المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الأول} 1249- (1) عن أنس، قال: ((كان رسول الله صلى - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(25) باب الموقف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(27) باب ما على الإمام

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(28) باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(29) باب من صلى صلاة مرتين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌((الفصل الثالث))

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(33) باب التحريض على قيام الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(35) باب الوتر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(36) باب القنوت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(39) باب التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الأول} 1249- (1) عن أنس، قال: ((كان رسول الله صلى

{الفصل الأول}

1249-

(1) عن أنس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى يظن أن لا يصوم منه شيئاً،

ويصوم حتى يظن أن لا يفطر منه شيئاً، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته،

ولا نائماً إلا رأيته)) . رواه البخاري.

1250-

(2) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها

ــ

1249-

قوله: (يفطر من الشهر) أي أياماً كثيرة. وقيل: أي يكثر الفطر في الشهر. (حتى نظن) بنون الجمع التي للمتكلم وبالياء التحتانية على البناء للمجهول، ويجوز بالمثناة الفوقية التي للمخاطب مبنياً للفاعل، قال الحافظ: ويؤيده قوله بعد ذلك: إلا رأيته، فإنه روى بالضم والفتح معاً. (أن لا يصوم) بفتح الهمزة، ويجوز في يصوم النصب على كون أن مصدرية، والرفع على كونها مخففة من الثقيلة، فيوافق ما في رواية أنه. (منه) أي من الشهر. (شيئاً) يعني يكثر الفطر في الشهر حتى نظن أنه لا يريد أن يصوم منه شيئاً ثم يصوم باقية. (ويصوم) أي ويكثر الصوم في الشهر. (حتى نظن) بالوجوه الثلاثة. (أن لا يفطر) بالإعرابين. (منه) أي من الشهر. (شيئاً) أي ثم يفطر باقية. (وكان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الشمائل: كنت. (لا تشاء) قال المظهر: لا بمعنى ليس، أو بمعنى لم، أي لست تشاء، أو لم تكن تشاء، أو لا زمان تشاء، أو لا من زمان تشاء. (أن تراه) أي رؤيته فيه. (من الليل مصلياً إلا رأيته) أي مصلياً (ولا) تشاء أن تراه من الليل. (نائماً إلا رأيته) أي نائماً. قال الطيبي: هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل، وتقديره على الإثبات أن يقال: إن تشاء رؤيته متهجداً رأيته متهجداً، وإن تشاء رؤيته نائماً رأيته نائماً، أي كان أمره قصداً لا إسراف فيه ولا تقصير، ينام في وقت النوم وهو أول الليل، ويتهجد في وقته وهو آخره. وعلى هذا حكاية الصوم ويشهد له حديث ثلاثة رهط على ما روى أنس قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً. وقال الآخر: أصوم النهار أبداً ولا أفطر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأصلي وأنام وأصوم وافطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني- انتهى. وفي رواية للبخاري: قال حميد: سألت أنساً عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائماً إلا رأيته ولا مفطراً إلا رأيته ولا من الليل قائماً إلا رأيته ولا نائماً إلا رأيته– الحديث. يعني أنه كان يصوم ويفطر ولا يصوم الشهر كله، وكذا كان يصلي وينام ولا يصلي الليل كله، فكان عمله التوسط بين الإفراط والتفريط، وهذا هو المراد من القصد في العمل. (رواه البخاري) في قيام الليل، وفي الصوم. وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي والترمذي في الشمائل والبيهقي (ج3 ص17) .

1250-

قوله: (أحب الأعمال إلى الله أدومها) خرج هذا جواب سؤال، ففي رواية للشيخين قالت،

ص: 239

وإن قل)) . متفق عليه.

