الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوى منهم وأشد بطشا فما أعجزوا الله ولم يجدوا لهم منه مخلصا ومهربا في الأرض. وفي هذا الذي يعرفه السامعون عظة وعبرة لمن حسنت سريرته وطابت نيته ورغب في النجاة.
وفي الآية الثانية تقرير بأسلوب جديد لقابلية الاختيار في الإنسان كما هو المتبادر.
[سورة ق (50) : الآيات 38 الى 45]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)
. (1) لغوب: تعب.
(2)
أدبار السجود: عقب السجود.
(3)
جبار: هنا بمعنى مسيطر وقاهر أو مجبر.
يروي الطبري والبغوي في صدد نزول الآيتين [38 و 39] أنهما نزلتا في موقف جدلي بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود حيث روى الطبري عن أبي بكر قال: «جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة؟ فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات يعني من يوم الجمعة وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالثة آدم قالوا صدقت إن أتممت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب فأنزل الله وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى ما
يَقُولُونَ
» . وروى البغوي هذا الحديث بزيادة وهي: «أن اليهود حينما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صدقت إن أتممت قال وما ذاك قالوا ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم وقال له فاصبر على ما يقولون من كذبهم فإن الله لهم بالمرصاد وهذا قبل الأمر بقتالهم» .
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآية [38] التي فيها خلق السموات والأرض في ستة أيام مدنية دون الآية [39] مع أن الآية [39] هي الأولى لأن تكون مدنية. لأن فيها أمرا بالصبر على ما يقولون، ومقتضى الرواية أن تكون الآيات نزلت مجزأة مع أنها وحدة منسجمة متوازنة وهي وما قبلها في صدد مواقف الكفار منكري البعث وفي صدد إنذارهم وحكاية ما سوف يلقونه من مصير أخروي رهيب وما سوف يلقاه المؤمنون من مصير أخروي سعيد بالمقابلة. وكل هذا يجعلنا نتوقف أولا في رواية مدنية الآية [38] ثم في الرواية التي يرويها الطبري كسبب لنزول الآيات ونرجح أنها في صدد البرهنة على قدرة الله تعالى على بعث الناس بالتذكير بأنه الذي خلق السموات والأرض وما بينهما دون أن يناله بذلك إعياء وعجز. وبأن من كان كذلك قادر من باب أولى على الخلق ثانية. وقد استمر الإنذار الرباني لهم مع تسلية النبي وتثبيته مما هو متصل بموضوع الآيات عامة.
وفيه دليل على انسجامها ووحدتها. على أن هذا لا يمنع أن يكون من مقاصد جملة وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ الردّ على ما كان يقول اليهود والنصارى معا لأنه مما ورد في الإصحاحين الأول والثاني من سفر التكوين ولم يكن ذلك مجهولا في العهد المكي.
ولم نطّلع على روايات في صدد وسبب نزول الآيات الأخرى التي نرجح كما قلنا أنها سياق واحد ونزلت معا.
وفي الآيات [42 و 43 و 44] توكيد جديد من الله عز وجل بأنه هو الذي يحيي ويميت وبأن صوت مناديه سوف يعلو فيخرج الناس من الأرض ملبين مسرعين إليه ليفصل بينهم حسب أعمالهم وبأن ذلك هين سهل عليه. وفي الآيات