المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بين ثدي، ثم قال: تحول، فوضعها في ظهري بين كتفي، - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(25) باب الموقف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(27) باب ما على الإمام

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(28) باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(29) باب من صلى صلاة مرتين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌((الفصل الثالث))

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(33) باب التحريض على قيام الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(35) باب الوتر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(36) باب القنوت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(39) باب التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: بين ثدي، ثم قال: تحول، فوضعها في ظهري بين كتفي،

بين ثدي، ثم قال: تحول، فوضعها في ظهري بين كتفي، ثم قال: أمّ قومك فمن أم قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم ذا الحاجة. فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء)) .

1141-

(7) وعن ابن عمر، قال:((كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، ويؤمنا بالصافات)) . رواه النسائي.

(28) باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

{الفصل الأول}

1142-

(1) عن البراء بن عازب، قال: ((كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن

ــ

بتشديد اللام. (بين ثديي) بتشديد الياء على التثنية، وكذا قوله: كتفي. (تحول) أي انقلب. (فوضعها) أي كتفه. (فإن فيهم الكبير) في السن. (وإن فيهم الضعيف) كالصبيان والنسوان أو ضعيفي الأبدان وإن لم يكن مريضاً أو كبيراً. (وإن فيهم ذا الحاجة) أي المستعجلة. وفي تكرير "إن" إشارة إلى صلاحية كل للعلة. وهذه الرواية أخرجها أحمد (ج4 ص216، 218) وابن ماجه بنحوها من غير ذكر قصة وضع اليد على الصدر والظهر، وأخرجها البيهقي (ج3 ص118) مع القصة، وأخرجها أبوداود والنسائي وأحمد أيضاً (ج4 ص217) بلفظ قال: قلت يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، فقال أنت إمامهم. واقتد بأضعفهم.

1141-

قوله: (يأمرنا بالتخفيف) أي بتخفيف الصلاة إذا كنا إماماً. والمراد التخفيف في القراءة على ما ذكر وعين منها في الأحاديث. (ويؤمنا بالصافات) لرغبة المقتدين به سماع قراءته، وقوتهم على التطويل بحيث يكون هذا بالنظر إليهم تخفيفاً، فرجع الأمر إلى أنه ينبغي له أن يراعي حالهم، قاله السندي. وقال الطيبي: قبل بينهما أي بين أمره بالتخفيف وبين إمامته لهم بالصافات تناف، وأجيب: بأنه إنما يلزم إذا لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة يختص بها، وهو أن يقرأ الآيات الكثيرة في الأزمنة اليسيرة- انتهى. وقيل: يحمل على أنه فعل ذلك أحياناً لبيان الجواز، وإليه إأشار النسائي حيث بوب على هذا الحديث: باب الرخصة للإمام في التطويل بعد: باب ما على الإمام من التخفيف. (رواه النسائي) وكذا البيهقي (ج3 ص118) .

(باب ما على المأموم من المتابعة) للإمام. (وحكم المسبوق) بالجر عطف على ما.

1142-

قوله: (لم يحن) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم النون وكسرها، يقال حنا يحنو وحنى

ص: 81

أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض)) . متفق عليه.

1143-

(2) وعن أنس، قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما قضى صلاته أقبل علينا بوجهه، فقال: أيها الناس! إني أمامكم فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالإنصراف،

ــ

يحني معاً من بابي دعا ورمى، أي لم يقوس من حنيت العود وحنوته، أي عطفته وثنيته. (أحد منا ظهره) أي لم يثنه من القومة قاصداً للسجود. (حتى يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض) وفي رواية للبخاري: حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده، أي بحيث يتأخر ابتداء فعلهم عن ابتداء فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقدم ابتداء فعلهم قبل فراغه من السجود، إذ أنه لا يجوز التقدم على الإمام، ولا التخلف عنه. ولا دلالة فيه على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام خلافاً لابن الجوزي. ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم: وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً، ولأبي يعلى من حديث أنس: حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود. قال العيني: معنى هذا كله ظاهر في أن المأموم يشرع في الركن بعد شروع الإمام فيه وقبل الفراغه منه. وقال الحافظ بعد ذكر هذين الحديثين: وهذا أوضح في انتفاء المقارنة- انتهى. قال ابن دقيق العيد: حديث البراء يدل على تأخر الصحابة في الإقتداء عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتلبس بالركن الذي ينتقل إليه لا حين يشرع في الهوي إليه. ولفظ الحديث الآخر يدل على ذلك أعني قوله: فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا فإنه يقتضي تقدم ما يسمى ركوعاً وسجوداً- انتهى. قلت: أحاديث البراء وعمرو بن حريث وأنس وما في معناها كلها دليل على أنه يجب على المأموم متابعة الإمام في أفعاله، وأن السنة أن يتخلف المأموم في الانتقالات عن الإمام، أي لا يقارن الإمام في الهوي إلى الركن، بل يتأخر عن الشروع في الهوي حتى يشرع الإمام في الركن الذي انتقل إليه، وإليه ذهب الشافعي، وهو الحق. وحمل الحنفية هذه الأحاديث على أنه أمرهم بذلك حين بدن، فخشي أن يتقدموا عليه. وفيه أن هذا الحمل محتاج إلى دليل. والحديث فيه دليل على جواز النظر إلى الإمام لأجل اتباعه في انتقالاته في الأركان. (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب السجود على سبعة أعظم. والحديث أخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج2 ص92) .

1143-

قوله: (فلما قضى صلاته) أي أداها وفرغ منها. (إني إمامكم) يعني وسمي الإمام إماماً ليؤتم به ويقتدي به على وجه المتابعة. (فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالإنصراف) أي لتسليم. وحاصله أن المتابعة واجبة في الأحوال المذكورة. واستدل به بعضهم على جواز المقارنة. ورد بأنه دل منطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة. وأما المقارنة فمسكوت. قال النووي: المراد بالإنصراف السلام- انتهى.

ص: 82

فإني أراكم أمامي ومن خلفي)) . رواه مسلم.

1144-

(3) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبادروا الإمام: إذا كبر فكبروا، وإذا

قال: ولا الضآلين، فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا:

اللهم لك الحمد)) . متفق عليه،

ــ

ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الانصراف من مكان الصلاة قبل الإمام لفائدة أن يدرك المؤتم الدعاء أو لاحتمال أن يكون الإمام قد حصل له في صلاته سهو، فيذكر وهو في المسجد ويعود له، كما في قصة ذي اليدين، أو لكي تنصرف النساء إلى بيوتهن قبل الرجال، كما قيل في بيان علة النهي في حديث أنس المتقدم في باب الدعاء في التشهد بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة. قال الطيبي في شرح حديث الباب: يحتمل أن يراد بالانصراف الفراغ من الصلاة، وأن يراد الخروج من المسجد. قال القاري: الاحتمال الثاني في غاية السقوط لعدم المناسبة بالسابق واللاحق، وأيضاً لم يعرف النهي عن الخروج من المسجد قبل خروجه عليه السلام انتهى. قلت: الاحتمال الثاني يؤيده حديث أنس الذي ذكرناه آنفاً، ويؤيده أيضاً حديث أم سلمة السابق في باب الدعاء في التشهد بلفظ: أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله. فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. (أمامي) بفتح الهمزة أي قدامي أي خارج الصلاة. (ومن خلفي) أي داخلها بالمشاهدة على طريق خرق العادة. والمعنى كما أراكم من أمامي أراكم من خلفي. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي (ج2 ص91- 92) .