1251-

(3) وعنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا من الأعمال

ــ

أي عائشة: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومه. قال ابن العربي: معنى المحبة من الله تعلق الإرادة بالثواب أي أكثر الأعمال ثواباً أدومها. (وإن قل) أي ولو قل العمل، والحاصل أن العمل القليل مع المداومة والمواظبة خير من العمل الكثير مع ترك المراعاة والمحافظة؛ لأن العمل القليل يصل إلى الأكثر من الكثير الذي يفعل مرة أو مرتين ثم يترك ويترك العزم على العمل الصالح مما يثاب عليه، وأيضاً أن العمل الذي يداوم عليه هو المشروع، وأن ما توغل فيه بعنف ثم قطع فإنه غير مشروع، قاله الباجي. قال النووي: في الحديث الحث على المداومة على العمل، وإن قليلة الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان كذلك؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، بخلاف الكثير المنقطع، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة. وقال ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، وهو متعرض للذم، ولذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه. والثاني: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتاً ما كمن لازم يوماً كاملا ثم انقطع- انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في باب القصد والمداومة على العمل من كتاب الرقاق. ومسلم في الصلاة. وأخرجه أيضاً مالك والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج2 ص485) بألفاظ متقاربة. قال في الأزهار: هذا الحديث من إفراد مسلم. قال الأبهري: لعل المصنف جعله متفقاً عليه، لما روى البخاري عن مسروق قال: سألت عائشة أي الأعمال أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟: قالت: الدائم- انتهى. فتكون رواية البخاري نحو رواية مسلم في المعنى، ويكون الحديث متفق عليه بتفاوت يسير في اللفظ، والمصنف قد لا يلتفت إليه. قلت الحديث بهذا السياق موجود في البخاري، فقد روي من طريق أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سددوا وقاربوا- الحديث، وفيه: أن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل. وفي رواية: قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومه وإن قل. وقال أكلفوا من الأعمال ما تطيقون.

1251-

قوله: (خذوا من الأعمال) أي من أعمال البر صلاة وغيرها، وحمله الباجي وغيره على الصلاة خاصة؛ لأن الحديث ورد فيها. لما روى مسلم عن عائشة أن الحولاء بنت تُوَيْت مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذه الحولاء بنت تويت زعموا أنها لا تنام الليل. وفي رواية: لا تنام تصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام الليل خذوا من العمل الخ. وحمله على جميع العبادات أولى؛ لأن العبرة لعموم اللفظ. وقال عياض: يحتمل أن يكون هذا خاصا بصلاة الليل، ويحتمل أن

ص: 240

ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا))

ــ

يكون عاماً في الأعمال الشرعية. قال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة، ولكن اللفظ عام، وهو المعتبر وعدل عن خطاب النساء إلى الرجال تعميماً للحكم، فغلب الذكور على الإناث في الذكر. (ما تطيقون) أي الذي تطيقون المداومة عليه، وحذف العائد للعلم به. قال الحافظ: أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، فمنطوقة يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق. (فإن الله لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيها. قال البيضاوي: الملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء، فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه، وأمثال ذلك على الحقيقة إنما تصدق في حق من يعتريه التغير والإنكسار، فأما من تنزه عن ذلك فيستحيل تصور هذا المعنى في حقه، فإذا أسند إليه أوّل بما هو منتهاه وغايته كإسناد الحياء وغيره إلى الله تعالى، فالمعنى والله أعلم، اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإن الله لا يعرض عنكم إعراض الملول عن الشيء، ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط، فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم عن العبادة وأتيتم بها على وجه كلال وفتور، كان معاملة الله معكم حينئذٍ معاملة ملول عنكم. وقال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله تعالى على طريقة المشاكلة والإزدواج، وهو أن تكون إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفتها معنى، والعرب تفعل ذلك إذا جعلو ما جواباً وجزاء لها، وإن كانت مخالفة في المعنى، فمعنى الحديث لا يقطع ثواب عملكم حتى تتركوا العمل ملالاً وسأمة من كثرته وثقله فعبر عن ترك الإثابة وقطع الجزاء بالملال؛ لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ كقول الله تعالى:{وجزاء سيئة سيئة مثلها} [42: 40] ومنه قول عمرو بن أبي كلثوم التغلبي: ألا لا يجهلن أحد علينا- فنجهل فوق جهل الجاهلينا. ومن المستبعد أن يفتخر ذو عقل بجهل، وإنما فنجازية لجهله ونعاقبه على سوء صنيعة. والحاصل أنه أطلق لفظ الملال على الله على جهة المقابلة اللفظية مجازاً. قال القرطبي: وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالاً عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببة. وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه. وقيل: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم. وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل: معناه لا يمل الله إذا مللتم أو لا يمل أبداً وإن مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى تنقطع خصومه، أي لا ينقطع بعد انقطاع خصومه، بل يكون على ما كان عليه قبل ذلك، فإنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية. وقيل: إن "حتى" بمعنى الواو فيكون التقدير لا يمل وأنتم تملون، فنفي عنه الملل وأثبته لهم. وقيل: حتى بمعنى حين لا يمل حين تملون. قال الحافظ: كونه على طريق المشاكلة والإزدواج أولى وأجرى على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة: فإن الله لا يمل من

ص: 241

متفق عليه.

