الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(25) باب الموقف
{الفصل الأول}
1112-
(1) عن عبد الله بن عباس، قال: ((بت في بيت خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي،
فقمت عن يساره، فأخذ بيدي من وراء ظهره فعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن))
ــ
سنده كما تقدم عن ابن عبد البر أنه قال: حديث مضطرب الإسناد، وقد تقدم قول ابن سيد الناس: أن الاختلاف الذي وقع في سنده ليس مما يضره، وقد بين ذلك في شرح الترمذي له كما قال الشوكاني، وقد بينه أيضاً الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج2 ص451) وأطال الكلام فيه وحققه بما لا مزيد عليه، فعليك أن تراجعه، ولولا خوف الإطناب لذكرنا كلامه.
(باب الموقف) أي موقف الإمام والمأموم.
1112-
قوله (بت) أي رقدت أو كنت ليلا. (في بيت خالتي ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين. (يصلي) أي من الليل، والمراد به التهجد. (فقمت) أي وقفت. (عن يساره) بفتح الياء وكسرها. ولفظ مسلم: ثم قمت إلى شقه الأيسر. (فأخذ بيدي) بسكون الياء بالإفراد. (من وراء ظهره) أي وهو في الصلاة. (فعدلني) بالتخفيف. وقيل: بالتشديد أي أمالني وصرفنى. ولفظ مسلم: يعدلني أي بصيغة مضارع. (كذلك) أي آخذاً بيدي. (من وراء ظهره) بيان لذلك. (إلى الشق الأيمن) متعلق بعدلني. قال الطيبي: الكاف صفة مصدر محذوف أي عدلني عدولاً مثل ذلك، والمشار إليه هي الحالة المشبهة بها التي صورها ابن عباس بيده عند التحدث– انتهى. وقد اختلف في كيفية التحويل روايات الصحيح، ففي بعضها: أخذ برأسه فجعله عن يمينه، وفي بعضها: فوضع يده اليمنى على رأسي فأخذ بأذني اليمنى ففتلها، وفي بعضها: فأخذ برأسي من ورائي، وفي بعضها: بيدي أو عضدي. قال العيني: والرواية الثانية جامعة لهذه الروايات وقال أيضاً: ووجه الجمع بين قوله: فأخذ بيدي، وبين قوله: فأخذ برأسي. كون القضية متعددة، وإلا فوجهه أخذ أولاً برأسه ثم بيده أو العكس - انتهى. قلت: الغالب على الظن عدم تعدد قصة مبيت ابن عباس. فالجمع بين مختلف الروايات فيها أولى. وقيل: رواية أخذ الرأس أرجح لاتفاق الأكثر عليها، وفي الحديث دليل على أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، إذ لو كان اليسار موقفاً له لما عدله وحوله في الصلاة، وإلى هذا ذهب الجماهير، وخالف النخعي فقال: إذا كان الإمام وواحد قام الواحد خلف الامام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه، أخرجه سعيد بن منصور. قال الحافظ: ووجهه بعضهم بأن الإمامة
مظنة الاجتماع فاعتبرت في موقف الإمام حتى يظهر خلاف ذلك، وهو حسن، لكنه مخالف للنص، وهوقياس فاسد- انتهى. وروي عن سعيد بن المسيب أن موقف الواحد مع الإمام عن يساره، ولم يتابع على ذلك لمخالفته للأدلة، وقد اختلف في صلاة من وقف عن اليسار، فقيل: تصح لكنه مسيء، وهو قول الجمهور. وتمسكوا بعدم بطلان صلاة ابن عباس لوقوفه عن اليسار لتقريره صلى الله عليه وسلم على أول صلاته وعدم أمره بالإعادة. وقيل: تبطل، وإليه ذهب أحمد قال: وتقريره صلى الله عليه وسلم لابن عباس لا يدل على صحة صلاة من وقف من أول الصلاة إلى آخرها عن اليسار عالما، وغاية ما فيه تقرير من جهل الموقف والجهل عذر، وقد بوب البخاري على حديث ابن عباس: باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته. قال الحافظ: أي صلاة المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولاً مع كونه في غير موقفه؛ لأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم - انتهى. وأيضاً يجوز أن يكون ابن عباس ما كان قد أحرم بالصلاة. ثم قوله: فعدلني إلى الشق الأيمن يحتمل المساواة، ويحتمل التقدم والتأخر قليلاً، وفي رواية: فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه، وقد بوب عليها البخاري: باب يقوم عن يمين الإمام بحذاءه سواء إذا كانا اثنين. قال الحافظ: قوله بحذاءه أخرج به من كان خلفه أو مائلاً عنه أو بجنبه لكن على بُعد