المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1271- (10) عن غضيف بن الحارث، قال. ((قلت - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(25) باب الموقف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(27) باب ما على الإمام

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(28) باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(29) باب من صلى صلاة مرتين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌((الفصل الثالث))

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(33) باب التحريض على قيام الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(35) باب الوتر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(36) باب القنوت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(39) باب التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1271- (10) عن غضيف بن الحارث، قال. ((قلت

متفق عليه.

{الفصل الثاني}

1271-

(10) عن غضيف بن الحارث، قال. ((قلت لعائشة: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة،

ــ

فالأفضل له التقديم ومن لا فالتأخير في حقه أفضل. قال الحافظ: لا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة: وانتهى وتره إلى السحر؛ لأن الأول لإرادة الاحتياط والآخر لمن علم من نفسه قوة، كما ورد في حديث جابر عند مسلم-انتهى. قال القسطلاني: وقد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على التهجد، فأمره بالضحى بدلاً عن قيام الليل، ولهذا عليه السلام أن لا ينام إلا على وتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر ولا عمر ولا غيرهما من الصحابة، لكن قد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضاً لأبي الدرداء، كما عند مسلم ولأبي ذر، كما عند النسائي، فقيل: خصصهم بذلك لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق بهم وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية. وقال الحافظ: والحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام، ليدخل في الواجب منهما بانشراح، ولنجبر ما لعله يقع فيه من نقص، وليثاب ثواب صوم الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان، إذ الحسنة بعشر أمثالها. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي والبيهقي (ج3 ص36) وأخرجه الترمذي مختصراً بلفظ: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام.

1271-

قوله: (عن غضيف) بضم الغين وفتح ضاد معجمتين وياء ساكنة وآخره فاء. (بن الحارث) بن زنيم الثمالي، يكن أبا أسماء الحمصي تقدم ترجمته. قال المؤلف: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في صحبته وسمع أباذر وعمر وعائشة. (أرأيت) بكسر التاء أي أخبرني. (كان يغتسل) بتقدير حرف الاستفهام أي هل كان يغتسل. وقيل: معنى أرأيت على الاستفهام سواء كانت الرؤية بصرية أو علمية أي هل رأيت. (من الجنابة في أول الليل) أي على الفور بعد الفراغ من الجنابة أي دائماً. (أم في آخره) أي يغتسل في آخر الليل يعني يؤخر الغسل إلى آخر الليل. (قالت) أي عائشة كانت له حالات مختلفة. (وربما اغتسل في آخره) أي جامع أوله واغتسل آخره تيسيراً على الأمة ولبيان الجواز. (قلت الله أكبر) استعظاماً لشفقته على الأمة وتعجباً. (الحمد لله الذي جعل في الأمر) أي في أمر الشرع أو في هذا الأمر. (سعة) بفتح السين المهملة يعني جعل في الاغتسال سعة، بأن يغتسل متى شاء من الليل ولم يضيق عليه فيه بأن يغتسل على الفور، بل أباح لنا الأمرين وبين لنا نبيه صلى الله عليه وسلم ذلك بتقديم الغسل مرة وتأخيره أخرى. قال الطبي: دل على أن السعة من الله تعالى في التكاليف نعمة يجب تلقيها بالشكر، والله أكبر دل على أن تلك

ص: 271

قلت: كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في آخره.

قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: كان يجهر بالقراءة أم يخفت؟ قالت:

ربما جهر به، وربما خفت. قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)) . رواه أبوداود.

وروى ابن ماجه الفصل الأخير.

1272-

(11) وعن عبد الله بن أبي قيس، قال: ((سألت عائشة: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان ثلاث، وعشر وثلاث،

ــ

النعمة عظيمة خطيرة لما فيه من معنى التعجب (قلت كان يوتر) أي أكان يوتر؟ وفي أبي داود: قلت أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر. (أول الليل) أي في أوله. (ربما أوتر) أي صلى الوتر. (في أول الليل) وهو القليل الأسهل. (وربما أوتر في آخره) وهو الكثير الأفضل بحسب ما رأى فيه مصلحة الوقت، وتقدم قولها أنه انتهى وتره إلى السحر. (قلت كان) أي أكان. (يجهر بالقراءة) أي في صلاة الليل. وفي أبي داود: قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن. (أم يخفت) أي يسر بها. (ربما جهر به، وربما خفت) أي في ليلتين أو في ليلة بحسب ما يناسب المقام والحال. وفيه دليل على أن المرء مخير في صلاة الليل، يجهر بالقراءة أو يسر. (رواه أبوداود) في باب الجنب يؤخر الغسل من كتاب الطهارة، وسكت عنه هو والمنذري. ورواه النسائي في الطهارة مقتصراً على الفصل الأول وكذا البيهقي (ج1 ص199) . (وروى ابن ماجه الفصل الأخير) أي الفقرة الأخيرة من فقرات الحديث، وهو قوله: قلت أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن؟ الخ. وأخرجه الترمذي وأبوداود والبيهقي أيضاً عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة مطولاً.

1272-

قوله: (وعن عبد الله بن أبي قيس) ويقال ابن قيس، ويقال ابن موسى، والأول أصح، يكنى أبا الأسود النصري الحمصي مولى عطية بن عازب، ويقال ابن عفيف، روى عن مولاه وابن عمر وعائشة وغيرهم. قال في التقريب: ثقة مخضرم. وقال العجلي: تابعي ثقة. (بكم) أي ركعات. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر) أي يصلي صلاة الليل مع الوتر. (كان يوتر بأربع) أي ركعات بتسليمة أو بتسليمتين. (وثلاث) أي بتسليمة، كما هو الظاهر، فيكون سبعاً، أربع منها صلاة الليل، وثلاث الوتر. (وست) أي وبست ركعات بتسليمتين أو بثلاث. (وثلاث) فيكون تسعاً، ست منها صلاة الليل، وثلاث الوتر. (وثمان وثلاث) فيكون إحدى عشرة ركعة. (وعشر وثلاث) فيكون ثلاث عشرة ركعة. واعلم أن عائشة أطلقت في هذه الرواية على جميع صلاته صلى الله عليه وسلم -

ص: 272

ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة)) ، رواه أبوداود.