1252-

(4) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليصل أحدكم نشاطه، وإذا فتر فليقعد)) .

متفق عليه.

1253-

(5) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نعس أحدكم

ــ

الثواب حتى تملوا من العمل، لكن في سنده موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. وأخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا: يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع عنه، وقال: لا بأس به ما لم يضر بالصلاة الصبح، فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل، وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس به. وكذا قال الشافعي: لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح، قاله الزرقاني. (متفق عليه) واللفظ لمسلم. وآخره أيضاً مالك وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3 ص17) .

1252-

قوله: (ليصل) بكسر اللام. (نشاطه) بفتح النون أي قدر نشاطه أو مدة نشاطه وزمان انبساطه، فنصبه على الظرفية، أو صلاته التي ينشط لها. (فإذا فتر) بفتح التاء المثناة فوق، أي ضعف وكسل في أثناء القيام. (فليقعد) أي ويتم صلاته قاعداً، أو إذا فتر بعد فراغ بعض التسليمات فليقعد لإيقاع ما بقي من نوافله قاعداً، أو إذا فتر بعد انقضاء البعض فليترك بقية النوافل جملة إلى أن يحدث له نشاط، أو إذا فتر بعد الدخول فيها فليقطعها، خلافاً للمالكية حيث منعوا من قطع النافلة بعد التلبس بها، ذكره القسطلاني. والحديث طرف من حديث طويل. أخرجه الشيخان وغيرهما، ذكر في أوله سبب هذا القول وهو أنه قال أنس: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين أي من سواري المسجد فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا هذا حبل لزينب أي ابنة جحش أم المؤمنين، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأحلوه أحدكم الخ. قال الحافظ: والحديث فيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق فيها والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وفيه إزالة المنكر باليد واللسان، وجواز تنفل النساء في المسجد، واستدل به على كراهة التعلق في الحبل في الصلاة- انتهى. (متفق عليه) وأخرجه أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3 ص18) .

1253-

قوله: (إذا نعس) بفتح العين من بابي فتح ونصر. (أحدكم) أي أخذته فترة في حواسه، فقارب النوم والنعاس بضم العين فترة في الحواس أو مقاربة النوم أو الوسن، وأول النوم وهي ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي العين ولا تصل إلى القلب، فإذا وصلته كان نوماً، وفي العين والمحكم النعاس النوم. وقيل: مقاربته. قال الحافظ: المشهور التفرقة بينهم، اوإن من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه، فهو ناعس، وإن زاد على

ص: 242

وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله

يستغفر فيسب نفسه)) .

