المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الأول} 1262- (1) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(25) باب الموقف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(27) باب ما على الإمام

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(28) باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(29) باب من صلى صلاة مرتين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌((الفصل الثالث))

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(33) باب التحريض على قيام الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(35) باب الوتر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(36) باب القنوت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(39) باب التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الأول} 1262- (1) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله

{الفصل الأول}

1262-

(1) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الليل مثنى مثنى،

ــ

1262-

قوله: (صلاة الليل) الحديث خرج جواباً لسؤال، ففي رواية للبخاري: أن رجلاً جاء

إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: مثنى مثنى. قال الحافظ: وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل الوصل. وفي رواية محمد بن نصر قال: قال رجل: يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل. وقيل: جوابه بقوله "مثنى" يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية. قال الحافظ: فيه نظر، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث. (مثنى) بلا تنوين؛ لأنه غير منصرف لتكرار العدل فيه، قاله صاحب الكشاف. وقال آخرون: ومنهم سيبوية: للعدل والوصف يفيد التكرار؛ لأنه بمعنى اثنتين اثنتين. وأما إعادة مثنى الثاني فللمبالغة في التأكيد، وإلا فالتكرار يكفي في إفادته مثنى الأول، وهو خبر لفظاً، لكن معناه الأمر والندب. والمقصود أنه ينبغي للمصلي أن يصليها ركعتين ركعتين. قال الحافظ: وقد فسره ابن عمر راوي الحديث فعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قال: قلت: لابن عمر ما معنى مثنى مثنى. قال تسلم من كل ركعتين. وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين؛ لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به، وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم؛ لأنه لا يقال في الرباعية مثلاً أنها مثنى – انتهى. قلت: ويؤيد حمله على الفصل بالسلام بين كل ركعتين حديث المطلب بن ربيعة مرفوعاً عند أحمد بلفظ: الصلاة مثنى مثنى وتشهد وتسلم في كل ركعتين الخ. ويؤيده أيضاً ما تقدم من حديث عائشة في باب صلاة الليل: كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين. ويؤيده أيضاً حديث ابن عباس عند ابن خزيمة في قصة مبيته في بيت خالته ميمونة حيث وقع فيه التصريح بالفصل، ولفظه: يسلم من كل ركعتين. وحديث أبي أيوب عند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي من الليل صلى أربع ركعات لا يتكلم ولا يأمر بشيء ويسلم بين كل ركعتين. وأما حديث عائشة عند البخاري وغيره يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسهن وطولهن، فليس فيه دليل على الوصل، وقد اعترف بذلك الشيخ محمد أنور حيث قال: لا دليل فيه للحنفية في مسألة أفضلية الأربع، فإن الإنصاف خير الأوصاف، وذلك لأن الأربع هذه لم تكن بسلام واحد، بل جمع الراوي بين الشفعين لتناسب بينهما نحو كونهما في سلسلة واحدة بدون جلسة في البين كالترويحة في التراويح، فإنها تكون بعد أربع ركعات، هكذا شرح به أبوعمر في التمهيد- انتهى. واستدل بالحديث على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل. قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة (ج2 ص83) : أخذ به مالك في أنه لا يزاد في صلاة النفل على ركعتين، هو ظاهر هذا اللفظ في صلاة الليل، وقد

ص: 256

ورد حديث آخر صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وإنما قلنا إنه ظاهر اللفظ؛ لأن المبتدأ محصور في الخبر، فيقتضي ذلك حصر صلاة الليل فيما هو مثنى، وذلك هو المقصود إذ هو ينافي الزيادة لما انحصرت صلاة الليل في المثنى- انتهى. وقال الأمير اليماني: قال مالك لا تجوز الزيادة على اثنين؛ لأن مفهوم الحديث الحصر؛ لأنه في قوة ما صلاة الليل إلا مثنى مثنى؛ لأن تعريف المبتدأ قد يفيد ذلك على الأغلب- انتهى. ويجوز الزيادة على الركعتين عند الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، لما صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين، ومحمل الحديث عند الشافعي وأحمد على أنه لبيان الأفضل، لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم يخالف ذلك، ويحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه الراحة غالباً وقضاء ما يعرض من أمر مهم، ومحمله عند الحنفية الحصر في الإشفاع، يعني لا يجوز الجلوس على الأكثر أو الأقل من ركعتين. قال في الهداية: ومعنى ما رواه شفعاً لا وتراً، وقد تقدم الرد عليه في كلام الحافظ. واستدل به أيضاً على عدم النقصان عن ركعتين في النافلة ما عدا الوتر، واختلفوا فيه أيضاً فقال مالك وأبوحنيفة: التطوع بركعة واحدة باطل، إلا أنهما اختلفا في الوتر فقال مالك بالجواز، وأبوحنيفة بالمنع. وذهب الشافعي وأحمد إلى جواز التطوع بركعة فردة، واستدل بعض الشافعية للجواز بعموم قوله: الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل، صححه ابن حبان وقد اختلف من رأى الزيادة على الركعتين في النافلة في الفصل والوصل أيهما أفضل، فذهب الشافعي وأحمد إلى أن الفصل في صلاة الليل والنهار أفضل، واستدل لهما بما رواه الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر مرفوعاً: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى. وتعقب بأن أكثر أئمة الحديث أعلوا زيادة قوله والنهار وضعفوها؛ لأنها من طريق علي الأزدي البارقي عن ابن عمر، وهو ضعيف عند ابن معين. روى محمد بن نصر في سؤالاته وابن عبد البر في التمهيد عن يحيى بن معين أنه قال صلاة النهار أربع لا تفصل بينهن، فقيل له إن ابن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، فقال: بأي حديث؟ فقيل له: بحديث الأذري عن ابن عمر، فقال: ومن على الأذري؟ حتى أقبل هذا منه وأدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعاً لا يفصل بينهن، لو كان حديث الأذري صحيحاً لم يخالفه ابن عمر يعني مع شدة إتباعه. وقال الترمذي: وروى الثقات عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه صلاة النهار وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها. وقال الدارقطني في العلل: إنها وهم. وقال الحافظ: روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى موقوف. أخرجه ابن عبد البر من طريقة فلعل الأذري اختلط عليه الموقوف بالمرفوع، فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا- انتهى. قلت: قد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في المستدرك وقال: رواتها ثقات. وقال الخطابي: إن سبيل الزيادة

