الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من عهده. وتمرد عليه ابن له كما تمرد عليه متمردون آخرون فأدى ذلك إلى اضطراب حالة ملكه وانكماشه في الشطر الثاني من عهده «1» .
تعليق على قصة الخصم الذي تقاضى أمام داود وتلقيناتها
وقصة صاحب الغنم الكثيرة الذي طمع في النعجة الوحيدة التي يملكها فقير والتي وردت الإشارة إليها في الآيات، قد وردت في سفر صموئيل الثاني (الطبعة البروتستانتية) وخلاصة ما جاء في هذا السفر أن داود عليه السلام رأى زوجة أحد رجال جيشه واسمه أوريا عارية على سطح بيتها المجاور لبيته فأعجبته فأحضرها واضطجع معها وكان زوجها في جبهة حربية فلما عاد وشعر بذلك امتنع عنها فأرسله داود إلى الجبهة ثانية وأوعز للقائد بأن يجعله في وجه الموت حتى يقتل فلما قتل، وأرسل القائد يخبر داود بذلك تزوج بامرأته وقد ذكر السفر أن الله أرسل نبيا اسمه ناتان إلى داود فحكى له قصة طمع الرجل الغني الكثير البقر والغنم في نعجة الفقير، فقال داود إن هذا الرجل يستحق الموت فقال له ناتان أنت هو هذا الرجل، لأنك قتلت أوريا وتزوجت بامرأته وعاتبه عتابا شديدا بلسان الله على خطيئته البشعة برغم ما يسّره له وأغدقه عليه من نعمه الكثيرة وأنذره بإثارة الشرّ من بيته ودفع أزواجه إلى غيره فيدخل عليهن جهارا في عين الشمس وعيون بني إسرائيل فقال داود قد خطئت للرب، فقال له ناتان إن الربّ أيضا قد نقل عنك خطيئتك فلا تموت أنت ولكن الابن الذي يولد لك يموت.
والآيات وإن كانت خلت من هذه التفاصيل فإن فيها إشارات خاطفة متسقة معها حيث ذكرت أن داود قد أدرك أن الله امتحنه بسبب خطيئة له فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب فغفر الله له.
والمرجح أن من سامعي القرآن العرب، من كان يعرف قصص داود كليا أو
(1) انظر تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص 100- 113.
جزئيا، لأن أسفار العهد القديم التي وردت فيها كانت متداولة بين أيدي الكتابيين وبخاصة اليهود الذين كان منهم جالية كبيرة في الحجاز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه في مناسبات سابقة ولقد أورد المفسرون في سياق هذه الآيات بيانات كثيرة عن داود وملكه وخطيئته وتوبته في بعضها تطابق مع ما جاء في الأسفار وفي بعضها مباينة له وفي بعضها إغراب عجيب «1» ومما يؤيد على كل حال ما قلناه من معرفة أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم قصص داود وما كان يضيفه اليهود إليها من حواش.
وربما كان عندهم أسفار وقراطيس أخرى فيها تفصيلات وزوائد لم ترد في الأسفار المتداولة اليوم.
وننبه على أمر هام بالنسبة للأسلوب القرآني في قصص الأنبياء. فإنه جرى بصورة عامة على ذكر الأنبياء السابقين بأسلوب تكريمي وتنويهي وعتابي ولم يحتو ما احتوته بعض أسفار العهد القديم عن بعض الأنبياء المذكورين فيها مثلا من تهم وقصص فاحشة. وعلى المسلم أن يحتذي هذا الحذو ولا يتجاوز نطاقه لأن الإيمان بأنبياء الله واحترامهم وتنزيههم ركن من أركان العقيدة الإسلامية على ما جاء في آيات كثيرة منها آية سورة البقرة هذه: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ
…
[177] وقد وصف الأنبياء المذكورون في القرآن ومنهم طائفة أخرى ذكروا في سورة (ص) التي نحن في صدد تفسيرها بوصف عباد الله والصالحين والصابرين والأخيار وذوي الزلفى عند الله. ويجب على المسلم أن يذكر إلى هذا أن الأسفار المتداولة اليوم قد كتبت بأقلام بشرية وبعد الأحداث المذكورة فيها بمدة ما وأن من المحتمل كثيرا بل من المؤكد أنها اختلطت بالخيال والمبالغة وتعرضت للتحريف والتشويه المقصود وغير المقصود. وعليه أن يلاحظ حقيقة أخرى تبدو من الإمعان في قصص الأنبياء وهي أن أسلوب هذه القصص في القرآن ليس أسلوب سرد للأحداث وتدوين لها كما هو شأنها في الأسفار المتداولة
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي والقرطبي والخازن وابن كثير مثلا.