ــ

ذلك فهو نائم. ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت. (وهو يصلي) جملة اسمية في موضع الحال. وفي رواية أبي داود: وهو في الصلاة. قيل المراد في صلاة الليل؛ لأنها محل النوم غالباً، وهذا عند مالك وجماعة. وقال النووي: الجمهور على عمومها الفرض والنفل ليلاً أو نهاراً لكن لا يخرج فريضة عن وقتها. (فليرقد) بضم القاف من باب نصر أي فلينم احتياطاً؛ لأنه علل بأمر محتمل، كما سيأتي، والأمر للندب، قاله الزرقاني. وفي حديث أنس عند البخاري: فلينم. وعند محمد بن نصر في قيام الليل: فلينصرف فليرقد. وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره: إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فليضطجع. وفي رواية عائشة عند النسائي: فلينصرف أي بعد أن يتم صلاته مع تخفيف، لا أنه يقطع الصلاة بمجرد النعاس، خلافاً للمهلب حيث حمله على ظاهره، فقال إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم، فدل على أنه إذا كان نعاس أقل من ذلك عفي عنه- انتهى. وقد تقدم أن هذا الحديث حمله مالك وطائفة على نفل الليل خلافاً للجمهور. قال المهلب: إنما هذا في صلاة الليل؛ لأن الفريضة ليست في أوقات النوم، ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك- انتهى. قال الحافظ: قد قدمنا أن الحديث جاء على سبب، لكن العبرة بعموم اللفظ، فيعمل به أيضاً في الفرائض ما أمن بقاء الوقت- انتهى. قلت: أشار الحافظ بقوله قدمنا أنه جاء على سبب إلى ما روى محمد بن نصر في قيام الليل (ص77) عن عائشة قالت: مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت فقيل له: يا رسول الله إنها تصلي بالليل صلاة كثيرة، فإذا غلبها النوم ارتبطت بحبل فتعلقت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل تصلي ما قويت على الصلاة فإذا نعست فلتنم. (حتى يذهب عنه النوم) أي ثقله فالنعاس سبب للأمر بالنوم. (فإن أحدكم) علة للرقاد وترك الصلاة. (إذا صلى وهو ناعس) جملة حالية يريد أنه إذا صلى في حال غلبة النوم. (لا يدري) أي ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بياناً قوله (لعله يستغفر) بالرفع يريد أن يدعو ويستغفر لنفسه. (فيسب نفسه) أي يدعو عليها، وقد صرح به النسائي في روايته: والمعنى يريد ويقصد أن يستغفر له فيسب نفسه، أي يدعو عليها من حيث لا يدري، مثلاً يريد أن يقول اللهم اغفر لي فيقول اللهم اعفر لي، والعفر هو التراب فيكون دعاء عليه بالذل والهوان، وهو تمثيل وإلا فلا يشترط التصحيف. وقوله: فيسب بالنصب جواباً للعل، والرفع عطفاً على يستغفر، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة للإجابة. قال القسطلاني: والترجي في لعل عائد إلى المصلي لا إلى المتكلم به، أي لا يدري أمستغفر أم ساب مترجياً للاستغفار، وهو في الواقع بضد ذلك، وغاير بين لفظي النعاس في الأول نعس بلفظ الماضي، وهنا بلفظ اسم الفاعل تنبيهاً على أنه لا يكفي تجدد أدنى نعاس وتقضيه في الحال، بل لا بد من ثبوته

ص: 243

متفق عليه.

1254-

(6) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد

ــ

بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ- انتهى. وقال الطيبي: الفاء في "فيسب" للسببية كاللام في قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً} [28: 8] . قال المالكي: يجوز في "فيسب" الرفع باعتبار عطف الفعل على الفعل، والنصب باعتبار جعل فيسب جواباً للعل، فإنها مثل ليت في اقتضائها جواباً منصوباً، ونظيره قوله تعالى:{لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى} [80: 4] نصبه عاصم ورفعه الباقون- انتهى كلامه. قال الطيبي: النصب أولى لما مر، ولأن المعنى لعله يطلب من الله لذنبه الغفران ليصير مزكي فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان، فكأنه سب نفسه- انتهى. والحديث يدل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، إذ لو كان ناقضاً الوضوء لما منع الشارع عن الصلاة بخشية أن يدعو على نفسه، بل وجب أن يذكر الشارع أنه لا تصح صلاته مع النعاس، أو نحوه؛ لانتقاض وضوءه، وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وفيه اجتناب المكروهات في الطاعات، وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشيء معين. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3 ص16) .

1254-

قوله: (إن الدين) وفي رواية النسائي: إن هذا الدين أي دين الإسلام. (يسر) بضم الياء التحتية وسكون السين أي مبني على اليسر والسهولة، فلا تشددوا على أنفسكم على دأب الرهبانية، وقيل: يسر مصدر وضع موضع المفعول مبالغة، ذكره الطيبي. وقال القسطلاني: أي ذو يسر، وذلك لأن الإلتئام بين الموضوع والمحمول شرط، وفي مثل هذا لا يكون إلا بالتأويل، أو هو اليسر نفسه، كقول بعضهم في النبي صلى الله عليه وسلم إنه عين الرحمة مستدلاً بقوله تعالى:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [21: 107] كأنه لكثرة الرحمة المودعة فيه صار نفسها، والتأكيد بأن فيه رد على منكر يسر هذا الدين، فإما أن يكون المخاطب به منكراً أو على تقدير تنزيله منزلته أو على تقدير المنكرين غير المخاطبين، أو لكون القصة مما يهتم بها. قال تعالى:{ما جعل عليكم في الدين من حرج} [22: 78] . وقال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [2: 185] . وسماه يسراً بالنسبة إلى ذاته أو بالنسبة إلى سائر الأديان؛ لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم. ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم. (ولن يشاد الدين أحد) بضم الياء وتشديد الدال للمغالبة من الشدة، وهو منصوب بلن. والدين منصوب على المفعولية، وأصله لا يقاوم

