الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30) باب السنن وفضائلها
ــ
(باب السنن) أي المؤكدة والمستحبة. (وفضائلها) قال في اللمعات: أراد بالسنن الصلاة التي تؤدى مع الفرائض في اليوم والليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليهما مؤكدة أو غير مؤكدة، وسمى القسم الأول الرواتب مأخوذ من الرتوب وهو الدوام والثبوت، يقال: رتب رتوبا ثبت ولم يتحرك، ومنه الترتيب، ويمكن أن يجعل الرواتب أعم من المؤكد، وقد جعل صاحب سفر السعادة (يعني مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس) سنة العصر من الرواتب- انتهى. واختلف الفقهاء في مشروعية الرواتب القبلية والبعدية للفرائض وتحديدها، فذهب الجمهور، ومنهم الأئمة الثلاثة الشافعي وأحمد وأبوحنيفة إلى مشروعيتها، وأنها مؤقته تستحب المواظبة عليها. وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا توقيت في ذلك ولا تحديد حماية للفرائض، لكن لا يمنع من تطوع بما شاء إذا أمن من ذلك. وذهب العراقيون من أصحابه إلى موافقة الجمهور، ففي المدونة: قلت: هل كان مالك يوقت قبل الظهر للنافلة ركعات معلومات أو بعد الظهر أو قبل العصر أو بعد المغرب فيما بين المغرب والعشاء أو بعد العشاء؟ قال: لا وإنما يوقت في هذا أهل العراق- انتهى. وفي الشرح الكبير: لهم ندب نفل في كل وقت يحل فيه، وتأكد الندب بعد صلاة المغرب كبعد ظهر وقبلها كقبل عصر بلا حد يتوقف عليه، بحيث لو نقص عنه أو زاد فات أصل الندب، بل يأتي بركعتين وبأربع وست، وإن كان الأكمل ما ورد من أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل العصر وست بعد المغرب- انتهى. وفيه أيضاً وهي أي صلاة الفجر يعني سنة رغيبة أي رتبتها دون السنة وفوق النافلة تفتقر لنية تخصها وتميزها عن مطلق النافلة، بخلاف غيرها من النوافل المطلقة فيكفي فيه نية الصلاة، وكذا النوافل التابعة للفرائض بخلاف الفرائض والسنن والرغيبة وليس عندنا رغيبة إلا الفجر – انتهى. قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة (ج1 ص170) : في تقديم السنن على الفرائض وتأخيرها عنها معنى لطيف مناسب، أما في تقديم فلأن الإنسان يشتغل بأمور الدنيا وأسبابها، فتتكيف النفس في ذلك بحالة بعيدة عن حضور القلب في العبادة والخشوع فيها الذي هو روحها، فإذا قدمت السنن على الفريضة تأنست النفس بالعبادة وتكيفت بحالة تقرب من الخشوع، فيدخل في الفرائض على حاله حسنة لم يكن يحصل له لو لم تقدم السنة فإن النفس مجبولة على التكيف بما هي فيه، لا سيما إذا كثر أو طال وورود الحالة المنافية لما قبلها قد تمحو أثر الحالة السابقة أو تضعفه. وأما السنن المتأخرة فلما ورد أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض، فإذا وقع الفرض مناسب أن يكون بعده ما يجبر خللاً فيه إن وقع- انتهى. قلت: يشير بقوله ما ورد إلى ما أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه والحاكم من حديث تمتم الداري مرفوعاً: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته: أنظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته ثم الزكاة كذلك تؤخذ الأعمال على حسب ذلك- انتهى. وأخرجه الترمذي وأبوداود أيضاً من حديث أبي هريرة
{الفصل الأول}
1166-
(1) عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى في يوم وليلة
ــ
قال النووي: تصح النوافل وتقبل، وإن كانت الفريضة ناقصة لهذا الحديث وخبر لا تقبل نافلة المصلى حتى يؤدي الفريضة ضعيف، ولو صح حمل الراتبة البعدية لتوقفها على صحة الفرض- انتهى. قيل: والسنن في حقه صلى الله عليه وسلم لزيادة الدرجات. قال القاري: السنة والنفل والتطوع والمندوب والمستحب والمرغب فيه ألفاظ مترادفة معناها واحد، وهو ما رجح الشارع فعله على تركه وجاز تركه وإن كان بعض المسنون آكد من بعض- انتهى. وقال الشامي في حاشيته على الدر المختار (ج1 ص95) : المشروعات على أربعة أقسام: فرض، وواجب، وسنة، ونفل، فما كان فعله أولى من تركه مع منع الترك إن ثبت بدليل قطعي ففرض، أو بظني فواجب، وبلا منع الترك إن كان مما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدون من بعده فسنة، وإلا فمندوب ونفل. والسنة نوعان: سنة الهدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية. وسنة الزوائد، وتركها لا يوجب ذلك. سميت بذلك لأنها ليست من مكملات الدين وشعائره بخلاف سنة الهدى، وهي السنن المؤكدة القريبة من الواجب التي يضلل تاركها، لأن تركها استخفاف بالدين. وبخلاف النفل فإنه كما قالوا ما شرع لنا زيادة على الفرض والواجب والسنة بنوعيها، ولذا جعلوه قسما رابعاً وجعلوا منه المندوب والمستحب وهو ما ورد به دليل ندب يخصه، فالنفل ما ورد به دليل ندب عموماً أو خصوصاً ولم يواظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا كان دون سنة الزوائد. وقد يطلق النفل على ما يشمل السنن الرواتب، ومنه قولهم باب الوتر والنوافل، ومنه تسمية الحج نافلة، لأن النفل الزيادة وهو زائد على الفرض مع أنه من شعائر الدين العامة- انتهى مختصراً.
1166-
قوله. (عن أم حبيبة) هي أخت معاوية بن أبي سفيان زوجة النبي صلى الله عليه وسلم اسمها رملة بفتح راء وسكون ميم وبلام بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، أم المؤمنين مشهورة بكنيتها. وقيل: اسمها هند، والمشهور رملة. قال ابن عبد البر: وهو الصحيح عند جمهور أهل العلم بالنسب والسير والحديث والخبر، وكذلك قال الزبير أسلمت قديماً، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي أسد خزيمة، وتنصر هو هناك، ومات، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي هناك سنة ست. وقيل: سنة سبع، توفيت سنة اثنتين أو أربع. وقيل: تسع وأربعين. وقيل: وخمسين. (من صلى في يوم وليلة) أي في كل يوم وليلة فهو من عموم النكرة في الإثبات مثل علمت نفس ونحوه، لأن المقصود المواظبة كما يدل عليه قوله الآتي: يصلي لله كل يوم، وكما يدل عليه حديث عائشة عند الترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ: من ثابر أي واظب ولازم وداوم، وفيه أن الأجر المذكور منوط بالمواظبة على هذه النوافل لا بأن يصلي يوماً دون يوم.