1273-

(12) وعن أبي أيوب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوتر حق على كل مسلم،

ــ

في الليل التي كان فيها الوتر، وتراً. وقد أطلقه غيرها أيضاً. قال الترمذي بعد روايته حديث أم سلمة بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع، ما لفظه: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة. قال إسحاق بن إبراهيم. (يعني ابن راهوية) : معنى ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة، قال إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. (أي أطلق على صلاة الليل مع الوتر لفظ الوتر فمعنى يوتر بثلاث عشرة أي يصلي صلاة الليل مع الوتر ثلاث عشرة ركعة) وروي في ذلك حديثاً. (كأنه يشير إلى حديث عبد الله بن أبي قيس هذا)، واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوتروا يا أهل القرآن، قال إنما عنى به قيام الليل يقول إنما قيام الليل، على أصحاب القرآن- انتهى. قلت: في إتيان عائشة بثلاث في كل عدد دلالة ظاهرة بأن الوتر في هذه الرواية في الحقيقة هو الثلاث، وما وقع قبله من مقدماته المسمى بصلاة التهجد. فالمراد بالوتر هنا صلاة الليل كلها. ويؤيده ما تقدم من حديث ابن عمر: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً. (ولم يكن يوتر) أي يصلي صلاة الليل مع الوتر. (بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة) أي غالباً، وإلا فقد ثبت أنه أوتر بخمس عشرة. وهذا الاختلاف بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت وضيقه وطول القراءة، كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود، أو من نوم، أو من مرض وغيرهما، أوفي بعض الأوقات عند كبر السن، كما قالت: فلما أسن صلى أربع ركعات. والحاصل أن ذلك محمول على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز، وبهذا يجمع بين ما اختلف الروايات عن عائشة. (رواه أبوداود) ومن طريقة البيهقي (ج3 ص28) ، وسكت عنه أبوداود والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد والطحاوي (ج1 ص168) وإسناده حسن.

1273-

قوله: (الوتر حق) قال الطيبي: الحق يجيء بمعنى الثبوت والوجوب. فذهب أبوحنيفة إلى الثاني، والشافعي إلى الأول أي ثابت في الشرح والسنة. وفيه نوع تأكيد- انتهى. وقال السندي: قد يستدل به من يقول بوجوب الوتر بناء على أن الحق هو اللازم الثابت على الذمة. ويجيب من لا يرى الوجوب بأن معنى حق أنه مشروع ثابت-انتهى. وذكر المجد بن تيمية في المنتقى أن ابن منذر روى هذا الحديث بلفظ: الوتر حق، وليس بواجب. وهذا صريح في أن لفظ حق هنا بمعنى الثابت في الشرع لا الواجب، ولو سلم أنه بمعنى

ص: 273

فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة

فليفعل)) .

ــ

واجب، بل ولو ورد لفظ واجب صريحاً، لم يكن فيه حجة لمن يقول بوجوب الوتر؛ لأنه يكون مصروفاً إلى معنى المسنون المؤكد للأدلة الصريحة على الدالة على عدم الوجوب. والواجب قد يطلق على المسنون تأكيداً، كما سلف تأويل الجمهور في غسل الجمعة. واعلم أنه ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب، وخالف الإمام أباحنيفة صاحباه الإمام يوسف والإمام محمد، فذهبا أيضاً إلى ما ذهب إليه الجمهور، وقالا بعدم وجوب الوتر، ولم يوافق أباحنيفة إلا عدة من أهل العلم. قال الحافظ: قد بالغ الشيخ أبوحامد فادعى أن أباحنيفة قال بوجوب الوتر، ولم يوافقه صاحباه، مع أن ابن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم. وعنده عن مجاهد الوتر واجب، ولم يثبت. ونقله ابن العربي عن أصبغ من المالكية، ووافقه سحنون، وكأنه أخذه من قول مالك: من تركه اُدِّبَ، وكان جرحة في شهادته- انتهى. قلت: والقول الراجح المنصور هو ما قال به لجمهور. قال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة (ج2 ص13) : والحق أن الوتر سنة، هو أوكد السنن، بينه علي وابن عمر وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم. (فمن أحب أن يوتر بخمس فلفعل) بأن لا يجلس إلا في آخرهن كما تقدم من حديث عائشة. ويحتمل على بُعد أن يصلي ركعتين، ثم يصلي ثلاثاً، كما هو مذهب أبي حنيفة. (ومن أحب أن يوتر بثلاث) أي موصولة بتسليمة وبتشهد، فلا يجلس إلا في آخرها، هذا هو الظاهر. ويؤيده حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن. أخرجه الحاكم والبيهقي. وقيل: مفصولة بتسليمتين، والكل واسع، والخلاف في الأفضل. (فليفعل) في دليل على الإيتار بثلاث موصولة. ولا يعارضه ما روي عن أبي هريرة مرفوعاً: لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو أكثر من ذلك. أخرجه محمد بن نصر والبيهقي وغيرهما؛ لأنه يجمع بينهما بأن النهي عن الثلاث إذا كان يقعد للتشهد الأوسط؛ لأنه يشبه المغرب. وأما إذا لم يقعد إلا في آخرها فلا يشبه المغرب. قال الأمير اليماني في السبل (ج2 ص9) : وهو جمع حسن. وقال الحافظ في الفتح: وجه الجمع أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين، وقد فعله السلف، يعني الإيتار بثلاث بتشهد واحد، فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثانية من الوتر بالتكبير، ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث، لم يسلم إلا في آخرهن، ومن طريق ابن طاووس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث، لا يقعد بينهن، ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله. وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث

(1)

وفي نسخة " بعض"

ــ

ص: 274

رواه أبوداود، والنسائي وابن ماجه.

1274-

(13) وعن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وتر

ــ

كالمغرب، وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور- انتهى كلام الحافظ. قلت: ويؤيد هذا الجمع ما قدمنا من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن، وهو حديث حسن أو صحيح. وقال: بعض الحنفية في تأويل قوله: "لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب" الخ. إن معنى أنه لا يترك تطوعاً قبل الإيتار بثلاث، فرقاً بينه وبين المغرب، فكره إفراد الوتر حتى تكون معه شفع، فمحط النهي هو جعل الوتر ثلاثاً بحيث لم يتقدمهن شيء. فأما إذا قدم عليهن شفعاً فلا يكره لعدم المشابهة بينه وبين المغرب حينئذٍ؛ لأنه لا يندب الصلاة قبل الفرض المغرب. وفيه أن هذا التأويل سخيف جداً بل هو باطل؛ لأنه يلزم منه أن يكون التطوع قبل الإيتار بثلاث، وتقديم الشفع عليه واجباً، واللازم باطل، فالملزوم مثله، ولأن التطوع قبل فرض المغرب سنة ثابتة ندب إليها النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وتقريراً، كما ذكرنا مفصلاً، وحينئذٍ لا يرتفع المشابهة بينه والمغرب على هذا التأويل، فتفكر. ولبطلانه وجوه أخرى لا تخفى على المتأمل، وارجع إلى تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي (ج1 ص339، 340) . (ومن أحب أن يوتر بواحدة) ظاهره مقتصراً عليها. قال النووي: فيه دليل على أن أقل الوتر ركعة، وأن الركعة الواحدة صحيحة. وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبوحنيفة: لا يصح الإيتار بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة، والأحاديث الصحيحة ترد عليه. (رواه أبوداود والنسائي وابن ماجه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص418) وابن حبان والدارمي والطحاوي (ص172) والطيالسي (ص81) والدارقطني (ص171) والحاكم (ج1 ص303) والبيهقي (ج3 ص23، 24، 27) وسكت عنه أبوداود. وقال الحاكم: على شرطهما. وقال المنذري: وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أبوداود والنسائي وابن ماجه مرفوعاً من رواية بكر بن وائل عن الزهري، وتابعه على رفعه الإمام أبوعمرو الأوزاعي وسفيان بن حسين ومحمد بن أبي حفصة وغيرهم. ويحتمل أن يكون يرويه مرة فتياه ومرة من روايته- انتهى. وقال الحافظ في التلخيص (ص116) : وصحح أبوحاتم والذهلي والدارقطني في العلل، والبيهقي وغير واحد وقفه، وهو الصواب، وقال في بلوغ المرام: رجح النسائي وقفه. وقال الأمير اليماني: وله حكم الرفع، إذ لا مسرح للاجتهاد فيه أي في المقادير. وقال النووي: إسناده صحيح، ورجح ابن قطان الرفع، وقال: لا حفظ من لم يحفظه.