ص: 257

فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى)) .

ــ

من الثقة أن تقبل. وقال البيهقي: هذا حديث صحيح، وقد صححه البخاري لما سئل عنه، ثم روى ذلك بسنده إليه قال: وقد روى عن محمد بن سيرين عن ابن عمر مرفوعاً بإسناد كلهم ثقات- انتهى كلام البيهقي، وله طرق وشواهد، وقد ذكر بعض ذلك الحافظ في التلخيص. وذهب أبوحنيفة إلى أن الأفضل فيهما أربع أربع ولم أر حديثاً صحيحاً صريحاً يدل على أفضلية ذلك في الليل والنهار. وذهب بعضهم إلى أن الأفضل في صلاة الليل مثنى مثنى، وأما في صلاة النهار فأربع أربع، وهو قول الثوري وابن المبارك وإسحاق وأبي يوسف ومحمد، واستدل لهم بمفهوم حديث ابن عمر: صلاة الليل مثنى مثنى، قالوا: إنه يدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعاً وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح، وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع، وبأنه خرج جواباً للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال، واستدلوا أيضاً بما تقدم من حديث أبي أيوب مرفوعاً: أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم، وقد أسلفنا الكلام فيه مع الجواب عن هذا الاستدلال، والأولى عندي أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى، لكونه أجاب به السائل، ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقاً، وأما صلاة النهار فإن شاء صلى أربعاً بسلام واحد أو بسلامين لحديث على الأذري، ولحديث أبي أيوب وقد عرفت ما فيها من الكلام. (فإذا خشي أحدكم الصبح) أي فوت الوتر بطلوع الفجر وظهوره (صلى بركعة واحدة توتر) أي هذه الركعة الفردة. (له) أي لأحدكم. (ما قد صلى) أي تجعل تمام ما صلى وتراً، فإن تلك الواحدة كما أنها بذاتها وتر، كذلك يصير بها جميع صلاة الليل وتراً، قال ابن الملك: أي تجعل هذه الركعة الصلاة التي صلاها في الليل وتراً بعد أن كانت شفعاً، والحديث حجة للشافعي في قوله: الوتر ركعة واحدة، وتعقبه القاري بما نقله عن ابن الهمام أن نحو هذا كان قبل أن يستقر أمر الوتر، وفيه أنه لا دليل على أن هذا كان قبل استقرار أمر الوتر، ولا على أن الوتر محصور في ثلاث ركعات، فهو مردود على ابن الهمام. قال السندي: في حاشية النسائي قوله: فإذا خشيت الصبح فواحدة، ظاهر الحديث مع أحاديث آخر يفيد جواز الوتر بركعة واحدة، كما هو مذهب الجمهور، والقول بأنه كان ثم نسخ إثباته مشكل- انتهى. ووقع في رواية للبخاري: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت. وفيه رد على من ادعى من الحنفية أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر؛ لأنه علقه بإرادة الإنصراف، وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك. واعلم أنه مذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى صحة الإيتار بركعة واحدة، إلا أن مالكاً اشترط تقدم الشفع قبلها، فكان الوتر عنده ثلاث ركعات بتسليمتين وجوباً، فيفي المدونة قال مالك: لا ينبغي لأحد أن يوتر بواحدة ليس قبلاها شيء لا في حضر ولا سفر، لكن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة- انتهى. قال

ص: 258

الحافظ: واستدل بقوله: توتر له ما قد صلى على تعين الشفع قبل الوتر، وهو عن المالكية بناء على أن قوله: ما قد صلى أي من النفل، وحمله لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض، وقالوا: أن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعاً: الوتر حق فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة. أخرجه أبوداود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم، وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها، ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها، وسيأتي في الدعوات أي عند البخاري حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعداً أوتر بركعة، وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة، وأن ابن عباس استصوبه، وفي كل ذلك رد على ابن التين في قوله: إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك، وكأنه أراد فقهاءهم- انتهى كلام الحافظ. وقد ذكر محمد بن نصر في قيام الليل آثاراً كثيرة عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم في الوتر بركعة من أحب الوقوف عليها رجع إليه. قال الشوكاني في النيل نقلاً عن الحافظ العراقي: وممن كان يوتر بركعة من الصحابة الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبوموسى الأشعري وأبوالدرداء وحذيفة وابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومعاوية وتميم الداري وأبوأيوب الأنصاري وأبوهريرة وفضالة بن عبيد وعبد الله بن الزبير ومعاذ بن الحارث القاري، وهو مختلف في صحبته. وقد روي عن عمر وعلي وأبيّ وابن مسعود الإيتار بثلاث متصلة، وممن أوتر بركعة سالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي أرباح وعقبة بن عبد الغافر وسعيد بن جبير ونافع بن جبير بن مطعم وجابر بن زيد والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وغيرهم، ومن الأئمة مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبوثور وداود وابن حزم- انتهى. واستدل لهم فيما قالوا من جواز الإيتار بركعة واحدة فردة، بحديث ابن عمر هذا، وبحديثه الآتي بعد ذلك، وبحديث عائشة السابق في باب صلاة الليل يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإنه يدخل فيه الركعتان اللتان قبل الأخيرة، فهو كالنص في موضع النزاع، وبحديث أبي أيوب الآتي في الفصل الثاني، وبحديث ابن عباس عند مسلم: الوتر ركعة من آخر الليل، وبحديث القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة. رواه الدارقطني وإسناده صحيح، وبما روى الطحاوي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. قال الحافظ في الفتح: وإسناده قوي، ذ1كره في التلخيص (ص117) بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر، ثم قال رواه أحمد وابن حبان وابن السكن في صحيحهما، والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر به، وقواه أحمد. قال في الفتح: ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي التسليمة