ص: 244

إلا غلبة، فسددوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)) .

ــ

الدين ولا يقابله أحد بالشدة ولا يجزى بين الدين وبينه معاملة بأن يشدد كل منهما على صاحبه (إلا غلبة) الدين ويعجزه عن العمل، والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز. وانقطع عن عمله كله أو بعضه فيغلب. والمقصود أنه لا يفرط أحد فيه ولا يخرج عن حد الاعتدال. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع أي منفرد ومتعمق في الدين ينقطع، وليس المراد منه منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي طول الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس، فخرج وقت الفريضة. وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم اليسرة. وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع، كمن يترك التيم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر. (فسددوا) بالمهملة من السداد، وهو القصد والتوسط في العمل، أي ألزموا السداد أي الصواب من غير إفراط ولا تفريط. (وقاربوا) في العبادة وهو بالموحدة أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه. قال الطيبي: الفاء جواب شرط محذوف يعني إذا بينت لكم ما في المشادة من الوهن فسددوا أي أطلبوا السداد، وهو القصد المستقيم الذي لا ميل فيه وقاربوا تأكيد للتسديد من حيث المعنى. يقال: قارب فلان في أموره إذا اقتصد. (وأبشروا) بقطع الهمزة من الإبشار. وفي لغة: بضم الشين من البشرى بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب الجزيل على العمل الدائم وإن قل. والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنيعة لا يستلزم نقص أجره، وأبهم المبشر به تعظيماً له وتفخيماً. (واستعينوا) على المداومة العبادة من بين الأوقات. (بالغدوة) بفتح أوله وضمه وسكون الثانية سير أول النهار إلى الزوال، أو ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. وقال الطيبي: الغدوة بالضم ما بين صلاة الغدوة إلى طلوع الشمس، وبالفتح المرة من الغدو وهو سير أول النهار، نقيض الرواح. (والروحة) بالفتح اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل. وقيل: السير بعد الزوال. (وشيء) أي واستعينوا بشيء ولو قليل، وفي تنكير شيء الدال على القلة إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يترك القيام بالليل ولو يسيراً، فإن الإكثار فيه يتعب الجسد ويضر بالمزاج. (من الدلجة) بضم أوله وفتحه وإسكان اللام، سير آخر الليل. وقيل: سير الليل كله، ولهذا عبر فيه بالتبعيض، ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار. وهذه الأوقات الثلاثة أطيب أوقات المسافر. والمعنى استيعنوا على مدوامة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، وفيه تشبه للسفر إلى الله تعالى بالسفر الحسي،

ص: 245

رواه البخاري.

1255-

(7) وعن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما

بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل)) .

ــ

ومعلوم أن المسافر إذا استمر على السير انقطع وعجز وإذا أخذ الأوقات المنشطة نال المقصد بالمداومة. قال القسطلاني: في هذا استعارة الغدوة والروحة وشيء من الدلجة لأوقات النشاط وفراغ القلب للطاعة، فإن هذه الأوقات أطيب أوقات المسافر، فكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصده، فنبهه على أوقات نشاطه فإن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعاً عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة، وحسن هذه الاستعارة إن الدنيا في الحقيقة دار نقله إلى الآخرة، وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة. (رواه البخاري) في كتاب الإيمان. وأخرجه أيضاً النسائي فيه وأحمد وابن حبان والبيهقي (ج3 ص18) كلهم من طريق عمر بن علي المقدمي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة وعمر بن علي، هذا بصري ثقة لكنه مدلس شديد التدليس، وصفه بذلك ابن سعد وغيره. وهذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم، وصححه وإن كان من رواية مدلس بالعنعنة لتصريحة فيه بالسماع من طريق أخرى، فقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق أحمد بن المقدام أحد شيوخ البخاري عن عمر بن علي المذكور قال: سمعت معن بن محمد، فذكره، وهو من أفراد معن بن محمد، وهو ثقة قليل الحديث، لكن تابعه على شقه الثاني ابن أبي ذئب عن سعيد. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق بمعناه، ولفظه: سددوا وقاربوا وزاد في آخره: والقصد القصد تبلغوا، ولم يذكر شقه الأول. ومن شواهد حديث عروة الفقيمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن دين الله يسر. ومنها حديث بريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يشاد الدين يغلبه. رواهما أحمد وإسناد كل منهما حسن، كذا في الفتح.