منه، وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر، وفي انتزاع هذا من هذه الرواية بُعد، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما تقدم في بعض طرقه وهو في الطهارة: فقمت إلى جنبه، وظاهره المساواة. وفي رواية للبخاري أيضاً: فأقامني عن يمينه. قال العيني: يستفاد منها أن موقف المأموم إذا كان بحذاء الإمام على يمينه مساوياً له، وهو قول عمر وابنه وأنس وابن عباس والثوري وإبراهيم ومكحول والشعبي وعروة وأبي حنيفة ومالك والأوزاعي وإسحاق، وعن محمد بن الحسن: يضع أصابع رجليه عند عقب الإمام. وقال الشافعي: يستحب أن يتأخر عن مساواة الإمام قليلاً. قال الشوكاني: وليس عليه فيما أعلم دليل، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه؟ قال إلى الشق الأيمن قلت: أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر. قال: نعم، قلت: أتحب أن يساويه حتى لا يكون بينهما فرجة؟ قال: نعم. وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، والحديث له فوائد كثيرة: منها: أن الاثنين جماعة، وقد بوب عليه ابن ماجه: باب الاثنان جماعة. ومنها: انعقاد الجماعة باثنين: أحدهما صبي، ففي لفظ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذٍ ابن عشر سنين، وقمت إلى جنبه عن يساره فأقامني عن يمينه، قال: وأنا يومئذ ابن عشر سنين. أخرجه أحمد، وقد بوب عليه ابن تيمية في المنتقى: باب انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي. وقال العيني: في الحديث جواز ائتمام صبي ببالغ، وعليه ترجم البيهقي في سننه. قال الشوكاني: ليس على قول من منع من انعقاد من معه صبي فقط دليل، ولم
متفق عليه.
1113-
(2) وعن جابر، قال: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فجئت حتى قمت عن يساره، فأخذ
بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر،
ــ
يستدل لهم إلا بحديث رفع القلم، ورفع القلم لا يدل على عدم صحة صلاته، وانعقاد الجماعة به، ولو سلم لكان مخصصاً بحديث ابن عباس ونحوه، وقد ذهب أبوحنيفة وأصحابه إلى أن الجماعة لا تنعقد بصبي، وذهب الشافعي إلى الصحة من غير فرق بين الفرض والنفل، وذهب مالك وأبوحنيفة في رواية عنه إلى الصحة في النافلة. ومنها: جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة، وقد بوب البخاري لذلك. وفي المسألة خلاف، ومذهب الحنفية أن نية الإمامة في حق الرجال ليست بشرط؛ لأنه لا يلزمه باقتداء المأموم حكم، وفي حق النساء شرط لاحتمال فساد صلاته بمحاذاتها إياه. والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط مطلقاً، واستدل لذلك ابن المنذر بحديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في رمضان قال: فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطاً فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته- الحديث. وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموهم به ابتداء وأقرهم، وهو حديث صحيح. أخرجه مسلم، وعلقه البخاري في كتاب الصيام: وذهب أحمد إلى الفرق بين النافلة والفريضة، فشرط أن ينوى في الفريضة دون النافلة، وفيه نظر لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه. أخرجه أبوداود. وقد حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، والراجح عندنا هو عدم الفرق بين الفريضة والنافلة، وعدم الاشتراط في حق الرجال والنساء جميعاً؛ لانتفاء ما يدل على الفرق والتفصيل، والله أعلم. ومنها: جواز الإمامة في النافلة وصحة الجماعة فيها، ومنها التعليم في الصلاة إذا كان من أمرها. ومنها أن النافلة كالفريضة في تحريم الكلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم. ومنها: ما قيل إن تقدم المأموم على إمامه مبطل. قال الحافظ: ذكر البيهقي أنه يستفاد من الحديث امتناع تقديم المأموم على الإمام لما في رواية مسلم: فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه، وفيه نظر، قال العيني: لأنه يجوز أن تكون ادارته من خلفه لئلا يمر بين يديه فإنه مكروه. ومنها أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها، وقد بوب لذلك البخاري حيث قال: باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه لم تفسد صلاتهما أي بالعمل الواقع منها، لكونه خفيفاً يسيراً وهو من مصلحة الصلاة أيضاً. (متفق عليه) واللفظ لمسلم. وقد تقدم التنبيه على ما وقع من الاختلاف بين لفظ مسلم وبين اللفظ الذي ذكره المصنف تبعاً للبغوي، والحديث أخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