1144-

قوله: (لا تبادروا الإمام) أي لا تسبقوه بالتكبير والركوع والسجود والرفع منهما والقيام والسلام. (إذا كبر فكبروا) أي للإحرام أو مطلقاً فيشمل تكبير النقل. زاد أبوداود: ولا تكبروا حتى يكبر. (وإذا قال: ولا الضآلين) أي فقال آمين. (فقولوا آمين) أي مقارناً لتأمين الإمام لما تقدم أنه ليسن مقارنة تأمينه لتأمين إمامه. (وإذا ركع) أي أخذ في الركوع. (فاركعوا) زاد أبوداود: ولا تركعوا حتى يركع. (أى حتى يأخذ في الركوع لا حتى يفرغ منه، كما يتبادر من اللفظ) وإذا سجد. (أى أخذ في السجود) فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد. قال الحافظ: هي زيادة حسنة تنفى احتمال إرادة المقارنة من قوله: إذا كبر فكبروا. وقال العيني والحافظ أيضاً: رواية أبي داود هذه صريحة في انتفاء التقدم والمقارنة. (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد) استدل به من قال: إن وظيفة الإمام التسميع، ووظيفة المأموم التحميد؛ لأن ظاهره التوزيع والتقسيم وهو ينافي الشركة، وقد تقدم الكلام عليه في باب الركوع. (متفق عليه) أي على أصل الحديث. وإلا فاللفظ المذكور لمسلم

ص: 83

إلا أن البخاري لم يذكر: وإذا قال: ولا الضآلين.

1145-

(4) وعن أنس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً، فصرع عنه، فجحش شقة الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات

ــ

دون البخاري. وللحديث طرق وألفاظ عند البخاري ومسلم: منها ما أخرجه البخاري في باب إقامة الصف من تمام الصلاة بلفظ: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون. وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة، وهو عند مسلم أيضاً إلا أنه لم يذكر قوله: وأقيموا الصف الخ، وزاد: فإذا كبر فكبروا. واستدل بقوله: ولا تختلفوا عليه، لأبي حنيفة وموافقيه على منع صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن اختلاف النيات داخل تحت هذا القول لعمومه إطلاقه. وأجيب عنه بأنه محمول على الاختلاف في الأفعال الظاهرة فقط دون الباطنة، وهى ما لا يطلع المأموم عليه كالنية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد بين وجوه الاختلاف وفصلها بقوله: فإذا كبر فكبروا الخ. ويلحق ما لم يذكر قياساً عليه، ومنها ما أخرجه البخاري أيضاً في باب إيجاب التكبير بلفظ: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج2 ص92) . (إلا أن البخاري لم يذكر: وإذا قال ولا الضآلين) يعني مع قوله: فقولوا آمين. وفيه أنه ليس في طريق من طرقه عند البخاري قوله: لا تبادروا الإمام كما عرفت فهذا اللفظ أيضاً من إفراد مسلم.

1145-

قوله: (ركب فرساً) أي بالمدينة، كما في حديث جابر عند أبي داود. (فصرع عنه) بضم الصاد وكسر الراء المهملة أي أسقط عن الفرس. قال في القاموس: الصرع ويكسر الطرح على الأرض كالمصرع، وقد صرعه كمنعه. (فجحش) بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة أي خدش، وهو قشر جلد العضو. وقيل: الجحش فوق الخدش. (شقة) بكسر الشين المعجمة أي جانبه (الأيمن) وفي رواية عبد الرزاق: ساقه الأيمن، وليست مصحفة كما زعم بعضهم لما يوافقها رواية البخاري في باب الصلاة في السطوح، والخشب بلفظ: فجحشت ساقه أو كتفه، فيقال: رواية الساق مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن؛ لأن الخدش لم يستوعبه، ولا ينافي ذلك ما وقع في حديث جابر عند أبي داود: فصرعه على جزم النخلة، فانفكت قدمه، لاحتمال وقوع الأمرين، قال الحافظ: وأفاد ابن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة. (فصلى) أي في مشربة لعائشة كما في حديث جابر (صلاة من الصلوات) أي المكتوبات. قال القاري: وهو ظاهر العبارة. وقيل: من

ص: 84

وهو قاعد، فصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به،

ــ

النوافل. وفي رواية: فحضرت الصلاة. قال القرطبي: اللام للعهد ظاهراً، والمراد الفرض؛ لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة. وحكى عياض عن ابن القاسم أنها كانت نفلاً. وتعقب بأن في رواية جابر عند أبي داود الجزم بأنها فرض. قال الحافظ: لكن لم أقف على تعيينها إلا أن في حديث أنس: فصلى بنا يومئذ فكأنها نهارية الظهر أو العصر. (وهو قاعد) جملة حالية. قال عياض: يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام. ورد هذا بأنه ليس كذلك، وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت، كما ذكرنا من حديث جابر، وكذا وقع في رواية أنس عند أحمد والإسماعيلي. (فصلينا وراءه قعوداً) كذا في هذه الرواية: إنهم صلوا خلفه قاعدين، وهي رواية مالك عن الزهري عن أنس. وظاهرها يخالف ما روى البخاري وغيره من حديث عائشة بلفظ: فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن أجلسوا. والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصاراً، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس. ووقع في رواية حميد عن أنس عند البخاري في باب الصلاة في السطوح بلفظ: فصلى بهم جالساً وهم قيام: فلما سلم قال: إنما جعل الإمام الخ. وفيهم أيضاً اختصار؛ لأنه لم يذكر قوله: لهم اجلسوا. والجمع بينهما أنهم ابتدؤا الصلاة قياماً، فأوما إليهم بأن يقعدوا فقعدوا، فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين وجمعتهما عائشة، وكذا جمعهما جابرعند مسلم. وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال، وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس، وهذا الذي حكته عائشة. وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد؛ لأن فرض القادر في الأصل القيام. وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة. وفيه بُعد؛ لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقه لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول: إنما جعل الإمام ليؤتم به الخ؛ لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعوداً لكونه قاعداً، كذا في الفتح. (فلما انصرف) أي من الصلاة. (إنما جعل) بصيغة المجهول. (الإمام) يحتمل أن يكون جعل بمعنى سمي فيتعدى إلى مفعولين أحدهما الإمام القائم مقام الفاعل، والثاني محذوف أي إنما جعل الإمام إماماً، ويحتمل أن يكون بمعنى صار، أي إنما صير الإمام إماماً. وقيل: جعل بمعنى نصب واتخذ فلا حاجة إلى التقدير، وكلمة "إنما" تفيد جعل الإمام مقصوراً على الإنصاف بكونه مؤتماً به لا يتجاوز المؤتم إلى مخالفته. (ليؤتم به) أي ليقتدي به بالوجه المشروع. وقوله: فإذا صلى قائماً الخ بيان لذلك والائتمام الاقتداء والاتباع، أي جعل الإمام إماماً ليقتدي به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه بل يراقب أحواله، ويأتي على أثرها بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال التي فصلها الحديث

