَمِنْ كُلِّ إِرَادَةِ تُعَارِضُ إِرَادَتَهُ. وَمِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُعَارِضُ خَبَرَهُ. وَمِنْ كُلِّ مَحَبَّةٍ تُزَاحِمُ مَحَبَّتَهُ. وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الْقَلْبِ السَّلِيمِ الَّذِي لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِهِ. وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ تَجْرِيدِ الْأَبْرَارِ الْمُقَرَّبِينَ الْعَارِفِينَ. وَكُلُّ تَجْرِيدٍ سِوَى هَذَا فَنَاقِصٌ. وَهَذَا تَجْرِيدُ أَرْبَابِ الْعَزَائِمِ.
ثُمَّ بَيَّنَ الشَّيْخُ سَبَبَ الْمُعَارَضَةِ، وَبِمَاذَا يَرْفُضُهَا الْعَبْدُ. فَقَالَ: بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ. فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ تَتَوَلَّدُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ.
وَالِاعْتِرَاضُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ سَارِيَةٌ فِي النَّاسِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهَا.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِالشُّبَهِ الْبَاطِلَةِ، الَّتِي يُسَمِّيهَا أَرْبَابُهَا قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً. وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَيَالَاتٌ جَهْلِيَّةٌ، وَمُحَالَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ، اعْتَرَضُوا بِهَا عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عز وجل. وَحَكَمُوا بِهَا عَلَيْهِ. وَنَفَوْا لِأَجَلِّهَا مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. وَأَثْبَتُوا مَا نَفَاهُ، وَوَالَوْا بِهَا أَعْدَاءَهُ. وَعَادَوْا بِهَا أَوْلِيَاءَهُ. وَحَرَّفُوا بِهَا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَنَسُوا بِهَا نَصِيبًا كَثِيرًا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَتَقَطَّعُوا لَهَا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
وَالْعَاصِمُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ التَّسْلِيمُ الْمَحْضُ لِلْوَحْيِ. فَإِذَا سَلَّمَ الْقَلْبُ لَهُ رَأَى صِحَّةَ مَا جَاءَ بِهِ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ. فَاجْتَمَعَ لَهُ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ. وَهَذَا أَكْمَلُ الْإِيمَانِ. لَيْسَ كَمَنِ الْحَرْبُ قَائِمٌ بَيْنَ سَمْعِهِ وَعَقْلِهِ وَفِطْرَتِهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الِاعْتِرَاضُ عَلَى شَرْعِهِ وَأَمْرِهِ. وَأَهْلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: الْمُعْتَرِضُونَ عَلَيْهِ بِآرَائِهِمْ وَأَقْيِسَتِهِمْ، الْمُتَضَمِّنَةِ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَتَحْرِيمَ مَا أَبَاحَهُ، وَإِسْقَاطَ مَا أَوْجَبَهُ، وَإِيجَابَ مَا أَسْقَطَهُ، وَإِبْطَالَ مَا صَحَّحَهُ، وَتَصْحِيحَ مَا أَبْطَلَهُ، وَاعْتِبَارَ مَا أَلْغَاهُ، وَإِلْغَاءَ مَا اعْتَبَرَهُ، وَتَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ، وَإِطْلَاقَ مَا قَيَّدَهُ.