1113-
قوله: (وعن جابر) أي ابن عبد الله. (فأخذ بيدي) قال ابن الملك: أي أخذني بيده اليمنى من وراء ظهره حتى أقامني. (عن يمينه) فيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام. (ثم جاء جبار بن صخر) بن
فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه)) رواه مسلم.
ــ
أمية بن خنساء بن سنان السلمى الأنصاري شهد بدراً، وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، ثم شهد أحداً، وما بعدها من المشاهد وكان أحد السبعين ليلة العقبة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين المقداد بن الأسود، يكنى أبا عبد الله توفي بالمدينة سنة ثلاثين. قال ابن إسحاق: كان خارصاً بعد عبد الله بن رواحة. (فأخذ بيدينا) بالتثنية. وفي مسلم: بأيدينا أي بلفظ الجمع. (فدفعنا) أي أخرنا. قال الطيبي: لعله صلى الله عليه وسلم أخذ بيمينه شمال أحدهما، وبشماله يمين الآخر فدفعهما. (حتى أقامنا خلفه) فيه أن الإمام إذا كان معه عن يمينه مأموم، ثم جاء مأموم آخر، ووقف عن يساره، فله أن يدفعهما خلفه إذا كان لوقوفهما خلفه مكان، أو يتقدمهما. يدل عليه حديث سمرة الآتي في الفصل الثاني. وفيه أن موقف الرجلين مع الإمام في الصلاة خلفه. قال النووي: في الحديث فوائد: منها: جواز العمل اليسير في الصلاة، وأنه يكره إن كان لحاجة، فإن لم يكن لحاجة كره. ومنها: أن المأموم الواحد يقف على يمين الإمام، وإن وقف على يساره حوله الامام. ومنها: أن المأمومين يكونان صفاً وراء الإمام كما لو كانوا ثلاثة أو أكثر. وهذا مذهب العلماء كافة إلا ابن مسعود وصاحبيه يعني الأسود وعلقمة، فإنهم قالوا: يقف الاثنان عن جانبيه قال: وأجمعوا إذا كانوا ثلاثة أنهم يقفون وراءه- انتهى. قلت: روى مسلم في صحيحه عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال أصلي من خلفكم؟ قالا: نعم فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أحمد عن الأسود قال: دخلت أنا وعمي علقمة على ابن مسعود بالهاجرة قال: قأقام الظهر ليصلي فقمنا خلفه فأخذ بيدي ويد عمي ثم جعل أحدها عن يمينه والآخر عن يسار، فصففنا صفاً واحداً ثم قال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة، وأجاب عنه ابن سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان أو لعذر آخر لا على أنه من السنة. رواه الطحاوي وقال الحازمي: أنه منسوخ؛ لأنه إنما تعلم ابن مسعود هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذ فيها التطبيق وأحكام أخرى، هي الآن متروكة وهذه من جملتها، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه بدليل حديث جابر، فإنه شهد المشاهد التى بعد بدر- انتهى. قال ابن الهمام: وغاية ما فيه خفاء الناسخ على عبد الله وليس ذلك ببعيد، إذا لم يكن دأبه عليه السلام إلا إمامة الجمع الكثير دون الاثنين إلا في الندرة كهذه القصة وحديث اليتيم وهو داخل في بيت امرأة. (يعنى حديث أنس الآتي) فلم يطلع عبد الله على خلاف ما علمه- انتهى. وقال ابن سيد الناس: وليس ذلك أي وقوف الاثنين خلف الإمام شرطاً عند أحد منهم، ولكن الخلاف في الأولى والأحسن. (رواه مسلم) في آخر صحيحه في أثناء الحديث الطويل. وأخرجه البيهقي (ج3 ص95) مختصراً وأبوداود مطولاً، وهذا الذي ذكر المصنف بعضاً منه، وروى أحمد عن جابر قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت
1114-
(3) وعن أنس، قال:((صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأم سليم خلفنا)) .
