الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجيه. ولقد تطرّقنا إلى هذا الموضوع في سياق سورة (الكافرون) وانتهى بنا البحث استنادا إلى الدلائل التي أوردناها أن القتال إنما يكون للكفار الأعداء المعتدين على الإسلام والمسلمين بأي أسلوب من أساليب الاعتداء بما في ذلك الصدّ عنه والطعن فيه وأذيّة معتنقيه. فنكتفي بهذا التنبيه في هذا المقام.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]
وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
. (1) يعدلون: هنا بمعنى يعملون أو يقضون.
(2)
سنستدرجهم: انظر شرحها في تفسير سورة القلم.
(3)
وأملى لهم إن كيدي متين: انظر شرحها أيضا في السورة المذكورة.
(4)
صاحبهم: كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
جنّة: هنا بمعنى الجنون.
(6)
ملكوت السموات والأرض: كناية عن الكون جميعه.
(7)
يعمهون: يعمون عن الحق أو يستغرقون في التعامي. ومما قيل إن العمه هو عمى القلب والعمى هو عمى البصر.
لا يذكر المفسرون رواية في مناسبة نزول الفصل. والمتبادر أنه استمرار للسياق السابق أيضا. وقد جاء معقبا بنوع خاص على الآيات السابقة له مباشرة لتوكيد ما تضمنته من تطمين وتثبيت وتنديد. وهي قوية في إنذارها وتنديدها وتطمينها:
فليس كل الناس ضالين ومنحرفين ومكذّبين وغافلين ومن نصيب جهنم. فإن منهم من يدعون إلى الحق ويهدون إليه ويعملون به. ولا يغترّن الذين يكذبون بآيات الله بما هم فيه من عافية ونعمة. فإن ذلك استدراج وإمهال واختبار.
وليعلموا أن بأس الله ونقمته شديدان قاصمان. والأجدر بهم أن يترووا في موقفهم ويتفكّروا ويتدبّروا فيما يسمعونه وحينئذ يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبلغهم ما يبلغهم من آيات الله هو منذر ومحذّر ولا يمكن أن يكون مجنونا. والأولى بهم أن يتفكّروا في عظمة كون الله وما خلقه من كائنات فيروا أن الله سبحانه لا يمكن أن يكون في ذلك عابثا. والأفضل لهم أن يتذكروا أنهم ميتون حتما وأن الموت قد يكون قريبا جدا منهم. وأنهم إذا لم يؤمنوا بهذا الذي يبلّغهم إيّاه النبي صلى الله عليه وسلم فليس هناك حديث ومحدّث آخر يمكنهم أن يؤمنوا به. وقد يفوتهم الوقت والفرصة فيندمون ولات ساعة مندم. ومن أصرّ بعد هذا الإنذار واختار الضلال على الهدى فهو وشأنه حيث يذره الله مرتكسا في ضلاله وطغيانه حتى يستحق ما أعدّه الله له يوم القيامة من المصير الرهيب.
وما قلناه في سياق الفصول السابقة نقوله هنا. فإن مضمون الآيات وبخاصة ما فيها من نسبة التكفير والنظر والإيمان وقابلية الاهتداء يزيل ما يمكن أن يتبادر إلى الوهم من مضمون الآية الأخيرة ويجعل الوجه فيها هو ما وجهناه في سياق شرح الفصول الثلاثة جملة.
والفصل يحتوي تلقينا مستمر المدى أيضا كسابقيه. ففيه تنويه بالدعاة إلى الحق والعاملين به وبالدعوة إليه والحثّ على العمل به. وفيه تنديد بالاستغراق في الغواية وعدم التدبّر والتروي في الأمور والمكابرة في الحق وعدم المبالاة بالعواقب وبمن يرتكس في ذلك.
هذا، ومضمون الآية [184] وأسلوبها يلهمان أن نفي الجنون عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بسبيل الردّ على تهمة الكفار إيّاه بالجنون وإنما هو بسبيل الإنذار وتوكيد صدق الدعوة وجدّها.