ثنتى وعشر ركعة، بني له بيت في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر)) . رواه الترمذي.
ــ
(ثنتى عشرة) بسكون النون. (ركعة) بسكون الكاف. أي تطوعاً غير فريضة كما في الرواية الآتية (بني له) أي بهذه الركعات. (بيت في الجنة) مشتمل على أنواع النعمة. (أربعاً) بدل تفصيل. (قبل الظهر) فيه دلالة على أن السنة الراتبة المؤكدة قبل الظهر أربع ركعات، وإليه ذهبت الحنفية. وقال الشافعي وأحمد: الراتبة قبل الظهر ركعتان، واستدل لهما بحديث ابن عمر الآتي، وسيأتي البسط فيه وبيان القول الراجح. ثم إن قوله أربعا المتبادر منه أنها بسلام واحد، ويحتمل كونها بسلامين والأقرب أن إطلاقها يشمل القسمين، قاله السندي. (وركعتين بعدها) فيه أن السنه بعد الظهر ركعتان، ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر بعد ذلك، وحديث علي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين. أخرجه الترمذي وحسنه، وحديث كريب المتقدم في باب أوقات النهي، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، ويؤيده حديث عائشة عند الترمذي وابن ماجه مرفوعاً بلفظ: من ثابر على ثنتى عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة، أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها الخ. وحديث أبي هريرة عند ابن عدي في الكامل، وفيه محمد بن سليمان الأصبهانى، وهو ضعيف، ولا يعارض ذلك مايأتي من حديث أم حبيبة أول أحاديث الفصل الثاني، لأنه يحمل على أن الأمر فيه للتوسع، ويقال ركعتان من الأربع مؤكدة وركعتان مستحبة، وهذا لأنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في فعل الأربع بعد الظهر شيء غير هذا الحديث الواحد القولى، وقد تكلم فيه بعضهم كما ستعرف. وقيل: الأربع أفضل وآكد. (وكعتين بعد المغرب) الخ قال القاري: كل هذه السنن مؤكدة وآخرها آكدها حتى قيل بوجوبها. قال ابن حجر: وهو صريح في رد قول الحسن البصري، وبعض الحنفية بوجوب ركعتى الفجر. وفي رد قول الحسن البصري أيضاً بوجوب الركعتين بعد المغرب- انتهى. قلت: اختلف في ترتيب سنن الرواتب، فقيل: أفضلها سنة الفجر ثم المغرب ثم سنة الظهر والعشاء سواء في الفضيلة وهذا عند الحنابلة. وقالت: الشافعية: أفضلها بعد الوتر ركعتا الفجر ثم سائر الرواتب ثم التراويح، ثم اختلفوا بعد ذلك هل القبلية أفضل أو البعدية؟ ولهم فيه قولان: أحدهما: أن البعدية أفضل، لأن القبلية كالمقدمة. وتلك تابعة والتابع يشرف بشرف متبوعة. والثاني: أنهما سواء واختلفت أقوال الحنفية في ترتيب الرواتب. فقال في البحر عن القنية اختلف في آكد السنن بعد سنة الفجر، فقيل: كلها سواء والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد. وقال في الدر المختار: آكدها سنة الفجر اتفاقاً ثم الأربع قبل الظهر في الأصح ثم الكل سواء، وهكذا صححه في العناية والنهاية واستحسنه في فتح القدير. وقد تقدم أن سنة الفجر رغيبة عند المالكية والباقي تطوعات ونوافل. والراجح عندي أن آكد السنن الوتر ثم ركعتا الفجر ثم التي قبل الظهر ثم الكل سواء. والله تعالى أعلم. (رواه الترمذي) وقال:
وفي رواية لمسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتى وعشرة ركعة تطوعاً غير فريضة، إلا بنى الله له بيت في الجنة- أو إلا بني له بيت في الجنة))
1167-
(2) وعن ابن عمر، قال: ((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر،
ــ
حديث حسن صحيح، فيه اعتراض على محي السنة صاحب المصابيح حيث ذكره في الصحاح وترك الصحيح الآتي، مع أن هذا اللفظ ليس بتمامه في الصحيحين ولا في أحدهما إنما هو لفظ الترمذي، فكان حق البغوي أن يذكر حديث مسلم الآتي في الصحاح، وحديث الترمذي في الحسان؛ ليكون لإجمال مسلم كالبيان والحديث المذكور، رواه النسائي مفصلاً كالترمذي. ولكن قال وركعتين قبل العصر ولم يذكر ركعتين بعد العشاء، وكذلك فسره ابن حبان في صحيحه رواه عن ابن خزيمة بسنده، وكذلك رواه الحاكم في المستدرك (ج1 ص311) وقال: صحيح على شرط مسلم والبيهقي (ج2 ص272، 273)، وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين فقال فيه: ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء، وكذلك عند الطبراني في معجمه، كذا في نصب الراية (ج2 ص138) . قلت: وكذا وقع إثبات ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وابن عدي في الكامل لكن في سنده محمد بن سليمان الأصبهاني، وهو ضعيف. (وفي رواية لمسلم أنها) أي أم حبيبة (يصلي لله كل يوم) أي وليلة. (تطوعاً) وهو ما ليس بفريضة، والمراد هنا السنة، قاله ابن الملك. (غير فريضة) قال الطيبي: تأكيد للتطوع فإن التطوع التبرع من نفسه بفعل من الطاعة، وهي قسمان راتبة وهى التي داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير راتبة وهذا من القسم الأول، والرتوب الدوام- انتهى. (إلا بنى الله له بيتا في الجنة) الخ، وهذا الحديث أخرجه أيضاً أحمد وأبوداود وابن ماجه والحاكم (ج1 ص312) وأبوداود الطيالسي والبيهقي (ج2 ص472) .