ــ
عن يساره فنهاني فجعلني عن يمينه، ثم جاء صاحب لي فصفنا خلفه- الحديث.
1114-
قوله: (صليت أنا ويتيم) بالرفع عطفاً على الضمير المرفوع. قال صاحب العمدة: اليتيم هو ضميرة جد حسين بن عبد الله بن ضميرة. قال ابن الحذاء: كذا سماه عبد الملك بن أبي حبيب، ولم يذكره غيره، وأظنه سمعه من حسين بن عبد الله أو من غيره من أهل المدينة. قال ضميرة: هو ابن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختلف في اسم أبي ضميرة، فقيل: روح، وقيل غير ذلك- انتهى. وقال النووي: اسم اليتيم ضميرة بن سعد الحميري. وقال المنذري: اليتيم وهو ابن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له ولأبيه صحبة، وعدادهما في أهل المدينة (في بيتنا) متعلق بصليت. (وأم سليم خلفنا) وفي البخاري: وأمي أم سليم خلفنا. قال العيني: وأمي عطف على اليتيم، وأم سليم عطف بيان، وكانت مشتهرة بهذه الكنية، واسمها سهلة. وقيل: رميلة أو رميثة أو الرميصاء أو الغميصاء، زوجة أبي طلحة، وكانت فاضلة دينة- انتهى. قلت: أم سليم هي بنت ملحان بكسر الميم وإسكان اللام، واسمه مالك بن خالد بن زيد بن حرام من بنى النجار، وكانت أم سليم تحت مالك بن النضر، فولدت له أنساً في الجاهلية، وأسلمت مع السابقين من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى الشام، ومات بها فتزوجها بعده أبوطلحة زيد بن سهل الأنصاري، فولدت له عبد الله وأبا عمير، واسم والدة أم سليم مليكة بالتصغير بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي، فهي جدة أنس لأمه. وفي الحديث دليل على صحة الجماعة في النفل في البيوت، وعلى صحة الصلاة للتعليم والتبرك كما تدل عليه القصة، وعلى أن مقام الاثنين خلف الإمام، وعلى أن أمامة المرأة للرجال غير جائزة؛ لأنها لما زحمت عن مساواتهم في مقام الصف كانت من أن تتقدمهم أبعد، وعلى وجوب ترتيب مواقف المأمومين، وأن الأفضل يتقدم على من دونه في الفضل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليلينى منكم أولوا الأحلام والنهى، وعلى صحة صلاة الصبي المميز، وإن الصبي يعتد بوقوفه ويسد الجناح، وهو الظاهر من لفظ اليتيم إذ لا يتم بعد الاحتلام، ويؤيده جذبه صلى الله عليه وسلم لابن عباس من جهة اليسار إلى جهة اليمين، وصلاته معه وهو صبي، وعلى أن الصبي الواحد يقوم مع الرجل صفاً، فإن اليتيم لم يقف منفرداً بل صف مع أنس، وعلى أن المرأة لا تصف مع الرجال، وعلى أنها تقوم صفاً وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها، فعدم امرأة تنضم إليها عذر في ذلك، فإن انضمت المرأة مع الرجل أجزأت صلاتها؛ لأنه ليس في الحديث إلا تقريرها على التأخر، وأنه موقفها، وليس فيه دلالة على فساد صلاتها لو صلت في غيره، وذهب أبوحنيفة إلى أنه تفسد صلاة الرجل دون المرأة، ولا دليل على ذلك. قال الحافظ: في الحديث أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها، فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعند الحنفية: تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف، حيث قال قائلهم: دليله قول ابن مسعود أخروهن من حيث
رواه مسلم.
