المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي] - مدارج السالكين - ط الكتاب العربي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِخْبَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الزُّهْدِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الزُّهْدِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي الزُّهْدِ]

- ‌[فَصْلٌ الزُّهْدُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَامَّةِ وَلِلْمُرِيدِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الزُّهْدِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الزُّهْدُ فِي الشُّبْهَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الزُّهْدُ فِي الْفُضُولِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الزُّهْدُ فِي الزُّهْدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْوَرَعِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوَرَعِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلْوَرَعِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْوَرَعِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَجَنُّبُ الْقَبَائِحِ لِصَوْنِ النَّفْسِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ حِفْظُ الْحُدُودِ عِنْدَ مَالَا بَأْسَ بِهِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ التَّوَرُّعُ عَنْ كُلِّ دَاعِيَةٍ تَدْعُو إِلَى شَتَاتِ الْوَقْتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَوْفُ يُثْمِرُ الْوَرَعَ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّبَتُّلِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّبَتُّلِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّبَتُّلِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَجْرِيدُ الِانْقِطَاعِ عَنِ الْحُظُوظِ وَاللُّحُوظِ إِلَى الْعَالَمِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَجْرِيدُ الِانْقِطَاعِ عَنِ التَّعْرِيجِ عَلَى النَّفْسِ بِمُجَانَبَةِ الْهَوَى]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَجْرِيدُ الِانْقِطَاعِ إِلَى السَّبْقِ بِتَصْحِيحِ الِاسْتِقَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرَّجَاءِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الرَّجَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مُنَاقَشَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي تَعْرِيفِهِ لِلرَّجَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الرَّجَاءِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى رَجَاءٌ يَبْعَثُ الْعَامِلَ عَلَى الِاجْتِهَادِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ رَجَاءُ أَرْبَابِ الرِّيَاضَاتِ أَنْ يَبْلُغُوا مَوْقِفًا تَصْفُو فِيهِ هِمَمُهُمْ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ رَجَاءُ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرَّغْبَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّغْبَةِ وَالرَّجَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الرَّغْبَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى رَغْبَةُ أَهْلِ الْخَبَرِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ رَغْبَةُ أَرْبَابِ الْحَالِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ رَغْبَةُ أَهْلِ الشُّهُودِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرِّعَايَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الرِّعَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الرِّعَايَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى رِعَايَةُ الْأَعْمَالِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ رِعَايَةُ الْأَحْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ رِعَايَةُ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُرَاقَبَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُرَاقَبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْمُرَاقَبَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ تَعَالَى فِي السَّيْرِ إِلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُرَاقَبَةُ نَظَرِ الْحَقِّ بِرَفْضِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُرَاقَبَةُ الْأَزَلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ]

- ‌[مَا هِيَ حُرُمَاتُ اللَّهِ]

- ‌[دَرَجَاتُ حُرُمَاتِ اللَّهِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ إِجْرَاءُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ صِيَانَةُ الِانْبِسَاطِ وَالسُّرُورِ وَالشُّهُودِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى إِخْرَاجُ رُؤْيَةِ الْعَمَلِ عَنِ الْعَمَلِ وَالْخَلَاصُ مِنْ طَلَبِ الْعِوَضِ عَلَى الْعَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الْخَجَلُ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ بِالْخَلَاصِ مِنَ الْعَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ تَوْحِيدُ الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّهْذِيبِ وَالتَّصْفِيَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّهْذِيبِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّهْذِيبِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَهْذِيبُ الْخِدْمَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَهْذِيبُ الْحَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَهْذِيبُ الْقَصْدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الِاسْتِقَامَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الِاسْتِقَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ]

- ‌[فَصْلٌ تَشْبِيهُ الِاسْتِقَامَةِ لِلْحَالِ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الِاسْتِقَامَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الِاقْتِصَادِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِقَامَةُ الْأَحْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِقَامَةٌ بِتَرْكِ رُؤْيَةِ الِاسْتِقَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّوَكُّلِ]

- ‌[التَّوَكُّلِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَعْنَى التَّوَكُّلِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ مُرَكَّبَةٌ فِي أُمُورٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُولَى مَعْرِفَةُ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ إِثْبَاتٌ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي مَقَامِ تَوْحِيدِ التَّوَكُّلِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الرَّابِعَةُ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ وَاسْتِنَادُهُ إِلَيْهِ وَسُكُونُهُ إِلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الْخَامِسَةُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ عز وجل]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ السَّادِسَةُ اسْتِسْلَامُ الْقَلْبِ لِلَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ السَّابِعَةُ التَّفْوِيضُ]

- ‌[فَصْلٌ ثَمَرَةُ التَّوَكُّلِ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِبَاهُ الْمَحْمُودِ الْكَامِلِ بِالْمَذْمُومِ النَّاقِصِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعَلُّقُ التَّوَكُّلِ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى]

- ‌[فَصْلٌ الْمُتَوَكِّلُ الْمَغْبُونُ فِي تَوَكُّلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِمَعْنَى التَّوَكُّلِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ التَّوَكُّلِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى التَّوَكُّلُ مَعَ الطَّلَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ التَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ التَّوَكُّلُ مَعَ مَعْرِفَةِ التَّوَكُّلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّفْوِيضِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّفْوِيضِ]

- ‌[التَّفْوِيضُ أَعَمُّ مِنَ التَّوَكُّلِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّفْوِيضِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ قَبْلَ عَمَلِهِ اسْتِطَاعَةً]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُعَايَنَةُ الِاضْطِرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ شُهُودُ انْفِرَادِ الْحَقِّ بِمِلْكِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[حَقِيقَةُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى دَرَجَةُ الْإِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ دَرَجَةُ الْأَمْنِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُعَايَنَةُ أَزَلِيَّةِ الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّسْلِيمِ]

