الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين كانوا قبلهم من كان أعظم منهم أجساما وأشدّ قوة فأخذهم الله بكفرهم وإنهم لن يعجزوه. وقد تكرر هذا في آيات عديدة مثل آية سورة غافر هذه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) وآية سورة «ق» هذه: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) .
ولقد تكون زيادة بسطة أجسام عاد مما كان متداولا بين سامعي القرآن فذكر ذلك لتدعيم الموعظة والهدف القرآني. غير أن الجملة القرآنية لا تقتضي أن تكون أجسام قوم عاد خارقة للعادة. ولقد استعمل التعبير في القرآن في صدد وصف طالوت الذي اختاره نبي بني إسرائيل ملكا في آية سورة البقرة هذه: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) ولقد ذكرت قصة اصطفاء النبي لطالوت في سفر صموئيل الأول «1» ووصف طالوت (شاؤول) بأنه من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب. وليس هذا خارقا للعادة. وهذا كله يجعل أحد القولين الأولين عن مدى الجملة هو الأكثر ورودا واتساقا مع حقائق الأمور.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
(1) الإصحاحان الثامن والتاسع.
(1)
فذروها: دعوها واتركوها.
(2)
بوأكم: منحكم وأنعم عليكم ومكنكم.
(3)
عتوا: تمردوا.
(4)
الرجفة: كناية عن الزلزلة. والرجفان هو الحركة والاضطراب.
وهذه حلقة ثالثة احتوت قصة رسالة صالح عليه السلام إلى قومه ثمود.
وعبارتها واضحة. وقد ورد ذكر قصة ثمود ونبيهم في سور سابقة. وذكر فيما ذكر في هذه السور ما جاء في هذه الحلقة من أمر الناقة وعقرها. وعلقنا على ذلك بما اقتضى. وقد تكرر ورودها مرارا في سور أخرى بعد هذه السورة وفيها بعض بيانات لم ترد في هذه الحلقة.
وفي الطبري والبغوي وغيرهما بيانات كثيرة عن صالح عليه السلام وقومه وناقته وتآمرهم عليهما وعقرهم للناقة وما حلّ فيهم من عذاب الله معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها كثير من المبالغة والخيال فلم نر ضرورة إلى إيرادها لأنها غير متصلة بالهدف القرآني. ولكن فيها دلالة على ما قلناه قبل من أن سامعي القرآن من أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتداولون أخبارهم جيلا عن جيل.
والمشهور الذي تؤيده الآثار الباقية إلى اليوم أن قوم ثمود كانوا ينزلون في الجهات المعروفة اليوم بمدائن صالح أو في جهات العلاء في طريق قوافل تجّار العرب والحجاز إلى بلاد الشام وهي أقرب إليهم منها إلى هذه البلاد. فكان العرب