ــ
أخرهن الله، والأمر للوجوب وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخيرهن فيه إلا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل؛ لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه، والله المستعان. فقد ثبت النهى عن الصلاة في الثوب المغصوب، وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته، ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه- انتهى كلام الحافظ. وقال الشوكاني في السيل الجرار: إذا لم تقف المرأة في موقفها الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وهو وقوفها في صف النساء أو وقوفها وحدها بعد الرجال فقد صارت بذلك عاصية، وأما فساد صلاتها بذلك، فلا دليل يدل عليه، وهكذا لا دليل يدل على فساد صلاة الرجال؛ لأن غاية الأمر دخول الأجنبية معهم ونظرهم إليها، وذلك لا يوجب فساد الصلاة، بل يكون من وقف بجنبها مختاراً لذلك، أو نظر إليها عاصياً، وصلاته صحيحة، وأما من لم يقف بجنبها ولا نظر إليها فليس بعاص فضلاً عن كون صلاته تفسد بمجرد دخولها معهم في الصلاة ومشاركتها لهم في الائتمام بإمامهم. والحاصل أن التسرع إلى إثبات مثل هذه الأحكام الشرعية بمجرد الرأي الخالي عن الدليل ليس من دأب أهل الأنصاف ولا من صنيع المتورعين - انتهى. واستدل الزيلعي والخطابي وابن بطال بالحديث على صحة صلاة المنفرد خلف الصف، قال الزيلعي: أحكام الرجال والنساء في ذلك سواء. وقال ابن بطال: لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجال أولى، ورد هذا الاستدلال بأنه إنما ساغ ذلك للمرأة لامتناع أن تصف مع الرجال بخلاف الرجل، فان له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلاً من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا. قال ابن خزيمة: لا يصح الاستدلال به؛ لأن المرأة خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها، فكيف يقاس مأمور على منهي - انتهى. (رواه مسلم) . الصواب أن يقول متفق عليه، واللفظ للبخاري كما قال الحافظ في بلوغ المرام، أو يقول رواه البخاري كما قال المجد بن تيمية في المنتقى، فإن هذه الرواية أخرجها البخاري في كتاب الصلاة في باب المرأة وحدها تكون صفاً من طريق سفيان بن عيينة عن إسحاق عن أنس، فالعجب من المصنف أنه عزا الحديث إلى مسلم فقط مع أن مسلماً لم يروه بهذا اللفظ. والظاهر أن المصنف تبع في ذلك الجزري حيث عزاه في جامع الأصول (ج6:ص391) لمسلم والنسائي فقط. قال الحافظ في الفتح: هذا الحديث طرف من حديث اختصره سفيان، وطوله مالك كما تقدم في باب الصلاة على الحصير - انتهى. قلت: الحديث المطول أخرجه أحمد ومالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي
ــ
1115-
(4) وعنه، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة
خلفنا))
ــ
والظاهر أنه قضية؛ لأن المراد بالعجوز في قوله: والعجوز من وراءنا في الحديث المطول هي مليكة جدة أنس التي دعته لطعام صنعته لا أم سليم.