1167-
قوله: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال السندي: الظاهر أنه المراد به المعية في مجرد المكان والزمان لا المشاركة والإقتداء في الصلاة، إذ المشاركة في النوافل الرواتب ما كانت معروفة، ويحتمل على بعد أنه اتفق المشاركة أيضاً. وقال القاري: أراد به معية المشاركة لا معية الجماعة، ونظيره قوله تعالى حاكياً:{وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} [27: 44] وقال الحافظ: المراد بقوله مع التبعية أي أنهما اشتركا في كون كل منهما صلى صلاة لا التجميع، فلا حجة فيه لمن قال يجمع في رواتب الفرائض، وسيأتي من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات فذكرها- انتهى. وقال العيني: المراد من المعية هذه مجرد المتابعة في العدد، وهو أن ابن عمر صلى ركعتين وحده كما صلى صلى الله عليه وسلم ركعتين، لا أنه اقتدى به عليه الصلاة والسلام فيهما. (ركعتين قبل الظهر) هذا متمسك الشافعي في أن السنة قبل الظهر ركعتان، وهو قول الأكثرين من أصحابه، وعد جمع من الشافعية الأربع قبل الظهر من الرواتب، كما هو مذهب الحنفية. وقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة: كان
لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة. واختلف في وجه الجمع بين الحديثين، فقيل: يحتمل أن ابن عمر قد نسي ركعتين من الأربع. ورد بأن هذا الاحتمال بعيد وقيل: هو محمول على أنه كان إذا صلى في بيته صلى أربعاً وإذا صلى في المسجد اقتصر على ركعتين. قال ابن القيم في زاد المعاد (ج1 ص80) : وهذا أظهر، قلت: ويقوي ذلك ما سيأتي في حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس، وقيل: يحمل على حالين، فكان تارة يصلي سنتين، وتارة يصلي أربعاً، فحكى كل من ابن عمر وعائشة ما شاهده. وقيل: يحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين، فرأى ابن عمر مافي المسجد دون ما بيته وأطلعت عائشة على الأمرين. وقيل: كان يصلي في بيته أربعا فرأته عائشة، وكان يصلي ركعتين إذا آتي المسجد تحيته فظن ابن عمر أنها سنة الظهر ولم يعلم بالأربع التي صلاها في البيت، وهذا أيضاً بعيد مثل الأول. وقيل: يمكن أن يكون مطلعاً على الأربع، لكنه ظنها صلاة فيء الزوال لا سنة الظهر. قال ابن القيم في زاد المعاد (ج1 ص80، 81) : وقد يقال: إن هذه الأربع لم تكن سنة الظهر، بل هي صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال، كما (سيأتي) في حديث عبد الله بن السائب. (وفي حديث أبي أيوب) قال فهذه هي الأربع التي أرادت عائشة أنه كان لا يدعهن. وأما سنة الظهر فالركعتان اللتان قال عبد الله بن عمر، قال فتكون هذه الأربع التي قبل الظهر وردا مستقلاً سببه انتصاف النهار وزوال الشمس. قال القسطلاني لحديث ثوبان عند البزار: إنه صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار، وقال: إنها ساعة تفتح فيه أبواب السماء، وينظر الله إلى خلقه بالرحمة. قلت: وأولى الوجوه عندي هو الوجه الثالث، أعني أن يحمل ذلك لى اختلاف الأحوال، ويقال كان يصلي تارة أربعا وتارة ركعتين، فحكى كل من ابن عمر وعائشة ما رأى، ورجحه الحافظ أيضاً، لكن المختار فعل الأكثر الأكمل. قال ابن جرير الطبري: الأربع كانت في كثير من أحواله، والركعتان في قليلها. قلت: هذا هو الظاهر لكثرة الأحاديث في ذلك: منها حديث أم حبيبة السابق. ومنها حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة، وسيأتي. ومنها حديث عائشة أيضاً عند الترمذي وابن ماجه، وقد ذكرنا لفظه. ومنها حديث عائشة أيضاً في السنن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها. ومنها حديث علي عند الترمذي، وحسنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً وبعد ها ركعتين. قال الترمذي بعد روايته: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق. قال القسطلاني: قيل في وجه عند الشافعي: إن الأربع قبل الظهر راتبه عملاً بحديث عائشة. قلت: ويؤيده تأكد استحباب الأربع حديث أم حبيبة الآتي، وحديث
وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته
ــ
البراء بن عازب عند الطبراني في الأوسط، وسعيد بن منصور في سننه مرفوعاً بلفظ: من صلى قبل الظهر أربع ركعات كان كمن تهجد بهن من ليلته الحديث. (وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته) الظاهر أن قوله: في بيته قيد للأخيرة ويؤيد ذلك قوله. (وركعتين بعد العشاء في بيته) وهذا لفظ البخاري في رواية. وفي لفظ له: فأما المغرب والعشاء ففي بيته. قال الحافظ: استدل به على أن فعل النوافل الليلة في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار، وحكي ذلك عن مالك والثوري. وفي الاستدلال به لذلك نظر. والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالباً، وبالليل يكون في بيته غالباً. وأغرب ابن أبي ليلى، فقال لا تجزئ سنة المغرب في المسجد، حكاه عبد الله بن أحمد عنه عقب روايته لحديث محمود بن لبيد رفعه: أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت، وقال: إنه حكى ذلك لأبيه عن أبي ليلى، فاستحسنه- انتهى. قلت: الظاهر أن فعل الركعتين بعد المغرب في البيت أفضل وأن ذلك وقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمد، يدل عليه حديث محمود بن لبيد عند أحمد بلفظ: اركعوا هاتين الركعتين في البيوت، وحديث كعب بن عجزة الآتى، واختلفوا في أن تطوع في المسجد أفضل أو في البيت. قال ابن عبد البر: قد اختلف الآثار وعلماء السلف في صلاة النافلة في المسجد، فكرهها قوم لهذا الحديث. والذي عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء إلا إنهم مجعمون على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في مسجدى إلا المكتوبة- انتهى. وفرق المالكية بين الرواتب والنفل المطلق، وبين الغرباء وأهل المدينة ففي الشرح الكبير لهم وندب إيقاع نفل بمسجد المدينة بمصلاه صلى الله عليه وسلم. قال الدسوقي: إن قلت هذا يخالف ما تقرر أن صلاة النافلة في البيوت أفضل من فعلها في المسجد قلت: يحمل كلام المصنف على الرواتب فإن فعلها في المساجد أولى كالفرائض بخلاف النفل المطلق، فإن فعلها في البيوت أفضل ما لم يكن في البيت ما يشغل عنها، أو يحمل كلامه على من صلاته بمسجده عليه السلام أفضل من صلاته في البيت كالغرباء، فإن صلاتهم النافلة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من صلاتهم لها في البيوت، سواء كانت النافلة من الرواتب أو كانت نفلاً مطلقاً بخلاف أهل المدينة، فإن صلاتهم النفل المطلق في بيوتهم أفضل من فعله في المسجد- انتهى. وأما عند الحنفية والحنابلة فالأفضل أداء التطوع في البيت مطلقاً، ولا كراهة في المسجد. أما كون البيوت أفضل في حق التطوع مطلقاً فللأحاديث التي وردت عن جماعة من الصحابة في الترغيب في صلاة النافلة في البيت. ذكرها المنذري في الترغيب (ج1 ص133) ؛ ولأن هديه صلى الله عليه وسلم كان فعل عامة السنن والتطوع الذي لا سبب له في البيت وأما إنه لو فعلها في المسجد أجزأت من غير كراهة فلما يأتي من حديث ابن عباس في الفصل الثالث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد. ولما روى مسلم من حديث أبي هريرة: إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً، زاد في
قال: وحدثني حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي ركعتين خفيفتين، حين يطلع الفجر)) متفق عليه.