ص: 259

التي في التشهد، ولا يخفى بُعد هذا التأويل- انتهى. وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة، رواه ابن حبان من طريق كريب، ذكره في التلخيص، وفي هذه الأحاديث رد على ابن الصلاح فيما قال: لا نعلم في روايات الوتر مع كثرتها أنه عليه السلام أوتر بواحدة فحسب، وذهب أبوحنيفة إلى أن الوتر ثلاث ركعات موصولة بتشهدين وتسليمة واحدة لا أقل منها ولا أكثر، فالوتر عنده كصلاة المغرب يجلس في الثانية ثم يقوم دون تسليم ويأتي بالثالثة ثم يجلس ويتشهد ويسلم. واستدل له بالأحاديث التي تدل على الإيتار بثلاث ركعات، كحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. أخرجه النسائي والحاكم (ج1 ص304) والدارقطني والبيهقي (ج3 ص31) بإسناد حسن، وكحديث أبي بن كعب عند النسائي بلفظ: يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، لا يسلم إلا في آخرهن. وقد بين في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات، وكحديث ابن أبزى عند النسائي أيضاً نحوه. وفيه أن هذه الأحاديث ليس فيها ما يدل على الحصر في الإيتار بالثلاث، وأنه لا يجوز أقل منها ولا أكثر، وليس فيها تصريح الجلوس في الركعة الثانية، بل في رواية عائشة عند الحاكم (ج1 ص304) على ما نقله الحافظ في الفتح والتلخيص، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية، والذهبي في تلخيص المستدرك، وقد صوب ذكرها النيموني في تعليق التعليق، وذكرها أيضاً البيهقي (ج3 ص31) نفي الجلوس في الثانية. ولفظها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن، وكذا ينفيه حديث النهي عن التشبه بصلاة المغرب، ولم أجد حديثاً مرفوعاً صحيحاً صريحاً في إثبات الجلوس في الركعة الثانية عند الإيتار بثلاث. واستدل له أيضاً بحديث النهي عن البتيراء، وسيأتي الجواب عنه. قال الحافظ في الفتح: وحمل الطحاوي قول عائشة: يسلم من كل ركعتين ويوتر ركعتين ويوتر بواحدة ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهي عن البتيراء. أخرجه ابن عبد البر في التمهيد عن عبد الله بن محمد يوسف نا أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج نا أبي نا الحسن بن سليمان قبطية نا عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها. وأجيب عنه بوجوده: أحدها أنه حديث ضعيف، فإن في سنده عثمان ابن محمد. قال عبد الحق في أحكامه بعد ذكره من جهة ابن عبد البر: الغالب على حديث عثمان بن محمد بن ربيعة الوهم. وقال ابن قطان في كتاب الوهم والإيهام: هذا حديث شاذ لا يعرج عليه ما لم يعرف العدالة رواته، وعثمان بن محمد بن ربيعة الغالب على حديثه الوهم. والثاني أن معارض بما رواه ابن ماجه والطحاوي ومحمد بن نصر من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله المخزومي أن رجلاً سأل ابن عمر عن الوتر، فأمره بثلاث يفصل بين شفعه ووتره

ص: 260

متفق عليه.

1263-

(2) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوتر ركعة من آخر الليل)) . رواه مسلم.

1264-

(3) وعن عائشة، قالت ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من

ذلك بخمس،

ــ

بتسليمة، فقال الرجل: إني أخاف أن يقول الناس هي البتيراء، فقال ابن عمر: هذه سنة الله ورسوله، فهذا يدل على أن الوتر بركعة بعد ركعتين قد وجد من النبي صلى الله عليه وسلم. والثالث أنه معارض بحديث أبي أيوب الآتي بلفظ: من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل. والرابع أن البتيراء فسره ابن عمر بعدم إتمام الركوع والسجود، هكذا أخرجه البيهقي في المعرفة بسنده عن محمد بن إسحاق عن زيد بن أبي حبيب عن أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص قال: سألت عبد الله بن عمر عن وتر الليل فقال: يا بني هل تعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، هو المغرب، قال: صدقت، ووتر الليل بواحدة، بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن الناس يقولون هي البتيراء؟ قال: يا بني ليست تلك البتيراء، إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة، يتم ركوعها وسجودها وقيامها، ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعاً ولا سجوداً ولا قياماً فتلك البتيراء- انتهى. وقال ابن حزم في المحلى (ج3 ص48) : ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن البتيراء ولا في الحديث على سقوطه بيان ماهي البتيراء، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: الثلاث بتيراء، يعني في الوتر، فعادت البتيراء على المحتج بالخبر الكاذب فيها- انتهى. وقال النووي في الخلاصة: حديث محمد بن كعب القرظي في النهي عن البتيراء ضعيف ومرسل- انتهى. والحق عندي أن الأمر في ذلك واسع، فيجوز الإيتار بركعة واحدة فردة، وبثلاث مفصولة وموصولة، لكن بقعدة واحدة، وبخمس وبسبع وبتسع، وكل ذلك ثابت بالأحاديث الصحيحة الثابتة، وارجع إلى المحلى (ج3 ص42- 48) . (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3 ص21، 22) وغيرهم.