1115-
قوله: (صلى به) أي بأنس. (وبأمه) أي أم سليم. (أو خالته) شك من الراوي، واسم خالته أم حرام بنت ملحان. (قال) أي أنس. (فأقامني) أي أمرني بالقيام. (عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا) في الحديث دليل على أنه إذا حضر مع إمام الجماعة رجل وامرأة كان موقع الرجل عن يمينه وموقف المرأة خلفهما. وإنها لا تصف مع الرجال. واعلم أنه اختلفت الروايات في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أنس، ففي بعضها أن مليكة جدة أنس دعته لطعام صنعته، فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلي بكم. قال أنس: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من وراءنا، أخرجه أحمد (ج3:ص 131، 149) ومالك وأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. وفي بعضها أنه دخل على أم سليم فأتته بتمر وسمن، وكان صائماً، فقال أعيدوا تمركم في وعائه، وسمنكم في سقائه، ثم قام إلى ناحية البيت فصلى ركعتين، وصلينا معه-الحديث. أخرجه أحمد من طريق حميد عن أنس في (ج3:ص108، و188) وعند أبي داود من طريق ثابت عن أنس أنه دخل على أم حرام فأتوه بسمن وتمر، فقال: ردوا هذا في وعائه، وهذا في سقائه، فاني صائم، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً، فقامت أم سليم وأم حرام خلفنا، قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه، وفي بعضها: أنه صلى في بيت أم حرام، فأقام أنساً عن يمينه، وأم حرام خلفهما، وهو عند أحمد (ج3:ص204) من طريق ثابت عن أنس. وفي بعضها أنه صلى، ومعه أنس وأم سليم فجعل أنساً عن يمينه وأم سليم خلفهما، وهو عند أحمد أيضاً (ج3:ص217) من طريق ثابت. وروى أحمد (ج3:ص194-195) والنسائي من طريق شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أنساً عن يمينه، وأمه وخالته خلفهما. وروى أحمد (ج3:ص160و193-194 و217 و239 و242) ومسلم وأبوداود والنسائي هذا المعنى أيضاً من حديث ثابت عن أنس، وفي بعضها أنه صلى بأنس وبإمراة من أهله فجعله عن يمينه، والمرأة خلفهما وهو عند أحمد (ج3:ص258 و261) وأبي داود والنسائي وابن ماجه، وفي بعضها ما يدل على أنه كان يزورهم، فربما تحضره الصلاة، وهو عند أحمد (ج3:ص212) ومسلم، وهو يدل على أنه كان في بعض أحيانه يصلي الفريضة عندهم. وفي بعضها ورد التصريح بأنه صلى بهم تطوعاً، كما في رواية لأحمد (ج3:ص160) وأبي داود. وقد ظن بعضهم هذا الاختلاف موجباً للاضطراب. والحق أنه لا اضطراب ههنا؛ لأن صلاته صلى الله عليه وسلم في بيت أنس وأمه وخالته وجدته، ليست حادثة واحدة، بل هي حوادث متعددة مختلفة، كما يدل عليه
رواه مسلم.
1116-
(5) وعن أبي بكرة، ((أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم مشى إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: زادك الله حرصاً، ولا تعد))
ــ
اختلاف سياق هذه الروايات، فلا تعارض بينها. كذا حققه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي. (رواه مسلم) من طريق شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس. وأخرجه أيضاً أحمد (ج3:ص258 وص261) وأبوداود والنسائي وابن ماجه من هذا الطريق، لكنهم أبهموا المرأة. فلفظ أحمد وأبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنساً وامرأة منهم. ولفظ النسائي: صلى بي وبمرأة من أهلي. ولفظ ابن ماجه: صلى بامرأة من أهله وبي.
