الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على الآية ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إلخ وما فيها من تلقين واستطراد إلى موضوع الدعاء في القرآن والحديث وما في ذلك من دلالة على إعارة الكتاب والسنّة لهذا الأمر من عناية ومدى هذه العناية
والأمر بالدعاء خفية قد تكرر في القرآن كما جاء في آية سورة الأعراف هذه أيضا: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) وآية سورة الإسراء هذه: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) .
وواضح أن هذا هو بسبيل التهذيب النفسي وتقرير كونه أدلّ على الإخلاص لله في الدعاء والعبادة وأبعد عن تهمة المظاهرة والرياء.
ولقد أورد ابن كثير حديثا ورد في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال:
«رفع الناس أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائب. إن الذي تدعون سميع قريب» . وروى الترمذي حديثا عن أبي أمامة قال: «قيل يا رسول الله أيّ الدعاء أسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة» . وفي الحديثين تساوق مع التلقين القرآني شأن سائر الأمور.
استطراد إلى موضوع الدعاء لله ومداه
ونستطرد إلى ذكر الدعاء لله بصورة عامة فنقول إن في القرآن آيات كثيرة في الحثّ على الدعاء لله تعالى وفي كل ظرف وفي التنويه به، ووعد رباني بالاستجابة لمن يدعوه. وإيذان بأنه قريب إليه كما ترى في الآيات التالية:
1-
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] .
2-
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الكهف: 28] .
3-
إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ [الأنبياء: 90] .
4-
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [النمل: 62] .
5-
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة: 16] .
6-
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [غافر: 14] .
7-
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر: 60] .
حيث يبدو من هذه الأمثلة ما اقتضته حكمة التنزيل من إعارة العناية لهذا الأمر. وإذا لاحظنا أن الدعاء في الإنسان يكاد يكون فطريا لأنه لا يكاد يجد نفسه في مأزق أو ضيق أو كرب أو أمام صعوبة إلّا وسارع إلى دعاء الله، تبينت لنا تلك الحكمة حيث ينطوي فيها علاج روحي لكثير من مشاكل النفس والحياة. فإذا ما أفضى الإنسان المحزون والمكروب والذي يواجه المشاق والمصاعب إلى ربّه ما يعانيه وطلب منه العون فإنه يشعر بطمأنينة ونفحة روحية تنشله مما هو فيه أو تخفّف عنه وتبثّ فيه الأمل والرجاء إذا كان ذلك مترافقا مع الإيمان والاعتقاد بأن الله سامع له قريب إليه مجيب لدعائه. وهذا فضلا عما ينطوي في الدعاء لله من وسيلة إلى ذكر الله ثم في إثارة الشعور بتقوى الله بصالح الأعمال واجتناب السيئات. وفي هذا ما فيه من وسيلة إلى تقويم أخلاق المسلم.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في هذا الموضوع منها حديث رواه الترمذي
والإمام أحمد والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء» «1» . وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يسأل الله يغضب عليه» «2» . وحديث رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«الدعاء مخّ العبادة» «3» . وحديث رواه الترمذي عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم إذا نكثر قال الله أكثر» «4» . وعن ابن عمر قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئا يعطى أحبّ إليه من أن يسأل العافية» «5» . وعن ابن عمر أيضا قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء» «6» . وعن سلمان قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يردّ القضاء إلّا الدعاء ولا يزيد في العمر إلّا البرّ» «7» . وعن عبد الله قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم سلوا الله من فضله فإنّ الله عز وجل يحبّ أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج» «8» .
وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقلنّ أحدكم اللهمّ اغفر لي إن شئت اللهمّ ارحمني إن شئت. ليعزم المسألة فإنّه لا مكره له» «9» . وحديث رواه البخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. يقول دعوت فلم يستجب لي» «10» . وحديث رواه
(1) التاج ج 5 ص 100.
(2)
انظر المصدر نفسه.
(3)
انظر المصدر نفسه.
(4)
انظر المصدر نفسه ص 100- 101.
(5)
انظر المصدر نفسه.
(6)
انظر المصدر نفسه.
(7)
انظر المصدر نفسه.
(8)
انظر المصدر نفسه.
(9)
انظر المصدر نفسه ص 103- 104.
(10)
انظر المصدر نفسه.