- ‌[أَنْوَاعُ مُنَزَّلَةِ التَّسْلِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّسْلِيمُ الصَّادِرُ عَنِ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّسْلِيمِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَسْلِيمُ مَا يُزَاحِمُ الْعُقُولَ مِمَّا سَبَقَ عَلَى الْأَوْهَامِ مِنَ الْغَيْبِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَسْلِيمُ الْعِلْمِ إِلَى الْحَالِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَسْلِيمُ مَا دُونُ الْحَقِّ إِلَى الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصَّبْرِ]

- ‌[الصَّبْرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الصَّبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الصَّبْرِ]

- ‌[الصَّبْرُ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَمَعَ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبْرُ أَصْعَبُ الْمَنَازِلِ عَلَى الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الصَّبْرِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الصَّبْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الصَّبْرُ فِي الْبَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ صَبْرُ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الرِّضَا]

- ‌[حَقِيقَةُ الرِّضَا]

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ الرِّضَا]

- ‌[فَصْلٌ الدُّخُولُ فِي الرِّضَا شَرْطٌ فِي رُجُوعِ النَّفْسِ إِلَى رَبِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الرِّضَا]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى رِضَا الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الرِّضَا بِرِضَا اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الشُّكْرِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٍ أَصْلُ الشُّكْرِ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الشُّكْرِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الشُّكْرُ عَلَى الْمَحَابِّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الشُّكْرُ فِي الْمَكَارِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الْعَبْدُ إِلَّا الْمُنْعِمَ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْحَيَاءِ]

- ‌[الْحَيَاءُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْحَيَاءِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاءُ أَوَّلُ مَدَارِجِ أَهْلِ الْخُصُوصِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْحَيَاءِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى حَيَاءٌ يَتَوَلَّدُ مِنْ عِلْمِ الْعَبْدِ بِنَظَرِ الْحَقِّ إِلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ حَيَاءٌ يَتَوَلَّدُ مِنَ النَّظَرِ فِي عِلْمِ الْقُرْبِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ حَيَاءٌ يَتَوَلَّدُ مِنْ شُهُودِ الْحَضْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الصِّدْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَلِمَاتٍ فِي حَقِيقَةِ الصِّدْقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الصِّدْقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الصِّدْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى صِدْقُ الْقَصْدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَتَمَنَّى الْحَيَاةَ إِلَّا لِلْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الصِّدْقُ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِيثَارِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْإِيثَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْجُودِ]

- ‌[فَصْلٌ مَعْنَى الْإِيثَارِ وَالْأَثَرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْإِيثَارِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى أَنْ تُؤْثِرَ الْخَلْقَ عَلَى نَفْسِكَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ إِيثَارُ رِضَا اللَّهِ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ إِيثَارُ إِيثَارِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْخُلُقِ]

- ‌[الْخُلُقُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ]

- ‌[فَصْلٌ تَغْيِيرُ الْأَخْلَاقِ الَّتِي طُبِعَتِ النُّفُوسُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَعْنَى الْخُلُقِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْخَلْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَ الْخَلْقِ]

- ‌[مَشَاهِدُ الْعَبْدِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ أَذَى الْخَلْقِ]

- ‌[الْمَشْهَدُ الْأَوَّلُ مَشْهَدُ الْقَدَرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الثَّانِي مَشْهَدُ الصَّبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الثَّالِثُ مَشْهَدُ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الرَّابِعُ مَشْهَدُ الرِّضَا]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الْخَامِسُ مَشْهَدُ الْإِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ السَّادِسُ مَشْهَدُ السَّلَامَةِ وَبَرْدِ الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ السَّابِعُ مَشْهَدُ الْأَمْنِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الثَّامِنُ مَشْهَدُ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ التَّاسِعُ مَشْهَدُ النِّعْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الْعَاشِرُ مَشْهَدُ الْأُسْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الْحَادِيَ عَشَرَ مَشْهَدُ التَّوْحِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَحْسِينُ خُلُقِكَ مَعَ الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ التَّخَلُّقُ بِتَصْفِيَةِ الْخُلُقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَارُ حُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّوَاضِعِ]

- ‌[التَّوَاضُعُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمُّ الْكِبْرِ وَالْحِرْصِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ التَّوَاضُعِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّوَاضُعِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى التَّوَاضُعُ لِلدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَرْضَى بِمَا رَضِيَ الْحَقُّ بِهِ لِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ تَتَّضِعَ لِلْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْفُتُوَّةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْفُتُوَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْفُتُوَّةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْفُتُوَّةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَرْكُ الْخُصُومَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيكَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ فِي السَّيْرِ بِدَلِيلٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُرُوءَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْبَسْطِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْبَسْطِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْبَسْطِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الِانْبِسَاطُ مَعَ الْخَلْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الِانْبِسَاطُ مَعَ الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْعَزْمِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْعَزْمِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْعَزْمِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى إِبَاءُ الْحَالِ عَلَى الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الِاسْتِغْرَاقُ فِي لَوَائِحِ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةُ الْعَزْمِ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْعَزْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِرَادَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْإِرَادَةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْإِرَادَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى ذَهَابٌ عَنِ الْعَادَاتِ بِصِحَّةِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تُقْطَعُ بِصُحْبَةِ الْحَالِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ ذُهُولٌ مَعَ صُحْبَةِ الِاسْتِقَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْأَدَبِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْأَدَبِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْأَدَبِ]