وَهَذِهِ هِيَ الْآرَاءُ وَالْأَقْيِسَةُ الَّتِي اتَّفَقَ السَّلَفُ قَاطِبَةً عَلَى ذَمِّهَا، وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا. وَصَاحُوا عَلَى أَصْحَابِهَا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ. وَحَذَّرُوا مِنْهُمْ، وَنَفَرُوا عَنْهُمْ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الِاعْتِرَاضُ عَلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالشَّرْعِ بِالْأَذْوَاقِ وَالْمَوَاجِيدِ وَالْخَيَالَاتِ، وَالْكُشُوفَاتِ الْبَاطِلَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ شَرَعَ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَإِبْطَالَ دِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَالتَّعَوُّضَ عَنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ بِخُدَعِ الشَّيْطَانِ وَحُظُوظِ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ أَرْبَابَهَا يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْحُظُوظِ. وَكُلُّ مَا هُمْ فِيهِ فَحَظٌّ، وَلَكِنَّ حَظَّهُمْ مُتَضَمِّنٌ مُخَالَفَةَ مُرَادِ اللَّهِ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْ دِينِهِ، وَاعْتِقَادَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ حُظُوظِ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ، الْمُعْتَرِفِينَ بِذَمِّهَا، الْمُسْتَغْفِرِينَ مِنْهَا، الْمُقِرِّينَ بِنَقْصِهِمْ وَعَيْبِهِمْ، وَأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلدِّينِ؟
وَهَؤُلَاءِ فِي حُظُوظٍ اتَّخَذُوهَا دِينًا، وَقَدَّمُوهَا عَلَى شَرْعِ اللَّهِ وَدِينِهِ. وَاغْتَالُوا بِهَا الْقُلُوبَ. وَاقْتَطَعُوهَا عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ. فَتَوَلَّدَ مِنْ مَعْقُولِ أُولَئِكَ، وَآرَاءِ الْآخَرِينَ وَأَقْيِسَتِهِمُ الْبَاطِلَةِ، وَأَذْوَاقِ هَؤُلَاءِ خَرَابُ الْعَالَمِ، وَفَسَادُ الْوُجُودِ، وَهَدْمُ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَكَادَ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَقُومُ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَيُبَيِّنُ مَعَالِمَهُ، وَيَحْمِيهِ مِنْ كَيْدِ مَنْ يَكِيدُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّيَاسَاتِ الْجَائِرَةِ، الَّتِي لِأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ الَّتِي قَدَّمُوهَا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَحَكَمُوا بِهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَعَطَّلُوا لَهَا وَبِهَا شَرْعَهُ وَعَدَلَهُ وَحُدُودَهُ.
فَقَالَ الْأَوَّلُونَ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ : قَدَّمْنَا الْعَقْلَ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِذَا تَعَارَضَ الْأَثَرُ وَالْقِيَاسُ: قَدَّمْنَا الْقِيَاسَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الذَّوْقِ وَالْكَشْفِ وَالْوَجْدِ: إِذَا تَعَارَضَ الذَّوْقُ وَالْوَجْدُ وَالْكَشْفُ وَظَاهِرُ الشَّرْعِ: قَدَّمْنَا الذَّوْقَ وَالْوَجْدَ وَالْكَشْفَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ السِّيَاسَةِ: إِذَا تَعَارَضَتِ السِّيَاسَةُ وَالشَّرْعُ، قَدَّمْنَا السِّيَاسَةَ.
فَجَعَلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ قُبَالَةَ دِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ طَاغُوتًا يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ.
فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَكُمُ النَّقْلُ وَلَنَا الْعَقْلُ. وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ آثَارٍ وَأَخْبَارٍ وَنَحْنُ أَصْحَابُ أَقْيِسَةٍ وَآرَاءٍ وَأَفْكَارٍ. وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: أَنْتُمْ أَرْبَابُ الظَّاهِرِ، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَقَائِقِ. وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ: لَكُمُ الشَّرْعُ وَلَنَا السِّيَاسَةُ. فِيَا لَهَا مِنْ بَلِيَّةٍ، عَمَّتْ فَأَعْمَتْ، وَرَزِيَّةٍ رَمَتْ فَأَصَمَّتْ، وَفِتْنَةٍ دَعَتِ الْقُلُوبَ فَأَجَابَهَا كُلُّ قَلْبٍ مَفْتُونٍ، وَأَهْوِيَةٍ عَصَفَتْ. فَصُمَّتْ مِنْهَا الْآذَانُ، وَعَمِيَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ. عُطِّلَتْ لَهَا - وَاللَّهِ - مَعَالِمُ الْأَحْكَامِ. كَمَا نُفِيَتْ لَهَا صِفَاتُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَاسْتَنَدَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى ظُلْمِ وَظُلُمَاتِ آرَائِهِمْ، وَحَكَمُوا عَلَى اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ بِمَقَالَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَأَهْوَائِهِمْ. وَصَارَ لِأَجْلِهَا الْوَحْيُ عُرْضَةً لِكُلِّ تَحْرِيفٍ وَتَأْوِيلٍ، وَالدِّينُ وَقْفًا عَلَى كُلِّ إِفْسَادٍ وَتَبْدِيلٍ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى أَفْعَالِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. وَهَذَا اعْتِرَاضُ الْجُهَّالِ. وَهُوَ مَا بَيْنَ جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ لَا تُحْصَى.