1263-

قوله: (الوتر ركعة) هذا نص في مشروعية الإيتار بركعة واحدة، وأن أقل الوتر ركعة. قال الطيبي: أي منشأة. (من آخر الليل) يعني آخر وقتها آخر الليل أو وقتها المختار بعض أجزاء آخر الليل. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج3 ص22) وأخرجه ابن ماجه بلفظ: ركعة قبل الصبح.

1264-

قوله: (يصلي من الليل) أي بعضه، كما قاله الطيبي. (ثلاث عشرة ركعة) ثمان ركعات منها بأربع تسليمات. (يوتر من ذلك) أي من مجموع ثلاث عشرة أو من ذلك العدد المذكور. (بخمس) أي يصلي خمس ركعات

ص: 261

لا يجلس في شيء إلا في آخرها)) .

ــ

بنية الوتر. (لا يجلس في شيء) أي للتشهد. (إلا في آخرها) أي لا يجلس في ركعة من الركعات الخمس إلا في آخرهن، وفيه دليل على مشروعية الإيتار بخمس ركعات بقعدة واحدة، وهذا أحد أنواع إيتاره صلى الله عليه وسلم، كما أن الإيتار بواحدة أحدها كما أفاده حديثها السابق في باب صلاة الليل، وعلى أن القعود على آخر كل ركعتين غير واجب، ففيه رد على من قال بتعيين الثلاث، وبوجوب القعود بعد كل من الركعتين. قال الترمذي: وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الوتر بخمس، وقالوا لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن، وروى محمد بن نصر في قيام الليل عن إسماعيل بن زيد أن زيد بن ثابت كان يوتر بخمس ركعات لا ينصرف فيها. (أي لا يسلم) . وقال الشيخ سراج أحمد السر هندي في شرح الترمذي: وهو مذهب سفيان الثوري، وبعض الأئمة- انتهى. قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي: وهو الظاهر من كلام الشافعي ومذهبه، فقد حكى الربيع بن سليمان في (اختلاف مالك والشافعي) الملحق بكتاب الأم (ج7 ص189) أنه سأل الشافعي عن الوتر بواحدة ليس قبلها شيء فقال الشافعي/ نعم، والذي اختار أن أصلي عشر ركعات ثم أوتر بواحدة. ثم حكى الحجة عنه في ذلك، ثم قال قال الشافعي: وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن. فقلت للشافعي: فما معنى هذا؟ قال: هذه نافلة يسع أن يوتر بواحدة وأكثر، ونختار ما وصفت من غير أن نضيق غيره، وانظر المجموع للنووي (ج4 ص12، 13) فقد رجح جواز هذا لدلالة الأحاديث الصحيحة عليه- انتهى. والحديث مشكل على الحنفية جداً، فإنهم قالوا بوجوب القعود والتشهد بعد كل من الركعتين في الفرض والنفل جميعاً، وأجابوا عنه بوجوه كلها مردودة باطلة، أحدها: أن المعنى لا يجلس في شيء للسلام بخلاف ما قبله من الركعات، ذكره القاري. وقد رده صاحب البذل حيث قال: وفيه نظر؛ لأن الحنفية قائلون بأن الوتر ثلاث لا يجوز الزيادة عليها، فإذا صلى خمس ركعات، فإن نوى الوتر في أول التحريمة لا يجوز ذلك؛ لأن الزيادة على الثلاث ممنوعة، وإن نوى النفل في أول التحريمة لا يؤدي الوتر بنية النفل، وإن قيل: إنها كانت في ابتداء الإسلام ثم استقر الأمر على أن الوتر ثلاث ركعات فينافيه ما سيأتي من حديث زرارة بن أوفي عند داود: فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدن، فنقص من التسع ثنتين، فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك. وثانيها: أن المنفي جلسة الفراغ والاستراحة أي لا يجلس في شيء من الخمس جلسة الفراغ والاستراحة إلا في آخرها أي بعد الركعة الآخرة، يعني بعد الفراغ منها، وكانت الركعتان نافلتي الوضوء أو غيرها والثلاثة وتراً. وفيه أن تخصيص الجلوس المنفي بجلوس الاستراحة

(1)

وفي نسخة "الأخيرة"

ص: 262

متفق عليه.