1116-
قوله: (أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع) أي والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم راكع. وفي رواية النسائي: أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع. وعند الطبراني. أنه دخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة، فانطلق يسعى، وللطحاوي: جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع وقد حفزني النفس، فركعت دون الصف. (فركع) أي كبر قائماً وركع. (قبل أن يصل إلى الصف) ليدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع. (ثم مشى إلى الصف) ليس هذا عند البخاري، وإنما هو عند أحمد (ج5 ص45) وأبي داود، ولفظهما: فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف. (فذكر) على البناء للمفعول، وقيل: معلوم. (ذلك) أي الذي فعله أبوبكرة من السعي والركوع دون الصف، والمشي إلى الصف راكعاً. وفي رواية للطبراني: فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل الصف وهو راكع؟ ولأبي داود: فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ فقال أبوبكرة أنا. وفي رواية أخرى للطبراني فقال: من الساعي؟ وله أيضاً فقال: أيكم صاحب هذا النفس، قال: خشيت أن تفوتني الركعة معك، وله أيضاً في رواية في آخر الحديث: صل ما أدركت واقض ما سبقك. (زادك الله حرصاً) أي على طلب الخير. (ولا تعد) أي أن منشأ هذا الفعل، هو الحرص على العبادة وإدراك فضل الإمام، والحرص على الخير مطلوب محبوب، لكن لا تعد إلى مثل هذا الفعل لأجله؛ لأن الحرص لا يستعمل على وجه يخالف الشرع، وإنما المحمود أن يأتي به على وفق الشرع. وقوله: لا تعد بفتح أوله وضم العين من العود. قال الحافظ في التلخيص (ص110) : اختلف في معنى قوله: ولا تعد: فقيل: نهاه عن العود إلى الإحرام وخارج الصف، وأنكر هذا ابن حبان، وقال: أراد لا تعد في إبطاء المجيء إلى الصلاة، يعني أنه نهاه عن التأخر عن الصلاة حتى تفوته الركعة مع الامام. وقال ابن القطان الفاسي تبعاً للمهلب بن أبي صفرة معناه: لا تعد إلى
دخولك في الصف، وأنت راكع فإنها كمشية البهائم. ويؤيده رواية حماد بن سلمة في مصنفه عن الأعلم عن الحسن عن ابي بكرة: أنه دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد ركع، فركع ثم دخل الصف وهو راكع فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل في الصف وهو راكعن فقال له أبوبكرة: أنا، فقال: زادك الله حرصاً ولا تعد، وقال غيره: بل معناه لا تعد إلى إتيان الصلاة مسرعاً، واحتج بما رواه ابن السكن في صحيحه بلفظ: أقيمت الصلاة فانطلقت أسعى حتى دخلت في الصف، فلما قضى الصلاة قال: من الساعي آنفاً، قال أبوبكرة أنا، فقال زادك الله حرصًا ولا تعد- انتهى. وقال في الفتح قوله:"لا تعد" ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، أي لا تعد إلى ما صنعت من السعي الشديد، ثم من الركوع دون الصف، ثم من المشي إلى الصف. وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحاً في طرق حديثه، كما تقدمت، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روي بضم أوله وكسر العين من الإعادة، ويؤيد الروايات المشهورة ما ورد من الزيادة في آخر الحديث عند الطبراني: صل ما أدركت واقض ما سبقك. وروى الطحاوي: بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا أتى احدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف- انتهى. وقال: الجزري لا تعد بفتح التاء وضم العين وإسكان الدال من العود، أي لا تعد ثانياً إلى مثل ذلك الفعل، وهو المشي إلى الصف في الصلاة. ويحتمل أن يكون نهاه عن اقتدائه منفرداً. ويحتمل أن يكون عن ركوعه قبل الوصول إلى الصف، والظاهر أنه نهى عن ذلك كله. وقد أبعد من قال: ولا تعد بضم التاء وكسر العين من الإعادة أي لا تعد الصلاة التي صليتها، وأبعد منه من قال إنه بإسكان العين وضم الدال من العَدو أي لا تسرع، وكلاهما لم يأت به رواية، وإنما يحملهم على ذلك في أمثاله من تحريفهم ألفاظ النبوة وتغييرها كونهم لم يحفظوها أو ما وصلت إليهم بالرواية، فيذكرون ما يحتمله الخط لعدم معرفتهم باللفظ المروي- انتهى. واخنلف في الركوع دون الصف، فذهب مالك والليث إلى أن الداخل إذا خاف فوت الركعة بأن يرفع الإمام رأسه من الركوع إن