الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رأوا صدق أعلام نبوته وصدق القرآن ويكذبه احتفاظ فريق من اليهود والنصارى في هذه البلاد عبر الأحقاب الطويلة التي كانت فيه تحت السلطان الإسلامي «1» .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة ما احتوته الآية الأولى من مهام الرسالة المحمدية العظمى وبخاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستحق أن يكون موضوع تعليق خاص
ولقد تكرر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن المكي والمدني بأساليب متنوعة. منها ما هو في صيغة الأمر من الله عز وجل للمؤمنين كما جاء في آية سورة آل عمران هذه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) ومنها ما هو في صيغة التنويه بالمؤمنين لأنهم يفعلون ذلك كما جاء في آية أخرى من سورة آل عمران أيضا وهي: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [110] وآيات سورة التوبة هذه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) والتَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) ومنها بصيغة تفيد أن ذلك سيكون شأن المؤمنين حينما يمكّنهم الله في الأرض كما جاء في آية سورة الحج هذه: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) ومنها بصيغة
(1) هناك إيضاحات وتعليقات أخرى في صدد المسيح عليه السلام ستأتي في تفسير سور آل عمران والنساء والمائدة ومريم والزخرف.
التنديد بالمنافقين لأنهم يفعلون عكس ذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه:
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) ومنها بصيغة التحذير من اتباع خطوات الشيطان الذي يأمر بالمنكر كما جاء في آية سورة النور هذه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [21] .
ويبدو من هذه الآيات عناية حكمة التنزيل بهذا الأمر وكونه:
أولا: من المبادئ القرآنية المحكمة المفروضة على المسلمين في كل ظرف ومكان.
ثانيا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الصفات والخصائص التي يجب أن تتحقق بالمسلمين الصادقين أو تكون مظهرا من مظاهر سلوكهم الناتج عن صدق إسلامهم وإيمانهم وفي هذا ما فيه من روعة وجلال.
ولقد روى الترمذي عن أبي هريرة حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» «1» . مما فيه توكيد لهذا الواجب المفروض على المسلمين بأسلوب آخر وإنذارهم إذا قصّروا فيه.
واستنادا إلى القرآن والسنّة يجمع العلماء على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على المسلمين بمختلف الفئات التي يتألفون منها رجالا ونساء وهيئات وحكومات. وإذا لم يقم به من له القدرة والاستطاعة والمجال أثم جميعهم لتقصيرهم في واجب من أهمّ واجبات الشريعة الإسلامية.
والكلمتان عامتا المدى. ويمكن أن يقال إن المعروف هو كل ما ورد في القرآن والسنّة النبوية من صفات وأخلاق وأفعال حسنة يجب التزامها والتحلّي بها
(1) التاج ج 5 ص 205.
وعملها. وكل ما تعارف المجتمع الإسلامي على أنه حقّ وخير وعدل وبرّ وصالح ونافع وطيب وكرامة. والمنكر هو كل ما ورد في القرآن والسنّة النبوية من صفات وأخلاق وأفعال سيئة يجب اجتنابها وكل ما تعارف المجتمع الإسلامي على أنه شرّ وظلم وباطل وفاسد وضارّ وخبيث ومهانة بحيث يقال بناء على ذلك إن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل المبادئ القرآنية الاجتماعية التي من شأنها إصلاح المجتمع وإسعاد الإنسانية وبثّ روح الحق والعدل والخير والبرّ فيه وتقويم ما يكون فيه شذوذ وانحراف واعوجاج وفساد وظلم. وإن عموم الكلمتين ينطوي على حكمة عظيمة الشأن وهو مسايرة هذا المبدأ لجميع الظروف واحتمالات التبدّل والتطوّر فيما يكون خيرا وعدلا وصالحا وشرا وظلما وفسادا وباطلا في كل ظرف ومكان فيما لا يكون فيه نصّ صريح من قرآن وسنّة أو إجماع وتواتر بين المسلمين منذ الصدر الإسلامي الأول. وهذا من مرشحات تعاليم القرآن للخلود.
ويتبادر لنا من روح الآيات والحديث النبوي أن هذا الواجب مترتّب على المسلمين جميعهم على اختلاف مراكزهم في المجتمع، مع ملاحظة هامة في صدد ذلك وهي أنه بالنسبة للأمور العامة التي لها صلة بحياة المجتمع والجماعات والتي لا يكفل النجاح فيها إلّا بتضامن الجماعات والتي تحتاج إلى حسن تقدير لما يجب وما لا يجب وما يجوز وما لا يجوز ثم إلى ما يحتاج إلى حسن الاضطلاع بالواجب والمضي فيه يترتّب واجب الأمور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها على الجماعات والمنظمات الاجتماعية. وبالنسبة للأمور التي لا بدّ لها من الهيمنة والتنفيذ والقوّة للحيلولة دون الشغب والفوضى والعيث في الأرض فسادا أو حمل الناس على العمل النافع الذي فيه مصلحة عامة وردعهم عن العمل الضارّ يترتب هذا الواجب على من بيده السلطان. أما بالنسبة للأمور الأخلاقية والخاصة الواضحة التي لا يخفى وجه الصواب والحق والعرف الصالح والنفع والخير والخطأ والباطل والضرر والشرّ فيها ولا ينجم عن القيام بالواجب نحوها من قبل الأفراد فوضى ولا مفسدة عامة فهي مجال الأفراد أيضا بالإضافة إلى الجماعات والسلطان. فكثير من الأفراد يهملون الالتزام بالآداب العامة والأخلاق والأفعال
والصفات الكريمة والواجبات الاجتماعية الإسلامية. بل ويتعمدون إهمالها والإتيان بما يناقضها. وقد لا يكون أمرهم مكشوفا للجماعات والسلطان وقد لا يكون أمرهم في حاجة إلى جماعات وسلطان. ثم قد يكون هناك مطالب وشؤون متعارف على معروفيتها ومنكريتها ولا تحتاج إلى جماعات وسلطان للحضّ عليها والنهي عنها. ففي مثل هذه الحالة يترتب من دون ريب على الأفراد القادرين على الاضطلاع بالواجب ويكونون آثمين في التنصير فيه.
وليس الحديث النبوي الذي أوردناه هو كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث في هذا الأمر الخطير. فقد روى أبو داود والترمذي عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحلّ لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78- 79] ثم قال: والله لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذن على يديّ الظالم ولتأطرنّه على الحق أطرا ولتقصرنّه على الحق قصرا أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم» «1» . وحديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» «2» . وحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى
(1) التاج ج 5 ص 204.
(2)
المصدر نفسه ص 202- 203.
كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه» «1» . وحديث أورده ابن كثير في سياق تفسير الآية [110] من سورة الأعراف رواه الإمام أحمد والنسائي والحاكم جاء فيه: «قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: خير الناس أقرأهم وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم» .
وفي الأحاديث تشديد على وجوب القيام بهذا الواجب وتنويه بالقائمين به وإنذار للمقصّرين والمدلّسين فيه.
وهناك أحاديث أخرى متصلة بالموضوع وإن لم يكن فيها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) حرفيا يحسن أن تساق في هذا المقام، من ذلك حديث رواه مسلم عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويتقيّدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» «2» . وحديث رواه أصحاب السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر» «3» . وحديث رواه أصحاب السنن أيضا عن أبي بكر قال: «يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وتضعونها في غير مواضعها وإنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب» »
. وحديث رواه أبو داود عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلّا أصابهم الله بعقاب من
(1) التاج ج 5 ص 202- 203. [.....]
(2)
انظر المصدر نفسه.
(3)
انظر المصدر نفسه.
(4)
انظر المصدر نفسه.