وَهُوَ سَارٍ فِي النُّفُوسِ سَرَيَانَ الْحُمَّى فِي بَدَنِ الْمَحْمُومِ. وَلَوْ تَأَمَّلَ الْعَبْدُ كَلَامَهُ وَأُمْنِيَتَهُ وَإِرَادَتَهُ وَأَحْوَالَهُ، لَرَأَى ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ عَيَانًا، فَكُلُّ نَفْسٍ مُعْتَرِضَةٍ عَلَى قَدَرِ اللَّهِ وَقَسْمِهِ وَأَفْعَالِهِ، إِلَّا نَفْسًا قَدِ اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ، وَعَرَفَتْهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وُصُولُ الْبَشَرِ إِلَيْهَا. فَتِلْكَ حَظُّهَا التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ. وَالرِّضَا كُلُّ الرِّضَاءِ.
وَأَمَّا نَقْضُ رُعُونَةِ التَّعَرُّضِ، فَيُشِيرُ بِهِ إِلَى مَعْنًى آخَرَ، لَا تَتِمُّ الْمُرَاقَبَةُ عِنْدَهُ إِلَّا بِنَقْضِهِ، وَهُوَ إِحْسَاسُ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَخَوَاطِرِهِ وَأَفْكَارِهِ حَالَ الْمُرَاقِبَةِ، وَالْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ تَعَرُّضٌ مِنْهُ، لِحِجَابِ الْحَقِّ لَهُ عَنْ كَمَالِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَبْدِ مَعَ مَدَارِكِهِ وَحَوَاسِّهِ وَمَشَاعِرِهِ، وَأَفْكَارِهِ وَخَوَاطِرِهِ، عِنْدَ الْحُضُورِ وَالْمُشَاهَدَةِ، هُوَ تَعَرُّضٌ لِلْحِجَابِ. فَيَنْبَغِي أَنَّ تَتَخَلَّصَ مُرَاقَبَةُ نَظَرِ الْحَقِّ إِلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ. وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِغْرَاقِ فِي الذِّكْرِ. فَتُذْهَلُ بِهِ عَنْ نَفْسِكَ وَعَمَّا مِنْكَ. لِتَكُونَ بِذَلِكَ مُتَهَيِّئًا مُسْتَعِدًّا لِلْفَنَاءِ عَنْ وُجُودِكَ، وَعَنْ وُجُودِ كُلِّ مَا سِوَى الْمَذْكُورِ سُبْحَانَهُ.
وَهَذَا التَّهَيُّؤُ وَالِاسْتِعْدَادُ: لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَقْضِ تِلْكَ الرُّعُونَةِ. وَالذِّكْرُ يُوجِبُ الْغَيْبَةَ عَنِ الْحِسِّ. فَمَنْ كَانَ ذَاكِرًا لِنَظَرِ الْحَقِّ إِلَيْهِ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ حَدِيثِ نَفْسِهِ وَخَوَاطِرِهِ وَأَفْكَارِهِ: فَقَدْ تَعَرَّضَ وَاسْتَدْعَى عَوَالِمَ نَفْسِهِ، وَاحْتِجَابَ الْمَذْكُورِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْحَقِّ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِيهَا غَيْرُهُ.