تمادى حتى يصل إلى الصف أن له أن يركع دون الصف، ثم يدب راكعاً إذا كان قريباً، وحد القرب أن يصل إلى الصف قبل سجود الامام. وقيل: يدب قدر ما بين الفرجتين. وقيل: ثلاثة صفوف. وكره ذلك الشافعي. وفرق أبوحنيفة بين الجماعة والواحد، فكرهه للواحد، وأجازه للجماعة. وما ذهب إليه مالك روي عن زيد بن ثابت وابن مسعود وعبد الله بن الزبير وأبي أمامة وعطاء. وروى الطبراني في الأوسط من حديث ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء سمع ابن الزبير على المنبر يقول: إذا دخل أحدكم المسجد، والناس ركوع فليركع حين يدخل، ثم يدب راكعاً حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة، قال: قد رأيته يصنع ذلك. قال ابن جريج: وقد رأيت عطاء يصنع ذلك، قال الطبراني: تفرد به ابن وهب، ولم يروه عنه غير حرملة، ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد- انتهى. قلت: قد رواه البيهقي (ج3 ص16) من
طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم عن ابن وهب. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2 ص96) بعد غزوة للطبراني: رجاله رجال الصحيح. قلت: القول الراجح المعتمد المعول عليه هو المنع لحديث أبي بكرة، ولما روى الطحاوي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بإسناد حسن: إذا جاء أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف، وإليه ذهب أبوهريرة، كما أخرج عنه ابن عبد البر وابن أبي شيبة، وبه قال الحسن وإبراهيم. واستدل بحديث أبي بكرة على أن من أدرك الإمام راكعاً دخل معه، واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئاً من القيام والقراءة؛ لأن أبابكرة ركع خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة، فدعا له بزيادة الحرص، ولم يأمره بإعادة تلك الركعة، وهذا مذهب الجمهور. وذهب أبوهريرة وأهل الظاهر وابن خزيمة وأبوبكر الضبعي والبخاري إلى أنه لا تجزئه تلك الركعة إذا فاته القيام وقراءة فاتحة الكتاب وإن أدرك الركوع مع الإمام. وقد حكى هذا المذهب الحافظ في الفتح عن جماعة من الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره من محدثي الشافعية، ورجحه المقبلي، قال: وقد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثي فقهاً وحديثاً، فلم أحصل منها غير ما ذكرت، يعني من عدم الاعتداد بادراك الركوع فقط، وهو القول الراجح عندي، فلا يكون مدرك الركوع مدركاً للركعة لما فاته من القيام وقراءة فاتحة الكتاب، وهما من فروض الصلاة وأركانها، ولحديث: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. قال الحافظ: قد استدل به على أن من أدرك الإمام راكعاً لم يحتسب له تلك الركعة للأمر بإتمامه ما فاته؛ لأنه فاته القيام والقراءة فيه- انتهى. وأما حديث أبي بكرة فليس فيه ما يدل على ما ذهب الجمهور إليه؛ لأنه كما لم يأمر بالإعادة فلم ينقل إلينا أنه اعتد بها، والدعاء بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها؛ لأن الكون مع الإمام مأمور به سواء كان الشيء الذي يدركه المؤتم معتمداً به أم لا، كما في حديث: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً. رواه أبوداود وغيره، على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أبا بكرة عن العود إلى مثل ذلك، والاستدلال بشيء قد نهي عنه لا يصح، كذا ذكره الشوكاني في النيل. قلت: زيادة الطبراني في آخر حديث أبي بكرة بلفظ: صل ما أدركت واقض ما سبقك تدل على عدم اعتداد تلك الركعة، ويدل عليه أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن معاذ بن جبل، قال: لا أجده على حال إلا كنت عليها، وقضيت ما سبقني، فوجده قد سبقه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ببعض الصلاة أو قال: ببعض ركعة، فوافقه فيما هو فيه، وأتى بركعة بعد السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: إن معاذاً قد سن لكم، فهكذا فاصنعوا. وقال شيخنا في شرح الترمذي بعد ترجيح قول أهل الظاهر ومن وافقهم: أما حديث أبي بكرة فواقعه عين، يعني أنه يجري فيه من الاحتمالات ما لا يجري في الأدلة القولية التي هي نص في فرضية القيام، وقراءة فاتحة الكتاب، والأمر بإتمامه ما فاته. ورجح الشوكاني في فتاواه التي سماه ولده أحمد بن محمد بن علي الشوكاني