1168-
(3) وعنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي
ــ
رواية فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت، ولما يأتي من حديث أنس في الفصل الثالث قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السوارى- الحديث، ولما روى الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر مرفوعاً: من صلى العشاء الآخرة في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر، ولأن تقييد ابن عمر سنة المغرب والعشاء والفجر بكونها في البيت، يدل على أن ما عداها كان يفعله في المسجد أي في بعض الأحيان، ولما روي عن حذيفة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء، رواه النسائي، قال المنذري: بإسناد جيد، وغير ذلك من الأحاديث، هذا. وقال ابن الملك: قيل: في زماننا إظهار السنة الراتبة أولى ليعلمها الناس. قال القاري: أي ليعلموا عملها أو لئلا ينسبوه إلى البدعة. ولا شك أن متابعة السنة أولى مع عدم الالتفات إلى غير المولى- انتهى. قلت: لا شك أن متابعة السنة أولى، لكن من المعلوم أنه قد يترك بعض المختارات من أجل خوف أن يقع الناس في أشد من ترك ذلك المختار. فالأولى عندي اليوم أداء الرواتب في المسجد لا سيما للخواص من العلماء والمشائخ، فإن الناس تبع لهم فيما يفعلون ويذرون فيتركون أولا فعلها في المسجد في اتباعهم، ثم يتركونها رأساً لوقوع التواني في الأمور الدينية والغفلة عنها سيما التطوعات والنوافل، ولأنه لا يؤمن أن يتهمهم بعض الناس بترك الرواتب وإهمالهما، وقد شاهدنا ذلك في أمر التراويح حيث أنه لما سمع بعض الجهال أن صلاة الليل في البيت في آخر الليل أفضل من أوله في المسجد، ورأوا بعض العلماء أنهم لا يصلونها في أول الليل ترك هؤلاء أيضاً للتراويح في المسجد بالجماعة في أول الليل قائلين إنا نقوم في آخر الليل لكنهم يتركونها رأساً فلا يصلونها لا في أول الليل ولا في آخره. (قال) أي ابن عمر. (وحدثني حفصة) أي أخته بنت عمر زوجة النبي صلى الله عليه وسلم. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين حين يطلع الفجر) وفي البخاري: بعد ما يطلع الفجر، وزاد وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها وفي لفظ له: وركعتين قبل صلاة الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، حدثني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن، وطلع الفجر صلى ركعتين قال الحافظ: وهذا يدل على أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين قبل الصبح لا أصل مشروعيتها انتهى. (متفق عليه) واللفظ للبخاري: وأخرجه أيضاً مالك والترمذي والبيهقي (ج2 ص471- 477) وغيرهم.
1168 – قوله: (كان لا يصلي) أي شيئاً. (بعد الجمعة حتى ينصرف) أي حتى يرجع إلى بيته. (فيصلي)
ركعتين في بيته)) . متفق عليه.
1169-
(4) وعن عبد الله بن شقيق، قال: سئلت عائشة، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه، فقالت: كان يصلي في بيتى قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين. وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين. ثم يصلي بالناس العشاء. ويدخل في بيتي فيصلي ركعتين. وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن
ــ
بالرفع. قال الطيبي: عطف من حيث الجملة لا من حيث التشريك على ينصرف، أي لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فإذا انصرف يصلي ركعتين. ولا يستقيم أن يكون منصوبا عطفاً عليه لما يلزم منه أن يصلي بعد الركعتين الصلاة. وهذا معنى قول ابن حجر: إذ يصير التقدير لا يصلي حتى يصلي، وليس مراداً لفساده. (ركعتين) يريد بهما سنة لجمعة. وفيه دليل على أن السنة بعد الجمعة ركعتان. وبه استدل من قال به. وسيأتي الكلام على ذلك مفصلاً في شرح حديث أبي هريرة الآتي في آخر الفصل. (في بيته) عملاً بالأفضل. وقال القسطلاني: لأنهما لو صلاهما في المسجد ربما يتوهم أنهما اللتان حذفتا، وصلاة النفل في الخلوة أفضل. وقال الحافظ: الحكمة في ذلك أنه كان يبادر إلى الجمعة ثم ينصرف إلى القائلة بخلاف الظهر، فإنه كان يبرد بها، وكان يقيل قبلها. (متفق عليه) واللفظ لمسلم، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج2 ص477) .
1169-
قوله. (وعن عبد الله بن شقيق) من ثقات التابعين. (عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ليلاً ونهاراً ما عدا الفرائض، ولذا قال:(عن تطوعه) قال الطيبي: بدل عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا في صحيح مسلم. وهذه العبارة، يعني بلفظ عن أولى مما في المصابيح، وهو قوله من التطوع- انتهى. قلت: وقع عند أبي داود "من التطوع" كما في المصابيح. قال القاري: فتكون "من" بيانية، والأولوية باعتبار الأصحية. (كان يصلي في بيتى قبل الظهر أربعاً) فيه دليل على أن المؤكدة قبلها أربع، وهو وجه عند الشافعي. (ثم يخرج) أي إلى المسجد. (فيصلي بالناس) أي الفريضة. (ثم يدخل) أي بيتي. (فيصلي ركعتين) ولعل وجه ترك العصر لأنها بصدد بيان السنن المؤكدة. (وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل) الخ الحديث دليل على استحباب أداء السنة في البيت. (وكان) أي أحياناً. (يصلي من الليل) أي بعض أوقاته. (تسع ركعات) قال ابن حجر: أي تارة، وإحدى عشرة تارة، وأنقص تارة- انتهى. وجاء أنه كان يصلي ثلاث عشر ركعة. كما سيأتي في باب صلاة الليل. (فيهن)
الوتر. وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم. وكان إذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد. وكان إذا طلع الفجر
ــ
أي في جملتهن. (الوتر) وجاء بيان ذلك فيما روى مسلم وغيره عن سعيد بن هشام أنه قال لعائشة: أنبئينى عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد. فتلك إحدى عشر ركعة يا بني. فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعة الأول. فتلك تسع يا بني الخ. (وكان يصلي ليلاً طويلاً) أي زماناً طويلاً من الليل. (قائماً وليلاً طويلاً قاعداً) قال في لمفتاتيح: يعني يصلي صلاة كثيرة من القيام والقعود أو يصلى ركعات مطولة في بعض الليالي من القيام، وفي بعضها من القعود. (وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم) أي لا يقعد قبل الركوع، قاله ابن حجر. وقال الطيبي: أي ينتفل من القيام إليهما. وكذا التقدير في الذي بعده، أي ينتفل إليهما من القعود. (وكان إذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد) أي لا يقوم للركوع، كذا في المفاتيح. وفيه دليل على أن المشروع لمن قرأ قائماً أن يركع ويسجد من قيام، ومن