1255-

قوله: (من نام عن حزبه) بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة وبالموحدة، هو ما يجعله الإنسان وظيفة له من صلاة أو قراءة أو غيرهما. وقال السيوطي: الحزب هو الجزء من القرآن يصلي به. وقال العراقي: هل المراد به صلاة الليل أو قراءة القرآن في صلاة أو غير صلاة، يحتمل كلا من الأمرين- انتهى. والمعنى من فاته ورده كله في الليل لغلبة النوم. والحمل على الليل بقرينة النوم ويشهد له آخر الحديث، وهو قوله: ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، ويؤيده قوله في رواية النسائي: من نام عن حزبه أو قال: عن جزءه من الليل. (أو عن شيء منه) أي من حزبه أي فاته بعض ورده. (كتب له) جواب الشرط. (كأنما قرأه من الليل) صفة

ص: 246

رواه مسلم.

1256-

(8) وعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صل

ــ

مصدر محذوف أي أثبت أجره في صحيفة عمله إثباتاً مثل إثباته حين قرأه من الليل. وقوله: كتب له الخ. قال القرطبي: هذا تفضل من الله تعالى، وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه من القيام مع أن نيته القيام، وظاهره أن له أجره مكملاً مضاعفاً، وذلك لحسن نيته وصدق تلهفه وتأسفه، وهو قول بعض شيوخنا. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون غير مضاعف إذا التي يصليها أكمل وأفضل، والظاهر هو الأول، قلت: بل هو المتعين وإلا فأصل الأجر يكتب بالنية. قال الشوكاني: الحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل، وعلى مشروعية قضاءه إذا قات لنوم أو عذر من الأعذار، وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل. وقد ثبت من حديث عائشة عند مسلم والترمذي وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وضع صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة، وفيه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل- انتهى. وفي الحديث إشارة إلى قوله تعالى:{وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً} [25: 62] قال الفاضي: أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه من فاته ورده في أحدهما تداركه في الآخر- انتهى. وهو منقول عن كثير من السلف كابن عباس وقتادة والحسن وسلمان، كما ذكره السيوطي في الدر، فتخصيصه بما قبل الزوال مع شمول الآية النهار بالكمال إشارة إلى المبادرة بقضاء الفوت قبل إتيان الموت، أو لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه مالك موقوفاً على عمر من قوله، والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً (ج2 ص485) . والحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وزعم أنه معلل بأن جماعة رووه هكذا مرفوعاً وجماعة رووه موقوفاً. قال النووي: وهذا التعليل فاسد. والحديث صحيح، وإسناده صحيح أيضاً، لما بينا أن الصحيح، بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققوا المحدثين إذا روى الحديث مرفوعاً وموقوفاً أو موصولا ومرسلاً حكم بالرفع والوصل؛ لأنها زيادة ثقة. وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد.

1256-

قوله: (وعن عمران بن حصين) مصغراً (صل) أي الفرض، والحديث خرج جواباً عن سؤال، كما يدل عليه أوله قال عمران بن حصين: كانت بي بواسير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: صل قائماً. والبواسير جمع باسور، يقال بالموحدة وبالنون، والذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة. وقيل: علة في المقعدة يسببها تمدد عروق المقعدة، ويحدث فيها نزف دم. وقيل: هو في عرف الأطباء نفاطات تحدث على نفس المقعدة ينزل منها كل وقت مادة، والذي بالنون قرحة فاسدة في البدن لا تقبل البرأ ما دام فيها ذلك الفساد.

