الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على عدم وصف إسماعيل واليسع وذي الكفل بوصف عبادنا وعدم قرن إسماعيل مع إبراهيم وإسحق ويعقوب
ويلحظ أولا أن إسماعيل واليسع وذا الكفل قد ذكروا مجردين من تعبير «عبادنا» الذي استعمل في ذكر الأنبياء الآخرين. وثانيا أن إسماعيل لم يقرن بإبراهيم وإسحق ويعقوب مع أنه ابن إبراهيم مثل إسحق بل ابنه البكر كما قلنا قبل على ما ورد في سفر التكوين وقد تكرر هذا في آيات أخرى «1» مما جعل بعض الأغيار والباحثين يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف بنوة إسماعيل لإبراهيم إلّا في العهد المدني حينما احتكّ باليهود، فلم يذكر بنوته له إلا في الآيات المدنية. وهذا خطأ فاحش فأبوّة إبراهيم لإسماعيل وأبوّة إسماعيل للعدنانيين مما كان متداولا بل راسخا عند العرب قبل البعثة النبوية على ما هو المتواتر وعلى ما تلهمه آيات قرآنية عديدة منها آيات سورة البقرة هذه: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وهذا فضلا عن أن بنوة إسماعيل لإبراهيم قد ذكرت في آية مجمع على مكيتها وهي آية سورة إبراهيم هذه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ
(1) منها آية سورة الأنعام [84] وهود [71] والأنبياء [72] والعنكبوت [27] .
الدُّعاءِ (39) وقد ذكرت آية أخرى أن إسماعيل من ذرية إبراهيم وهي آية سورة الأنعام هذه: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) .
ونقول من قبيل المساجلة إن بنوّة إسماعيل لإبراهيم وبكريته مذكورتان في إصحاحات عديدة من سفر التكوين. وكان في مكة جاليات كتابية تتداول هذا السفر. وهذا يعني أن هذا الأمر لم يكن ليخفى في مكة قبل البعثة. فضلا عن أن اليهود لم يكونوا منقطعين عن مكة حيث كان منهم المقيم فيها والمتردد عليها ومنهم من آمن فيها برسالة النبي صلى الله عليه وسلم على ماذكرته آية سورة الأحقاف المكية هذه:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) فليس من الضروري أن يكون علم النبي بذلك قد تأخر حتى هاجر إلى المدينة.
ولعلّ قرن إبراهيم وإسحاق ويعقوب في مقام واحد هنا وفي المواضع الأخرى قد قصد به الإشارة إلى كونهم هم أصل سلسلة أنبياء بني إسرائيل في حين لم يكن إسماعيل أصلا لها. ويؤيد هذا أن عيسو لم يذكر مع أنه الابن الأول لإسحق لأنه ليس أصلا لهذه السلسلة وأنه حينما اقتضت حكمة التنزيل وسياقه في مكة ذكر بنوّة إسماعيل مع بنوّة إسحق لإبراهيم ذكر ذلك كما جاء في آية سورة إبراهيم المكية الآنفة الذكر وقدم فيها إسماعيل لأنه البكر. أما مسألة ورود إسماعيل واليسع وذي الكفل بدون عبارة «عبادنا» دون الأنبياء السابقين فإن حكمة ذلك خافية علينا. مع التنبيه إلى أننا لا نرى في هذا المقام قرينة مؤيدة لقصد دلالة التفضيل. ولعلّ عطف الآية [48] على ما سبقها ينطوي فيه معنى العطف على وصف عبادنا أيضا. والله أعلم.