1274-

قوله: (إن الله وتر) قال الجزري: الوتر الفرد وتكسر واؤه وتفتح، فالله واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة، واحد في صفاته فلا شبه له ولا مثل، واحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين.

ــ

ص: 275

يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن)) . رواه الترمذي، أبوداود، والنسائي.

ــ

(يحب الوتر) أي يثيب عليه ويقبله من عامله. قال القاضي: كل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة. (فأوتروا) أمر بصلاة الوتر، وهو أن يصلي مثنى مثنى، ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات. كذا في النهاية. وقال الطيبي: يريد بالوتر في هذا الحديث قيام الليل، فإن الوتر يطلق عليه، كما يفهم من الأحاديث، فلذلك خص الخطاب بأهل القرآن- انتهى. قال ابن الملك: الفاء تؤذن بشرط مقدر، كأنه قال: إذا اهتديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا- انتهى. والأمر للندب. (يا أهل القرآن) يعني المؤمنين المصدقين به، أو المتولين بحفظه وتلاوته. وقال القاري: أي أيها المؤمنون به، فإن الأهلية عامة شاملة لمن آمن به سواء قرأ أو لم يقرأ وإن كان الأكمل منهم من قرأ وحفظ، وعلم وعمل ممن تولى قيام تلاوته ومراعاة حدود وأحكامه- انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج1 ص285) تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب، ولو كان واجباً لكان عاماً، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاظ دون العوام. ويدل على ذلك أيضاً قوله للأعرابي: ليس لك ولأصحابك- انتهى. (رواه الترمذي وأبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه كلهم من رواية عاصم بن ضمرة عن علي. وفي رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم، ولا كصلاتكم المكتوبة. وفي بعضها: ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال إن الله تعالى وتر الخ. وهذا ظاهر، بل نص في عدم وجوب الوتر، كما عليه الجمهور، ويدل عليه أيضاً ما روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث علي زاد: فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لك ولأصحابك. أخرجه أبوداود وابن ماجه والبيهقي من طريق أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود. وأبوعبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود. قال السندي: قوله: "ليس لك ولا لأصحابك" أي ممن ليس بأهل القرآن ظاهره الرفع لا الوقف. وهذا ينافي وجوب الوتر عموماً أو استنانه، إذا قلنا المراد بالوتر في هذا الحديث صلاة الليل، نعم ينبغي أن تكون صلاة الليل مخصوصة بأهل القرآن، فيمكن أن يكون التأكيد في حقهم، ويكون في حق الغير ندباً بلا تأكيد- انتهى. ويدل عليه أيضاً ما روي عن ابن عباس مرفوعاً: ثلاث على الفرائض، وهي لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الفجر. أخرجه أحمد والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم، وقال البيهقي في روايته: ركعتا الضحى بدل ركعتي الفجر، وهو حديث ضعيف، كما بينه الحافظ في التلخيص. ويدل عليه أيضاً ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن عبادة بن الصامت بلفظ: قال الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده. وليس بواجب، ورواته ثقات، قاله البيهقي. ويدل أيضاً عليه ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره. أخرجه الجماعة، فهو ظاهر في عدم الوجوب؛

ــ

ص: 276

1275-

(14) وعن خارجة بن حذفة قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله أمدكم بصلاة

ــ

لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة. وأجاب الحنفية عنه بأن هذا كان قبل وجوب الوتر. وفيه أن لم يقم دليل على وجوبه حتى يحمل على أنه كان ذلك قبل الوجوب. وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يوتر على راحلته، وربما نزل فأوتر بالأرض. ويدل أيضاً عليه ما علم من الدين بالضرورة أن الصلوات المفروضة في اليوم والليلة خمس، فلو كان الوتر واجباً لصار المفروض ست صلوات في كل يوم وليلة، ولا فرق بين الواجب والفرض في لزوم الأداء عملاً، مع أن حديث طلحة بن عبيد الله عند الشيخين يدل على أنه لا يلزم العبد صلاة في اليوم والليلة غير الصلوات الخمس إلا أن يتطوع، ففيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. وفي الباب أحاديث وآثار تدل على عدم وجوب الوتر، ذكرها محمد بن نصر في قيام الليل. وفي ما ذكرنا كفاية.

1275-

قوله: (وعن خارجة بن حذافة) بحاء مهملة مضمومة وخفة ذال معجمة وفاء بعد الألف، ابن غانم القرشي العدوي. صحابي من مسلمة الفتح، وكان أحد فرسان قريش، يقال: كان يعدل بألف فارس، روي أن عمرو بن العاص استمد من عمر بثلاثة آلاف فارس، فأمده بخارجة بن حذافة هذا والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود. سكن خارجة مصر واختلط بها، وكان قاضياً لعمرو بن العاص بمصر. وقيل: كان على شرطته وعداده في أهل مصر؛ لأنه شهد فتح مصر، ولم يزل فيها إلى أن قتل بها، قتله أحد الخوارج الثلاثة الذين كانوا انتدبوا لقتل علي ومعاوية وعمرو، فأراد الخارجي قتل عمرو فقتل خارجة هذا، وهو يظنه عمراً. وذلك أنه كان استخلفه عمرو على صلاة الصبح ذلك اليوم، فلما قتله أُخذ وأدخل على عمرو. فقال الخارجي: أردت عمراً وأراد الله خارجة، فذهبت مثلاً. وكان قتله سنة أربعين ليلة قتل علي بن أبي طالب. وليس له غير هذا الحديث الواحد. (إن الله أمدكم بصلاة) أي زادكم كما في بعض الروايات، قاله الطيبي. وقال محمد طاهر الفتني في مجمع البحار: هو من أمد الجيش. إذا ألحق به ما يقويه، أي فرض عليكم الفرائض ليوجركم بها ولم يكتف به، فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحساناً على إحسان- انتهى. وقال القاري: أي جعلها زيادة لكم في أعمالكم من مد الجيش وأمده أي زاده. قال الخطابي في المعالم (ج1 ص285) : قوله "أمدكم بصلاة" يدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة الإلزام، فيقول ألزمكم. أو فرض عليكم، أو نحو ذلك من الكلام. وقد روي أيضاً في هذا الحديث: أن الله قد زادكم صلاة. ومعناه الزيادة في النوافل. وذلك أن نوافل الصلوات شفع لا وتر فيها، فقيل: أمدكم بصلاة وزادكم بصلاة لم تكونوا تصلونها قبل على تلك الهيئة

ص: 277

هي خير لكم من حمر النعم. الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر)) .

