الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنها بمعنى ذوي المزاج الحديد الذي يهتاج لأقلّ سبب.
(4)
نزغ: وسوسة. وقيل إن معنى الكلمة في مقامها ثورة من غضب.
(5)
طائف: وسوسة أو خطرة من خطرات النفس السيئة أو ثورة غضب أو من شيطان أو اقتراف ذنب على اختلاف الأقوال. وأصل معنى الطائف الإلمام أو المسّ أو الطارئ.
(6)
وإخوانهم: الضمير في الكلمة عائد إلى الجاهلين على أوجه الأقوال.
شرح الآية خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ والآيات الثلاث التي بعدها وتلقيناتها
الخطاب في الفصل موجّه إلى مخاطب قريب. وفحوى الآية الأولى منه يدلّ على أنه موجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد احتوى بعض التعليمات والتنبيهات والتنديدات.
ولا تبدو صلة ظاهرة تربطه بالسياق السابق حتى ليكاد يبدو مستقلا. ومع ذلك فليس فيه موضوع مناقض أو مغاير أو بعيد عمّا احتواه السياق. ولم يرو المفسرون رواية خاصة في مناسبة نزوله إلّا رواية رواها الطبري ليس فيها مناسبة أصلية وإنما فيها مناسبة فرعية وسنوردها بعد قليل. ولعل حكمة التنزيل اقتضت بإيحائه عقب الفصول السابقة ليتصرف النبي صلى الله عليه وسلم وفق ما احتواه. أو لعلّه أنزل لمناسبة أزعجت نفس النبي صلى الله عليه وسلم وأثارته عقب نزول الفصول السابقة فدوّن في سياق واحد معها.
وقد أوجبت الآية الأولى على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتسامح مع الناس ويقبل ميسورهم وظواهرهم وإعذارهم دون تشدّد ولا تزمّت. وأن يأمر بكل ما فيه الخير والصلاح وألّا يساجل الجاهلين في جهلهم وطيشهم وأن يعرض عنهم. ويغضي عمّا قد يسوؤه منهم.
ونبهته الآية الثانية إلى الرجوع إلى الله عز وجل والعياذ به كلما حاول شيطان
أن يمسّه بنزغة من نزغاته ويلقي إليه بوسوسة من وساوسه. أما الآيتان الثالثة والرابعة فقد احتوتا استطرادا فيه تنويه بالمؤمنين المتقين وتنديد بالجاهلين الكافرين. فالأولون كلما ألمّ بهم شيء من ذلك تذكروا الله وعظمته وأوامره ونواهيه فتنبهوا واستقاموا وتخلصوا، في حين أن الآخرين يخضعون لنزغات إخوانهم الشياطين الذين يظلون يوسوسون لهم ويورطونهم دون كلل أو تقصير.
وقد يكون نزغ الشيطان المذكور في الآية الثانية مطلقا وقد يكون في صدد ما أمر النبي به من خطة في الآية الأولى. ولقد روى الطبري عن ابن زيد أنه لما نزلت الآية الأولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بالغضب يا ربّ فنزلت الآية التي بعدها. فإذا صحت الرواية ولا مانع من صحتها فتكون الآية الأولى هي عمود الفصل وتكون الآيات تفريعا تنبيهيا لها ويستأنس بها على رجحان الاحتمال الثاني. على أن هذا وارد سواء أصحّت أم لم تصحّ.
ولئن وجّه الخطاب في الآيتين الأوليين للنبي صلى الله عليه وسلم لتحتويا على خطة له لمعالجة ما اقتضته ظروف الدعوة من شؤون ومواقف وحالات. فإن الاستطراد الذي نوّه فيه بالمتقين وندّد فيه بالجاهلين تسوغ القول إن الآيات الأربع قد انطوت على تلقينات جليلة مستمرة المدى سلوكية ونفسية وتثبيتية وتنديدية في آن واحد لتكون مستمد إلهام وتلقين لكل مسلم وبخاصة للذين يتولون القيادة في حركات النضال والدعوة والإصلاح. لأنهم بطبيعة مهمتهم مضطرون إلى الاحتكاك بمختلف طبقات الناس ومعرضون لكثير من المواقف والمشاهد والانفعالات والحالات التي يجب مواجهتها بمثل الخطة الحكيمة البليغة التي احتوتها الآية الأولى. وتلقين الآيتين الثالثة والرابعة قوي بليغ، فالذين يتّقون الله ويبتغون رضاءه يسارعون حالا إلى كظم غيظهم والانتباه إلى ما أوشكوا أن يتورطوا فيه من الانفعالات ووساوس النفس ونزغات الشيطان ويعوذون بالله لتصفو نفوسهم وتهدأ انفعالاتهم وتنخسئ عنهم وساوس الشياطين ويعودون إلى ما هو الأولى بهم من السكون ورباطة الجأش والتجلّد والتزام الخطة المرسومة في الآية الأولى بعكس أضدادهم الذين فقدوا الإيمان والوازع الديني فيقعون تحت تأثير