- ‌[فَصْلٌ وَصْفٌ لِأَدَبِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ الْأَدَبُ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَدَبُ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ الْأَدَبُ مَعَ الْخَلْقِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الْأَدَبِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْأَدَبِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مَنْعُ الْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الْخُرُوجُ عَنِ الْخَوْفِ إِلَى مَيْدَانِ الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةُ الْأَدَبِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْيَقِينِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْيَقِينِ وَالْأَقْوَالُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلْيَقِينِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْيَقِينِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى عِلْمُ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ عَيْنُ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ حَقُّ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْأُنْسِ بِاللَّهِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْأُنْسِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْأُنْسِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأَوْلَى الْأُنْسُ بِالشَّوَاهِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الْأُنْسُ بِنُورِ الْكَشْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ أُنْسُ اضْمِحْلَالٍ فِي شُهُودِ الْحَضْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةِ الذِّكْرِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الذِّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْجُهُ الذِّكْرِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[تَفْصِيلُ أَوْجُهِ الذِّكْرِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فَضْلُ أَهْلِ الذِّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الذِّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الذِّكْرِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الذِّكْرُ الظَّاهِرُ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الذِّكْرُ الْخَفِيُّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الذِّكْرُ الْحَقِيقِيُّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْفَقْرِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْفَقْرِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْفَقْرِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْفَقْرِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى فَقْرُ الزُّهَّادِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الرُّجُوعُ إِلَى السَّبْقِ بِمُطَالَعَةِ الْفَضْلِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الِاضْطِرَارُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْغِنَى]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغِنَى]

- ‌[دَرَجَاتُ الْغِنَى]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى غِنَى الْقَلْبِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غِنَى النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْغِنَى بِالْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُرَادِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُرَادِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْمُرَادِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْمُرَادِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الْأُولَى أَنْ يَعْصِمَ الْعَبْدَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَضَعَ عَنِ الْعَبْدِ عَوَارِضَ النَّقْصِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ اجْتِبَاءُ الْحَقِّ عَبْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْإِحْسَانِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْإِحْسَانِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأَوْلَى الْإِحْسَانُ فِي الْقَصْدِ بِتَهْذِيبِهِ عِلْمًا]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الْإِحْسَانُ فِي الْأَحْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْإِحْسَانُ فِي الْوَقْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْعِلْمِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْعِلْمِ وَالْأَقْوَالِ فِيهِ]

- ‌[شَرَفُ الْعِلْمِ وَفَضْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْعِلْمِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْعِلْمِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى عِلْمٌ جَلِيٌّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ عِلْمٌ خَفِيٌّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ عِلْمٌ لَدُنِّيٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْحِكْمَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى أَنْ تُعْطِيَ كُلَّ شَيْءٍ حَقَّهُ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَشْهَدَ نَظَرَ اللَّهِ فِي وَعْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ تَبْلُغَ فِي اسْتِدْلَالِكَ الْبَصِيرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[الْأُولَى الْفِرَاسَةُ الْإِيمَانِيَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِيَةُ فِرَاسَةُ الرِّيَاضَةِ وَالْجُوعِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثَةُ الْفِرَاسَةُ الْخَلْقِيَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى فِرَاسَةٌ طَارِئَةٌ نَادِرَةٌ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ فِرَاسَةٌ تُجْنَى عَنْ غَرْسِ الْإِيمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ فِرَاسَةٌ سَرِيَّةٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّعْظِيمِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّعْظِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ التَّعْظِيمِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَعْظِيمُ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَعْظِيمُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ]

- ‌[مَنْزِلَةُ الْإِلْهَامِ وَالْإِفْهَامِ وَالْوَحْيِ وَالتَّحْدِيثِ وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ]

- ‌[السَّكِينَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ السَّكِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ السَّكِينَةِ]

- ‌[السَّكِينَةُ الْأُولَى سَكِينَةُ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ السَّكِينَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُحَدَّثِينَ]

- ‌[فَصْلٌ السَّكِينَةُ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ السَّكِينَةُ يَسْكُنُ إِلَيْهَا الْعِصِيُّ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ سَكِينَةِ الْوَقَارِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى سَكِينَةُ الْخُشُوعِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ السَّكِينَةُ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ بِمُحَاسَبَةِ النُّفُوسِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ السَّكِينَةُ الَّتِي تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الطُّمَأْنِينَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الطُّمَأْنِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْرِيفُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلطُّمَأْنِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الطُّمَأْنِينَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ بِذِكْرِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ طُمَأْنِينَةُ الرُّوحِ فِي الْقَصْدِ إِلَى الْكَشْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ طُمَأْنِينَةُ شُهُودِ الْحَضْرَةِ إِلَى اللُّطْفِ]

- ‌[فَصْلٌ طُمَأْنِينَةُ الْجَمْعِ إِلَى الْبَقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ طُمَأْنِينَةُ الْمَقَامِ إِلَى نُورِ الْأَزَلِ]

الفصل: ‌[الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي]

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ]

[مَا هِيَ حُرُمَاتُ اللَّهِ]

وَمِنْ مَنَازِلِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ عز وجل

قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: حُرُمَاتُ اللَّهِ هَاهُنَا مَغَاضِبُهُ، وَمَا نَهَى عَنْهُ، وَتَعْظِيمُهَا تَرْكُ مُلَابَسَتِهَا. قَالَ اللَّيْثُ: حُرُمَاتُ اللَّهِ: مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: الْحُرُمَاتُ: هِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْحُرْمَةُ مَا وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ، وَحَرُمَ التَّفْرِيطُ فِيهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْحُرُمَاتُ هَاهُنَا الْمَنَاسِكُ، وَمَشَاعِرُ الْحَجِّ زَمَانًا وَمَكَانًا.

وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْحُرُمَاتِ تَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ. وَهِيَ جَمْعُ حُرْمَةٍ وَهِيَ مَا يَجِبُ احْتِرَامُهُ، وَحِفْظُهُ مِنَ الْحُقُوقِ، وَالْأَشْخَاصِ، وَالْأَزْمِنَةِ، وَالْأَمَاكِنِ، فَتَعْظِيمُهَا تَوْفِيَتُهَا حَقَّهَا، وَحِفْظُهَا مِنَ الْإِضَاعَةِ.

قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ":

الْحُرْمَةُ: هِيَ التَّحَرُّجُ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَالْمُجَاسَرَاتِ.

التَّحَرُّجُ: الْخُرُوجُ مِنْ حَرَجِ الْمُخَالَفَةِ. وَبِنَاءُ " تَفَعَّلَ " يَكُونُ لِلدُّخُولِ فِي الشَّيْءِ. كَتَمَنَّى إِذَا دَخَلَ فِي الْأُمْنِيَّةِ، وَتَوَلَّجَ فِي الْأَمْرِ دَخَلَ فِيهِ، وَنَحْوِهِ. وَلِلْخُرُوجِ مِنْهُ، كَتَخَرَّجَ وَتَحَوَّبَ وَتَأَثَّمَ، إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَجِ. وَالْحُوبُ هُوَ الْإِثْمُ.

