الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَصْنَعُونَ (8)
وآية سورة الشعراء هذه: لَعَلَّكَ باخِعٌ «1» نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) وآية سورة طه هذه: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) وآية سورة الكهف هذه: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) فاقتضت حكمة التنزيل موالاة التطمين له وتسليته والتهوين عليه وإخباره بأنه ليس مسؤولا عن هدايتهم ولا هو وكيلا عليهم ولا جبّارا ولا مسيطرا، وإنما هو نذير وبشير. والآيات في هذا الباب كثيرة جدا منثورة في أكثر السور المكيّة فلم نر ضرورة إلى إيراد نماذج منها.
والمفسرون يقولون في سياق هذه الآيات وأمثالها إنها نسخت بآيات السيف والقتال في العهد المدني. وقد علقنا على هذا القول بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورتي المزمل والكافرون فلا نرى ضرورة للإعادة.
تعليق على موضوع خلق السموات والأرض في ستة أيام
في كتب التفسير أقوال وتعليقات وأحاديث في هذا الموضوع الذي تكرر كثيرا وبأساليب متنوعة في القرآن. وفيما يلي إحاطة به في مناسبة وروده هنا لأول مرة نرجو أن يكون فيها الفائدة والصواب إن شاء الله.
ولقد روى المفسرون «2» حديثا عن أبي هريرة جاء فيه: «أنّ رسول الله أخذ بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» . وهذا الحديث رواه مسلم أيضا ويعد من الصحاح في اصطلاح علماء الحديث «3» . ومع ذلك فإنه يلحظ منه أن الخلق استغرق سبعة أيام حيث بدأ به يوم السبت وانتهى منه مساء الجمعة وليس
(1) باخع: بمعنى مهلك أو قاتل.
(2)
انظر الآية [54] من سورة الأعراف في تفسير ابن كثير.
(3)
انظر التاج ج 4 ص 33- 34.
فيه ذكر للسموات. وهذا مناقض لنصّ الآية. وقد لحظ هذا ونبّه عليه ابن كثير أيضا وقال إن البخاري تكلّم في هذا الحديث. وهناك حديث رواه الطبري عن مجاهد جاء فيه: «إن الخلق بدأ يوم الأحد وانتهى مساء الجمعة» .
ولقد ورد في الإصحاحين الأول والثاني من سفر التكوين أول أسفار العهد القديم أن الدنيا كانت خالية وظلاما ويغمرها الماء وكانت روح الله ترفّ على وجهه وأن الله خلق في يوم النور وفصل بينه وبين الظلام فسمى النور نهارا والظلام ليلا وأنه خلق في اليوم التالي السماء وفي اليوم الثالث الأرض (الجلد) في وسط الماء وصنوف النبات والشجر وفي اليوم الرابع الشمس والقمر والنجوم لتضيء على الأرض وفي اليوم الخامس الزحافات والطيور والحيتان وفي اليوم السادس البهائم والوحوش ودبابات الأرض، ثم صنع الإنسان على صورته ذكرا وأنثى، وفرغ في اليوم السابع من العمل واستراح- سبحانه وتعالى وبارك هذا اليوم وقدسه. ولم يرد في هذا السياق أسماء الأيام الستة. غير أنه ورد في أسفار أخرى أن الله قدس السبت وحرّم فيه العمل «1» . حيث يمكن أن يكون في ذلك قرينة على أن اليهود كانوا يرون أن يوم السبت هو اليوم الذي انتهى الخلق قبله. ولقد روى ابن كثير عن الإمام أحمد ومجاهد وابن عباس رضي الله عنهم أن اليوم السابع الذي اكتمل الخلق قبله كان يوم السبت وأنه سمّي بهذا الاسم لأن معناه القطع على اعتبار أن العمل قد انقطع فيه «2» . ومع ما في هذا من غرابة سواء من ناحية القول بانقطاع الله سبحانه عن العمل أم من ناحية كون تسمية (السبت) لا يمكن أن تكون إلّا متأخرة جدا عن عملية الخلق الأولى فإن شيئا من التماثل قائم بين ما ورد في الحديث وما ورد في سفر التكوين، ثم بين ما روي في صدد السبت وبين ما ورد في سفر التكوين والأسفار الأخرى من تقديس السبت وتحريم العمل فيه. وفي سورة هود هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى
(1) انظر الإصحاح 20 من سفر الخروج مثلا. وقد تكرر ذكر ذلك كثيرا في الأسفار الأخرى.
(2)
انظر تفسير آية الأعراف السابق ذكرها في تفسير ابن كثير. [.....]
