الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحداثها، وهذا الذي قلناه ينطبق على رواية قتادة التي أوردها الطبري بالنسبة للكتب السماوية الأخرى.
تعليق على ليلة القدر
ولقد أورد المفسرون ورواة الأحاديث أحاديث عديدة في صدد تعيين ليلة القدر. منها حديث رواه الشيخان والترمذي عن عائشة أيضا قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» «1» . وحديث رواه الخمسة إلّا الترمذي جاء فيه: «قال ابن عمر إن رجالا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر» «2» . وحديث رواه الشيخان والترمذي عن عائشة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأخير من رمضان» «3» . وحديث رواه الخمسة إلّا البخاري عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب فقلت إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال رحمه الله أراد ألا يتكل الناس. أما إنّه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنّها ليلة سبع وعشرين فقلت بأيّ شيء تقول ذلك يا أبا المنذر قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها» «4» . وحديث عن معاوية بن أبي سفيان رواه أبو داود وأحمد قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» «5» .
(1) التاج ج 2 ص 73- 76 ومعنى يجاور: يعتكف في المسجد.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه. [.....]
(4)
المصدر نفسه ص 77- 78 وهناك أحاديث عديدة أخرى أوردها ابن كثير في وقتها لم ترد في كتب الصحاح ومنها ما يذكر غير الأوقات المذكورة في الأحاديث التي أوردناها والواردة في كتب الصحاح فاكتفينا بذلك لأنها هي المشهورة والوثيقة معا.
(5)
المصدر نفسه.
ولما كانت آية البقرة تنصّ على نزول القرآن في شهر رمضان وآية القدر تنص على نزوله في ليلة القدر فيمكن أن يقال إن حادث أول وحي قرآني قد وقع في إحدى الليالي العشر الأخيرة من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه على التخصيص.
والتنويه القرآني بهذه الليلة قوي. وهي جديرة به لأن الحادث الذي وقع فيها أعظم حادث في تاريخ الإسلام. وإليه يرجع كل حادث فيه. وكل ذكرى من ذكرياته، وكل خير وبركة من خيراته وبركاته، وهو الجدير بأن يكون تاريخه موضع تنويه وإشادة وتكريم واحتفاء في كل جيل من أجيال الإسلام، بل في كل جيل من أجيال البشر وفي كل مكان من الأرض. فالنبوة المحمدية التي بدأت به هي نبوة الخلود والبشرية جمعاء. والقرآن الذي بدئ بإنزاله على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة هو كتاب الله الخالد الذي فيه رحمة وهدى وشفاء لجميع الناس في كل مكان وزمان، والذي احتوى ما فيه الكفاية لرجع أمور الدين والدنيا إلى نصابها الحق ولإقامة إخاء عام بين البشر. ونظام اجتماعي وسياسي واقتصادي مرتكز على قواعد الحق والعدل والحرية والمساواة والكرامة وهذا التاريخ هو التاريخ الوحيد المعروف في مثله من تاريخ الأنبياء وكتبهم. والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي بقي في أيدي الناس كما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم سليما تاما فوق كل مظنة. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الوحيد الذي لم يدر حول وجوده وشخصيته وتاريخه ما دار حول غيره من الشكوك والأقوال.
وفيما احتوته السورة من الإشارة إلى نزول الملائكة وعلى رأسهم عظيمهم في هذه الليلة بأوامر الله وبركاته وشمولها بالسلام والتجليات الربانية قصد إلى بيان عظمة شأنها ورفعة قدرها أولا، ودعوة ضمنية إلى المسلمين إلى إحيائها في كل عام اقتداء بالملائكة وتحصيلا للبركة الربانية فيها وتكريما للذكرى المقدسة التي انطوت فيها.
ولقد أثرت بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في خير هذه الليلة وبركتها، والحث على تحريها وإحيائها منها حديث رواه الخمسة عن أبي هريرة قال: «قال
النبي صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» «1» . وحديث رواه الخمسة عن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله» . ولفظ الترمذي: «كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها» «2» . وهذا متصل من دون ريب بالذكرى الجليلة. ومن الغريب أن يغفل المسلمون عن المعنى العظيم لهذه الذكرى وأن ينتهوا من أمرها إلى المعاني والأهداف المادية الخاصة فيما يدعون الله به كما هو السائد في الأوساط الإسلامية منذ قرون طويلة.
وقد يكون هنا مجال للتساؤل عما إذا كانت تسمية «ليلة القدر» هي تسمية قرآنية ونعتية طارئة، القصد منها التنويه والحفاوة والتذكير بعظمة شأن الحادث الذي كان فيها، أم أنها كانت معروفة قبل نزول القرآن. ولم نطلع على قول وثيق يساعد على النفي أو الإثبات. غير أن في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها والذي أوردناه في سياق تفسير سورة العلق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلو بغار حراء فيتحنّث أي يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، وأن الوحي نزل عليه هنا ما يمكن أن يكون دلالة ما إلى ما كان من معنى خطير لليالي ذوات العديد قبل البعثة. وما دام أن الوحي نزل عليه في إحدى هذه الليالي فمن الجائز أن تكون الليالي ذوات العدد هي الليالي العشر الأخيرة من رمضان أو أن هذه الليالي العشر منها. ولقد ذكرت الروايات «3» أن التحنث في شهر رمضان كان معروفا وممارسا في أوساط مكة المتقية المتعبدة حيث يسوّغ هذا أن يقال إن الليالي ذوات العدد كانت من الأمور المعروفة في هذه الأوساط أيضا. ولقد صارت ليلة القدر علما على ليلة بعينها، ووردت بمعنى هذه العلمية أحاديث عديدة مما مرت نصوصها، ولقد ورد في سورة الدخان هذه الآيات: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) حيث يفيد هذا أن الله عز وجل قد جرت
(1) التاج ج 2 ص 73- 74.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
تاريخ الطبري ج 2 ص 48.