رواه الترمذي، وأبوداود.

ــ

والصورة، وهي الوتر- انتهى. (هي خير لكم من حمر النعم) بضم الحاء وسكون الميم، جمع أحمر. والنعم هنا الإبل، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، وإنما قال ذلك ترغيباً للعرب فيها؛ لأن حمر النعم أعز أموال العرب عندهم، فكانت كناية عن أنها خير من الدنيا كلها؛ لأنها ذخيرة الآخرة التي هي خير وأبقى. وقيل: المراد إنها خير لكم من أن تتصدقوا بها، وهو اعتقادهم الخيرية فيها، وإلا فذرة من الآخرة خير من الدنيا وما فيها. (الوتر) بالجر بدل من صلاة بدل المعرفة من النكرة، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير هي الوتر. وجوز النصب بتقدير أعني (جعله الله لكم) أي وقت الوتر. (فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) فيه دليل على أن أول وقت الوتر يدخل بالفراغ من صلاة العشاء، ويمتد إلى طلوع الفجر، كما قالت عائشة: وانتهى وتره إلى السحر. قال المجد بن تيمية في المنتقى: فيه دليل على أنه لا يعتد به قبل العشاء بحال. واستدل الحنفية بهذا الحديث على وجوب الوتر. وذلك بوجوه: الأول أنه أضاف الزيادة إلى الله تعالى، والسنن إنما تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أن الزيادة إنما تتحقق في الواجبات؛ لأنها محصورة العدد، لا في النوافل؛ لأنها لا نهاية لها. والثالث: أن الزيادة على الشيء لا تتصور إلا إذا كان من جنس المزيد عليه. والرابع: أنه جعل له وقتاً معيناً، وهو من أمارات الوجوب. وقد رد عليهم ابن العربي في شرح الترمذي، حيث قال به احتج علماء أبي حنيفة، فقالوا: إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد عليه، وهذه دعوى، بل تكون الزيادة من غير جنس المزيد، كما لو ابتاع بدرهم، فلما قضاه زاده ثمناً أو ربحاً إحساناًَ، كزيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر في ثمن الجمل، فإنها زيادة، وليست بواجبة. وليس في هذا الباب حديث صحيح يتعللون به- انتهى. وقال الحافظ الدارية: ليس في قوله: "زادكم" دلالة على وجوب الوتر؛ لأنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد، فقد روى محمد بن نصر المروزي في الصلاة من حديث أبي سعيد رفعه: أن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، هي خير لكم من حمر النعم، ألا وهي الركعتان قبل الفجر، وأخرجه البيهقي (ج2 ص469) ونقل عن ابن خزيمة أنه قال: لو أمكنني لرحلت في هذا الحديث- انتهى. قلت: حديث أبي سعيد هذا يرد على جميع وجوه استدلالهم المتقدمة، ويقطع جميع ما ذكره صاحب البدائع من وجوه الاستدلال، وهو حديث مشكل على الحنفية جداً. وقد ذكر ابن الهمام في فتح القدير على الهداية هذا الإشكال، ثم قال: فالأولى التمسك بما في أبي داود عن بريدة مرفوعاً: الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني الخ. قلت: يريد به ما سيأتي في الفصل الثالث من حديث بريدة بلفظ: الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا الخ. وسيأتي هناك الجواب عنه. (رواه الترمذي وأبوداود) وأخرجه أيضاً الطحاوي (ج1 ص250)

ص: 278

1276-

(15) وعن زيد بن أسلم، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن وتره فليصل إذا أصبح)) .

ــ

والحاكم (ج1 ص306) وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه لتفرد التابعي عن الصحابي، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (ج4 ق1 ص139) والبيهقي (ج2 ص469و 478) والدارقطني (ص274) والطبراني وابن عدي في الكامل وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص259،260) كلهم من طريق عبد الله بن راشد الزوفي أبي الضحاك عن عبد الله بن أبي مرة عن خارجه بن حذافة. وعبد الله بن راشد. قال الحافظ في التقريب: مستور. وقال الذهبي في الميزان في ترجمته: روى عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بحديث الوتر، رواه عنه يزيد بن أبي حبيب، وخالد بن يزيد قيل: لا يعرف سماعه من ابن أبي مرة. قلت: ولا هو بالمعروف. وذكره ابن حبان في الثقات- انتهى. قال الحافظ في التهذيب: وقال أي ابن حبان يروى عن عبد الله بن أبي مرة أن كان سمع منه، ومن اعتمده فقد اعتمده فقد اعتمد إسناداً مشوشاً- انتهى. وأما عبد الله بن أبي مرة فقال الحافظ في التقريب: صدوق. أشار البخاري إلى أن روايته عن خارجة منقطعة. وقال في التهذيب: لا يعرف سماعه من ابن أبي مرة. قلت: نقل ابن عدي في الكامل عن البخاري أنه قال لا يعرف سماع بعض هؤلاء من بعض. وقال ابن حبان: إسناد منقطع ومتن باطل- انتهى. لكن الحديث له شواهد: منها حديث عمرو بن العاص وعقبة بن عامر، أخرجه ابن راهويه والطبراني في الكبير والأوسط. وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو متروك، قاله الهيثمي (ج2 ص340) . ومنها حديث ابن عباس، أخرجه الدارقطني والطبراني، وفي سنده النضر أبوعمر الخزار، وهو ضعيف، ومنها حديث أبي بصرة أخرجه أحمد والحاكم والطبراني. وبعض أسانيده صحيح. ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أخرجه الدارقطني. وفي سنده محمد بن عبيد الله العزرمي، وهو متروك، وأخرجه أيضاً أحمد. وفي سنده الحجاج ابن أرطاة، وهو غير ثقة. ومنها حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني في غرائب مالك. وفيه حميد بن أبي الجون، وهو ضعيف. ومنها حديث أبي سعيد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين. قال الحافظ في الدراية (ص112) : بإسناد حسن.

1276-

قوله: (وعن زيد بن أسلم) من ثقات التابعين المشهورين، وهو مولى عمر. (من نام عن وتره) أي عن أدائه. (فليصل إذا أصبح) أي فليقض الوتر بعد الصبح متى اتفق، وكذا من نسي الوتر فليصله إذا ذكر. ففيه دليل على أن من نام عن وتره أو نسيه فحكمه حكم من نام عن الفريضة أو نسيها أنه يأتي بها عند الاستيقاظ أو الذكر. وهذا يدل على مشروعية قضاء الوتر. واختلف فيه العلماء: فذهب مالك إلى أن الوتر يصلي إلى تمام صلاة الصبح أداء، ولا قضاء له بعد ذلك، يعني أنه لا يقضي بعد صلاة الصبح. وذهب الشافعي وأحمد إلى سنية القضاء، وقالا: إنه يقضى أبداً ليلاً ونهاراً. وذهب أبوحنيفة وصاحباه إلى وجوب القضاء. واستشكل قول الصاحبين؛ لأن وجوب القضاء فرع لوجوب الأداء، وقد قالا بسنية الوتر لا بوجوبه. وأجيب بأنهما لما ثبت

ص: 279

رواه الترمذي مرسلاً.