ص: 85

فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله

لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون.

ــ

ولا في غيرها قياساً، ولكن ذلك مخصوص بالأفعال الظاهرة ولا يشمل الباطنة، وهي ما لا يطلع عليه المأموم كالنية لما سيأتي. وبالجملة الإئتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة، فتنتفى المقارنة والمسابقة والمخالفة. قال النووي: متابعة الإمام واجبة في الأفعال الظاهرة. وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية، فإنها لم تذكر، وقد خرجت بدليل آخر، وكأنه يعني قصة معاذ المقدمة في باب القراءة وستأتي أيضاً في باب من صلى صلاة مرتين. ويمكن أن يستدل بهذا الحديث على عدم دخولها؛ لأنه يقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله لا في جميع أحواله كما لو كان محدثاً أو حامل نجاسة، فإن الصلاة خلفه تصح لمن لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء. ثم مع وجوب المتابعة ليس شيء منها شرطاً في صحة القدوة إلا تكبيرة الإحرام. واخنلف في السلام، والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، وخالف الحنفية فقالوا: تكفي المقارنة، قالوا لأن معنى الإئتمام الامتثال ومن فعل مثل فعل إمامه عد ممتثلاً سواء أوقعه معه أو بعده، وسيأتي حديث أبي هريرة الدال على تحريم التقدم على الإمام في الأركان. (فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً) مصدر أي ذوي قيام أو جمع أي قائمين ونصبه على الحالية. (وإذا ركع فاركعوا) وفي رواية للبخاري: فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا فالتكبير هنا مقدر مراد. (وإذا رفع) أي رأسه. (فارفعوا) وفي رواية للبخاري: إذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا. وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات. (ربنا لك الحمد) كذا في جميع النسخ: "لك الحمد" بغير الواو. ووقع في البخاري بإثباتها. قال الحافظ: كذا لجميع الرواة في حديث أنس بإثبات الواو إلا في رواية الليث عن الزهري في باب إيجاب التكبير، فللكشمهينى بحذف الواو، ورجح إثبات الواو بأن فيها معنى زائداً لكونها عاطفة على محذوف، وقد تقدم الكلام في معناه. (فإذا صلى) أي الإمام (جالساً) أي بعذر. (فصلوا جلوساً) جمع جالس وهو حال بمعنى جالسين. (أجمعون) بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله "صلوا" أو للضمير المستكن في الحال وهو جلوساً. قال الحافظ: كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو. وقال القسطلاني: ولأبي ذر وأبي الوقت: أجمعين بالنصب على الحال أي من ضمير الفاعل في قوله "صلوا" أو من ضمير"جلوساً"، أي صلوا جالسين مجتمعين، وليس منصوباً على أنه تأكيد لجلوساً؛ لأنه نكرة فلا يؤكد. وقيل: هو منصوب على التأكيد، لكن تأكيد لضمير منصوب مقدر كأنه قال: أعينكم أجمعين. ولا يخفى ما فيه من البعد. والحديث فيه فوائد: منها: وجوب متابعة الإمام، فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام منه، فإن شرع فيه قبل فراغه لم تنعقد؛ لأن الإمام لا يدخل في

ص: 86

الصلاة إلا بالفراغ من التكبير، فالاقتداء به في أثناءه اقتداء بمن ليس في صلاة بخلاف الركوع والسجود ونحوهما، فيركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سبقه أساء ولا تبطل، وكذافي السجود، ويسلم بعد سلامه، فإن سلم قبله بطلت إلا أن ينوي المفارقة أو معه فلا تبطل؛ لأنه تحلل فلا حاجة فيه للمتابعة بخلاف السبق، فإنه مناف للاقتداءن قاله القسطلاني. ومنها: مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسي لمن يحصل له سقوط، ونحوه بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، وبه الأسوة الحسنة. ومنها: أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة. ومنها: استحباب العيادة عند حصول الخدشة ونحوها. ومنها: جواز الصلاة جالساً عند العجز. ومنها: أنه يجب متابعة الإمام في القعود. وأنه يقعد المأموم مع قدرته على القيام، واختلف الأئمة فيه: فذهب إلى ظاهر الحديث إسحاق والأوزاعي وداود وبقية أهل الظاهر، قالوا: يجب القعود خلف الإمام القاعد ولو كان القوم أصحاء. قال ابن حزم في المحلى (ج3 ص69) : وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام، فأنه مخير بين أن يصلي قاعداً وبين أن يصلي قائماً، وذهب أحمد إلى التفصيل، فقال: إذا ابتدأ إمام الحي الراتب الصلاة قاعداً لمرض يرجي برءه فحينئذ يصلون وراءه جلوساً ندباً ولو كانوا قادرين على القيام وتصح الصلاة خلفه قياماً، فالحديث عنده محمول على القعود الأصلي الغير الطارىء، ومقيد بإمام الحي الراتب المرجو زوال مرضه، والأمر بالجلوس فيه للندب، قال: وإذا ابتدأ الإمام الراتب قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا، كما في الأحاديث التي في مرض موته، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالقعود؛ لأنه ابتدأ إمامهم، وهو أبوبكر، صلاته قائماً ثم أمهم صلى الله عليه وسلم في بقية الصلاة قاعداً بخلاف صلاته صلى الله عليه وسلم بهم في مرضه الأول المذكور في حديث أنس، فإنه ابتدأ صلاته قاعداً فأمرهم بالقعود. وذهب الشافعي وأبوحنيفة وأبويوسف إلى أنه لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائماً، وهو رواية عن مالك فيما رواه الوليد بن مسلم عنه، قالوا: الأمر بالقعود خلف الإمام القاعد للعذر منسوخ، وناسخه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في مرض موته قاعداً وهم قيام، وأبوبكر قائم. هكذا قرره الشافعي، ونقله البخاري عن شيخه الحميدي، وهو تلميذ الشافعي، وسيأتي الجواب عن ادعاء النسخ. وذهب مالك في الرواية المشهورة عنه إلى أنه لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائماً ولا قاعداً، وبه قال محمد فيما حكاه الطحاوي عنه قالت المالكية، إمامة الجالس المعذور بمثله وبالقائم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا لعذر ولا لغيره، ورد بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف وخلف أبي بكر ثم لو سلم أنه لا يجوز أن يؤمه أحد لم يدل ذلك على منع إمامة القاعد، وقد أم قاعداً جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم، منهم أسيد بن حضير