قرأ قاعداً أن يركع ويسجد من قعود. وفي رواية لمسلم: فإذا افتتح الصلاة قائماً ركع قائماً، وإذا افتتح الصلاة قاعداً ركع قاعداً. وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة أنها لم تر النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعداً قط حتى أسن، وكان يقرأ قاعداً، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع ثم سجد ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك. وهذا يدل على جواز الركوع من قيام لمن قرأ قاعداً. فيحمل على أنه كان يفعل أحياناً هذا وأحياناً ذاك. وبهذا يحصل التوفيق بين الحديثين. قال العراقي: يحمل على أنه كان يفعل مرة كذا، فكان مرة يفتتح قاعداً ويتم قراءته قاعداً ويركع قاعداً، وكان مرة يفتتح قاعداً ويقرأ بعض قراءته قاعداً وبعضها قائماً ويركع قائماً، فإن لفظ "كان" لا يقتضي المداومة – انتهى. واعلم أن ههنا أربع صور: الأولى أن ينتفل من القيام إلى الركوع والسجود، والثانية أن ينتقل من القعود إليهما، وهاتان مذكورتان في حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة. والثالثة أن يتنفل من القعود إلى القيام ويقرأ بعض القراءة قائماً، ثم يتنفل من القيام إلى الركوع والسجود. وهذه مذكورة في حديث عائشة الذي ذكرنا، والرابعة عكس الثالثة، وهي أن يتنفل من القيام إلى القعود فيقرأ بعض القراءة قاعداً، ثم ينتفل من القعود إلى الركوع والسجود، ولم ترو هذه الصورة وعلى هذا فكان صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل على ثلاث أحوال: قائماً في كلها، وقاعداً في كلها، وقاعداً في بعضها ثم قائماً. وأما أن يكون قائماً في بعضها ثم
صلى ركعتين)) . رواه مسلم، وزاد أبوداود، ((ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر)) .
1170-
(5) وعن عائشة، رضي الله عنها. قالت: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد
تعاهدا منه على ركعتى الفجر)) .
ــ
قاعداً، وهي الصورة الرابعة فذهب الجمهور إلى جوازها. قال العينى: جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود هو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وعامة العلماء، وسواء في ذلك قام ثم قعد أو قعد ثم قام، ومنعه بعض السلف، وهو غلط. ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عند الجمهور، وجوزه من المالكية ابن قاسم، ومنعه أشهب- انتهى. وقال الشوكاني في النيل: حديث عائشة الثاني يدل على أنه يجوز فعل بعض الصلاة من قعود، وبعضها من قيام، وبعض الركعة من قعود، وبعضها من قيام. قال العراقي: وهو كذلك، سواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام، هو قول جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وحكاه النووي عن عامة العلماء. وحكى عن بعض السلف منعه، قال هو غلط. وحكى القاضي عياض عن أبي يوسف ومحمد في آخرين كراهة القعود بعد القيام. ومنع أشهب من المالكية الجلوس بعد أن ينوي القيام. وجوزه ابن القاسم والجمهور- انتهى. (صلى ركعتين) أي خفيفتين، وقد تقدم بيان ما يقرأ فيهما في باب القراءة. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج2 ص471- 489) مختصراً ومطولاً. (وزاد أبوداود) أشار بهذا إلى الاعتراض على الشيخ محي السنة حيث أدرج هذه الجملة في حديث عائشة في الصحاح، مع أنها لم تكن في واحد من الصحيحين. (ثم يخرج) أي إلى المسجد. (فيصلي بالناس) إماماً لهم (صلاة الفجر) أي فرض الصبح.
1170-
قوله. (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء) أي على تحفظ شيء. (من النوافل) أي الزوائد على الفرائض من السنن. (أشد) قال ابن حجر: خبر لم يكن، أي أكثر. (تعاهداً) أي تفقداً وتحفظاً. وفي رواية أبي داود: أشد معاهدة، أي محافظة ومدوامة. وفي رواية لمسلم: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر. زاد ابن خزيمة في هذه الرواية: ولا إلى غنيمة. (منه) أي من تعاهده عليه السلام. (على ركعتي الفجر) قال الطيبي: قولها "على" متعلقة بقولها تعاهداً. ويجوز تقديم معمول التمييز. والظاهر أن خبر لم يكن "على شيء" أي لم يكن يتعاهد على شيء من النوافل، وأشد تعاهداً حال أو مفعول مطلق على تأويل أن يكون التعاهد متعاهداً كقوله:{أو أشد خشية} - انتهى. وفي الحديث دليل على عظم فضل ركعتى الفجر، وأن المحافظة عليهما أشد من المحافظة على غيرهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتركهما حضراً ولا سفراً، وعلى أنهما
متفق عليه.
1171-
(6) وعنها، قالت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) . رواه
مسلم.
1172-
(7) وعن عبد الله بن مغفل، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين، صلوا
قبل صلاة المغرب ركعتين،
ــ
سنة ليستا واجبتين، وبه قول جمهور العلماء. وحكى ابن أبي شيبة عن الحسن البصري أنه ذهب إلى وجوبهما. وذكر المرغيناني عن أبي حنيفة: أنها واجبة. وفي جامع المحبوبي روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعداً بلا عذر لا يجوز. والصواب عدم الوجوب لقولها على شيء من النوافل؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أبوداود وابن خزيمة والبيهقي (ج2 ص470) .
1171-
قوله. (ركعتا الفجر) أي سنة الفجر هي المشهورة بهذا الاسم. (خير من الدنيا وما فيها) أي أثاثها ومتاعها، يعني أجرهما خير من أن يعطي تمام الدنيا في سبيل لله تعالى، أو هو على اعتقادهم أن في الدنيا خيراً، وإلا فذرة من الآخرة لا يساويها الدنيا وما فيها، قال الطيبي: إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما مجرى على زعم من يرى فيها خيراً أو يكون من باب {أي الفريقين خير مقاماً} ، وإن حمل على الإنفاق في سبيل لله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثواباً منها- انتهى. وقال في حجة الله البالغة: إنما كانتا خيراً منها، لأن الدنيا فانية، ونعيمها لا يخلو عن كدر النصب والتعب، وثوابهما باق غير كدر- انتهى. وقد استدل به على أن ركعتى الفجر أفضل من الوتر، وهو أحد قولي الشافعي، ووجه الدلالة أنه جعل ركعتى الفجر خيراً من الدنيا وما فيها، وجعل الوتر خيرا من حمر النعم، وحمر النعم جزء ما في الدنيا. وأصح القولين عن الشافعي أن الوتر أفضل. وقد استدل لذلك بما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل، وبالاختلاف في وجوبه كما سيأتي. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي (ج2 ص470) . وفي رواية لمسلم: أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: لهما أحب إلى من الدنيا وما فيها جميعاً.