1277 -

(16) وعن عبد العزيز بن جريج، قال: سألنا عائشة: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ــ

عندهما دليل السنية ذهبا إليه، ولما ثبت دليل وجوب القضاء قالا به اتباعاً للنص وإن خالف القياس. والراجح عندي ما ذهب إليه الشافعي وأحمد من أن الوتر يقضى أبداً ليلاً ونهاراً، لكن ندباً لا وجوباً، خلافاً لمالك، فإنه قال بعدم مشروعية القضاء، وخلافاً للأئمة الحنفية، فإنهم ذهبوا إلى وجوب القضاء. وذهب بعض العلماء إلى التفرقة بين أن يتركه نوماً أو نسياناً، وبين أن يتركه عمداً، فيقضيه في الأول إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان ليلاً أو نهاراً. قال الشوكاني: وهو ظاهر الحديث. واختاره ابن حزم، واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، قال: وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة، وهو في الفرض أمر فرض، وفي النفل أمر ندب، قال: ومن تعمد تركه حتى دخل الفجر فلا يقدر على قضائه أبداً، قال فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبداً متى ذكره ولو بعد أعوام. وقد استدل بالأمر بقضاء الوتر على وجوبه. وحمله الجمهور على الندب. ويكون المعنى أن المندوب يقضى كالواجب لكن ندباً لا وجوباً، وقد جاء قضاء المندوب. (رواه الترمذي مرسلا) من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه زيد بن أسلم. وأخرجه أيضاً هو وابن ماجه ومحمد بن نصر موصولاً من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وسيأتي في الفصل الثالث. قال الترمذي: والمرسل أصح من الموصول أي؛ لأن عبد الرحمن ابن زيد ضعيف، وأخوه عبد الله ابن زيد أحسن حالاً منه وأمثل وأثبت، وثقه أحمد ومعن بن عيسى القزاز. وقال أبوحاتم ليس به بأس. وقال الحافظ: صدوق فيه لين، ولكن الحديث صحيح من طريق أخرى فقد رواه أبوداود في السنن والدارقطني (ص171) والحاكم (ج1 ص302) والبيهقي (ج2 ص480) كلهم من طريق أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي. قال الشوكاني: وإسناد الطريق التي أخرجه منها أبوداود صحيح، كما قال العراقي.

1277-

قوله: (وعن بد العزيز بن جريج) بضم الجيم الأولى وفتح الراء وسكون الياء، تابعي لين. قال العجلي: لم يسمع من عائشة، وأخطأ خصيف. (راوي هذا الحديث عنه) فصرح بسماعه، كذا في التقريب. وقال البخاري والعقيلي: لا يتابع في حديثه. وذكره ابن حبان في الثقات. (قال: سألنا عائشة) هذا لفظ الترمذي. وفي رواية أبي داود قال: سألت عائشة. (بأي شيء) أي من السور. (كان يوتر) أي يصلي الوتر وقال ابن حجر أي بأي

ص: 280

قالت: كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية بـ {قل يأيها

الكافرون} وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين)) رواه الترمذي، وأبوداود.

ــ

شيء من القرآن يقرأ في وتره؟ (كان يقرأ في الأولى) أي من الثلاث بـ {سبح اسم ربك الأعلى} أي بعد الفاتحة. (وفي الثالثة) فيه إشارة إلى أن الثلاث بسلام واحد. قال الزيلعي في نصب الراية (ج2:ص119) : ظاهر الحديث أن الثالثة متصلة غير منفصلة، وإلا لقال: وفي ركعة الوتر أو الركعة المفردة أو نحو ذلك. ولكن يعكر عليه في لفظه للدارقطني (ص172) والطحاوي (ص168) والحاكم (ج2:ص305) والبيهقي (ج3:ص37) عن عائشة أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} ويقرأ في الوتر بـ {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} انتهى. وقال الحافظ في الدراية بعد ذكر هذه الرواية: وهو يرد استدلال الطحاوي بأنه لو كان مفصولاً لقال: وركعة الوتر أو الركعة المفردة أو نحو ذلك-انتهى. وقال الحاكم في المستدرك بعد روايته. وسعيد بن عفير. (يعني الذي روى عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة) إمام أهل مصر بلا مدافعة، وقد أتى بالحديث مفسراً مصلحاً دالاً على أن الركعة التي هي الوتر ثانية غير الركعتين اللتين قبلهما-انتهى. أي فيحمل ما أجمله غيره كسعيد بن الحكم بن أبي مريم وغيره على هذا المفصل. (والمعوذتين) بكسر الواو، وتفتح. وفي الحديث دليل على مشروعية قراءة ثلاث سور الإخلاص والمعوذتين في الركعة الثالثة من الوتر، لكن اختار أكثر أهل العلم قراءة الإخلاص فقط.؛ لأن حديث عائشة فيه كلام، وحديث أبي بن كعب وابن عباس بإسقاط المعوذتين أصح. وقال ابن الجوزي: أنكر أحمد وابن معين زيادة المعوذتين. (رواه الترمذي وأبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والبيهقي (ج3:ص38) ، وسكت عنه أبوداود وحسنه الترمذي، لكن قال شيخنا في شرح الترمذي: في كونه حسناً نظر، فإن عبد العزيز بن جريج لم يسمع من عائشة. (كما قال العجلي وابن حبان والدارقطني) وأيضاً فيه خصيف، وهو قد خلط بآخره، ولا يدرى أن محمد بن سلمة رواه عنه قبل الاختلاط أو بعده، والله أعلم، نعم يعتضد برواية عمرة عن عائشة التي أشار إليها الترمذي يعني التي تقدم لفظها في كلام الزيلعي. وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي متعقباً على كلام الشيخ ما لفظه: وليس هذا بشيء. أما خصيف فإنه ثقة. تكلم بعضهم في حفظه، كما سبق، وعبد العزيز بن جريج قديم؛ لأن ابنه عبد الملك مات في أول عشر ذي الحجة سنة 150 عن 76 سنة فكأنه ولد سنة 74، بل قال بعضهم: إنه جاز المائة، فكأنه ولد حول سنة 50، وعائشة ماتت 58، فأبوه عبد العزيز أدرك عائشة يقيناً. ثم قد تأيد الحديث برواية عمرة عن عائشة التي أشار إليها الترمذي. وحديثها رواه الحاكم في المستدرك (ج1:ص305) من طريق سعيد بن عفير وسعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عمرة، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ويحيى بن

ص: 281

1278-

(17) ورواه النسائي عن عبد الرحمن بن أبزى.

1279-

(18) ورواه أحمد عن أبيّ بن كعب.

1280-

(19) والدارمي عن ابن عباس،

ــ

أيوب الغافقي ثقه حافظ، ولا حجة لمن تكلم فيه، ورواه أيضاً ابن حبان والدارقطني والطحاوي فيما حكاه الحافظ في التلخيص-انتهى. قلت: ويؤيده أيضاً ما روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة بزيادة المعوذتين، وفيه المقدام بن داود، وهو ضعيف، وما روى ابن السكن من حديث عبد الله بن سرجس بإسناد غريب، كما في التلخيص. فالظاهر أن حديث عائشة حسن لشواهده. وأما من جهة سنده ففي كونه حسناً كلام لما تقدم أن فيه خصيفاً وهو سيء الحفظ، وقد خلط بآخره. والله أعلم.

