الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وخطورتها العظيمة. وفيها صورة قوية للمقصد الرباني في إرسال الرسل. وفيها تنديد قوي لأولئك الذين يعرضون عما يدعون إليه من توحيد الله سبحانه والخضوع له ونبذ كل شريك معه. وفيها توكيد لما تكرر في القرآن من أن مهمة النبي هي الإنذار والدعوة وتبليغ ما يوحى إليه.
ولعلّه مما يندمج في هذا أن للناس عقولا وقابليات وقوى اختيارية، لا يحتاجون معها في واقع الأمر إلّا إلى الدعوة والتنبيه والتوضيح والتحديد. فإن لم يستجيبوا بعد ذلك فلا يبقى على الله للناس حجة بعد الرسل الذين أنيط بهم ذلك، على اعتبار أن العقل مهما بلغ يظلّ عاجزا عن الوصول إلى معرفة كل واجب وتبين كل حد من واجبات الله وحدوده، ويظلّ هناك بعض الغوامض فيما يجب وما لا يجب، وما يجوز وما لا يجوز.
والآيات بعد تنطوي على صورة رائعة نافذة لخلوص النبي صلى الله عليه وسلم واستغراقه في الله ووحيه وعمق إيمانه وشعوره بصدق رسالته، ونزول وحي الله عليه وإعلان ما أمره الله بإعلانه من ذلك.
استطراد إلى حديث نبوي مروي في سياق الآية ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ
لقد روى الترمذي في سياق هذه الآية حديثا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «احتبس عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نترايا عين الشمس فخرج سريعا فثوّب بالصلاة فصلّى وتجوّز في صلاته فلمّا سلّم دعا بصوته قال لنا على مصافّكم كما أنتم ثم انفتل إلينا فقال أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة. إني قمت من الليل فتوضّأت وصلّيت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربّي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبّيك ربّ قال فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا أدري قالها ثلاثا فرأيته وضع كفّه بين
كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت فقال يا محمد قلت لبّيك ربّ قال فيم يختصم الملأ الأعلى قلت في الكفّارات قال ما هنّ قلت مشي الأقدام إلى الحسنات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء حين الكريهات. قال فبم؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام. قال سل قل اللهمّ إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحبّ المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة قوم فتوفّني غير مفتون. أسألك حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ عمل يقرّب إلى حبّك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّها حقّ فادرسوها ثمّ تعلّموها» «1» . وقد أوردنا بعض هذا الحديث الذي وصف ابن كثير بأنه حديث المنام المشهور في سياق تفسير آيات سورة النجم الأولى. وقد رأينا إيراده بجميع نصّه هنا لأن المفسرين أوردوه في سياق الآيات التي نحن في صددها. ولأن فيه صورة رائعة لاستغراق النبي في عبادة ربّه حتى يراه ويتحاور معه. وصورة رائعة كذلك لحياته مع أصحابه ومسارعته إلى إبلاغهم كل ما يقع له ولو كان رؤيا منام على اعتبارها حقا يجب إبلاغها إليهم. وما في المحاورة والوعاء من التلقينات والفوائد.
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (1)(77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي (2) إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (3)(83) قالَ
(1) هذا النص من التاج فصل التفسير ج 4 ص 204 وقد روى هذا الحديث بطرقه المحدّث المفسّر البغوي مع فرق يسير في الصيغة. وأورده ابن كثير بعينه عزوا إلى الإمام أحمد الذي رواه كذلك بطرقه عن معاذ.