الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل توخى فيه الوعظ والتذكير والتدعيم وفاقا لهدف القصص القرآني بصورة عامة.
وبالنسبة لأسلوب قصة الخصم التي نحن في صددها يلحظ بالإضافة إلى قصد بيان ما كان من إنابة داود عليه السلام ذي الملك والسلطان لله تعالى واستغفاره عن خطيئة ارتكبها ليكون في ذلك العبرة والتسلية فقد انطوى فيه عظات بالغات حيث قام موضوع الخصومة فيه على الشكوى من طمع الأغنياء وأصحاب الحول والطول بما عند الفقراء والضعفاء وحيث احتوى تصويرا قويا لبشاعة الطمع وتسفيها لأصحابه وتنفيرا منه ووصفه بالظلم والبغي وتنويها بالذين يجانبونه ويلتزمون حدودهم، ويحترمون حدود الآخرين وحقوقهم أيضا مما فيه تلقين عام مستمر المدى. وفيه بالإضافة إلى ذلك عظة وتلقين للحكام وأصحاب السلطان بخاصة على ما هو المتبادر حيث توجب أن يكونوا القدوة الصالحة للناس، وأن ينتبهوا لكل هفوة قد تبدر منهم ليبادروا إلى إصلاحها والرجوع عنها والوقوف عند حدود الله ومراعاة الحق والعدل والإنصاف بكل دقة.
وفي استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من البغي لفتة تنويهية للمؤمنين الصالحين. فإيمانهم وسلوكهم المستقيم المستمد منه يزعهم عن البغي والظلم وتجاوز حدود الله.
تعليق على ما احتوته الآية يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ إلخ من تلقين وما ورد في صدد ذلك من أحاديث
والخطاب في الآية [26] وإن كان موجها إلى داود عليه السلام فإن فيه بطبيعة الحال خطابا عاما لأولي الحكم والأمر في الناس بوجوب الحكم بالحق وعدم الزيغ مع الهوى لما في الزيغ من مجانبة الحق والعدل، ثم من ضلال عن سبيل الله. ولما في صدور ذلك من هذه الطبقة خاصة من ضرر مضاعف وإثم مشدّد وخطر أوكد على مصالح الناس. فهم بمثابة خلفاء الله في أرضه وعباده وعليهم أن يرعوا حقوق الله وحدوده فيهم.
ولقد ورد في إحدى آيات سورة الممتحنة ما يفيد أن شرط الطاعة لرسول الله أن يكون أمره فيما هو معروف أنه خير وصلاح كما ترى في هذا النص: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ [الممتحنة: 12] وفي إحدى آيات سورة الأنفال أمر للمؤمنين بالاستجابة إلى الرسول إذا ما دعاهم لما يحييهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ
…
[24] . ورسول الله لا يمكن أن يأمر إلّا بما هو خير ولا يدعو إلّا إلى ما فيه حياة حيث يبدو في الأوامر القرآنية قصد تعليم وتقرير مبدأ الأمر والطاعة بين أولي الأمر والرعية وهو واجب الطاعة والاستجابة لأولي الأمر في كل ما فيه معروف وحياة بصورة عامة وحسب وهو ما عبر عنه بالقاعدة المشهورة (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وما ورد فيه حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» «1» . مع التنبيه على أن المتبادر والمستلهم من الحديث أن يكون ذلك واضحا مشهورا لا غموض فيه بالنسبة للجمهور أو لأكثر أهل العلم والحلّ والعقد وأن لا يكون رهنا باجتهادات فردية.
ولقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أحبّ الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل. وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا إمام جائر» «2» . وروى الخمسة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته. فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت
(1) التاج ج 3 ص 40.
(2)
المصدر نفسه ص 42- 45، وابن كثير روى الحديث الأول بزيادة في آخره وهي «وأشدّهم عذابا» .
زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته» «1» . وروى الشيخان عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلّا حرّم الله عليه الجنة» «2» . وروى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إنما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتّقى به فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر وإن يأمر بغيره كان عليه منه» «3» . وروى مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهمّ من ولي من أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» «4» . وروى الترمذي عن معاوية أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلّة والمسكنة إلّا أغلق الله أبواب السماء دون خلّته وحاجته ومسكنته» «5» . وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظله الإمام العادل وشابّ نشأ بعبادة الله ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» «6» . وروى مسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» «7» . حيث يتساوق التلقين النبوي في هذا الأمر الخطير مع التلقين القرآني كما هو الشأن في كل أمر.
(1) التاج ج 3 ص 42- 45.
(2)
المصدر نفسه. [.....]
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
المصدر نفسه.