ص: 87

قال الحميدي: قوله: إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً، هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

وجابر وقيس بن قهد وأنس بن مالك، والأسانيد عنهم بذلك صحيحة. أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم، بل ادعى ابن حبان وابن حزم إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد. وقال أبوبكر ابن العربي: لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك، واتباع السنة أولى، والتخصيص لا يثبت بالاحتمال. قال: إلا إني سمعت بعض الأشياخ يقول: الحال أحد وجوه التخصيص، وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض عنه يقتضي الصلاة معه على أي حال كان عليها وليس ذلك لغيره، وأيضاً فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه، فلا نقص في صلاته عن القائم، والجواب عن الأول رده بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي، وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حق القادر في النافلة، وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم. وقال ابن دقيق العيد: وقد عرف أن الأصل عدم التخصيص حتى يدل عليه دليل- انتهى. على أنه يقدح في التخصيص ما تقدم من إمامة جماعة من الصحابة قاعدين بعده صلى الله عليه وسلم.......... واستدل بعضهم على دعوى التخصيص بما روى الدارقطني (ص153) والبيهقي (ج3 ص80) عن الشعبي مرفوعاً: لا يؤمن أحد بعدي جالساً، وأجيب عن ذلك بأن الحديث باطل؛ لأنه من رواية جابر الجعفى عن الشعبي مرسلاً وجابر متروك، وروي أيضاً من الرواية مجالد عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور، وحكى عياض عن بعض مشائخهم: أن إمامة القاعد منسوخة جملة بحديث الشعبي المذكور، وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى تاريخ وهو لا يصح كما قدمنا. (قال الحميدي) بضم الحاء المهملة وفتح الميم هو شيخ البخاري وتلميذ الشافعي، واسمه عبد الله بن الزبير بن عيسى أبي عبيد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد القرشي الأسدي المكي أبوبكر، ثقة فقيه حافظ، أجل أصحاب ابن عيينة. قال الحاكم: كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غيره من الثقة به. وفي الزهرة: روى عنه البخاري خمسة وسبعين حديثاً، وهو من أفراد البخاري، مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين. وقيل: بعدها وليس هو الحميدي الذي جمع بين الصحيحين. (هو في مرضه القديم) يعني مرضه الذي كان بسبب سقوطه عن الفرس. وقال القاري: أي حين- آلى من نسائه- انتهى. وفيه أن قصة الإيلاء كانت سنة تسع على ما هو المشهور، وواقعه سقوطه عن الفرس المذكورة في حديث أنس وعائشة وجابر كانت سنة خمس على ما أفاد ابن حبان وجزم به العيني والقسطلاني وصاحب تأريخ الخميس. (ثم صلى بعد ذلك) أي في مرض موته. (النبي صلى الله عليه وسلم) حال

ص: 88

جالساً والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ــ

كونه (جالساً والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أن الذي يجب به العمل هو ما استقر عليه آخر الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم صلاته قاعداً والناس وراءه قيام دل على أن ما كان قبله من ذلك مرفوع الحكم ومنسوخ، هذا هو الجواب المشهور عن حديث أنس وما في معناه ممن اختار وجوب القيام خلف الإمام القاعد، وإليه يظهر ميل البخاري حيث ذكر قول شيخه الحميدي هذا بعد إخراج الحديث ولم يتعقبه. وقال في كتاب المرضى بعد إخراج حديث عائشة في قصة السقوط عن الفرس: قال الحميدي: هذا الحديث منسوخ. قال أبوعبد الله. (هو البخاري نفسه) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما صلى صلى قاعداً والناس خلفه قيام – انتهى. قلت: في هذا الجواب نظر من وجوه: منها: أن حديث أنس وما في معناه قانون كلي وتشريع عام للأمة، وما صدر منه صلى الله عليه وسلم في مرض موته واقعة جزئية غير منكشفة الحال، وحكاية حال محتملة لمحامل فلا يدري أنه كان لنسخ الأمر بالقعود خلف الإمام القاعد أو كان لبيان أن الأمر المذكور ليس للوجوب بل للندب، أو كان ذلك لأن إمامهم كان قد ابتدأ الصلاة قائماً فأقرهم على القيام إظهاراً للفرق بين القعود الأصلي والقعود الطارىء، وبين المرض المرجو الزوال وغير المرجو الزوال، وادعاء النسخ بمثل هذه الواقعة الجزئية لا يخلو عن خفاء بل هو مشكل. قال صاحب فيض الباري: القول بالنسخ لا يعلق بالقلب؛ لأن الحديث مشتمل على أجزاء كثيرة من تشريع عام وضابطة كلية على نحو بيان سنة وسرد معاملة بين الإمام والمأموم، فالقول بنسخ جزء من الأجزاء من البين، وإبقاء المجموع على ما كان ثم بواقعه جزئية تحتمل محامل مما يفضي إلى الاضطبراب ولا يشفي، ولعمرى أنا لو لم نعلم هذه المسألة لما انتقل ذهن أحدنا إلى أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك قاعداً كانت لبيان النسخ وإنما حملناها عليه حفظا للمذهب فقط، وإلا فالجمع بين الحديثين يحصل على مذهب أحمد ولا يحتاج إلى النسخ ألا ترى أن ساداتنا (الحنفية) لما تركوا مسئلة جواز الاستقبال والاستدبار لم يبالوا بوقائع تنقل في هذا وقالوا: إنها وقائع غير منكشفة الحال، وحديث أبي أيوب تشريع عام فلا أدري أنه ما الفرق بين هذين، فذهبوا إلى النسخ ههنا دون هناك- انتهى. ومنها: أن القول بالنسخ مبني على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمام وأن أبا بكر كان مأموماً في تلك الصلاة، وقد وقع في ذلك خلاف. قال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله: كان أبوبكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم. (أى في قصة مرض موته) ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماماً، وقد جاء خلافه أيضاً. وبسبب التعارض في روايات هذا الحديث سقط استدلال من استدل به على نسخ حديث: وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً، وقال في حاشية النسائي بعد ذكر الروايات المختلفة في ذلك ما لفظه: وهذا يفيد الاضطراب في هذه لواقعة، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة، لا يخلو عن خفاء. وأجيب بأن هذا الاختلاف ليس بقادح؛ لأن روايات إمامة النبي صلى الله عليه وسلم أصح وأرجح، لكونها مخرجة في الصحيحين،