1278-

(ورواه النسائي) وكذا أحمد (ج3:ص407، 406) قال الحافظ في التلخيص (ص118) : وإسناده حسن. (عن عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها زاي مقصور، الخزاعي مولاهم، مختلف في صحبته، فذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وقال البخاري: له صحبة. وذكره غير واحد في الصحابة. وقال أبوحاتم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه. وقال ابن عبد البر: استعمله علي رضي الله عنه على خراسان. وذكره ابن سعد فيمن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أحداث الأسنان. وممن جزم بأن له صحبة: خليفة بن خياط والترمذي ويعقوب بن سفيان وأبوعروبة والدارقطني والبرقي وبقي بن مخلد وغيرهم، كذا في تهذيب التهذيب. وقال في التقريب: إنه صحابي صغير، وكان في عهد عمر رجلاً، وكان على خراسان لعلي-انتهى. قلت: ويدل على كونه صحابياً أنه روى ابن سعد والطحاوي وأبوداود وأحمد من حديثه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فالراجح أنه صحابي. وقد اختلفوا هل هذا الحديث من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو من روايته عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال الترمذي: روي عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبي بن كعب، ويروي أيضاً عن عبد الرحمن بن أبزى عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا روى بعضهم فلم يذكر عن أبي، وذكر بعضهم عن عبد الرحمن ابن أبزى عن أبي-انتهى. والظاهر أن له في القراءة في الوتر روايتين: إحداهما روايته عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وثانيتهما روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة، وقد قال العراقي: كلاهما عند النسائي بإسناد صحيح، كما في النيل.

1279-

(ورواه أحمد عن أبي بن كعب) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي وابن ماجه والطحاوي وابن حبان والحاكم والبيهقي. وزاد النسائي في رواية: ولا يسلم إلا في آخرهن.

1280-

(والدارمي عن ابن عباس) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والطحاوي

ص: 282

ولم يذكرا: والمعوذتين.

1281-

(20) وعن الحسن بن علي، قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:

ــ

والبيهقي (ج3:ص38) . (ولم يذكرا) أي أحمد والدارمي أو أبيّ بن كعب وابن عباس. (والمعوذتين) وتقدم حديث أبي وابن عباس بإسقاط المعوذتين أصح، ولذلك اختاره أكثر أهل العلم.

1281-

قوله: (وعن الحسن بن علي) بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته من الدنيا، وأحد سيدي شباب أهل الجنة أمير المؤمنين أبومحمد، ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وهو أصح ما قيل في ولادته، ومات سنة 49، وهو ابن سبع وأربعين. وقيل: مات سنة 50. وقيل بعدها، ودفن بالبقيع، ويقال: إنه مات مسموماً، وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه. قال الخرزجي: له ثلاثة عشر حديثاً. وقال البرقي: جاء عنه نحو من عشرة أحاديث، روى عنه ابنه الحسن وأبوهريرة وعائشة أم المؤمنين وجماعة كثيرة. ولما قتل أبوه علي بن أبي طالب بالكوفة بايعه الناس على الموت أكثر من أربعين ألفاً، ثم كره سفك الدماء، فسلم الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان وانخلع، وبايعه في النصف من جمادى الأولى سنة 41، فكانت ولايته سبعة أشهر وأحد عشر يوماً، ويقال أربعة أشهر. ومناقبه وفضائله كثيرة جداً. (أقولهن) أي أدعو بهن. (في قنوت الوتر) وفي رواية: في الوتر. والقنوت يطلق على معان، والمراد به ههنا الدعاء في صلاة الوتر في محل مخصوص من القيام. قال السندي في حاشية النسائي: الظاهر أن المراد علمني أن أقولهن في الوتر بتقدير أن، أو باستعمال الفعل موضع المصدر مجازاً، ثم جعله بدلاً من كلمات، إذ يستبعد أنه علمه الكلمات مطلقاً، ثم هو من نفسه وضعهن في الوتر. ويحتمل أن قوله أقولهن صفة كلمات، كما هو الظاهر، لكن يؤخذ منه أنه علمه أن يقول تلك الكلمات في الوتر، لا أنه علمه نفس تلك الكلمات مطلقاً-انتهى. قلت: ويؤيد ذلك ما وقع في بعض روايات أحمد: وعلمه أن يقول في الوتر، وما في رواية للنسائي: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر، وما في رواية ابن الجارود: علمه هذه الكلمات ليقول في قنوت الوتر. ثم ظاهر الحديث الإطلاق في جميع السنة، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة وهو وجه للشافعية، والمشهور من مذهبهم تخصيص القنوت في الوتر بالنصف الأخير من رمضان، وهو رواية عن مالك والمشهور المعتمد عند المالكية نفي القنوت في الوتر جملة، وهي رواية ابن القاسم، قال في المدونة: لا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره ولا في غير رمضان ولا في الوتر أصلاً-انتهى. والراجح عندنا: هو أن القنوت في الوتر مستحب في جميع السنة؛ لأنه ذكر يشرع في الوتر فيشرع في جميع السنة كسائر الأذكار، ولإطلاق لفظ الوتر في هذا الحديث. وإليه ذهب ابن مسعود وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 283

اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت))