1265-

(4) وعن سعد بن هشام،

ــ

والفراغ يحتاج إلى دليل، وإذ لا دليل على ذلك فهو مردود على قائله، على أن قوله: إلا في آخرهن يدل على وجود الجلوس في آخر الركعات الخمس، بناء على أن "في" للظرفية، وهي تقتضي تحقق الجلوس داخل الصلاة لا خارجها، وعلى أن الأصل في الاستثناء الاتصال، وهذا ينافي كون المراد بالجلوس المنفي جلسة الفراغ. وثالثها: أن المعنى لم يكن يصلي من تلك الخمس جالساً إذ قد ورد أنه كان يصلي قائماً وقاعداً، وعلى هذا فالمنفي من الجلوس هو الجلوس مقام، والاستثناء في قوله: إلا في آخرهن منقطع، كما في الوجه الثاني والمعنى لا يصلي جالساً إلا بعد أن يفرغ من الخمس. وهذا أيضاً مردود لما تقدم آنفاً. ورابعها: أن المراد بقوله: آخرهن الركعتان الأخيرتان، فالثلاثة الأول من الخمس وتر والركعتان بعده هما اللتان كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بعد الوتر، والمعنى لم يكن يصلي شيئاً من تلك الخمس جالساً إلا الركعتين الأخيرتين منها، وعلى هذا فالاستثناء متصل. وفيه أن هذا يرده قوله: يوتر من ذلك بخمس؛ لأنه يدل على أن الركعات الخمس كلها ركعات الوتر، ويبطله أيضاً رواية الشافعي بلفظ: كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منها، ورواية أبي داود: يوتر منها بخمس لا يجلس في شيء من الخمس حتى يجلس في الآخرة فيسلم، وهذا ظاهر. وخامسها: أن المراد بآخرهن الركعة الأخيرة والمنفي بالجلوس الجلوس الخاص وهو الذي فيه تشهد بلا تسليم، فالمعنى لا يجلس بهذه المثابة إلا في ابتداء الركعة الأخيرة. وأما الجلوس بعد الركعتين فهو على المعروف المتبادر يعني مع التسليم. وهذا أيضاً مردود يرده رواية الشافعي وأبي داود، كما لا يخفي، وهذه الوجوه كلها تحريف للحديث الصحيح وإبطال لمؤاده، واستهزاء بالسنة الثابتة الظاهرة وتحيل لدفعها، وهي تدل على شدة تعصب أصحابها وغلوهم في تقليد غير المعصوم، بل على بغضهم للسنة، ذكرناها مع كونها أضاحيك ليعتبر بها أولوا الألباب والبصائر. (متفق عليه) فيه نظر؛ لأن قوله: يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها، ليس عند البخاري، بل هو من أفراد مسلم، وكان المصنف قلد في ذلك الجزري وصاحب المنتقى والمنذري حيث نسبوا هذا السياق إلى الشيخين، والعجب من الحافظ أنه قال بعد ذكره في بلوغ المرام: متفق عليه مع أنه عزاه في التلخيص (ص116) لمسلم فقط، اللهم إلا أن يقال: إنهم أرادوا بذلك أن أصل الحديث متفق عليه لا السياق المذكور بتمامه، ولا يخفى ما فيه، والحديث أخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج3 ص27، 28) وغيرهم، وفي الإيتار بخمس أحاديث كثيرة، ذكرها الشوكاني في النيل.

1265-

قوله: (وعن سعد) بسكون عين مهملة. (بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ابن عم أنس

ص: 263

قال: انطلقت إلى عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض، ولا يسلم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا،

ــ

ثقة من أوساط التابعين. قال في التقريب: استشهد بأرض الهند. وفي تهذيب التهذيب ذكر البخاري: أنه قتل بأرض مكران على أحسن أحواله. قال أبوبكر الحازمي: مكران بضم الميم، بلدة بالهند. وذكره ابن حبان في الثقات: وقال قتل بأرض مكران غازياً. (أنبئيني) وقال في رواية: حدثيني، يعني أخبريني. (عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضمتين، وقد يسكن الثاني أي أخلاقه وشمائله وعاداته. (فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن) أي كان متمسكاً بآدابه وأوامره ونواهيه ومحاسنه، ويوضحه أن جميع ما فصل في كتاب الله من مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مما قصه عن نبي أو ولي أو حث عليه أو ندب إليه أو ذكر بالوصف الأتم والنعت الأكمل كان صلى الله عليه وسلم متحلياً به ومتولياً له ومتخلقاً به وبالغاً فيه من المراتب أقصاها، حتى جمع له من ذلك ما تفرق في سائر الخلائق، وكل ما نهى الله تعالى عنه فيه ونزه كان صلى الله عليه وسلم لا يحوم حوله، ويبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. قال النووي: معناه العمل بالقرآن والوقوف عند حدود والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته-انتهى. وفيه إشارة إلى قوله تعالى. {إنك لعلى خلق عظيم} [4:68] . (عن وتر رسول الله) أي عن وقته وكيفيته وعدد ركعاته. (كنا نعد) من الإعداد أي نهيئ. (له سواكه وطهوره) بالفتح أي ماء وضوئه، وفيه استحباب ذلك والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها والاعتناء بها. (فيبعثه الله) أي يوقظه. (ما شاء أن يبعثه) أي في الوقت المقدر الذي شاء بعثه فيه. وفي رواية: فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل. (من الليل) أي من ساعات الليل وأوقاته، فمن تبعيضية، وقيل: بيانيه. (فيتسوك) أولاً. (ويتوضأ) فيه استحباب السواك عند القيام من النوم. (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة) الخ. فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها، ويقعد في الثامنة ولا يسلم. (فيذكر الله) أي يقرأ التشهد. (ويحمده) أي يثني عليه. قال الطيبي: أي يتشهد، فالحمد إذاً لمطلق الثناء، إذ ليس في التحيات لفظ الحمد. (ويدعوه) أي الدعاء المتعارف. (ثم ينهض) أي يقوم. (ثم يسلم تسليماً يسمعنا) من الإسماع أي يرفع صوته بالتسليم بحيث نسمعه، وفيه دليل على

ص: 264

ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني! فلما أسن صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأولى، فتلك تسع يا بني! وكان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها،

