الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإلهية وشمولها وكون الله عز وجل وحده هو النافع والضار، ووجوب عدم الاستعاذة أو الاستعانة بغيره عند ما ينبعث في نفوسهم خوف أو هاجس أو اضطراب، وتلقين كون الله هو القادر وحده على تسكين الروع وإدخال الطمأنينة إلى القلب ودفع الضرر وتحقيق النفع ووجوب الالتجاء إليه وحده والاستعاذة به وحده. وهذا مما يتصل بمبدأ أساسي من مبادئ الدعوة وهو الإيمان بالله وحده ونبذ ما سواه خضوعا وعبادة ودعاء ورجاء.
وننبه على أن السورة ليست بسبيل تقرير قدرة النفاثات في العقد على إيراث النفع والضرر ولا تأثير الحاسد في المال والنفس والولد. ولا يدل مضمونها وأسلوبها على ذلك. وإنما هي كما قلنا بسبيل التعليم والتلقين والتطمين ومعالجة ما هو مستقر في أذهان الناس من بواعث الخوف، ومعالجة روحية بالاعتماد على الله وحده والالتجاء إليه وحده.
طائفة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الاستعاذة وأهدافها وتلقيناتها
ولقد تكرر في القرآن أمر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وبالتبعية للمؤمنين بالاستعاذة بالله مطلقا وبالاستعاذة به من الشيطان أحيانا حينما يحزبهم حازب أو تحدق بهم أزمة أو يشعرون بوسوسة شيطانية تحيك في صدورهم كما تكرر حكاية ذلك عن بعض أنبياء الله وعباده الصالحين كما ترى في الآيات التالية:
1-
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف [200]«1» .
2-
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
(1) في سورة فصلت آية مماثلة لهذه وهي الآية [36] .
أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) هود [47]«1» .
3-
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) النحل [98- 99] .
4-
قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
مريم [18]«2» .
5-
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) المؤمنون [97- 98]«3» .
حيث ينطوي في هذه الآيات توكيد للمعنى الذي نقرره وهو قصد المعالجة الروحية بالاعتماد على الله تعالى وحده في ظروف الأزمات والمخاوف المتنوعة في حالاتها وأسبابها، والاستعاذة من الشيطان خاصة متصلة بالحقيقة الإيمانية المغيبة عن الشيطان ووساوسه على ما شرحناه في سياق سورة التكوير شرحا يغني عن التكرار.
ولقد روى الشيخان والنسائي عن أبي هريرة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء» «4» . وروى الخمسة عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال» «5» . وروى الترمذي عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا فإنّ هذا الغاسق إذا وقب» «6» . وروى الخمسة عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول
(1) حكاية عن لسان نوح عليه السلام.
(2)
حكاية عن لسان مريم عليها السلام.
(3)
هناك آيات أخرى لم نر ضرورة لإيرادها وهناك سورة الناس التي تأتي بعد هذه السورة فلم نر كذلك ضرورة لإيرادها.
(4)
التاج ج 5 ص 113.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه، ج 4 ص 270.
اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شرّ فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجّال. اللهمّ اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد. ونقّ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» «1» . وروى مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود عن زيد بن أرقم قال:«لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر. اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها» «2» .
روى أبو داود والنسائي عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو اللهمّ إني أعوذ بك من الهدم وأعوذ بك من التردّي وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم وأعوذ بك أن يتخبّطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا» «3» . وروى المفسر البغوي وهو من أئمة الحديث حديثا رواه بطرقه في سياق الآية [98] من سورة النحل عن مطعم جاء فيه: «إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال فكبّر فقال الله أكبر كبيرا ثلاث مرات والحمد لله كثيرا ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات ثم قال اللهمّ إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ولمزه ونفخه ونفثه» .
وإلى هذا فقد روى البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوّذات. وفي رواية كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث» «4» . وروى الترمذي عن أبي سعيد «أن رسول
(1) التاج الجامع ج 5 ص 113- 114.
(2)
المصدر نفسه. [.....]
(3)
المصدر نفسه ص 115.
(4)
التاج ج 3 ص 194. وهناك مأثورات نبوية أخرى في الاستعاذة أوردها مؤلف التاج في الجزء الخامس فاكتفينا بما أوردناه.