الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصبر عليه وبذكر عبد الله داود الذي آتاه الله القوة والملك والحكمة وفصّل الخطاب وسخّر له الجبال والطير يسبّحن معه وكلّ طائع منقاد له وهو مع ذلك أوّاب مطيع لله عز وجل. ثم قصّت قصة الخصم الذي دخل على داود من فوق السور ليتقاضوا عنده في قضية فيها امتحان رباني لداود وعقّبت عليها بتعقيبات واضحة العبارة لا تحتاج إلى بيان آخر.
تعليق على سلسلة قصص الأنبياء وهدفها
وهذه الآيات حلقة من سلسلة طويلة ذكر فيها عدا داود عليه السلام أنبياء الله سليمان وأيوب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذو الكفل عليهم السلام دون أقوامهم. وقد ذكر بعضهم باقتضاب وبعضهم بشيء من التفصيل حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
والآية الأولى تصل بين هذه الآيات والآيات السابقة لها سياقا وموضوعا.
فصور التكذيب واللجاج التي احتوتها الآيات السابقة من شأنها أن تحدث في نفس النبي صلى الله عليه وسلم مرارة وحزنا فأعقبتها أولا إشارة خاطفة في معرض الإنذار والتذكير إلى الأقوام الذين كذّبوا أنبياءهم، ثم جاءت هذه السلسلة لتسلي النبي صلى الله عليه وسلم وتخفف عنه ما يجده، فتحثّه على الصبر على ما يقول الكفار من جهة، وتخبره مذكرة أنه إذا وقف هؤلاء من دعوته هذا الموقف المرّ المحزن فإن هناك أناسا أخلصوا لله كل الإخلاص وأنابوا إليه كل الإنابة في حالات سرّائهم وضرّائهم وقوّتهم وضعفهم.
ومنهم من وصل إلى ذرى القوة والملك كداود وسليمان فلم تبطرهم القوة. ومنهم من وصل إلى أشدّ حالات البلاء، كأيوب فلم يزغه البلاء. وقد صبروا على امتحان الله الصبر الجميل وكانوا في كل امتحان يبادرون إليه نادمين منيبين مستغفرين فاستحقوا برّه ورحمته وتكريمه والمزيد من نعمه ومنحه. وهي تدعوه إلى الصبر على ما يلقاه من عناد ومناوأة وتكذيب والتأسي بمن سبقه من أنبياء الله وتبشيره بما سوف يكون له من برّ الله ورحمته وتكريمه والمزيد من نعمه ومنحه مثل ما كان الجز الثاني من التفسير الحديث 20
لهم. وقد انتهت الحلقة الأولى بالتنويه بالقرآن الكريم المبارك وكون الله قد أنزله على نبيه ليتدبّر السامعون آياته ويتذكّر أولو الألباب منهم فيهتدوا وينيبوا.
وهكذا يتسق هدف القصص القرآنية الذي نبهنا عليه سواء أكان قصص أنبياء مع أقوامهم أم قصص أنبياء لحدّتهم، وهو التدعيم والعظة والعبرة والدعوة إلى التأسي. وقد جاءت هذه السلسلة بعد حكاية ما كان من مواقف الكفار والمكذبين وعنادهم. وهو ما جرى عليه النظم القرآني على ما ذكرناه في مناسبات سابقة.
وداود يذكر لأول مرة هنا. وقد تكرر ذكره بعد ذلك، كما أن سيرته واردة بشيء من الإسهاب في بعض أسفار العهد القديم «1» . وهناك سفر خاص منها يعرف بالمزامير، فيه استغفار وتمجيد وتقديس وابتهالات لله يعزى أكثر فصوله إلى داود.
والراجح أنها هي الزبور الذي اقترن في القرآن باسم داود وذكر أن الله آتاه إياه كما جاء في آيات قرآنية عديدة منها آية النساء [163] التي فيها هذه الجملة: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) .
أما ملخص ما ورد في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم من سيرته فهو أن جدته لأبيه مؤابية وأنه كان بارعا في الضرب على الكنارة وأنه بارز جالوت قائد الفلسطينيين وقتله وصار من رجال الملك طالوت وأن هذا خاف منه على ملكه وصار يطارده ويتربص به ليقتله فالتجأ إلى الفلسطينيين وكان يحارب معهم. ولما مات طالوت بايعه فريق من بني إسرائيل ملكا في حبرون ثم صار ملكا على جميع بني إسرائيل واتخذ بيت المقدس التي كانت تسمّى أورشليم وكانت من قبل تسمى (يبوس) عاصمة له ونشبت بينه وبين الفلسطينيين الذين كان لهم ممالك عديدة في جنوب فلسطين وبينه وبين العمونيين والمؤابيين في شرق الأردن وبينه وبين الآراميين في سورية حروب انتصر فيها وصار سلطانه واسعا قويا في الشطر الأول
(1) هي سفر صموئيل الأول وصموئيل الثاني والملوك الأول وأخبار الأيام الأولى في الطبعة البروتستانتية وأسفار الملوك الأول والثاني والثالث وأخبار الأيام الأولى في الطبعة الكاثوليكية.