الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي لَا يَهُمُّ الْمَرْءَ فِيهَا غَيْرُ نَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ أَوْ أَعَزُّ مِنْهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ الْمَحَبَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فَضْلُ أَهْلِ الذِّكْرِ]
فَصْلٌ
وَالذَّاكِرُونَ: هُمْ أَهْلُ السَّبْقِ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ: سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ. قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» وَالْمُفَرِّدُونَ إِمَّا الْمُوَحِّدُونَ وَإِمَّا الْآحَادُ الْفُرَادَى وَفِي الْمُسْنَدِ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عز وجل» .
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَيَمَنْ عِنْدَهُ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
وَيَكْفِي فِي شَرَفِ الذِّكْرِ: أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِأَهْلِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ: خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ:
آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟ قَالُوا: آللَّهِ مَا أَجْلَسْنَا إِلَّا ذَلِكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنْ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي: أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ» .
«وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» «وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. فَقَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» .
وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: مَجَالِسُ الذِّكْرِ» .
وَقَالَ: «اغْدُوَا وَرُوحُوا وَاذْكُرُوا، مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ عِنْدَهُ; فَإِنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ» وَرَوَى النَّبِيُّ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّيَ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ: «مَثَلُ الَّذِي
يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُهُ: مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهَ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهَ فِيهِ: مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» فَجَعَلَ بَيْتَ الذَّاكِرِ بِمَنْزِلَةِ بَيْتِ الْحَيِّ وَبَيْتَ الْغَافِلِ بِمَنْزِلَةِ بَيْتِ الْمَيِّتِ وَهُوَ الْقَبْرُ.
وَفِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ: جَعَلَ الذَّاكِرَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيِّ وَالْغَافِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، فَتَضَمَّنَ اللَّفْظَانِ: أَنَّ الْقَلْبَ الذَّاكِرَ كَالْحَيِّ فِي بُيُوتِ الْأَحْيَاءِ، وَالْغَافِلَ كَالْمَيِّتِ فِي بُيُوتِ الْأَمْوَاتِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبْدَانَ الْغَافِلِينَ قُبُورٌ لِقُلُوبِهِمْ وَقُلُوبَهُمْ فِيهَا كَالْأَمْوَاتِ فِي الْقُبُورِ، كَمَا قِيلَ:
فَنِسْيَانُ ذِكْرِ اللَّهِ مَوْتُ قُلُوبِهِمْ
…
وَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ
…
وَلَيْسَ لَهُمْ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
وَكَمَا قِيلَ:
فَنِسْيَانُ ذِكْرِ اللَّهِ مَوْتُ قُلُوبِهِمْ
…
وَأَجْسَامُهُمْ فَهْيَ الْقُبُورُ الدَّوَارِسُ
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ حَبِيبِهِمْ
…
وَلَكِنَّهَا عِنْدَ الْخَبِيثِ أَوَانِسُ
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى عَبْدِي ذِكْرِي: أَحَبَّنِي وَأَحْبَبْتُهُ» .
وَفِي آخَرَ: «فَبِي فَافْرَحُوا وَبِذِكْرِي فَتَنَعَّمُوا» .
وَفِي الصَّحِيحِ فِي الْأَثَرِ الَّذِي يَرْوِيهِ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ رَبِّهِ تبارك وتعالى: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الذِّكْرِ نَحْوَ مِائَةِ فَائِدَةٍ فِي كِتَابِنَا " الْوَابِلُ الصَّيِّبُ وَرَافِعُ الْكَلِمِ الطَّيِّبُ "