1172-
قوله (صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين، صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين) كذا وقعت هذه الجملة مكررة في بعض النسخ المطبوعة بالهند، وكذا وقعت في المصابيح. وهو موافق لما في سنن أبي داود قال الحافظ: وأعادها الاسماعيلي ثلاث مرات- انتهى. ووقعت في بعض نسخ المشكاة الأخرى مرة فقط، كما في نسخة صاحب أشعة اللمعات شرح المشكاة بالفارسية. وفي النسخة التي على هامش المرقاة، وفي نسخة القاري التي
قال في الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة)) . متفق عليه.
ــ
صحها على عدة نسخ معتمدة مقروءة مسموعة صحيحة بينها في أول شرحه، وأخذ من مجموعها أصلاً اعتمده في الشرح. واختلف النسخ أيضاً في ذكر قوله ركعتين فيوجد هذا اللفظ في طبعات الهند، وفي النسخة التي على هامش المرقاة، وكذا هو موجود في المصابيح، وهذا هو موافق لرواية أبي نعيم في المستخرج، ولرواية أبي داود أيضاً. ويظهر من كلام صاحب الأشعة والقاري في شرحيهما: أن هذا اللفظ لم يكن في النسخ الموجودة عندهما، حيث لم يذكرا ولم يأخذا ذلك في أصلي شرحهما. ففي أشعة اللمعات (ج1 ص535) . (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا قبل صلاة المغرب) نماز بكزاريد بيش از نماز مغرب يعني دو ركعت اين راسه بار مكرر فرمود. وفي المرقاة (ج2 ص112) . (قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا قبل صلاة المغرب) أي ركعتين، كما في رواية صحيحة، وكرر ذلك ثلاثاً- انتهى. أي كما يدل عليه قول في الثالثة. فعلى ما في نسختى القاري وصاحب الأشعة لا اعتراض على صاحب المشكاة في عزو الحديث للبخاري. وأما على ما في طبعات الهند فيرد عليه أنه كيف نسب هذه الرواية إلى البخاري، مع أنه لم تقع هذه الجملة عنده مكررة، ولا وقع في روايته لفظ ركعتين. ويرد عليه أيضاً أنه جعل الحديث متفقاً عليه، مع أنه لم يخرجه مسلم أصلاً، نعم أخرج مسلم من حديث حديث عبد الله بن مغفل بلفظ: بين كل أذانين صلاة، قالها ثلاثاً، قال في الثالثة لمن شاء. وأخرجه البخاري أيضاً، وقد تقدم في باب فضل الآذان. والظاهر أن المصنف تبع في ذلك الجزري حيث صرح في جامع الأصول (ج7 ص24) بأنه أخرجه البخاري ومسلم. وقد أخطأ أيضاً صاحب المصابيح في ذكر هذه الرواية في الصحاح. والحديث فيه دليل على استحباب الركعتين بين الغروب وصلاة المغرب. وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين، ومن المتأخرين أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث. وهو الحق. والقول بأنه منسوخ مما لا التفات إليه لأنه لا دليل عليه. (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (في) المرة. (الثالثة) أي عقبها. (لمن شاء) يعني أنه صلى الله عليه وسلم ذكر في المرة الثالثة لفظ لمن شاء. قال الطيبي: أي ذلك الأمر لمن شاء- انتهى. وفيه إشارة إلى أن الأمر حقيقة في الوجوب، إلا إذا قامت قرينة تدل على التخيير بين الفعل والترك. فقوله: لمن شاء إشارة إليه، فكان هذا صارفاً عن الحمل على الوجوب. قال الطيبي: فيه دليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الوجوب حتى يقوم دليل غيره. ويوضحه قول ابن حجر: سنة أي عزيمة لازمة متمسكين بقوله: صلوا، فإنه أمر والأمر للوجوب، فتعليقه بالمشيئة يدفع حمله على حقيقته، فيكون مندوباً- انتهى. (كراهية) منصوب على التعليل أي قال ذلك لأجل كراهية. (أن يتخذها الناس سنة) أي طريقة لازمة لا يجوز تركها، أو سنة راتبة يكره تركها. قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابها، لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها. ومعنى قوله: سنة أي شريعة وطريقة لازمة. وكان المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ومن ثم لم يذكرها أكثر الشافعية في الرواتب، وقد عدها بعضهم.