ــ

عدم وجوب الجلسة عند الركعتين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثمانياً متصلاً بلا تخلل جلسات بينها على الشفعات، وهذا مخالف للحنفية لما تقدم أنهم قالوا بوجوب الجلسة للتشهد عند كل ركعتين، وأجابوا بأن المراد بالجلسة المنفية الجلسة الخالية عن السلام، قالوا: فالوتر منها ثلاث ركعات ست قبله من النفل. قال العيني وهذا اقتصار منها على بيان جلوس الوتر وسلامه؛ لأن السائل إنما سأل عن حقيقة الوتر ولم يسأل عن غيره، فأجابت مبينة بما في الوتر من الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضاً على الثالثة بسلام، وسكتت عن جلوس الركعات التي قبلها وعن السلام فيها، كما أن السؤال لم يقع عنها فجوابها قد طابق سؤال السائل-انتهى. ولا يخفى ما فيه فإنه لا دليل على حمل الجلوس المنفي على الجلسة الخالية عن السلام. فالحديث ظاهر بل هو كالنص في نفي الجلوس قبل الثامنة، ونفي السلام قبل التاسعة مطلقاً، وأنها كانت كلها بجلستين وسلام واحد، وهذا أحد أنواع إيتاره صلى الله عليه وسلم. (ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد) فيه مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس، ويدل عليه أيضاً حديث أم سلمة وحديث أبي أمامة الآتيان في الفصل الثالث. وقد ذهب إليه بعض أهل العلم: وجعل الأمر في قوله الآتي: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا. مختصاً بمن أوتر آخر الليل. وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان جواز النفل بعد الوتر وجواز التنفل جالساً، يعني أن الأمر فيه أمر ندب لا إيجاب، فلا تعارض بينهما. وقال الشوكاني: لا يحتاج إلى الجمع بينهما باعتبار الأمة؛ لأن الأمر يجعل آخر صلاة الليل وتراً مختص بهم، وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة، لاختصاص فعله للركعتين بعد الوتر بذاته صلى الله عليه وسلم، وأما الجمع باعتباره صلى الله عليه وسلم فهو أن يقال: إنه كان يصلي الركعتين بعد الوتر تارة ويدعهما تارة-انتهى. والراجح عندي ما ذهب إليه النووي أن الأمر في قوله اجعلوا الخ. للندب لا للإيجاب. (فلما أسن) أي كبر. (وأخذ اللحم) وفي بعض نسخ مسلم: أخذه اللحم. قيل: أي السمن. وقال ابن الملك: أي ضعف قال ابن حجر: إنما كان في آخر حياته قبل موته بنحو سنة. (أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنعيه في الأولى) يعني صلاهما قاعداً، كما كان يصنع قبل أن يسن. وفي رواية: فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة. (فتلك تسع) فنقص ركعتين من التسع لأجل الضعف. (وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة) أي من النوافل. (أحب أن يداوم عليها) ؛ لأن أحب الأعمال عنده صلى الله عليه وسلم

ص: 265

وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان)) رواه مسلم.

1266-

(5) وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))

ــ

أدومها. (وكان إذا غلبه نوم أو وجع) أي منعه مرض أو ألم. (عن قيام الليل صلى بالنهار) أي في أوله ما بين طلوع الشمس إلى الزوال. (ثنتي عشرة ركعة) قيل: ثمان منها صلاة الليل وأربع صلاة الضحى، وفيه استحباب المحافظة على الأوراد وإنها إذا فاتت تقضى. (ولا صلى ليلة) تامة من أولها إلى آخرها. (إلى الصبح) قيل: هذا محمول على علمها، وإلا فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أحيا ليلة كله صلى فيه حتى الفجر، فقد أخرج النسائي في باب إحياء الليل عن خباب بن الأرت أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها حتى كان مع الفجر-الحديث. (ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان) لا ينافيه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله؛ لأن المراد أنه كان يصوم أكثره. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3:ص30، ج2: ص500) .

1266-

قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل) أي تهجدكم فيه. (وتراً) أي اجعلوا صلاة الوتر في آخرها واستدل به على أنه لا صلاة بعد الوتر. وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين: أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر جالساً، والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل، هل يكتفي بوتره الأول وليتنفل ما شاء، أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك يحتاج إلى وتر آخر أولاً، فأما الأول فقد تقدم الكلام فيه. وأما الثاني فذهب الأكثر وهم الأئمة الأربعة، والثوري وابن المبارك وغيرهم إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: لا وتران في ليلة، وهو حديث حسن. أخرجه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من حديث طلق بن علي، وجعل هؤلاء الأمر في حديث ابن عمر للندب، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليها أخرى ويصلي ما بدأ له، ثم يوتر في آخر صلاته، والأول هو الراجح عندي. قال الترمذي: واختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقض الوتر، وقالوا يضيف إليها ركعة ويصلي ما بدا له ثم يوتر في آخر صلاته؛ لأنه لا وتران في ليلة، وهو الذي ذهب إليه إسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام من

ص: 266

رواه مسلم.