ص: 247

قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب)) .

ــ

والمراد بقوله عن الصلاة أي عن صلاة المريض بدليل قوله: كانت بي بواسير. وفي رواية الترمذي: سألت عن صلاة المريض. (قائماً) هذا صريح في وجوب القيام في الفرض في حق المستطيع، إذ السؤال كان فيه دون النوافل، فراكب السفينة يجب له القيام إن استطاعه كما عليه الجمهور. ومن يجوز القعود له يجعل مظنة عدم الاستطاعة بمنزلة عدم الاستطاعة. (فإن لم تستطع) أي القيام. (فقاعداً) أي فصل حال كونك قاعداً، واستدل به من قال: لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام. وقد حكاه عياض عن الشافعي، وعن مالك وأحمد وإسحاق: لا يشترط العدم بل وجود المشقة، ويدل لذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يصلي المريض قائماً، فإن نالته مشقة صلى جالساً، فإن نالته مشقة صلى نائماً يؤمئ برأسه. أخرجه الطبراني في الأوسط. وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا حلس بن محمد الضبعي. قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات- انتهى. قال الحافظ: والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام أو خوف زيادة المرض أو الهلاك، ولا يكتفي بأدنى مشقة، ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة، وخوف الغرق لو صلى قائماً فيها. قلت: ويدل لذلك حديث جعفر بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يصلي في السفينة قائماً إلا أن يخشى الغرق. أخرجه البزار، وفيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات، وسنده متصل، قاله الهيثمي. قال الحافظ: ولم يبين كيفية القعود، فيؤخذ من إطلاق قوله: فقاعداً أنه يجوز أن يكون القعود على أي صفة شاء المصلي، وهو مقتضى كلام الشافعي في البويطي. وقد اختلف في الأفضل: فعن الأئمة الثلاثة: يصلي متربعاً واضعاً ليديه على ركبتيه. وقيل: يجلس مفترشاً، وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني. وصححه الرافعي ومن تبعه. وقيل: متوركاً. في كل منها أحاديث- انتهى. (فإن لم تستطع) أي القعود للمشقة. (فعلى جنب) أي فصل على جنبك. قال المجد بن تيمية في المنتقى: وزاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقياً، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها- انتهى. والمراد الجنب الأيمن متوجهاً إلى القبلة، ففي حديث علي عند الدارقطني مرفوعاً بإسناد ضعيف: يصلي المريض قائماً إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعداً، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه، وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستقلياً رجلاه مما يلي القبلة، وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب الأيمن قالوا: ويكون كتوجه الميت في القبر. وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره، ويجعل رجليه إلى القبلة، وحديثا عمران وعلى يردان عليهم؛ لأن الشارع قدم فيهما الصلاة على الجنب على الاستلقاء، وصرح بأن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع. قال ابن الهمام: لا ينتهض حديث عمران حجة على العموم، فإنه خطاب له، وكان مرضه البواسير وهو يمنع الاستلقاء، فلا يكون خطابه خطاباً للأمة- انتهى. قلت:

ص: 248

رواه البخاري.

1257-

(9) وعنه، ((أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، قال: إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد)) .

ــ

يرد عليه حديث على المذكور، فإنه خرج على وجه بيان الحكم لكل مريض من غير تخصيص برجل دون رجل ومرض دون مرض. واستدل بقوله: فإن لم تستطع فمستلقياً على أنه لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى، كإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب؛ لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية. وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور. لما كانت القدرة شرطاً في الفرض وسقط بالضرر، ففي النفل أولى، ففيه تنبيه على نوع مناسبة للباب. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود وابن ماجه وغيرهم.