ــ

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال السندي: ثم قد أطلق الوتر فيشمل الوتر طول السنة، فصار الحديث دليلاً قوياً لمن يقول بالقنوت في الوتر طول السنة-انتهى. (اللهم اهدني) أي ثبتني على الهداية، أو زدني من أسباب الهداية. (فيمن هديت) أي في جملة من هديتهم، أو هديته من الأنبياء والأولياء، كما قال سليمان:{وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} . وقال ابن الملك: أي اجعلني ممن هديتهم إلى الصراط المستقيم. وقال الطيبي: أي اجعل لي نصيباً وافراً من الاهتداء معدوداً في زمره المهتدين من الأنبياء والأولياء وقيل: "في" فيه وفيما بعده بمعنى مع قال تعالى. {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} [69:4] . (وعافني) أمر من المعافاة التي هي دفع السوء. (وتولني) أي تول أمري وأصلحه. (فيمن توليت) أمورهم ولا تكلني إلى نفسي. وقال المظهر: أمر مخاطب من تولى إذا أحب عبداً وقام بحفظه وحفظ أموره. (وبارك) أي أكثر الخير. (لي) أي لمنفعتي. (فيما أعطيت) أي فيما أعطيتني من العمر والمال والعلوم والأعمال. وقال الطيبي: أي أوقع البركة فيما أعطيتني من خير الدارين. (وقني) أي احفظني. (شر ما قضيت) أي شر ما قضيته أي قدرته لي، أو شر قضائك. قيل: سؤال الوقاية وطلب الحفظ عما قضاه الله وقدره للعبد مما يسوءه، إنما هو باعتبار ظاهر الأسباب والآلات التي يرتبط بها وقوع المقضيات، ويجري فيها المحو والإثبات فيما لا يزال. (فإنك) وفي رواية: إنك بغير فاء. (تقضي) أي تقدر أو تحكم بكل ما أردت. (ولا يقضى عليك) بصيغة المجهول، أي لا يقع حكم أحد عليك، فلا معقب لحكمك ولا يجب عليك شيء إلا ما أوجبته عليك بمقتضى وعدك. (إنه) أي الشأن. وفي بعض الروايات: وإنه بزيادة الواو. (لا يذل) بفتح فكسر، أي لا يصير ذليلاً. (من واليت) الموالاة ضد المعاداة. وهذا في مقابلة لا يعز من عاديت، كما جاء في بعض الروايات. قال ابن حجر: أي لا يذل من واليت من عبادك في الآخرة أو مطلقاً وإن ابتلي بما ابتلي به، وسلط عليه من أهانه وأذله باعتبار الظاهر؛ لأن ذلك غاية الرفعة والعزة عند الله وعند أوليائه، ولا عبرة إلا بهم. ومن ثم وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الامتحانات العجيبة ما هو مشهور. وزاد البيهقي، وكذا الطبراني من عدة طرق: ولا يعز من عاديت، أي لا يعز في الآخرة أو مطلقاً وإن أعطي من نعيم الدنيا وملكها ما أعطي، لكونه لم يمتثل أوامرك، ولم يجتنب نواهيك. (تباركت) أي تكاثر خيرك في الدارين. (ربنا) بالنصب أي يا ربنا. (وتعاليت) أي ارتفع عظمتك وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين. وقال ابن الملك: أي ارتفعت عن مشابهة كل شيء. وزاد النسائي في رواية: وصلى الله على النبي. قال النووي في شرح المهذب: إنها

ص: 284

رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي.

ــ

زيادة بسند صحيح أو حسن. وتعقبه الحافظ بأنه منقطع، فإن عبد الله بن علي، وهو ابن الحسين بن علي، لم يلحق الحسن بن علي- انتهى. ورواه ابن أبي عاصم وزاد: ونستغفرك ونتوب إليك. وقال القاري في شرح الحصن: وفي رواية ابن حبان زيادة: نستغفرك ونتوب إليك، وهو موجود في أصل الأصيل-انتهى. والظاهر أن هذه الزيادة قبل زيادة الصلاة على ما يفهم من الحصن. والحديث يدل على مشروعية القنوت بهذا الدعاء، وهو مختار الشافعية والحنابلة، واختار الحنفية القنوت في الوتر بسورة الخلع وسورة الحقد، أي اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونخضع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحقد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق. أخرجه أبوداود في المراسيل والبيهقي في السنن (ج2 ص210) عن خالد بن أبي عمران مرفوعاً مرسلاً، وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفاً على ابن مسعود، وابن السني موقوفاً على ابن عمر، وأخرجه محمد بن نصر والطحاوي والبيهقي في السنن عن عمر بن الخطاب. قال الحنفية: هما سورتان من القرآن في مصحف أبيّ، كما ذكر السيوطي في الدر المنثور، وابن قدامة في المغني (ج2 ص153) قلت: الأولى عندي أن يدعو في الوتر بالقنوت المروي في حديث الحسن ابن علي؛ لأنه حديث صحيح أو حسن مرفوع متصل، ولو قرأ ما هو مختار الحنفية جاز من غير شك، ومن لا يحسن شيئاً من ذلك يدعو بما يحفظ من الدعاء المأثور، أو يستغفر من ذنوبه ويكرر ذلك. (رواه الترمذي) وحسنه، وقال: لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسن من هذا. (وأبوداود) الخ وأخرجه أيضاً أحمد (ج1 ص199 و200) وابن الجارود (ص142) ومحمد بن نصر المرزوي والحاكم في المستدرك (ج3 ص172) والبيهقي (ج2 ص209 و498) وإسحاق بن راهويه وأبوداود الطيالسي (ص163) وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني وأبويعلى والطبراني في الكبير، وسعيد بن منصور في سننه. وقد أطال الكلام عليه الحافظ في التلخيص (ص94 و95) وأخرجه ابن حزم في المحلى (ج4 ص147) من طريق أبي داود، وضعفه حيث قال بعد روايته: وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، وقد قال أحمد: ضعيف الحديث أحب إلينا من الرأي- انتهى. ونقل الحافظ في تهذيب التهذيب (ج3 ص256) كلام ابن حزم هذا، ولم يتعقبه بشيء، وضعفه أيضاً ابن حبان، كما قال الشوكاني في النيل، وقال في تحفة الذاكرين (ص128) : قد ضعفه بعض الحفاظ، وصححه آخرون. وأقل أحوله إذا لم يكن صحيحاً أن يكون حسناً- انتهى. قلت: الحق أن هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، بل هو صحيح، ولا حجة لمن ضعفه، وقد رجح صحته علامة أحمد شاكر في تعليقه على المحلى (ج4 ص147، 148) . تنبيه حديث الحسن هذا رواه الحاكم

ص: 285

(ج3 ص172) والبيهقي (ج3 ص39) من طريق أبي بكر بن شيبة الحزامي عن ابن أبي فديك عن إسماعيل ابن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود، اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره. قال البيهقي: تفرد بهذا اللفظ أبوبكر بن شيبة الحزامي. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين إلا أن إسماعيل بن إبراهيم خالفه، محمد بن جعفر بن أبي كثير في إسناده، ثم أخرجه عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم به بسند السنن ومتنه وسكت عنه. قال الحافظ في الدراية: هو. (أي طريق محمد بن جعفر) الصواب- انتهى. وقال في التلخيص (ص94) : ينبغي أن يتأمل قوله في هذا الطريق: إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود، فقد رأيت في الجزء الثاني من فوائد أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني تخريج الحاكم له، قال: ثنا محمد بن يونس المقري، قال: ثنا الفضل بن محمد البيهقي، ثنا أبوبكر شيبة المدني الحزامي ثنا ابن أبي فديك عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بسنده. ولفظه: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوال في الوتر قبل الركوع فذكره- انتهى. وهذا كله يدل على أن رواية الحاكم بلفظ: إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود، ليست بمحفوظة عند الحافظ والبيهقي، ولذلك لم يعتمد عليها البيهقي في محل قنوت الوتر بعد الركوع، بل اعتمد على قياس قنوت الوتر على قنوت الصبح. ومال الشوكاني إلى تقويتها حيث قال بعد ذكر كلام البيهقي: وقد روى عنه أي عن أبي بكر بن شيبة الحزامي البخاري في صحيحة. وذكره ابن حبان في الثقات، فلا يضر تفرده. وقواها أيضاً الشيخ أحمد محمد شاكر حيث قال في تعليقه على المحلى (ج4 ص148) بعد ذكر الاختلاف في السند على موسى بن عقبة: ويظهر أن موسى روى عن هؤلاء الثلاثة. (أي علي بن عبد الله عند النسائي وهشام بن عروة عند الحاكم وأبي إسحاق عند الحاكم وغيره) وابن أخيه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ثقة، روى له البخاري. وبهذه الطرق كلها ظهر أن الحديث صحيح- انتهى. وعندي في كون رواية الحاكم المذكورة محفوظة تأمل، ولا يطمئن قلبي بما ذكره الشوكاني والشيخ أحمد شاكر لتقويتها. وأبوبكر بن شيبة وإن روى عنه البخاري لكن لم يحتج به، كما صرح به الحافظ في مقدمة الفتح. واعلم أنه اختلف في أن القنوت في الوتر قبل الركوع أو بعده، فاختار الحنفية الأول، والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه الثاني، واستدل لهم بما روى محمد بن نصر عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الركعة وأبوبكر وعمر حتى كان عثمان، فقنت قبل الركعة ليدرك الناس. قال العراقي: إسناده جيد. وبما ذكرنا من حديث الحسن بن علي برواية الحاكم بلفظ: إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود، وقد عرفت حالها، واستدل لهم أيضاً بآثار بعض الصحابة، وبالقياس على قنوت صلاة الصبح بعد الركوع، واستدل الحنفية بما روى البخاري (ج1 ص136) من طريق عاصم الأحول