الْماءِ [7] حيث يبدو شيء من التماثل بينها وبين عبارة سفر التكوين «كان روح الله يرفّ على وجه الماء» .
ولقد تساءل ابن كثير «1» عما إذا كان يوم الخلق هو يوم عادي أو مثل اليوم الذي ذكر في آية سورة الحج [47] : وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وفي تفسير ابن عباس رواية الكلبي أنه يوم كألف سنة بأسلوب الجزم.
وبعض المفسرين قالوا إن اليوم يعني في اللغة زمنا ما أو وقتا ما على الإطلاق، وإن عبارة القرآن قد تعني أن الله خلق الكائنات في أزمان متتالية «2» . ولقد أوّل السيد رشيد رضا «3» الأيام بالأطوار التكوينية التي مرت بعملية خلق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما من كائنات حية وغير حية. وبعض المفسرين أخذوا عبارة القرآن على ظاهرها واعتبروا الأيام عادية. وبعضهم علّل ذلك بأن الله مع قدرته على خلق جميع ما خلق في الأيام الستة بمجرد تعلق إرادته به فإنه أراد بذلك تعليم عباده التأني والتدرّج «4» . ومنهم من جال في كيفيات وماهيات خلق السموات والأرض وما فيهما خلال الأيام الستة في سياق آيات سورة فصلت هذه بخاصة التي تفسح المجال لذلك الجولان: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) .
ومع تقريرنا واجب الإيمان بكل ما جاء في القرآن وأنه من عند ربنا ما فهمنا
(1) انظر تفسير آية الأعراف السابق ذكرها في تفسير ابن كثير.
(2)
انظر تفسير آية الأعراف المذكورة سابقا في تفسير محاسن التأويل للقاسمي.
(3)
انظر تفسير آية الأعراف المذكورة سابقا في تفسير المنار ج 7.
(4)
انظر تفسير آية الأعراف المذكورة سابقا في تفسير البغوي ومجمع البيان للطبرسي مثلا.
حكمته ومداه وما لم نفهم فإننا نقول: إن الإشارات القرآنية تلهم كما قلنا قبل أن من مقاصدها التذكير بقدرة الله وعظمته أكثر من قصد تقريره المدة والكيفيات لذاتها، وفي الآية التي نحن في صددها وفي آيات سورة فصلت التي أوردناها دليل قوي على ذلك.
وقد يكون في فكرة السيد رشيد رضا بتأويل اليوم بالتطوّر الزمني في تكوّن مشاهد الكون وصنوف الكائنات الحية وغير الحية شيء كثير من الوجاهة بالنسبة لموضوعية الآيات، غير أن هذا لم يكن معروفا على الوجه الذي عرف به في القرون الحديثة في زمن النبي عليه السلام، ولا نريد أن نسلّم بأن القرآن احتوى إشارات إلى أمور فنية وعلمية لم تكن معروفة ولا مدركة على حقيقتها من قبل النبي عليه السلام وسامعي القرآن، ونرى هذا مما لا تتحمله أهداف القرآن ولا عباراته من جهة ومما فيه إخراج له من نطاقه الإرشادي إلى مجال البحث والنقد من جهة أخرى.
ومن الممكن أن نضيف إلى ما قلناه: إن مشاهد الكون ونواميسه في القرآن من قسم الوسائل التدعيمية لمبادئ الدعوة وبخاصة لحقيقة عظمة الله ووحدته وقدرته الشاملة وأن الأولى أن يوقف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاءه فيها بالأساليب التي اقتضتها هذه الحكمة بدون تزيد ولا تخمين. ولقد قلنا أكثر من مرة في مناسبات سابقة: إن هذه الوسائل تكون أقوى على تحقيق غايتها حين يكون موضوعها مما يعرفه السامعون وخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكان روح الله قبل ذلك يرفّ على وجه الماء مما ورد كما قلنا في سفر التكوين الذي كان من جملة الأسفار المتداولة بين أيدي الكتابيين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. ومما لا ريب فيه أن سامعي القرآن العرب كانوا أو كان كثير منهم يعرفون ذلك عن طريق الكتابيين. فالمتبادر أن حكمة الله اقتضت أن يذكر ذلك بصورة موجزة لما فيه من تماثل مع ما يعرفه السامعون لتدعيم المبدأ القرآني المحكم، وهو وجود واجب الوجود وشمول قدرته وربوبيته وكونه الذي خلق الكون. والذي يسير بتدبيره ونواميسه التي أودعها فيه، وإننا لنرجو أن يكون في هذا الصواب، والله سبحانه وتعالى أعلم.