أَرَادَ أَنَّ الْحُرْمَةَ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ حَرَجِ الْمُخَالَفَةِ، وَجَسَارَةِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا. وَلَمَّا كَانَ الْمُخَالِفُ قِسْمَيْنِ جَاسِرًا وَهَائِبًا. قَالَ: عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَالْمُجَاسَرَاتِ.

[دَرَجَاتُ حُرُمَاتِ اللَّهِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ]

قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَا خَوْفًا مِنَ الْعُقُوبَةِ، فَتَكُونُ خُصُومَةً لِلنَّفْسِ، وَلَا طَلَبًا لِلْمَثُوبَةِ. فَيَكُونُ مُسْتَشْرِفًا لِلْأُجْرَةِ، وَلَا

ص: 73

مُشَاهِدًا لِأَحَدٍ. فَيَكُونُ مُتَزَيِّنًا بِالْمُرَاءَاةِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ عِبَادَةِ النَّفْسِ.

هَذَا الْمَوْضِعُ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الْقَوْمِ. وَالنَّاسُ بَيْنَ مُعَظِّمٍ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، مُعْتَقِدٍ أَنَّ هَذَا أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعُبُودِيَّةِ: أَنْ لَا يَعْبُدَ اللَّهَ وَيَقُومَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ، وَلَا طَمَعًا فِي ثَوَابِهِ. فَإِنَّ هَذَا وَاقِفٌ مَعَ غَرَضِهِ وَحَظِّ نَفْسِهِ. وَأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَأْبَى ذَلِكَ. فَإِنَّ الْمُحِبَّ لَا حَظَّ لَهُ مَعَ مَحْبُوبِهِ. فَوُقُوفُهُ مَعَ حَظِّهِ عِلَّةٌ فِي مَحَبَّتِهِ، وَأَنَّ طَمَعَهُ فِي الثَّوَابِ تَطَلُّعٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِعَمَلِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أُجْرَةً. فَفِي هَذَا آفَتَانِ: تَطَلُّعُهُ إِلَى الْأُجْرَةِ، وَإِحْسَانُ ظَنِّهِ بِعَمَلِهِ؛ إِذْ تَطَلُّعُهُ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْأَجْرَ، وَخَوْفُهُ مِنَ الْعِقَابِ: خُصُومَةٌ لِلنَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يُخَاصِمُهَا إِذَا خَالَفَتْ. وَيَقُولُ: أَمَا تَخَافِينَ النَّارَ، وَعَذَابَهَا، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا؟ فَلَا تَزَالُ الْخُصُومَةُ بِذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.

وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا: وَهُوَ أَنَّهُ كَالْمُخَاصِمِ عَنْ نَفْسِهِ، الدَّافِعِ عَنْهَا خَصْمَهُ الَّذِي يُرِيدُ هَلَاكَهُ، وَهُوَ عَيْنُ الِاهْتِمَامِ بِالنَّفْسِ، وَالِالْتِفَاتِ إِلَى حُظُوظِهَا، مُخَاصَمَةً عَنْهَا، وَاسْتِدْعَاءً لِمَا تَلْتَذُّ بِهِ.

وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنْ هَذِهِ الْمُخَاصَمَةِ، وَذَلِكَ الِاسْتِشْرَافِ إِلَّا تَجْرِيدُ الْقِيَامِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ كُلِّ عِلَّةٍ. بَلْ يَقُومُ بِهِ تَعْظِيمًا لِلْآمِرِ النَّاهِي. وَأَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُعْبَدَ، وَتُعَظَّمَ حُرُمَاتُهُ. فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَالتَّعْظِيمَ وَالْإِجْلَالَ لِذَاتِهِ، كَمَا فِي الْأَثَرِ الْإِسْرَائِيلِيِّ: لَوْ لَمْ أَخْلُقْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، أَمَا كُنْتُ أَهْلًا أَنْ أُعْبَدَ؟ .

وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:

هَبِ الْبَعْثَ لَمْ تَأْتِنَا رُسْلُهُ

وَجَاحِمَةَ النَّارِ لَمْ تُضْرَمِ

أَلَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُسْتَحَ

قِّ عَلَى ذَوِي الْوَرَى الشُّكْرُ لِلْمُنْعِمِ؟

فَالنُّفُوسُ الْعَلِيَّةُ الزَّكِيَّةُ تَعْبُدُهُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُعْبَدَ، وَيُجَلَّ وَيُحَبَّ وَيُعَظَّمَ. فَهُوَ لِذَاتِهِ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ. قَالُوا: وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ كَأَجِيرِ السُّوءِ. إِنْ أُعْطِيَ أَجْرَهُ عَمِلَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَعْمَلْ. فَهَذَا عَبْدُ الْأُجْرَةِ لَا عَبْدُ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ.

قَالُوا: وَالْعُمَّالُ شَاخِصُونَ إِلَى مَنْزِلَتَيْنِ: مَنْزِلَةِ الْآخِرَةِ، وَمَنْزِلَةِ الْقُرْبِ مِنَ الْمُطَاعِ.

ص: 74

قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ نَبِيِّهِ دَاوُدَ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] .

فَالزُّلْفَى مَنْزِلَةُ الْقُرْبِ، وَحُسْنُ الْمَآبِ حُسْنُ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ. وَقَالَ تَعَالَى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وَالْحُسْنَى: الْجَزَاءُ. وَالزِّيَادَةُ: مَنْزِلَةُ الْقُرْبِ. وَلِهَذَا فُسِّرَتْ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عز وجل. وَهَذَانِ هُمَا اللَّذَانِ وَعَدَهُمَا فِرْعَوْنُ لِلسَّحَرَةِ إِنْ غَلَبُوا مُوسَى، فَقَالُوا لَهُ:{إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف: 113]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72] .