1267-

(6) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((بادروا الصبح بالوتر))

ــ

آخره أنه يصلي ما بدا له ولا ينقض وتره، ويدع وتره على ما كان، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد وابن المبارك، وهذا أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر-انتهى. وقد بسط الشيخ الكلام في هذه المسألة في شرح الترمذي وقال: هذا أي عدم نقض الوتر هو المختار عندي، ولم أجد حديثاً مرفوعاً صحيحاً يدل على ثبوت نقض الوتر-انتهى. واستدل بهذا الحديث لأبي حنيفة على وجوب الوتر بأن اجعلوا صيغة الأمر، وأصل الأمر للوجوب وأجيب عنه من ثلاثة وجوه. الوجه الأول: أن أصل الأمر وإن كان للوجوب. لكنه إذا وجدت قرينة صارفة عن الوجوب يحمل على غير الوجوب، وقد صرح علماء الحنفية بأن صيغة "اجعلوا" في هذا الحديث ليست للوجوب. قال القاري: في المرقاة. اجعلوا أمر ندب، وكذا قال صاحب البذل (ج2:ص332) ولو سلم أن "اجعلوا" في هذا الحديث للوجوب فهو إنما يدل على وجوب جعل الوتر آخر صلاة الليل، أي إذا صليتم بالليل فعليكم أن تصلوا الوتر في آخر صلاة الليل لا في أولها ولا في وسطها، والحاصل أنه يدل على وجوب جعل آخر الصلاة بالليل وتراً، لا على وجوب نفس الوتر، والمطلوب هذا لا ذاك، فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح. الوجه الثاني: أن صلاة الليل ليست بواجبة، فكذا آخرها. قال الحافظ في الفتح: قد استدل به بعض من قال بوجوبه، وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة، فكذا آخرها، وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقول دليله-انتهى. الوجه الثالث: أنه لو ثبت من هذا الحديث وجوب الوتر لقال به ابن عمر، وأفتى به من غير تأمل وتردد، لكنه لما استفتى عنه لم يزد في فتياه على أن يقول: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون، كما سيأتي. (رواه مسلم) الحديث ليس من أفراد مسلم بل هو متفق عليه، فقد أخرجه البخاري في باب ليجعل آخر صلاته وتراً من أبواب الوتر. وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج3:ص34) .

1267-

قوله: (بادروا الصبح بالوتر) أي عجلوا بأداء الوتر قبل طلوع الصبح. قال الطيبي: بادروا أي سارعوا كان الصبح مسافر يقدم إليك طالباً منك الوتر وأنت تستقبله مسرعاً بمطلوبه وإيصاله إلى بغيته. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم وغيره: أوتروا قبل أن تصبحوا أي تدخلوا في الصبح، وهو دليل على أن الوتر قبل الصبح وأنه إذا طلع الفجر خرج وقت الوتر، وسيأتي الكلام فيه، وقد استدل بهذا الحديث على وجوب الوتر. قال القاري في شرحه: أي أسرعوا بأداء الوتر قبل الصبح، والأمر للوجوب عندنا-انتهى. وأجيب عنه بأنه إنما

ص: 267

رواه مسلم.

1268-

(7) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر

أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك

أفضل)) رواه مسلم.

1269-

(8) وعن عائشة، قالت: ((من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أول الليل، وأوسطه

وآخره،

ــ

يدل على وجوب الإيتار قبل طلوع الصبح لا على وجوب نفس الإيتار، والمطلوب هذا لا ذاك، فالاستدلال به على وجوب الوتر باطل. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبودواد ومحمد بن نصر والحاكم (ج1: ص301) والبيهقي (ج1: ص478) .

1268-

قوله: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل) قال ابن الملك: "من" فيه للتبعيض أو بمعنى في. وفي رواية: من خشي منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل. (فليوتر أوله) أن ليصل الوتر في أول الليل. (ومن طمع أن يقوم آخره) بالنصب على نزع الخافض، أي في آخره بأن يثق بالانتباه. وفي رواية: ومن وثق بقيام من آخر الليل. (فان صلاة آخر الليل مشهودة) أي محضورة تحضره ملائكة الرحمة. وقال الطيبي: أي يشهدها ملائكة الليل والنهار. (وذلك) أي الإيتار في آخر الليل. (أفضل) فثوابه أكمل. وفي رواية: فإن قراءة القرآن في آخر الليل محضورة وهي. (أي قراءة القرآن في آخر الليل) أفضل. وفي الحديث دلالة على أن تأخير الوتر أفضل، ولكن إن خاف أن لا يقوم قدمه لئلا يفوته فعلاً، وقد ذهب جماعة من السلف إلى هذا وإلى هذا وفعل كل بالحالين، ويحمل الأحاديث المطلقة التي فيها الوصية بالوتر قبل النوم والأمر به على من خاف النوم عنه. قال النووي: فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل، وهذا هو الصواب، ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح-انتهى. وقد استدل بهذا الحديث على وجوب الوتر. قال القاري: أمره بالإتيان عند خوف الفوت يدل على وجوبه-انتهى. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون أمره بالإتيان عند خوف الفوت لمزيد تأكده لا لوجوبه، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي (ج3:ص35) .

1269-

قوله: (من كل الليل) قال الطيبي: "من" ابتدائية منصوبة بقوله: (أوتر) أي أوتر من كل أجزاء الليل. وقيل: "من" بمعنى في، أي في جميع أوقات الليل أوتر وقولها:(من أول الليل وأوسطه وآخره)

ص: 268

وانتهى وتره إلى السحر)) متفق عليه.