1257-

قوله: (وعنه) أي عمران بن حصين وهذا حديث آخر لعمران غير الحديث المتقدم، لا أنهما روايتان في حديث واحد، كما توهم بعضهم، وهما حديثان صحيحان، وكل منها مشتمل على حكم غير الحكم الذي اشتمل عليه الآخر. (أنه سأل) أي عمران. (النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل) حال كونه. (قاعداً) سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب. فلا مفهوم له، بل الرجل والمرأة في ذلك سواء، والنساء شقائق الرجال. (قال) وفي البخاري: فقال النبي صلى الله عليه وسلم. (إن صلى) حال كونه. (قائماً فهو أفضل) قال الخطابي: إنما هو في التطوع دون الفرض؛ لأن الفرض لا جواز له قاعداً والمصلي يقدر على القيام، وإذا لم يكن له جواز لم يكن لشيء من الأجر ثبات- انتهى. وقال الحافظ: حكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي وغيرهم: أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل، وكذا نقله الترمذي عن الثوري، قال: وأما المعذور إذا صلى جالساً، فله مثل أجر القائم. وقد روي في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري يشير إلى ما أخرجه البخاري من حديث أبي موسى رفعه: إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، ولهذا الحديث شواهد كثيرة. (ومن صلى) أي نفلاً حال كونه. (قاعداً) أي بغير عذر. (فله نصف أجر القائم) قال النووي في الخلاصة: قال العلماء هذا صلاة في النافلة أي مع القدرة على القيام. وأما الفرض فلا يجوز القعود فيه مع القدرة على القيام بالإجماع، فإن عجز لم ينقص ثوابه- انتهى. (ومن صلى) حال كونه (نائماً) أي مضطجعا على هيئة النائم مع القدرة على القيام والقعود. (فله نصف أجر القاعد) يستثني من عمومه النبي صلى الله عليه وسلم فإن صلاته قاعداً لا ينقص أجرها عن صلاته قائماً؛ لحديث عبد الله بن عمرو الآتي في الفصل

ص: 249

الثالث وقد عد الشافعية هذه المسألة من خصائصه صلى الله عليه وسلم. والحديث يدل على أن يتطوع مضطجعاً على الجنب لغير عذر، أي مع القدرة على القيام والقعود. قال ابن حجر: فيه أبلغ حجة على من حرم الاضطجاع في صلاة النفل مع القدرة على القعود. وقال الطيبي: وهل يجوز أن يصلي التطوع نائماً مع القدرة على القيام أو القعود، فذهب بعض إلى أنه لا يجوز، وذهب قوم إلى جوازه، وأجره نصف القاعد، وهو قول الحسن، وهو الأصح والأولى لثبوته في السنة- انتهى. قلت: اختلف شراح الحديث في هذا الحديث هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير القادر؟ فحمله الجمهور على المتطوع القادر كما تقدم، وحمله آخرون، ومنهم: الخطابي على المفترض الذي يمكنه أن يتحامل، فيقوم مع مشقة وزيادة ألم فجعل أجره على النصف من أجر القائم ترغيباً له في القيام لزيادة الأجر وإن كان يجوز قاعداً، وكذا في الاضطجاع. قال الخطابي في المعالم (ج1 ص225) : أما قوله صلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث، ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائماً، كما رخصوا فيها قاعداً، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبره بصلاة المريض نائماً إذا لم يقدر على القعود، فإن التطوع مضطجعاً للقادر على القعود جائز، كما يجوز أيضاً للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس، فلا يجوز له أن يصلي مضطجعاً، كما يجوز له أن يصلي قاعداً؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة- انتهى. وقد لخص الحافظ في الفتح كلام الخطابي، ثم نقل عنه أنه قال: وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيباً له في القيام مع جوازه قعوده- انتهى. قال الحافظ: وهو حمل متجه قال: فمن صلى فرضاً قاعداً وكان يشق عليه القيام أجزأه، وكان هو ومن صلى قائماً سواء. فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم. ومن صلى النفل قاعداً مع القدرة على القيام أجزأه، وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال، قال: ولا يلزم من اقتصار العلماء في حمل الحديث على صلاة النافلة أن لا تراد الصورة التي ذكرها الخطابي. وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحم الناس، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود، فقال: صلاة القاعد نصف صلاة القائم، رجاله ثقات، وعند النسائي متابع له من وجه آخر، وهو وارد في المعذور، فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه، كما بحثه الخطابي- انتهى كلام الحافظ مختصراً. قال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج2 ص210) بعد نقل كلام الخطابي ما لفظه: وكل هذا تكلف وتمحل من الخطابي، بناء على زعمه أنه لم يرخص أحد من أهل العلم في

ص: 250