وتعقب بأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم واظب عليه. قال ابن القيم: الصواب في هاتين الركعتين أنهما مستحبتان مندوب إليهما، وليستا راتبة كسائر السنن الرواتب. قال القسطلاني: والذي صححه النووي أنها سنة للأمر بها في هذا الحديث. وقال مالك بعدم السنية. وقال النووي في المجموع: واستحبابهما قبل الشروع في الإقامة، فإن شرع فيها كره الشروع في غير المكتوبة لحديث: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. وعن النخعي أنها بدعة، لأنه يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها. وأجيب بأنه خيال فاسد منابذ للسنة، فلا يلتفت إليه، ومع هذا فزمنهما يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. قال ابن الهمام: وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل، والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوز فيهما- انتهى. قال الحافظ: ومجموع الأدلة يرشد إلى تخفيفهما، كما في ركعتى الفجر- انتهى. وذهب الحنفية إلى عدم استحبابهما، بل قال بعضهم بكراهتها، واستدلوا لنفي الاستحباب بأحاديث منها ما رواه أبوداود ومن طريقة البيهقي عن طاووس قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب، فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ورخص في الركعتين بعد العصر- انتهى. سكت عنه أبوداود ثم المنذري. قال النووي في الخلاصة: إسناده حسن. وأجيب عنه بأن في سنده شعيباً يباع الطيالسة، وهو وإن كان ممن لا بأس به لكن الظاهر أن الحديث وهم منه، وقد تفرد بروايته عن طاووس، وكيف يصح هذا الحديث، وقد روي في الصحيحين وغيرهما عن أنس وعقبة بن عامر أن الصحابة كانوا يصلون بين الأذان المغرب وإقامته في عهده صلى الله عليه وسلم وبحضرته، كما سيأتي، وروي عن عبد الله بن مغفل الأمر بذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم قد صلاهما، وروى عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونهما بعد وفاته، منهم أنس وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب وأبوأيوب الأنصاري وأبوالدرداء وجابر بن عبد الله وأبوموسى وأبويرزة وغيرهم، وكذلك روي عن جماعة من التابعين أنهم كانوا يصلون قبل فرض المغرب بين الأذان والإقامة. وقال النووي في الخلاصة: وأجاب العلماء عنه بأنه نفي، فتقدم رواية المثبت، ولكونها أصح وأكثر رواة ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر –انتهى. ذكر هذا الجواب الزيلعي في نصب الراية (ج2 ص140) وأقره، ولم يتكلم عليه بشيء، وتكلم عليه ابن الهمام في فتح القدير بما لا يعبأ به، فإن حاصل كلامه معارضة حديث ابن عمر هذا بأحاديث الصحيحين المثبتة، ثم ترجيح حديث ابن عمر عليها يعمل أكابر الصحابة على وفقه كأبي بكر وعمر، ثم إنكار ترجح حديث أنس وغيره على حديث ابن عمر لكون الأول مثبتاً والثاني نافياً بناء على أن النفي ههنا كالإثبات. فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر. قلت: قد حقق وقرر في محله أن حديث غير الصحيحين لا يساوي ولا يعارض حديثهما، وأن حديثهما يقدم على حديث غيرهما عند المخالفة وهذا
مما تمالأ عليه كلمة المحدثين خلفاً وسلفاً والفقهاء المتقدمين والمتأخرين قاطبة إلا ابن الهمام ومن تبعه من تلامذته وغيرهم. فالشيخ ابن الهمام هو أول من خالف هذا الأصل، وخرق هذا الإجماع. وغرضه من ذلك كما قال الشيخ عبد الحق الدهلوى في مقدمة شرح سفر السعادة بعد ما مشى ممشاه ورضي بما ارتضاه، تأييد مصادمة الفقهاء الحنفية بالمحدثين ومعارضتهم إياهم، قال الشيخ الدهلوى مشيراً إلى الكلام ابن الهمام في مخالفة هذا الأصل. وهذا نافع مفيد في غرضنا من شرح هذا الكتاب يعني السفر، وهو تأييد المذهب الحنفي وهذا صريح في إقرارهم بأن تأييد مذهب الحنفية إنما يتأتى بصيرورة الصحيحين كغيرهما من الصحاح بإبطال الخصوصية منهما صحة وثقة، وأن محاولة هذه المخالفة إنما هو لكون هذا المذهب في الأغلب على خلاف ما في الصحيحين. هذا، وقد أشبع الكلام في الرد على ابن الهمام الشيخ محمد معين الحنفي أحد تلامذه الشاه ولي الله الدهلوى في دراساته، وخص الدراسة (ص277- 322) الحادية عشر لذلك، فعليك أن تطالعها، وإذا كان الأمر كذلك فلا يعارض حديث ابن عمر هذا ما روى الشيخان من الأحاديث المثبتة للصلاة قبل فرض المغرب بين الأذان والإقامة. وأما ترجيحه لحديث ابن عمر على توهم أن عمل أكابر الصحابة على وفقه ففيه أنه لم يثبت عن أحد منهم العمل على خلاف ما في الأحاديث المثبتة، بل يرد ما ادعاه ويبطله حديث أنس عند البخاري في باب الصلاة إلى الأسطوانة. قال: لقد رأيت كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السوارى عند المغرب حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: وعند النسائي قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر. ففيه أنه خفي ذلك على ابن عمر، لأنهم لم يكونوا يواظبون عليه كالرواتب. وهذا على تقدير أن يكون حديث ابن عمر صحيحاً ومعارضاً لحديث أنس وغيره من الصحابة. وأما على ما هو مقرر عند المحدثين والفقهاء من عدم مساواة حديث غير الصحيحين لحديثهما، وترجيح حديثهما على حديث غيرهما عند المخالفة فلا حاجة إلى هذا الجواب. ومنها: ما رواه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن حيان بن عبيد الله العدوى ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب- انتهى. ورواه البزار في مسنده وقال: لا نعلم. رواه عن ابن بريدة الأحيان ابن عبيد الله، وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس به- انتهى. قلت: حيان بن عبيد الله وإن كان صدوقاً لكنه اختلط. قال البخاري: ذكر الصلت منه الاختلاط. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2 ص331) : قيل اختلط، وذكره ابن عدي في الضعفاء فالحديث ضعيف. وأيضاً كان بريدة وابنه عبد الله يصليان قبل صلاة المغرب، فلو كان الاستثناء الذي زاده حبان محفوظاً لم يكن مخالفان خبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الفتح: رواية حيان شاذة لأنه وإن كان صدوقاً عند البزار وغيره، لكنه خالف الحافظ من أصحاب
عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي. وكان بريدة يصلي ركعتين قبل المغرب، فلو كان الاستثناء محفوظاً لم يخالف بريدة رواية- انتهى. وقال البيهقي في المعرفة: أخطأ فيه حبان بن عبيد الله في الإسناد والمتن جميعاً. أما السند فأخرجاه في الصحيحين عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بين كل أذانين صلاة، قال في الثالثة: لمن شاء. وأما المتن فكيف يكون صحيحا. وفي رواية لمبارك عن كهمس في هذا الحديث قال وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين. وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا قبل المغرب ركعتين، وقال في الثالثة: لمن شاء خشبة أن يتخذها الناس سنة. رواه البخاري في صحيحه- انتهى. ومنها: ما رواه الطبراني في كتاب مسند الشاميين عن جابر قال: سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين قبل الغروب؟ فقلن: لا غير أن أم سلمة قالت: صلاهما عندي مرة فسألته ما هذه الصلاة، فقال: نسيت الركعتين قبل العصر الآن- انتهى. قلت: في سنده يحيى بن أبي الحجاج. قال ابن معين والنسائي: ليس بشيء. وقال أبوحاتم: ليس بالقوى. وذكره ابن في الثقات. وقال ابن عدي: لا أرى بحديثه بأسا. وقال الحافظ في التقريب: لين الحديث. وفي سنده أيضاً عيسى بن سنان القسملى، ضعفه أحمد والنسائي وأبوزرعة وابن معين، وذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء. وقال أبوحاتم: ليس بقوي في الحديث، وقال العجلي: لا بأس به. وقال ابن خراش: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ: لين الحديث. وعلى تقدير صحة هذا الحديث فجوابه هو ما ذكره الزيلعي نقلاً عن النووي من أنه نفي متقدم رواية المثبت الخ. منها: ما رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبوحنيفة ثنا حماد بن أبي سليمان أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب قال: فنهاه عنها، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يكونوا يصلونها- انتهى. قلت: هذا الحديث معضل فلا يصلح للاستدلال. قال الحافظ في الفتح: هو منقطع ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة، وسيأتي أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال: كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له فما يمنعك الآن؟ قال الشغل، فلعل غيره أيضاً منعه الشغل. وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما. وأما قول ابن العربي اختلف الصحابة ولم يفعلهما أحد بعدهم، فمردود بقول محمد بن نصر. وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب. ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن
1173-
(8) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كان منكم مصلياً بعد الجمعة، فليصل أربعاً)) . رواه مسلم. وفي أخرى له، قال:((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً)) .
