الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهم أو كأنهم يظنونك مولعا خبيرا بعلمها، والحفيّ بمعنى الملحف في السؤال أو بمعنى المبالغ في إكرام الغير أو المهتمّ به.
احتوت الآية الأولى حكاية سؤال وجّهه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام القيامة وإلحاحهم عليه بذلك وأمرا له بإعلان انحصار علمها في الله سبحانه وتعالى الذي جعل لها موعدا معينا في علمه لا يعلمه غيره وكونها لا تأتي الناس إلّا بغتة، وكونها عظيمة الخطر في السموات والأرض لما سوف يترتّب على حلولها من أمور عظيمة وأهوال جسيمة. واحتوت الآية الثانية أمرا للنبي صلى الله عليه وسلم بإعلان كونه لا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا إلّا ما شاء الله وأنه لو كان أمره غير هذا لمنع عن نفسه الضرّ ولاستكثر لنفسه الخير، وأنه ليس إلّا نذيرا وبشيرا لمن يرغب في الهداية والإيمان.
والمتبادر أن الآية الثانية استمرار للجواب الذي أمر الله سبحانه النبي صلى الله عليه وسلم بإعلانه للناس على سؤالهم عن موعد قيام الساعة.
والآيتان ليستا منفصلتين عن السياق على ما يتبادر منهما وإن كان من المحتمل أنهما نزلتا لحدّتهما، وبدتا كفصل مستقلّ مستأنف. فالآيات السابقة أنذرت الناس بالآخرة وحسابها وثوابها وعقابها فأخذ الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن موعدها فنزلت الآيات جوابا على ذلك.
وليس هناك رواية صريحة عن هويّة السائلين. وقد تراوح تخمين المفسرين بين أن يكونوا يهودا أو عربا. وقد قال ابن كثير إن الأشبه أن يكونوا عربا لأن الآيات مكية. وهذا هو الأوجه والأرجح لأن احتكاك اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم وتوجيههم الأسئلة إليه إنما كان في العهد المدني.
تعليق على السؤال عن موعد القيامة وما في الجواب من دلالة بليغة
وهذه المرة الأولى التي يرد فيها هذا السؤال ثم تكرر كثيرا فيما بعد.
فالإنذار بيوم القيامة وأهوالها وحسابها قد تكرر كثيرا بل هو أكثر موضوع تكرر بأساليب متنوعة في القرآن وكان من أشدّ مواضيع الحجاج بين الكفار والنبي وأكثرها. وكان من أشدّ دعائم الدعوة والإنذار والتبشير. فمن الطبيعي أن يتكرر السؤال عنه. وكان السؤال على الأعمّ الأغلب يأتي من كفّار العرب. وأكثر ما كان أسلوب سؤالهم أسلوب إنكار وتحدّ وسخرية مثل ما جاء في آية سورة يونس هذه:
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) وقد تكرر السؤال بنفس الصيغة في آية سورة الأنبياء [38] وفي آية سورة النمل [71] حيث لم يكونوا يؤمنون بالقيامة ويسخرون من الإنذار والتبشير بها على ما ورد في آيات عديدة مرّ بعضها ومن ذلك آيات سورة المؤمنون هذه: قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) ومثل آية سورة هود هذه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) . على أن أسلوب الآية الأولى يلهم أن السؤال فيها ليس من هذا الباب وإنما هو سؤال المستعلم المستقصي، حتى ليخطر بالبال أنه من غير الكفار وقد روى الطبري فيما روى أن قريشا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة. وقد جاء الجواب بنفي ما يمكن أن يكون قد قام في أذهان السائلين من أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ويعلم علم الساعة أو أنه يدّعي ذلك بأسلوب قويّ حاسم تتجلّي فيه صورة رائعة من الصميمية النبويّة بتبليغ كل ما يوحى إليه به، ومن جملة ذلك أنه بشر مثل سائر البشر يمسّه من السوء مثل ما يمسّهم ويحرم من وسائل الخير المادية مثل ما يحرمون ولا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا إلا ما شاء الله، وليس هو إلّا نذير وبشير وهاد لمن يريد أن يتّعظ ويؤمن ويهتدي. وقد تكررت هذه الصورة بأساليب ومناسبات عديدة مرّ منها بعض الأمثلة.
ولقد أورد البغوي حديثا رواه بطرقه عن أبي هريرة في سياق جملة لا