ص: 89

فتقدم على روايات إمامة أبي بكر. ويظهر من صنيع الشيخين أن الراجح عندهما هو إمامة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما لم يدخلا في صحيحها من طرق حديث عائشة إلا ما فيه إمامة النبي صلى الله عليه وسلم مع ثقة رواة الخلاف، وكذا لم يذكرا في صحيحهما حديث أنس المصرح بإمامة أبي بكر، وهو عند أحمد والترمذي والنسائي وأبي داود الطيالسي والطحاوى. وهذا على تقدير اتحاد الواقعة. وأما على ما جزم به ابن حبان وابن حزم والبيهقي والضياء المقدسي وغيرهم من تعدد الواقعة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان إماماً مرة ومأموماً أخرى فلا تعارض أصلاً. ومنها: أن هذا مبني على أن الصحابة صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قياماً، ولم يثبت ذلك صريحاً بطريق صحيح متصل. وأما ما ذكر الزيلعي في نصب الراية (ج2 ص42) من كتاب المعرفة للبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه إلى أن قال: فكان عليه السلام بين يدي أبي بكر يصلي قاعداً، وأبوبكر يصلي بصلاته قائماً، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والناس قيام خلف أبي بكر. ففيه أنه لم يذكر إسناده فما لم يعرف حال سنده، وأنه صالح للاحتجاج لا يكون حجة على المخالف. وأما ما قال الحافظ في الفتح نقلاً عن الشافعي: إنه أي قيام المأمومين في رواية إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة وإنه وجد مصرحاً به في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، فذكر الحديث، وفيه فصلى الناس وراءه قياماً. ففيه أن رواية عائشة معلقة ورواية عطاء مرسلة. وقد قال أحمد: ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء، فإنهما كانا يأخذان عن كل أحد. وقال ابن المديني: كان عطاء يأخذ عن كل ضرب. وقد نازع أيضاً ابن حزم وابن حبان في ثبوت كون الصحابة صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد قياماً غير أبي بكر، واستدل ابن حبان على ذلك بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبوبكر يسمع الناس تكبيره، قال فالتفت إلينا فرأنا قياماً، فأشار إلينا فقعدنا، فلما سلم قال إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا- الحديث. وهو حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي والطحاوى وابن ماجه. قال ابن حبان: وإسماع أبي بكر التكبير لم يكن إلا في مرض موته؛ لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة، ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره، بخلاف صلاته في مرض موته، فإنها كانت في المسجد يجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبوبكر أن يسمعهم التكبير- انتهى. وأجاب عنه الحافظ بحمله على حديث أنس على صلاته في مشربة عائشة في مرضه الأول، قال: وإسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد. وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبوبكر التكبير في تلك الحالة؛ لأنه يحمل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم كان خفياً من الوجع، وكان من عادته أن يجهر بالتكبير، فكان أبوبكر يجهر عنه بالتكبير لذلك. نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلاً به بعد قوله: وصلى الناس وراءه قياماً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 90

لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعوداً، فصلوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً. وهذه الزيادة تقوي ما قال ابن حبان: إن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. ثم رأيت السندي قد ذكر في حاشية البخاري (ج1 ص88) وجه النظر الثالث، وقرره أحسن تقرير، وبسط الكلام فيه فأجاد حيث قال: لا دلالة فيه أي في حديث عائشة الذي في مرض موته على أن الصحابة كانوا قياماً نعم قد ثبت أن أبا بكر كان قائماً، ولعله قام لضرورة الإسماع، لا يقال: قد جاء في بعض الروايات أنهم كانوا قائمين؛ لأن مدار النسخ حينئذٍ على تلك الروايات لا على ما ذكره صاحب الصحيح أو أصحاب الصحاح، فحينئذٍ ينظر في تلك الروايات هل يقوى شيء منها قوة حديث إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً، وما ذكروا إلا يساوي هذا الحديث، بل ولا يدانيه، فلا يتجه الحكم بنسخ هذا الحديث بتلك الروايات. وما قيل: إنهم ابتدؤو الصلاة مع أبي بكر قياماً فلا نزاع فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان ففيه أن المحتاج إلى البيان من يدعى النسخ وأما من يمنعه فيكفيه الاحتمال؛ لأن الأصل عدم النسخ، ولا يثبت بجرد الإحتمال. فقوله فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان خارج عن قواعد البحث، على أنا نقول قعود الصحابة هو الأصل الظاهر عملاً بالحكم السابق المعلوم عندهم، وبقاءهم على القيام لا يتصور إلا بعد علمهم بنسخ ذلك الحكم المعلوم، ولا دليل عليه. فالواجب أنهم قعدوا، فمن ادعى خلافه فعليه البيان. وأما القول بأنهم ثبتوا على القيام اتفاقاً وإن كان المعلوم عندهم أن الحكم هو القعود إلا أنه وافق النسخ، وعلم ذلك بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على القيام، فمن باب فرض المستحيل عادة، وكذا القول بأنه لم يكن في الحاضرين أحد يعرف الحكم السابق مع أن الحكم السابق كان مشهوراً فيما بينهم، وكانوا يعملون به، وكذا القول بأنهم لعلهم عرفوا النسخ قبل هذه القضية ببيانه صلى الله عليه وسلم لهم النسخ، فلذلك ثبتوا القيام، إذ يستبعد جداً أن يكون هناك ناسخ لذلك يعرفه أولئك الحاضرون ثم يخفى بحيث لا يرويه أحد – انتهى كلام السندي. ومنها: أنه إنما يصار إلى النسخ إذا تعذر الجمع، وههنا الجمع ليس بمعتذر، بل هو ممكن، كما نقل عن أحمد أنه جمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين، وهو واضح مما ذكرنا من مذهبه. وجمع بعضهم بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز. قال الحافظ بعد ذكر رواية عطاء المرسلة المتقدمة: ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعوداً إذا صلى إمامهم قاعدا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب، فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعوداً على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة، هذا مقتضى الجمع بين الأدلة- انتهى. ومنها: أنه وقع الأمر بالجلوس خلف الإمام القاعد في صلاة مرض موته

