الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات متصلة بالسياق والموقف. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتوجيه الكلام للسامعين وبخاصة للكفار الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات السابقة بتوجيه الكلام إليهم. وقد جاءت ختاما قويا للسورة واستهدفت توكيد الإنذار للكفار وتوكيد صدق الرسالة النبوية وإيذانا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو منتدب لأداء مهمة وليس مندفعا فيها بالفضول ولا متصنعا ولا زائدا ولا منقصا وليس متوخيا منها أجرا ولا منفعة، وإن هذا الذي يبلغه عن الله هو ذكر للعالمين أجمع ولسوف يتحققون مصداقه ومداه. والمتبادر أن الآيات قد استهدفت فيما استهدفته تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته في الوقت نفسه.
التلقين المنطوي في جملة وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ وما روي في سياقها
وفي الأمر الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم بالإعلان بأنه ليس من المتكلفين تلقين تأديبي رفيع للمسلمين بأن لا يتصفوا بما ليس لهم علم وبأن لا يكونوا فضوليين فيما ليس فيه مصلحة وفائدة. ولقد روى الزمخشري في سياق الجملة حديثا مرفوعا رواه البيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف المتكلّف ونصّه: «للمتكلّف ثلاث علامات: ينازع من فوقه. ويتعاطى ما لا ينال. ويقول ما لا يعلم» . وروى البخاري والترمذي في سياقها كذلك حديثا عن عبد الله بن مسعود جاء فيه: «يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به. ومن لم يعلم فليقل الله أعلم. فإنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم. قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ «1» . وهذا يتساوق مع ذلك التلقين التأديبي الرفيع الذي انطوى في الجملة القرآنية.
تعليق على جملة وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري والبغوي وغيرهما من أهل التأويل
(1) التاج ج 4 ص 198.
في تأويل هذه الجملة حيث قيل إنها تعني يوم القيامة. أو عند الموت أو عند ما يغلبون في بدر وغيرها أو حين يظهر أمر الإسلام ويعلو. ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أنه انطوى فيها تحد للجاحدين وإنذار لهم وبشرى ربانية بحسن مصير الدعوة الإسلامية إلى العاقبة المحمودة والنجاح التام الذي سوف يعلمون نبأه ويشهدون حقيقة. وهذه البشرى على هذا الوجه معجزة من معجزات القرآن التي تحققت بكل قوة وسطوع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكثير من السامعين، ثم ظلت تتحقق إلى الآن وإلى ما شاء الله بمن انضوى إليها وما يزال ينضوي من المجموعات البشرية العظيمة المنتشرة في كل أطراف الدنيا على اختلاف الألوان والأجناس واللغات والمستويات والنحل والأديان.
وجملة إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ تأتي هنا للمرة الثانية حيث جاءت لأول مرة في سورة القلم بصيغة وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52) وقد علقنا على ما ينطوي في الجملة من مغزى خطير في صدد عموم الدعوة النبوية في سياق سورة القلم فنكتفي بهذه الإشارة.