قَالُوا: وَالْعَارِفُونَ عَمَلُهُمْ عَلَى الْمَنْزِلَةِ وَالدَّرَجَةِ. وَالْعُمَّالُ عَمَلُهُمْ عَلَى الثَّوَابِ وَالْأُجْرَةِ. وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا.

فَصْلٌ:

وَطَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ تَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ شَطَحَاتِ الْقَوْمِ وَرَعُونَاتِهِمْ. وَتَحْتَجُّ بِأَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالصِّدِّيقِينَ، وَدُعَائِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِخَوْفِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَرَجَائِهِمْ لِلْجَنَّةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ خَوَاصِّ عِبَادِهِ الَّذِينَ عَبَدَهُمُ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَقَالَ عَنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ} [الأنبياء: 89]- إِلَى أَنْ قَالَ - {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] . أَيْ رَغَبًا فِيمَا عِنْدَنَا، وَرَهَبًا مِنْ عَذَابِنَا. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:" إِنَّهُمْ " عَائِدٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ.

وَالرَّغَبُ وَالرَّهَبُ: رَجَاءُ الرَّحْمَةِ، وَالْخَوْفُ مِنَ النَّارِ عِنْدَهُمْ أَجْمَعِينَ.

وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ هُمْ خَوَاصُّ خَلْقِهِ. وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ. وَجَعَلَ مِنْهَا: اسْتِعَاذَتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا - إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65 - 66] . وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ: أَنَّهُمْ تَوَسَّلُوا إِلَيْهِ بِإِيمَانِهِمْ أَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنَ النَّارِ. فَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]

ص: 75

فَجَعَلُوا أَعْظَمَ وَسَائِلِهِمْ إِلَيْهِ: وَسِيلَةَ الْإِيمَانِ، وَأَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنَ النَّارِ.

وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ سَادَاتِ الْعَارِفِينَ أُولِي الْأَلْبَابِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ جَنَّتَهُ. وَيَتَعَوَّذُونَ بِهِ مِنْ نَارِهِ. فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِهَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَوْعُودَ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ: هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي سَأَلُوهَا.

وَقَالَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ - رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 82 - 83] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ - يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87 - 89] . فَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنَ النَّارِ. وَهُوَ الْخِزْيُ يَوْمَ الْبَعْثِ.

وَأَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ عَنِ الْجَنَّةِ: أَنَّهَا كَانَتْ وَعْدًا عَلَيْهِ مَسْئُولًا؛ أَيْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهَا عِبَادُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ.

وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ: أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ فِي وَقْتِ الْإِجَابَةِ - عُقَيْبَ الْأَذَانِ - أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. وَأَخْبَرَ: أَنَّ مَنْ سَأَلَهَا لَهُ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتُهُ.

ص: 76

«وَقَالَ لَهُ سُلَيْمٌ الْأَنْصَارِيُّ: أَمَّا إِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَسْتَعِيذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَنَا وَمُعَاذٌ حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ» .

وَفِي الصَّحِيحِ - فِي حَدِيثِ الْمَلَائِكَةِ السَّيَّارَةِ الْفُضَّلِ عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْأَلُهُمْ عَنْ عِبَادِهِ - وَهُوَ أَعْلَمُ تبارك وتعالى فَيَقُولُونَ: «أَتَيْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ يُهَلِّلُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ، فَيَقُولُ عز وجل: وَهَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا يَا رَبِّ. مَا رَأَوْكَ. فَيَقُولُ عز وجل: كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا لَكَ أَشَدَّ تَمْجِيدًا. قَالُوا: يَا رَبِّ. وَيَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا وَعِزَّتِكَ مَا رَأَوْهَا. فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا لَهَا أَشَدَّ طَلَبًا. قَالُوا: وَيَسْتَعِيذُونَ بِكَ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ عز وجل: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا وَعِزَّتِكَ مَا رَأَوْهَا. فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبًا. فَيَقُولُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَعَذْتُهُمْ مِمَّا اسْتَعَاذُوا» .

وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى عِبَادِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَرَجَائِهَا، وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ النَّارِ، وَالْخَوْفِ مِنْهَا.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ» . وَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنَّةِ: «أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» .

قَالُوا: وَالْعَمَلُ عَلَى طَلَبِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ أُمَّتِهِ لِيَكُونَا دَائِمًا عَلَى ذِكْرٍ مِنْهُمَا فَلَا يَنْسَوْنَهُمَا. وَلِأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا شَرْطٌ فِي النَّجَاةِ، وَالْعَمَلَ عَلَى حُصُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ هُوَ مَحْضُ الْإِيمَانِ.

قَالُوا: وَقَدْ حَضَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ وَأُمَّتَهُ، فَوَصَفَهَا وَجَلَّاهَا لَهُمْ لِيَخْطُبُوهَا، وَقَالَ: «أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّهَا - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ، وَفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ - الْحَدِيثَ - فَقَالَ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

ص: 77

نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا. فَقَالَ: قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ مَا فِي السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: 32 مَنْ عَمِلِ كَذَا وَكَذَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ تَحْرِيضًا عَلَى عَمَلِهِ لَهَا، وَأَنْ تَكُونَ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعِلْمِ: لَطَالَ ذَلِكَ جِدًّا. وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ.

قَالُوا: فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَمَلُ لِأَجْلِ الثَّوَابِ وَخَوْفِ الْعِقَابِ مَعْلُولًا؟ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّضُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ مَنْ فَعَلَ كَذَا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ وَمَنْ «قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ» . وَ «مَنْ كَسَا مُسْلِمًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ» وَ «عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ» ، وَالْحَدِيثُ مَمْلُوءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ أَفَتَرَاهُ يُحَرِّضُ

ص: 78

الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَطْلَبٍ مَعْلُولٍ نَاقِصٍ، وَيَدَعُ الْمَطْلَبَ الْعَالِي الْبَرِيءَ مِنْ شَوَائِبِ الْعِلَلِ لَا يُحَرِّضُهُمْ عَلَيْهِ؟

قَالُوا: وَأَيْضًا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْأَلُوهُ جَنَّتَهُ، وَيَسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ نَارِهِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ. وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ يَغْضَبْ عَلَيْهِ. وَأَعْظَمُ مَا سُئِلَ الْجَنَّةُ وَأَعْظَمُ مَا اسْتُعِيذَ بِهِ مِنَ النَّارِ.