ــ

يدل أو بيان، والمراد أجزاء كل من الثلاثة الأقسام المستغرقة لليل فساوت ما قبلها، ثم المراد بأول الليل بعد صلاة العشاء، كما سيأتي. (وانتهى وتره) زاد أبوداود والترمذي حين مات أي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم. (إلى السحر) بفتح السين، وهو قبيل الصبح، وحكي الماوردي أنه السدس الأخير من الليل. وقيل: أوله الفجر الأول يعني اختار آخر العمر الوتر في آخر الليل، فهو أحب. قال النووي: معناه كان آخر أمره الإيتار في السحر، والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات الأخرى، ففيه استحباب الإيتار آخر الليل، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه. قال: وفيه جواز الإيتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته-انتهى. ويدل عليه أيضاً حديث جابر وحديث ابن عمر السابقان وحديث علي عند ابن ماجه بنحو حديث عائشة، وحديث أبي مسعود عند أحمد والطبراني بلفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر من أول الليل وأوسطه وآخره. قال العراقي: إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وحديث عبد الله بن قيس عند أبي داود، وحديث أبي موسى وعقبة بن عمرو عند الطبراني في الكبير، وحديث أبي قتادة عند أبي داود، وحديث أبي هريرة عند البزار والطبراني، وحديث عقبة بن عامر عند الطبراني أيضاً، وهذه الأحاديث كلها بيان لوقت الوتر وأنه الليل كله لكن بعد مغيب الشفق من بعد صلاة العشاء إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أوتر في الوقت الذي قبل صلاة العشاء، وقد دل عليه صريحاً حديث خارجة بن حذافة الآتي حيث قال: الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر. قال الشوكاني: أحاديث الباب تدل على أن جميع الليل وقت الوتر إلا الوقت الذي قبل صلاة العشاء، ولم يخالف في ذلك أحد لا أهل الظاهر ولا غيرهم، إلا ما ذكر في وجه لأصحاب الشافعي أنه يصح قبل العشاء، وهو وجه ضعيف صرح بذلك العراقي وغيره، وقد حكي صاحب المفهم الإجماع على أنه لا يدخل وقت الوتر إلا بعد صلاة العشاء-انتهى. وقال الحافظ: أجمعوا على أن ابتداء وقت الوتر مغيب الشفق بعد صلاة العشاء، كذا نقله ابن المنذر لكن أطلق بعضهم (يعني أبا حنيفة فإن أول وقت الوتر عنده وقت العشاء إلا أنه لا يقدم عليه عند التذكر. وقال النووي: وفي وجه في مذهبنا أنه يدخل بدخول وقت العشاء) أنه يدخل بدخول العشاء قالوا ويظهر أثر الخلاث فيمن صلى العشاء، بأن أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهراً أوظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول-انتهى. قلت: واختلفوا فيمن صلى العشاء قبل وقته في جمع التقديم هل يجوز له الوتر قبل مغيب الشفق أم لا؟ فقال الشافعية والحنابلية: يصح وتره، كما صرح به أصحاب فروعهم. وقالت المالكية: لا يصح بل يكون لغواً، كما صرح به في الشرح الكبير من فروع المالكية. وأما عند الحنفية فلا يصح العشاء بجمع التقديم فالوتر أولى أن لا يصح عندهم. وأما آخر وقت الوتر فهو إلى طلوع الفجر الثاني، وبعد طلوع الفجر يكون قضاء، وهو المشهور المرجح الصحيح عند الأئمة

ص: 269

1270-

(9) وعن أبي هريرة، قال:((أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام))

ــ

الثلاثة الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وعند المالكية للوتر وقتان: وقت اختيار، وهو إلى طلوع الفجر، ووقت ضرورة، وهو إلى تمام صلاة الصبح. ويكره تأخيره لوقت الضرورة بلا عذر، ويندب قطع صلاة الصبح للوتر لفذ لا لمؤتم، وفي الإمام روايتان. قال الحافظ: وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري، ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح، وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد، وإنما قاله الشافعي في القديم-انتهى. والقوال الراجح عندي أن ابتداء وقته مغيب الشفق بعد صلاة العشاء إلا في جمع التقديم، فيصح قبل الشفق بعد العشاء، وينتهي لطلوع الفجر الثاني، وبعد طلوع الفجر يكون قضاء لا أداء كما يدل الأحاديث التي أشرنا إليها. (متفق عليه) واللفظ لمسلم، لكن عنده "قد أوتر" أي بزيادة قد قبل أوتر، وأيضاً عنده "فانتهى" بدل وانتهى. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3:ص35) .

1270-

قوله: (أوصاني) أي عهد إليّ وأمرني أمرا مؤكداً. (خليلي) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليل الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب فصارت في خلاله أي في باطنه. واختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو بالعكس، وقول أبي هريرة هذا لا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً غير بي لأتخذت أبابكر؛ لأن الممتنع هو أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره تعالى خليلاً، ولا يمتنع إتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً. (بثلاث) أي خصال زاد في رواية: لا أدعهن حتى أموت. ولفظ أبي داود: لا أدعهن في فر ولا حضر (صيام ثلاثة أيام) أي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر. (من كل شهر) يعني أيام البيض هذا هو الظاهر. وقيل: يوماً من أوله، ويوماً من وسطه، ويوماً من آخره. وقيل: كل يوم أول كل عشر، وصيام بالجر يدل من ثلاث. (وركعتي الضحى) أي في كل يوم كما زاده أحمد وهما أقلها، ويجزئان عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلاثمائة وستون مفصلاً كما في حديث مسلم عن أبي ذر وقال فيه: ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى، وفيه استحباب الضحى، وأن أقلها ركعتان وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها؛ لأن حاصل بدلالة القول وليس من شرط الحكم أن تتظافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مرجح على ما لم يواظب عليه. (وأن أوتر قبل أن أنام) وفي رواية: ونوم على وتر، أي يكون النوم عقب الوتر لا قبله، لا أنه لا بد من نوم بعده، ولعله أوصاه بذلك؛ لأنه خاف عليه الفوت بالنوم، ففيه أن من خاف فوات الوتر

ص: 270