ص: 91

عليه السلام أيضاً كما تقدم في رواية عطاء، فالاستدلال بصلاة مرض موته على نسخ الأمر بالجلوس خلف القاعد لا يخلو عن إشكال: ومنها: أن الحديث يدل على أن الجلوس عند جلوس الإمام من جملة الائتمام بالإمام، ولا شك أن الاقتداء بالإمام حكم ثابت على الدوام غير منسوخ، وأيضاً حديث جابر يدل على أن علة عدم جواز القيام عند قعود الإمام هي أن القيام يصير تعظيماً لغير الله فيما شرع تعظيماً لله وحده لا شريك له، ولا شك في أن هذه العلة دوامها يقتضى دوام الحكم، فيلزم أن يدوم عدم شرعية القيام خلف الإمام القاعد لوجوب دوام المعلول عند دوام العلة، فالقول بنسخ هذا الحكم لا يخلو عن بُعد، قاله السندي في حاشية ابن ماجه، وذكر نحوه أيضاً في حاشية الصحيحين. ومنها: أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين؛ لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعداً وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعداً، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضى وقوع النسخ مرتين. وهو بعيد، وأبعد منه ما تقدم من نقل عياض، فإنه يقتضي وقوع النسخ ثلاث مرات. هذا، وقد أجاب أيضاً من اختار وجوب القيام خلف القاعد، وكذا من منع صحة إمامة القاعد بأن المراد بالأمر في قوله:"وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً" أن يتقدى به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين؛ لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، قالوا: فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيماً له فأمرهم بالجلوس وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر: إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، فيكون معنى قوله "إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً" أنه إذا كان في حالة الجلوس فاجلسوا ولا تخالفوه بالقيام، وإذا صلى قائما فصلوا قياماً أي إذا كان في حالة القيام فقوموا ولا تخالفوه بالقعود، وكذلك في قوله " فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا". وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد وبأن سياق طرق الحديث يأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال "وإذا جلس فاجلسوا" ليناسب قوله "وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا"، فلما عدل عن ذلك إلى قوله "وإذا صلى جالساً" ظهر أن المراد بذلك في جميع الصلاة، ويؤيد ذلك قول أنس:"فصلينا وراءه قعودا"، وإذا عرفت هذا فاعلم أن أولى الأقوال وأرجحها عندي، هو أن يجمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريره صلى الله عليه وسلم قيام الصحابة خلفه لو ثبت كان لبيان الجواز، فمن أم قاعداً لعذر تخير من صلى خلفه بين القيام والقعود، والقعود أولى بالثبوت الأمر الائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك، ويؤيد هذا الجمع أنه استمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده، وقد ذكر الحافظ في الفتح (ج3 ص382) قيس بن قهد وأسيد بن حضير وجابر بن عبد الله أنهم صلوا قعوداً والناس خلفهم جلوس، وذكر عن أبي هريرة "أنه أفتى بذلك وذكر من أخرج هذه

ص: 92

هذا لفظ البخاري. واتفق مسلم إلى أجمعون. وزاد في رواية: فلا تختلفوا عليه، وإذا سجد فاسجدوا.

1146-

(5) وعن عائشة، رضي الله عنها قالت: ((لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء بلال يؤذنه بالصلاة

ــ

الآثار وصحح أسانيدها. وذكر ابن حزم في المحلى (ج3 ص70) ذلك أيضاً وأخرج الدارقطني في (ص52) عن أسيد بن حضير وفي (ص162) عن جابر: أنهما صليا جالسين والمأمون أيضاً جلوساً، وادعى ابن حبان: الإجماع على العمل. وكأنه أراد السكوتى؛ لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم. وقال: لا يحفظ عن أحد من الصحابة وغيرهم القول بخلافه، لا من طريق صحيح ولا ضعيف، وكذا قال ابن حزم: أنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك. وأما ما قال الشافعي: أن ما حكي عن هؤلاء الصحاية: أنهم أموا جالسين ومن خلفهم جلوس. محمول على أنه لم يبلغهم النسخ، ففيه أن كل ما زعموه للنسخ هو حديث عائشة الآتي، ولا يدل على شيء مما أرادوا كما تقدم. وأيضاً أن هؤلاء الصحابة لم يتفردوا بذلك، بل وافقهم على ذلك من صلى خلفهم جالسين من الصحابة والتابعين، وبعيد كل البُعد أن لا يبلغ النسخ أحداً منهم. (هذا لفظ البخاري) في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به. (واتفق مسلم) أي معه في أصل الحديث. (إلى أجمعون. وزاد) أي مسلم. (في رواية فلا تختلفوا عليه) فيه نظر؛ لأن هذا اللفظ ليس في حديث أنس لا في البخاري، ولا في مسلم، نعم هو في حديث أبي هريرة عند الشيخين، فأخرجه البخاري بهذا اللفظ في باب إقامة الصف من تمام الصلاة، ومسلم في باب إئتمام المأموم بالإمام. ومحل هذا اللفظ بعد قوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به" متصلاً به واستدل به على عدم جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، لما فيها من الاختلاف بين الإمام والمأموم نية، وهو ضعيف؛ لأن المراد عدم الاختلاف في الأفعال، بدليل التفسير بقوله " فإذا ركع الخ". كيف ولو كان شاملاً للاختلاف نية لما كانت صلاة المتنفل خلف المفترض جائزة مع أنه جائز بالاتفاق. (وإذا سجد فاسجدوا) فيه أن هذه الزيادة عند البخاري أيضاً في حديث أنس وليست من أفراد مسلم كما توهم المصنف، واختلفت الروايات في ذكر محلها، وحديث أنس هذا أخرجه أيضاً أحمد ومالك والشافعي في الرسالة وفي الأم وفي اختلاف الحديث، والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.

1146-

قوله: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في مرضه الذي توفي فيه بفتح الثاء وضم القاف يقال ثقل الشيء يثقل ثقلاً، مثال صغر يصغر صغراً فهو ثقيل ضد خف، والمعنى ههنا اشتد به مرضه وتناهى ضعفه وركد أعضاءه عن خفة الحركات، ويفسره قولها بعده في رواية: واشتد به وجعه. (يؤذنه) بضم الياء وسكون الهمزة من الإيذان، أي يعلمه ويخبره ويجوز إبدال الهمزة واواً. (بالصلاة) أي بحضور وقتها والمراد صلاة العشاء

ص: 93

فقال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى أبوبكر تلك الأيام. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في

نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، حتى دخل المسجد، فلما

سمع أبوبكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر، فجاء حتى جلس

عن يسار أبي بكر،

ــ

الآخرة كما سيأتي. (مروا أبا بكر أن يصلي بالناس) استدل به أهل السنة على خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ووجهه أن الإمامة في الصلاة التي هي الإمامة الصغرى كانت من وظائف الإمامة الكبرى، فنصبه صلى الله عليه وسلم إياه إماماً في الصلاة في تلك الحالة من أقوى إمارات تفويض الإمامة الكبرى إليه، وهذا مثل أن يجلس سلطان زماننا أحد أولاده عند الوفاة على سرير السلطنة، فهل يشك أحد في أنه فوض السلطنة إليه، فهذه دلالة قوية لمن شرح الله تعالى صدره، وليس من باب قياس الإمامة الكبرى على الإمامة الصغرى مع ظهور الفرق، كما زعمه الشيعة. وقولهم: إن الدلالة لو كانت ظاهرة قوية لما حصل الخلاف بينهم في أول الأمر باطل ضرورة أن الوقت حيرة ودهشة، وكم من ظاهر يخفى في مثله. (ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة) أي قوة في بعض تلك الأيام. والظاهر أن ذلك كان عند صلاة الظهر يوم الخميس قبل أن يقبض بخمسة أيام. (فقام يهادى) بضم أوله وفتح الدال على بناء المفعول من المفاعلة. (بين رجلين) أي يمشي بينهما معتمداً عليهما متمايلاً في مشيه من شدة ضعفه وإحدى يديه على عاتق أحدهما والأخرى على عاتق الآخر. يقال: جاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه متمايلاً إليهما في مشيه من شدة الضعف. والرجلان: العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، كما في الحديث الآتي في الفصل الثالث. وفي رواية ابن حبان: وجد من نفسه خفة فخرج بين بريرة ونوبة. ويجمع كما قال النووي: بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي. وقال أبوحاتم: خرج بين الجاريتين إلى الباب ومن الباب أخذه العباس وعلي حتى دخلا به المسجد. وقيل: يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدارقطني: أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس. وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن عباس وعلي، فذلك في حال مجيئه من بيت ميمونة إلى بيت عائشة. (ورجلاه تخطان) بضم الخاء. (في الأرض) أي تعملان فيها خطاً، إذ لا يقدر أن يرفعهما عنها من الضعف. قال النووي: أي لا يستطيع أن يرفعهما ويضعفهما ويعتمد عليهما. (فلما سمع أبوبكر حسه) بكسر الحاء وتشديد السين المهملتين أي نفسه المرك بحس السمع، قاله السندي. وقيل: أي حركته أوصوته الخفي. (ذهب) أي أراد وقصد أو طفق أو شرع. (يتأخر) عن موضعه ليقوم عليه السلام مقامه. (فأومأ) بهمزة في آخره أي أشار. وفي بعض النسخ: فأومأ بالألف وهوخطأ. (أن لا يتأخر) أي بعدم تأخره. (فجاء) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى جلس عن يسار أبي بكر) هذا هو مقام الإمام، وفيه تعيين لما أبهم في الرواية الآتية من مكان جلوسه صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماماً لا مأموما لجعله أبا بكر عن يمينه، وقال العيني: إنما لم يجلس

ص: 94

فكان أبوبكر يصلي قائماً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً، يقتدى أبوبكر بصلاة

رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبوبكر)) .

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه؛ لأن اليسار كان من جهة حجرته فكان أخف عليه (يقتدي أبوبكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه رد على من زعم أنه صلى الله عليه وسلم كان مقتدياً بأبي بكر. (والناس يقتدون بصلاة أبوبكر) أي من حيث أنه كان يسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم. قال القسطلاني: أي يستدلون بصلاته على صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال القاري: أي يصنعون مثل ما يصنع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان قاعداً وأبوبكر كان بجنبه قائماً لا أن أبا بكر كان إمام القوم والنبي صلى الله عليه وسلم كان إمامه إذا الاقتداء بالمأموم لا يجوز بل الإمام كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر والناس يقتدون به. واعلم أنه قد وقع الاختلاف في حديث عائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم إماماً أو مأموماً؟ فوقع عند الشيخين، وكذا عند أحمد في مسنده ومالك في باب صلاة الإمام وهو جالس، والنسائي في باب الائتمام بمن يأتم بالإمام، وفي باب الائتمام بالإمام يصلي قاعداً، وابن الجارود في المنتقى في باب تخفيف الصلاة بالناس، والبزار كما قال الحافظ في الفتح وابن حبان كما قال الزيلعي وابن ماجه في باب صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ما يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إماماً وأبوبكر مأموماً، ووقع عند ابن حبان كما قال الزيلعي، وعند ابن حزم في المحلى (ج3 ص67) وابن الجارود في المنتقى (ص166) وأحمد في مسنده (ج6 ص159) والبيهقي في سننه (ج3 ص82) وابن المنذر وابن خزيمة كما قال الحافظ، والترمذي في باب بعد باب إذا صلى الإمام قاعداً فصلوا قعوداً ما يفيد أن أبا بكر كان هو الإمام. وروى ابن خزيمة عن محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: من الناس من يقول كان أبوبكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف، ومنهم من يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم، وظاهر هذه الرواية أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة. قال الحافظ: ولكن تظافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى بن أبي عائشة وهى التي تأتي في الفصل الثالث، ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف فيها: فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموماً للجزم بها، ولأن أبا معاوية (الذي روى الحديث بلفظ يقتدي أبوبكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر) أحفظ في حديث الأعمش من غيره. ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماماً. ومنهم من سلك الجمع. (كابن حبان والبيهقي وابن حزم) فحمل القصة على التعدد. (يعني أنه كان إماماً مرة ومأموماً أخرى) ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة، فحديث ابن عباس فيه. أن أبا بكر كان مأموماً كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة، وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس

ص: 95

عند ابن ماجه وحديث أنس فيه: أن أبا بكر كان إماماً. أخرجه الترمذي والنسائي- انتهى كلام الحافظ. قلت: حديث أرقم عن ابن عباس أخرجه أيضاً أحمد (ج1 ص231و 255و 256) والطحاوى في شرح الآثار (ج1 ص235) وفي مشكله (ج2 ص27) وابن سعد في طبقاته (ج2 ص130) والبيهقي في سننه (ج3 ص81) . ومدار هذا الحديث عند الجميع على أبي إسحاق السبيعي عن أرقم بن شرحبيل، وأبوإسحاق مدلس واختلط بآخره. وقد رواه بالعنعنة. وقد قال البخاري لا يذكر سماعاً من أرقم بن شرحبيل- انتهى. وحديث أنس قد صححه الترمذي، وأخرجه أيضاً أحمد (ج3 ص159، 233، وص243) . والراجح عندي أن القصة واحدة، وأن الاختلاف في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في صلاة واحدة. وإن هذا الاختلاف من تصرف الرواة فقط، وهو ظاهر من سياق الأحاديث الواردة في الباب وطرقها، ومن صنيع الشيخين حيث لم يخرجا في صحيحيهما من طرق حديث عائشة إلا ما فيه إمامة النبي صلى الله عليه وسلم مع ثقة رواة الخلاف، ولم يخرجا حديث أنس أصلاً. قال الحافظ: قد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة، وهي هذه التي صلى فيها قاعداً، وكان أبوبكر فيها أولاً إماماً ثم صار مأموماً يسمع الناس التكبير- انتهى. وقال ابن عبد البر: الآثار الصحاح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمام- انتهى. وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة، والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف وإكرام الفاضل؛ لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي، فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه وفيه أن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق. وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى. وقال الطبري: إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده في نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى أنه صلى خلفه. واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر. وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة، كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض، وهو قول الشعبي واختيار الطبري، وأومأ إليه البخاري كما تقدم. وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغاً كما سيأتي الآن، وعلى هذا فمعنى الإقتداء اقتداءهم بصوته، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً وكان أبوبكر قائماً، فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين، فمن ثم كان أبوبكر كالإمام في حقهم، وتأويله بأن المراد أن أبا بكر كان يراعي في الصلاة حاله صلى الله عليه وسلم في القيام والركوع والسجود، فكأنه كان مقتدياً به، كما ورد في

ص: 96

متفق عليه. وفي رواية لهما: يسمع أبوبكر الناس التكبير.