فَالْعَمَلُ لِطَلَبِ الْجَنَّةِ مَحْبُوبٌ لِلرَّبِّ، مَرْضِيٌّ لَهُ. وَطَلَبُهَا عُبُودِيَّةٌ لِلرَّبِّ. وَالْقِيَامُ بِعُبُودِيَّتِهِ كُلِّهَا أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ بَعْضِهَا.

قَالُوا: وَإِذَا خَلَا الْقَلْبُ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَرَجَاءِ هَذِهِ وَالْهَرَبِ مِنْ هَذِهِ فَتَرَتْ عَزَائِمُهُ، وَضَعُفَتْ هِمَّتُهُ، وَوَهَى بَاعِثُهُ، وَكُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ طَلَبًا لِلْجَنَّةِ، وَعَمَلًا لَهَا كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ أَقْوَى، وَالْهِمَّةُ أَشَدَّ، وَالسَّعْيُ أَتَمَّ. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالذَّوْقِ.

وَقَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَطْلُوبًا لِلشَّارِعِ لَمَا وَصَفَ الْجَنَّةَ لِلْعِبَادِ، وَزَيَّنَهَا لَهُمْ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِمْ. وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ تَفَاصِيلِ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ عُقُولُهُمْ مِنْهَا، وَمَا عَدَاهُ أَخْبَرَهُمْ بِهِ مُجْمَلًا. كُلُّ هَذَا تَشْوِيقًا لَهُمْ إِلَيْهَا، وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى السَّعْيِ لَهَا سَعْيَهَا.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25] . وَهَذَا حَثٌّ عَلَى إِجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا، وَالْمُسَارَعَةِ فِي الْإِجَابَةِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: الْجَنَّةُ لَيْسَتِ اسْمًا لِمُجَرَّدِ الْأَشْجَارِ وَالْفَوَاكِهِ، وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحُورِ الْعِينِ، وَالْأَنْهَارِ وَالْقُصُورِ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَغْلَطُونَ فِي مُسَمَّى الْجَنَّةِ. فَإِنَّ الْجَنَّةَ اسْمٌ لِدَارِ النَّعِيمِ الْمُطَلَّقِ الْكَامِلِ. وَمِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ التَّمَتُّعُ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ، وَسَمَاعُ كَلَامِهِ، وَقُرَّةُ الْعَيْنِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَبِرِضْوَانِهِ. فَلَا نِسْبَةَ لِلَذَّةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالصُّوَرِ، إِلَى هَذِهِ اللَّذَّةِ أَبَدًا. فَأَيْسَرُ يَسِيرٍ مِنْ رِضْوَانِهِ أَكْبَرُ مِنَ الْجِنَانِ وَمَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72] . وَأَتَى بِهِ مُنَكَّرًا فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ؛ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ رِضَاهُ عَنْ عَبْدِهِ: فَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْجَنَّةِ.

قَلِيلٌ مِنْكَ يُقْنِعُنِي وَلَكِنْ

قَلِيلُكَ لَا يُقَالُ لَهُ قَلِيلُ

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ - «فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ

ص: 79

مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ، وَفِي» حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ «إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ، وَرَأَوْا وَجْهَهُ عِيَانًا نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَذَهَلُوا عَنْهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ» . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا. وَهُوَ أَجَلُّ مِمَّا يَخْطُرُ بِالْبَالِ، أَوْ يَدُورُ فِي الْخَيَالِ. وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ فَوْزِ الْمُحِبِّينَ هُنَاكَ بِمَعِيَّةِ الْمُحِبِّ. فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. وَلَا تَخْصِيصَ فِي هَذَا الْحُكْمِ. بَلْ هُوَ ثَابِتٌ شَاهِدًا وَغَائِبًا.

فَأَيُّ نَعِيمٍ، وَأَيُّ لَذَّةٍ، وَأَيُّ قُرَّةِ عَيْنٍ، وَأَيُّ فَوْزٍ يُدَانِي نَعِيمَ تِلْكَ الْمَعِيَّةِ وَلَذَّتَهَا، وَقُرَّةَ الْعَيْنِ بِهَا؟

وَهَلْ فَوْقَ نَعِيمِ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَعِيَّةِ الْمَحْبُوبِ، الَّذِي لَا شَيْءَ أَجَلَّ مِنْهُ، وَلَا أَكْمَلَ وَلَا أَجْمَلَ: قُرَّةُ عَيْنٍ الْبَتَّةَ؟

وَهَذَا - وَاللَّهِ - هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي شَمَّرَ إِلَيْهِ الْمُحِبُّونَ، وَاللِّوَاءُ الَّذِي أَمَّهُ الْعَارِفُونَ. وَهُوَ رُوحُ مُسَمَّى الْجَنَّةِ وَحَيَاتُهَا. وَبِهِ طَابَتِ الْجَنَّةُ، وَعَلَيْهِ قَامَتْ.

فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا يُعْبَدُ اللَّهُ طَلَبًا لِجَنَّتِهِ، وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ؟

وَكَذَلِكَ النَّارُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا، فَإِنَّ لِأَرْبَابِهَا مِنْ عَذَابِ الْحِجَابِ عَنِ اللَّهِ وَإِهَانَتِهِ، وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ، وَالْبُعْدِ عَنْهُ: أَعْظَمَ مِنَ الْتِهَابِ النَّارِ فِي أَجْسَامِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، بَلِ الْتِهَابُ هَذِهِ النَّارِ فِي قُلُوبِهِمْ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْتِهَابَهَا فِي أَبْدَانِهِمْ. وَمِنْهَا سَرَتْ إِلَيْهَا.

فَمَطْلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ هُوَ الْجَنَّةُ. وَمَهْرَبُهُمْ مِنَ النَّارِ.

وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَمَقْصِدُ الْقَوْمِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْبُدُ رَبَّهُ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَالْعَبْدُ إِذَا طَلَبَ مِنْ سَيِّدِهِ أُجْرَةً

ص: 80

عَلَى خِدْمَتِهِ لَهُ كَانَ أَحْمَقَ، سَاقِطًا مِنْ عَيْنِ سَيِّدِهِ، إِنْ لَمْ يَسْتَوْجِبْ عُقُوبَتَهُ. إِذْ عُبُودِيَّتُهُ تَقْتَضِي خِدْمَتَهُ لَهُ. وَإِنَّمَا يَخْدِمُ بِالْأُجْرَةِ مَنْ لَا عُبُودِيَّةَ لِلْمَخْدُومِ عَلَيْهِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُرًّا فِي نَفْسِهِ، أَوْ عَبْدًا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا مَنِ الْخَلْقُ عَبِيدُهُ حَقًّا، وَمِلْكُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَيْسَ فِيهِمْ حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَخِدْمَتُهُمْ لَهُ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، فَاقْتِضَاؤُهُمْ لِلْأُجْرَةِ خُرُوجٌ عَنْ مَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ.

وَهَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا يُقْبَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَهُوَ مَوْضِعُ تَفْصِيلٍ وَتَمْيِيزٍ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ذِكْرُ طُرُقِ الْخَلْقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبَيَّنَّا طَرِيقَ أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ.

فَالنَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهُمْ: مَنْ لَا يُرِيدُ رَبَّهُ وَلَا يُرِيدُ ثَوَابَهُ. فَهَؤُلَاءِ أَعْدَاؤُهُ حَقًّا. وَهُمْ أَهْلُ الْعَذَابِ الدَّائِمِ. وَعَدَمُ إِرَادَتِهِمْ لِثَوَابِهِ إِمَّا لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ بِهِ، وَإِمَّا لِإِيثَارِ الْعَاجِلِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ سَخَطُهُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ يُرِيدُهُ وَيُرِيدُ ثَوَابَهُ، وَهَؤُلَاءِ خَوَاصُّ خَلْقِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] فَهَذَا خِطَابُهُ لِخَيْرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، أَزْوَاجِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]، فَأَخْبَرَ أَنَّ السَّعْيَ الْمَشْكُورَ: سَعْيُ مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ. وَأَصْرَحُ مِنْهَا قَوْلُهُ: لِخَوَاصِّ أَوْلِيَائِهِ - وَهُمْ أَصْحَابُ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُمْ - فِي يَوْمِ أُحُدٍ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152] فَقَسَمَهُمْ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا.

وَقَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ: فَأَيْنَ مَنْ يُرِيدُ اللَّهَ؟ فَإِنَّ إِرَادَةَ الْآخِرَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ. فَإِرَادَةُ الثَّوَابِ لَا تُنَافِي إِرَادَةَ اللَّهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ يُرِيدُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا يُرِيدُ اللَّهَ. فَهَذَا نَاقِصٌ غَايَةَ النَّقْصِ. وَهُوَ حَالُ الْجَاهِلِ بِرَبِّهِ، الَّذِي سَمِعَ: أَنَّ ثَمَّ جَنَّةً وَنَارًا. فَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ غَيْرُ إِرَادَةِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ الْمَخْلُوقِ، لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ سِوَاهُ الْبَتَّةَ. بَلْ هَذَا حَالُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، الْمُنْكِرِينَ رُؤْيَةَ اللَّهِ

ص: 81

تَعَالَى، وَالتَّلَذُّذَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَسَمَاعَ كَلَامِهِ وَحُبَّهُ. وَالْمُنْكِرِينَ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ. وَهُمْ عَبِيدُ الْأُجْرَةِ الْمَحْضَةِ. فَهَؤُلَاءِ لَا يُرِيدُونَ اللَّهَ تَعَالَى.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِأَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ مُحَالٌ.

قَالُوا: لِأَنَّ الْإِرَادَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَادِثِ. فَالْقَدِيمُ لَا يُرَادُ. فَهَؤُلَاءِ مُنْكِرُونَ لِإِرَادَةِ اللَّهِ غَايَةَ الْإِنْكَارِ. وَأَعْلَى الْإِرَادَةِ عِنْدَهُمْ: إِرَادَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ فِي الْجَنَّةِ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ فِي شِقٍّ، وَأُولَئِكَ - الَّذِينَ قَالُوا: لَمْ نَعْبُدْهُ طَلَبًا لِجَنَّتِهِ، وَلَا هَرَبًا مِنْ نَارِهِ - فِي شِقٍّ. وَهُمَا طَرَفَا نَقِيضٍ. بَيْنَهُمَا أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَشْرِقَيْنِ. وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَكْثَفِ النَّاسِ حِجَابًا، وَأَغْلَظِهِمْ طِبَاعًا، وَأَقْسَاهُمْ قُلُوبًا، وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ رُوحِ الْمَحَبَّةِ وَالتَّأَلُّهِ، وَنَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَالْقُلُوبِ. وَهُمْ يُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّلَذُّذِ بِحُبِّهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِلَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ.

وَأُولَئِكَ لَا يَعُدُّونَهُمْ مِنَ الْبَشَرِ إِلَّا بِالصُّورَةِ. وَمَرْتَبَتُهُمْ عِنْدَهُمْ قَرِيبَةٌ مِنْ مَرْتَبَةِ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ. وَهُمْ عِنْدَهُمْ فِي حِجَابٍ كَثِيفٍ عَنْ مَعْرِفَةِ نُفُوسِهِمْ وَكَمَالِهَا، وَمَعْرِفَةِ مَعْبُودِهِمْ وَسِرِّ عُبُودِيَّتِهِ.

وَحَالُ الطَّائِفَتَيْنِ عَجَبٌ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ - وَهُوَ مُحَالٌ -: أَنْ يُرِيدَ اللَّهَ، وَلَا يُرِيدَ مِنْهُ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مَطْلُوبُهُمْ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ فَفِي سَيْرِهِ عِلَّةٌ، وَأَنَّ الْعَارِفَ يَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْمَقَامِ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرَادَهُ، وَلَا يُرِيدُ مِنْهُ شَيْئًا. كَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِي: مَا تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ.

وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ عَيْنُ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ: عَقْلًا وَفِطْرَةً، وَحِسًّا وَشَرْعًا. فَإِنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيِّ. وَإِنَّمَا يَعْرِضُ لَهُ التَّجَرُّدُ عَنْهَا بِالْغَيْبَةِ عَنْ عَقْلِهِ وَحِسِّهِ؛ كَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ. فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ التَّجْرِيدَ عَنْ إِرَادَةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تُزَاحِمُ إِرَادَتُهَا إِرَادَتَهُ. أَفَلَيْسَ صَاحِبُ هَذَا الْمَقَامِ مُرِيدًا لِقُرْبِهِ وَرِضَاهُ، وَدَوَامِ مُرَاقَبَتِهِ، وَالْحُضُورِ مَعَهُ؟ وَأَيُّ إِرَادَةٍ فَوْقَ هَذِهِ؟

نَعَمْ. قَدْ زَهِدَ فِي مُرَادٍ لِمُرَادٍ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ وَأَعْلَى. فَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْإِرَادَةِ. وَإِنَّمَا انْتَقَلَ مِنْ إِرَادَةٍ إِلَى إِرَادَةٍ، وَمِنْ مُرَادٍ إِلَى مُرَادٍ. وَأَمَّا خُلُوُّهُ عَنْ صِفَةِ الْإِرَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ وَحِسِّهِ فَمُحَالٌ.

وَإِنْ حَاكَمَنَا فِي ذَلِكَ مُحَاكِمٌ إِلَى ذَوْقٍ مُصْطَلِمٍ مَأْخُوذٍ عَنْ نَفْسِهِ، فَانٍ عَنْ عَوَالِمِهَا: لَمْ

ص: 82

نُنْكِرْ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذِهِ حَالٌ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ، وَلَا هِيَ غَايَةٌ مَطْلُوبَةٌ لِلسَّالِكِينَ، وَلَا مَقْدُورَةٌ لِلْبَشَرِ، وَلَا مَأْمُورٌ بِهَا، وَلَا هِيَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ. فَيُؤْمَرُ بِاكْتِسَابِ أَسْبَابِهَا. فَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

قَوْلُهُ: وَلَا مُشَاهِدًا لِأَحَدٍ. فَيَكُونُ مُتَزَيِّنًا بِالْمُرَاءَاةِ.

هَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ أَيْضًا. وَهُوَ أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ فِي الْعَمَلِ لِغَيْرِ اللَّهِ نَوْعَانِ.

مُشَاهَدَةٌ تَبْعَثُ عَلَيْهِ، أَوْ تُقَوِّي بَاعِثَهُ. فَهَذِهِ مُرَاءَاةٌ خَالِصَةٌ أَوْ مَشُوبَةٌ. كَمَا أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ الْقَاطِعَةَ عَنْهُ أَيْضًا مِنَ الْآفَاتِ وَالْحُجُبِ.

وَمُشَاهَدَةٌ لَا تَبْعَثُ عَلَيْهِ وَلَا تُعِينُ الْبَاعِثَ. بَلْ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ وُجُودِهَا وَعَدَمِهَا. فَهَذِهِ لَا تُدْخِلُهُ فِي التَّزَيُّنِ بِالْمُرَاءَاةِ. وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي هَذِهِ الْمُشَاهَدَةِ:

إِمَّا حِفْظًا وَرِعَايَةً، كَمُشَاهَدَةِ مَرِيضٍ، أَوْ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَكَةٍ يَخَافُ وُقُوعَهُ فِيهَا.

أَوْ مُشَاهَدَةِ عَدُوٍّ يَخَافُ هُجُومَهُ كَصَلَاةِ الْخَوْفِ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ.

أَوْ مُشَاهَدَةُ نَاظِرٍ إِلَيْكَ يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْكَ، فَتَكُونُ مُحْسِنًا إِلَيْهِ بِالتَّعْلِيمِ، وَإِلَى نَفْسِكَ بِالْإِخْلَاصِ. أَوْ قَصْدًا مِنْكَ لِلِاقْتِدَاءِ، وَتَعْرِيفِ الْجَاهِلِ.

فَهَذَا رِيَاءٌ مَحْمُودٌ. وَاللَّهُ عِنْدَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَقَصْدِهِ.

فَالرِّيَاءُ الْمَذْمُومُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ قَصْدَ التَّعْظِيمِ وَالْمَدْحِ، وَالرَّغْبَةَ فِيمَا عِنْدَ مَنْ تُرَائِيهِ، أَوِ الرَّهْبَةَ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ - مِنْ قَصْدِ رِعَايَتِهِ، أَوْ تَعْلِيمِهِ، أَوْ إِظْهَارِ السُّنَّةِ، وَمُلَاحَظَةِ هُجُومِ الْعَدُوِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَشَاهِدِ رِيَاءٌ، بَلْ قَدْ يَتَصَدَّقُ الْعَبْدُ رِيَاءً مَثَلًا، وَتَكُونُ صَدَقَتُهُ فَوْقَ صَدَقَةِ صَاحِبِ السِّرِّ.

مِثَالُ ذَلِكَ: رَجُلٌ مَضْرُورٌ، سَأَلَ قَوْمًا مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَعَلِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ إِنْ أَعْطَاهُ سِرًّا، حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ أَحَدٌ. وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ سِوَى تِلْكَ الْعَطِيَّةِ، وَأَنَّهُ إِنْ أَعْطَاهُ جَهْرًا اقْتُدِيَ بِهِ وَاتُّبِعَ، وَأَنِفَ الْحَاضِرُونَ مِنْ تَفَرُّدِهِ عَنْهُمْ بِالْعَطِيَّةِ. فَجَهَرَ لَهُ بِالْعَطَاءِ. وَكَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى الْجَهْرِ إِرَادَةَ سَعَةِ الْعَطَاءِ عَلَيْهِ مِنَ الْحَاضِرِينَ. فَهَذِهِ مُرَاءَاةٌ مَحْمُودَةٌ؛ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا قَصْدَ التَّعْظِيمِ وَالثَّنَاءِ. وَصَاحِبُهَا جَدِيرٌ بِأَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِ أُولَئِكَ الْمُعْطِينَ.

قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ عِبَادَةِ النَّفْسِ.

يَعْنِي أَنَّ الْخَائِفَ يَشْتَغِلُ بِحِفْظِ نَفْسِهِ مِنَ الْعَذَابِ. فَفِيهِ عِبَادَةٌ لِنَفْسِهِ؛ إِذْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ

ص: 83