ص: 286

1282-

(21) وعن أبي بن كعب، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سلم في الوتر قال: سبحان الملك

القدوس)) . رواه أبوداود،

ــ

عن أنس أن القنوت قبل الركوع، ذكره الحافظ في التلخيص (ص94) ، وبما روى النسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3 ص39، 40) عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر، فيقنت قبل الركوع. لفظ ابن ماجه. وللنسائي: كان يوتر بثلاث يقرأ في الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية. {قل يآيها الكافرون} ، وفي الثالثة. {قل هو الله أحد} ويقنت قبل الركوع. وذكره أبوداود معلقاً مختصراً، وضعف ذكر القنوت فيه، وتبعه البيهقي حيث حكى كلامه ولم يتعقب عليه. وقد أجاب عنه ابن التركماني في الجوهر النقي، وحقق كون ذكر القنوت فيه محفوظاً. وهذا هو الصواب عندي. فحديث أبي بذكر القنوت صحيح أو حسن حجة. قال الشوكاني: وضعف أبوداود ذكر القنوت فيه أي في حديث أبي، ولكنه ثابت عند النسائي وابن ماجه من حديثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع. واستدل لهم أيضاً بما روى ابن أبي شيبة والدارقطني (ص175) والبيهقي (ج3 ص41) عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع. وفيه أبان بن عياش وهو متروك، قاله الدارقطني. وبما روى الخطيب في كتاب القنوت عن ابن مسعود أيضاً بنحوه. قال الحافظ في الدراية: حديث ضعيف، وبما روى أبونعيم في الحلية عن عطاء بن مسلم عن العلاء ابن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس. قال: أوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث، فقنت فيها قبل الركوع. قال أبونعيم: غريب من حديث حبيب، والعلاء تفرد به عطاء بن مسلم. وقال البيهقي: تفرد به عطاء وهو ضعيف. وبما روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات، ويجعل القنوت قبل الركوع. قال الحافظ في الدراية (ص115) : إسناده ضعيف. وبما روى ابن أبي شيبة عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع. قال الحافظ في الدراية (ص115) : إسناده حسن. قلت: يجوز القنوت في الوتر قبل الركوع وبعده. والأولى عندي أن يكون قبل الركوع لكثرة الأحاديث في ذلك، وبعضها جيد الإسناد، ولا حاجة إلى قياس قنوت الوتر على قنوت الصبح مع وجود الأحاديث المروية في الوتر من الطرق المصرحة بكون القنوت فيه قبل الركوع، وكيف يقاس الوتر على الصبح وليس بينهما معنى مؤثر يجمع به بينهما. وسيأتي شيء من الكلام فيه في باب القنوت.

1281-

قوله: (إذا سلم في الوتر) أي في آخره. (قال سبحان الملك القدوس) أي البالغ أقصى النزاهة عن كل وصف، ليس فيه غاية الكمال المطلق. قال الطيبي: هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص، وفعول بالضم من أبنية المبالغة. فيه مشروعية هذا التسبيح بعد الفراغ من الوتر. (رواه أبوداود) ومن طريقة البيهقي

ص: 287

والنسائي، وزاد: ثلاث مرات يطيل.

1283-

(22) وفي رواية للنسائي، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: ((كان يقوم إذا سلم:

سبحان الملك القدوس ثلاثاً، ويرفع صوته بالثالثة)) .

ــ

(ج3 ص41، 42) . (والنسائي) واللفظ لأبي داود، وهو حديث مختصر. ولفظ النسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات، كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية بـ {قل يأيها الكافرون} وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ قال عند فراغه. سبحان الملك القوس ثلاث مرات، يطيل في آخرهن. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن أبي شيبة والدارقطني، وإسناده صحيح. (وزاد) أي النسائي في روايته. (ثلاث مرات يطيل) أي في آخرهن. والمعنى يمد في المرة الثالثة صوته. وزاد الدارقطني (ص174) والبيهقي (ج3 ص40) في روايتهما: رب الملائكة والروح.

1283-

قوله: (وفي رواية للنسائي عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه) هذا خطأ، والصواب عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، هكذا وقع في مسند أحمد والنسائي؛ لأن أبزى الخزاعي والد عبد الرحمن لم يرو عنه إلا حديث واحد، وهو غير هذا الحديث. قال ابن السكن: ذكره البخاري في الواحدان، وروى عنه حديث واحد، إسناده صالح فذكره. وقال ابن مندة وأبونعيم وابن الأثير: لا تصح لأبزى رؤية ولا رواية. وقال الذهبي في التجريد: أبزى والد عبد الرحمن خزاعي، لا يصح صحبة إلا من طريق ضعيفة. وابنه أي عبد الرحمن صحابي- انتهى. وابن عبد الرحمن بن أبزى هو سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي تابعي، وثقة النسائي وابن حبان. وقال أحمد: هو حسن الحديث، روى عن أبيه وابن عباس وواثلة. (قال كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (ويرفع صوته بالثالثة) أي في المرتبة الثالثة. وأخرجه أيضاً الطحاوي وأحمد (ج3 ص406، 407) وعبد بن حميد والبيهقي (ج3 ص41) وإسناده صحيح. قال العراقي: حديث أبي بن كعب وعبد الرحمن بن أبزى كلاهما عند النسائي بإسناد صحيح. والحديث فيه سنية الجهر بهذا الذكر في المرة الثالثة، هكذا في كل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الجهر فيه، نعم الإسرار أفضل حيث لم ينقل عنه الجهر فيه. قال المظهر: هذا يدل على جواز الذكر برفع الصوت، بل على الاستحباب إذا اجتنب الرياء إظهار للجدين، وتعليماً للسامعين، وإيقاظاً لهم من رقدة الغفلة، وإيصالاً لبركة الذكر إلى مقدار ما يبلغ الصوت إليه من الحيوان والشجر والحجر والمدر، وطلبا لاقتداء الغير بالخير، وليشهد له كل رطب ويابس سمع صوته.

ص: 288