1147-

(6) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما يخشى

ــ

الحديث واقتد بأضعفهم بعيداً جداً، يرده قوله الآتي: يسمع أبوبكر الناس التكبير. واستدل به الطبري على أن للامام أن يقطع الاقتداء به ويقتدى هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة، بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم. واستدل به على صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضاً خلافاً للمالكية. وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً. (متفق عليه) الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع بألفاظ وطرق مطولاً ومختصراً، والسياق المذكور مختصر من حديث طويل أورده البخاري في باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم. وفيه فلما دخل (أبوبكر) في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، بدل قوله: فصلى أبوبكر تلك الأيام، ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة، وأيضاً ليس في قوله: أن لا يتأخر. والمراد بقوله: فلما دخل في الصلاة وجد الخ، أي فلما دخل في أن يصلي بالناس أي في منصب الإمامة، وتقرر إماماً لهم واستمر على ذلك أياماً وجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة في بعض تلك الأيام، أو لما دخل في الصلاة في بعض تلك الأيام وجد صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، وليس المراد أنه حين دخل أبوبكر في تلك الصلاة التي جرى في شأنها الكلام وجد صلى الله عليه وسلم في أثنائها خفة، فلا تنافي هذه الرواية الرواية الآتية في الفصل الثالث. (وفي رواية لهما يسمع أبوبكر الناس التكبير) أي تكبير النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان أبوبكر مكبراً لا إماماً، وهذه اللفظة مفسرة للمراد بقوله: يقتدى أبوبكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر. وبقوله في رواية: كان أبوبكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وفيه دليل على أنه يجوز رفع الصوت بالتكبير لإسماع المأمومين فيتبعونه، وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر وصحة صلاة المسمع والسامع، وهذا مذهب الجمهور، وفيه خلاف للمالكية وتفاصيل لا دليل عليها. والحديث أخرجه البيهقي أيضاً (ج3 ص81- 93) .

1147-

قوله: (أما يخشى) كلمة "ما" نافية والهمزة للاستفهام للإنكار. والمقصود الإنكار على ترك الخشية والحث عليها ليرتدع فاعل ذلك الفعل بسبب الخشية من شنيع عاقبته عن ذلك الفعل. والحاصل أن فاعل هذا الفعل في محل المسخ، ويستحق ذلك فحقه أن يخشى هذه العقوبة وليس له أن لا يخشى، وهذا إنما يدل على أن فاعل هذا الفعل يستحق هذا العقاب، ولا يدل على أن من يفعل ذلك يلحق به هذا العقاب قطعاً، وكونه لا يلحق به كما ترى فضلاً من الله تعالى لا يدل على خلافه، فكم من شيء يستحقه العبد ويعفو عنه الرب تعالى وقد قال: {ويعفو

ص: 97

الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) .

ــ

عن كثير} . (الذي يرفع رأسه) أي من الركوع والسجود فالحديث نص عام في الركوع والسجود، وأما تخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود بلفظ: الذي يرفع رأسه والإمام ساجد فمن باب الإكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية فاكتفى فيها بذكر حكم السجدة عن ذكر حكم الركوع لكون العلة واحدة وهي السبق على الإمام، كما في قوله تعالى {سرابيل تقيكم الحر} [16: 81] أي البرد أيضاً، ولم يعكس الأمر؛ لأن السجود أعظم من الركوع في إظهار التواضع والتذلل، والعبد أقرب ما يكون إلى الرب وهو ساجد. وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود، فقد ورد الزجر عنه في حديث أخرجه البزار والطبراني عن أبي هريرة مرفوعاً: الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان. قال الهيثمي في مجمع الزوايد (ج2 ص78) : إسناده حسن، وأخرجه مالك وعبد الرزاق عنه موقوفاً. قال الحافظ: وهو المحفوظ. (قبل الإمام) أي قبل رفع رأسه. (أن يحول الله) أي من أن يبدل ويغير. (رأسه رأس حمار) وفي رواية مسلم: صورته في صورة حمار. وفي أخرى له: أن يجعل الله وجهه وجه حمار. قال الحافظ: الظاهر أنه من تصرف الرواة. قال عياض: هذه الروايات متفقة؛ لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه. قلت: لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضاً. وأما الرأس فرواتها أكثر وهى أشمل فهي المعتمدة، وخص وقوع الوعيد عليها؛ لأن بها وقعت الجنابة وهي أشمل- انتهى. وقيل: الظاهر أن الاختلاف حصل من تعدد الواقعة، ويؤيده رواية ابن حبان بلفظ: أن يحول الله رأسه رأس كلب. واختلف في معنى هذا الوعيد: فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي مجازي كالبلادة الموصوف بها الحمار، والمعنى يجعله بليداً كالحمار، فيكون مسخاً معنوياً مجازياً. قال الطيبي: لعل المأموم لما لم يعمل بما أمر به من الاقتداء بالإمام ومتابعته، ولم يفهم أن معنى الإمام والمأموم ما هو شبه بالحمار في البلادة كقوله تعالى {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً} [62: 5] انتهى. ويرجح هذا المجاز أن التحويل الظاهري لم يقع مع كثرة الفاعلين لذلك. وقيل: هو محمول على ظاهره، وإن المراد تغيير الصورة الظاهرة، إذ لا مانع من وقوع المسخ الحقيقي في هذه الأمة، كما يشهد له حديث أبي مالك الأشعري المروي في المغازي من صحيح البخاري؛ لأن فيه ذكر الخسف، وفي آخره: ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. ويقوي حمله على ظاهره رواية ابن حبان بلفظ: أن يحول الله رأسه رأس كلب. فهذا يبعد المجاز؛ لأنتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يبعده أيضاً يراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال: فرأسه رأس حمار، وذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليداً، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة. وأما ما ما قيل في ترجيح المجاز من أن التحويل الظاهري لم يقع مع

ص: 98