ــ
مالك. ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال: حسنتين والله جميلتين لمن أراد بهما- انتهى. (متفق عليه) فيه نظر كما أوضحنا ذلك، والحديث أخرجه أبوداود وابن حبان والبيهقي (ج2 ص474) وزاد ابن حبان فيه: وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين. قال بعض الحنفية هذا الحديث أخرجه البخاري في الأذان أيضاً بلفظ عام: بين كل أذانين صلاة وأخرج ههنا بلفظ المغرب خاصة، وحصل إلى الجزم بأنها رواية المعنى لا رواية بالمعنى، فإن الراوي استنبط المسألة من الحديث بين كل أذانين صلاة، ثم أجرى عمومه في المغرب وترك الصلوات الأربع، ثم عبر عنها بقوله صلوا قبل المغرب، وما حاشى به، لأنه قد تعلمها من الحديث العام وفيه تلك. قلت: هذا القول بعيد عن الحق والصواب بل هو باطل جداً. لأنه تحكم محض وادعاء مجرد وتخرص بحت، ولا يكفي في مثل هذه الأمور فتوى القلب، لا سيما من مثل هذا المقلد، بل لا بد لذلك من دليل قوي أو قرينة ظاهرة، ولا شيء ههنا، ولم يذهب إلى ذلك قبله ذهن ذاهن، لأنه تقول على الراوي من غير برهان ولم يتفكر هذا البعض في هذا الحديث سنين حتى جزم بما جزم إلا لأنه كان مخالفاً لمذهبه.
1173-
قوله. (من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعا رواه مسلم) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والبيهقي (ج3 ص240) . (وفي أخرى له) أي لمسلم. (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) وأخرجها أيضاً أحمد (ج2 ص249- 442- 499) وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي. وفي رواية لمسلم: إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً. والرواية الثانية تدل على الأمر بأربع ركعات. وظاهره الوجوب، إلا أنه أخرجه عنه الرواية الأولى، فإنها تدل على أنها ليست بواجبة. قال النووي: نبه صلى الله عليه وسلم بقوله: إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً، على الحث عليها، فأتى بصيغة الأمر، ونبه بقوله: من كان منكم مصلياً، على أنها سنة ليست بواجبة- انتهى. وحديث أبي هريرة هذا يدل على أن السنة بعد الجمعة أربع ركعات: وقد تقدم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين، وهذا يدل على أن السنة بعدها ركعتان. قال النووي: في هذا الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها، والحث عليها وأن أقلها ركعتان وأكملها أربع. قال وذكر الأربع لفضيلتها وفعل الركعتين في أوقات بياناًً؛ لأن أقلها ركعتان. وقال إسحاق بن راهوية: إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً وإن صلى
في بيته صلى ركعتين. وكذا قال ابن تيمية وابن القيم، كما في زاد المعاد (ج1 ص124) . وكأنهم جمعوا بذلك بين الحديثين فإن حديث الأربع مطلق وليس مقيداً بكونها في البيت. وأما حديث الركعتين فهو مقيد بكونهما في البيت، فحملوا حديث الركعتين على ما إذا صلى في البيت وحديث الأربع على ما إذا صلى في المسجد. وفيه أنه لو كان الأمر كما قال هؤلاء لما صلى ابن عمر بعد الجمعة في المسجد ركعتين، فإنه هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته. قال الترمذي بعد ذكر قول إسحاق بن راهوية ما نصه: وابن عمر هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، وابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد بعد الجمعة ركعتين وصلى بعد الركعتين أربعاً، وحمل النسائي حديث ابن عمر على أنه للإمام حيث بوب عليه بلفظ: صلاة الإمام بعد الجمعة وحمل حديث أبي هريرة على أنه لمن يصلي في المسجد فقد بوب له: عدد الصلاة بعد الجمعة في المسجد. ومال الشوكاني إلى أن الأربع للأمة سواء كانت في المسجد أو في البيت لإطلاقه وعدم تقييده بالبيت. وأما الركعتان فللنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قال: وفعله لا ينافي مشروعية الأربع لعدم المعارضة بين قوله الخاص بالأمة وفعله الذي لم يقترن بدليل خاص يدل على التأسي به فيه، وذلك لأن تخصيصه للأمة بالأمر يكون مخصصاً لأدلة التأسي العامة- انتهى. واختلف العلماء في عدد الراتبة بعد الجمعة فأقلها عند الحنابلة ركعتان وأكثرها ستة، فنقل ابن قدامة في المغني عن أحمد أنه قال: إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء صلى أربعاً. وفي رواية عنه: وإن شاء ستاً. وأما عند الشافعية فالمؤكدة ركعتان والمستحب أربع ركعات. وحكى الترمذي عن الشافعي وأحمد أنهما قالا بحديث ابن عمر. قال العراقي: لم يرد الشافعي وأحمد بذلك إلا بيان أقل ما يستحب، وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك. فنص الشافعي في الأم على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات، ذكره في باب صلاة الجمعة والعيدين. ثم ذكر العراقي ما تقدم من كلام أحمد نقلاً عن المغني. وأما المالكية فالمستحب عندهم ركعتان في البيت، لأنه لا رغيبة عندهم إلا للصبح. قال في المدونة: قال ابن القاسم قال مالك: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الجمعة انصرف ولم يركع في المسجد، قال: وإذا دخل بيته ركع ركعتين، قال مالك: وينبغي للأئمة اليوم إذا سلموا من صلاة الجمعة أن يدخل الإمام منزله ويركع ركعتين ولا يركع في المسجد، قال: ومن خلف الإمام إذا سلموا أحب إلى أن ينصرفوا أيضاً ولا يركعوا في المسجد، قال: وإن ركعوا فذلك واسع- انتهى. وأما الحنفية فالمؤكد عندهم أربع لحديث أبي هريرة، وأما ما روي من فعله صلى الله عليه وسلم فليس فيه ما يدل على المواظبة. وقال أبويوسف يصلي ستاً جمعاً بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وروي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى، وهو قول عطاء والثوري إلا أن أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين كيلا يصير متطوعاً بعد صلاة الفرض يمثلها. قال الشيخ في شرح الترمذي: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الجمعة فعلاً وأربع قولاً. وأما الست فلم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم -