الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه مسلم.
{الفصل الثاني}
1306-
(4) عن أبي ذر، قال: ((صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا، حتى ذهب شطر الليل،
ــ
بتوفيقهم وهدايتهم ونزول البركة في أرزاقهم وأعمارهم. قال العلقمي: من سببية بمعنى من أجل، والخير الذي يجعل في البيت بسبب التنفل فيه هو عمارته بذكر الله تعالى وطاعته، وحضور الملائكة واستغفارهم ودعاؤهم، وما يحصل لأهله من الثواب والبركة، وتستثنى التراويح لما تقدم من فعله عليه السلام ولما تقرر عليه عمل الصحابة بعده، فيراد المصنف هذا الحديث في هذا الباب تبعاً للبغوي موهم، كما لا يخفى. (رواه مسلم) وكذا أحمد (ج3 ص316) والبيهقي (ج2 ص189) كلهم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وأخرجه ابن ماجه والبيهقي أيضاً من حديث أبي سعيد كلاهما من طريق سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أبي سعيد الخدري. قال البوصيري في الزوائد: رجاله ثقات. وأخرجه أيضاً ابن خزيمة في صحيحة من حديث أبي سعيد، كما في الترغيب، وأخرجه الدارقطني في الإفراد عن أنس.
1306-
قوله: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في رمضان، كما في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي. (فلم يقم بنا) أي في لياليه يعني لم يصل لنا التراويح. (شيئاً من الشهر) بل كان إذا صلى الفرض دخل حجرته. (حتى بقي سبع) أي من الشهر، كما في الترمذي والنسائي أي ومضى اثنان وعشرون. قال الطيبي: أي سبع ليال نظراً إلى المتيقن، وهو أن الشهر تسع وعشرون، فيكون القيام في قوله:(فقام بنا) ليلة الثالثة والعشرين، وهو مصرح في بعض روايات أحمد، وصرح أيضاً بذلك في حديث النعمان بن بشير عند النسائي. ولفظ ابن ماجه: فقام بنا ليلة السابعة. قال السندي: وهي الأولى من الباقية، ودأب العرب أنهم يحسبون الشهر من الآخر، وهذا القيام لم يعلم كيف كان، وفسره كثير من العلماء بالتراويح- انتهى. ورواه البيهقي بلفظ: فلم يقم بنا من الشهر شيئاً حتى كانت ليلة ثلاث وعشرين قام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل. (حتى ذهب ثلث الليل) قال شيخنا: المراد بالقيام صلاة الليل، والمعنى صلى بنا بالجماعة صلاة الليل إلى ثلث الليل، وفيه ثبوت صلاة التراويح بالجماعة في المسجد أول الليل- انتهى كلام الشيخ. وهذا يدل على أن المراد عنده بقيام ليالي رمضان صلاة التراويح، كما ذهب إليه كثير من العلماء، وادعى الكرماني الاتفاق عليه. (فلما كانت السادسة) أي مما بقي وهي الليلة الربعة والعشرون. (فلما كانت الخامسة) وهي الليلة الخامسة والعشرون. (حتى ذهب شطر الليل) أي نصفه
فقلت: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى
ينصرف، حسب له قيام الليلة. فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتى بقي ثلث الليل،
ــ
(لو نفلتنا) بتشديد الفاء من التنفيل. (قيام هذه الليلة) وفي رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه بقية ليلتنا هذه، أي لو أعطيتنا قيام بقية الليل وزدتنا إياه كان أحسن وأولى، ويحتمل أن كلمة "لو" للتمني فلا جواب لها. وقال القاري: أي لو جعلت الليل زيادة لنا على قيام الشطر. وفي النهاية: لو زدتنا من الصلاة النافلة، سميت بها النوافل؛ لأنها زائدة على الفرض. قال المظهر: تقديره لو زدت قيام الليل على نصفه لكان خيراً لنا. (إن الرجل) أي جنسه. (إذا صلى) أي الفرض. (مع الإمام) أي وتابعه. (حتى ينصرف) أي الإمام. (حسب) على البناء للمفعول أي عد واعتبر (له) وفي رواية النسائي: كتب الله له. (قيام ليلة) قال القاري: أي حصل له ثواب قيام ليلة تامة، يعني الأجر حاصل بالفرض، وزيادة النوافل مبنية على قدر النشاط؛ لأن الله لا يمل حتى تملوا. والظاهر أن المراد بالفرض العشاء والصبح لحديث ورد بذلك يعني عثمان المتقدم في باب فضائل الصلاة بلفظ: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله. أخرجه مسلم وغيره. وقيل: المراد بالصلاة في قوله: إذا صلى مع الإمام صلاة التراويح، والمعنى:(إن الرجل إذا صلى) أي التراويح في أول الليل في رمضان. (مع الإمام حتى ينصرف) أي يفرغ الإمام من الصلاة ويرجع. (حسب له قيام ليلة) أي كاملة، وعلى هذا يكون دليلاً للجمهور على أن صلاة التراويح مع الإمام أفضل من الانفراد، وأجاب من خالفهم بأنه يجوز أن يكتب له بالقيام مع الإمام بعض الليل قيام كله، وأن يكون قيامه في بيته أفضل من ذلك، ولا منافاة بين الأمرين. وأما حديث عثمان الذي أشار إليه القاري، فيقال في معناه: أن من صلى فريضة العشاء والصبح مع الإمام أي بالجماعة يكون له ثواب ليلة كاملة ثواب صلاة الفرض، ويقال ههنا أنه إذا صلى التراويح مع الإمام حتى ينصرف يحصل له ثواب ليلة كاملة ثواب صلاة النفل. قيل: ويؤيد ذلك رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ: "من قام مع الإمام" بدل "إذا صلى مع الإمام"، فإن لفظ القيام ظاهر في معنى صلاة الليل أي التراويح، ويؤيده أيضاً أن أبا ذر سأله صلى الله عليه وسلم أن ينفل بقية الليلة، وهذا يقتضي أن يجيب بأنه لا يحتاج إلى قيام بقية الليلة؛ لأن ثواب الليلة التامة قد حصل بالقدر الذي قام بهم، ويؤيده أيضاً أن قوله:"حتى ينصرف" فإنه يشير إلى أن الانصراف قبل أن ينصرف الإمام من جميع صلاته ممكن، ومن المعلوم أن الانصراف في الفرض في أثناء الصلاة غير ممكن؛ لأنه لا يحصل إلا بعد ما ينصرف الإمام، بخلاف التراويح فإن الانصراف فيها قبل انصراف الإمام ممكن؛ لأنها شفعات متعددة فيمكن أن ينصرف الرجل قبل أن يفرغ الإمام من جميع صلاة التراويح. (فلما كانت الرابعة) أي من الباقية، وهي السادسة والعشرون. (لم يقم بنا حتى بقي ثلث الليل)
فلما كانت الثالثة، جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قلت: وما
الفلاح؟ قال: السحور. ثم لم يقم بنا بقية الشهر)) . رواه أبوداود، والترمذي، والنسائي.
ــ
كذا في جميع النسخ الموجودة، ولم يظهر لي معناه، ولفظ أبي داود ثم على قوله لم يقم أي ليس عنده "بنا حتى بقي ثلث الليل" ولفظ النسائي ثم لم يصل بنا ولم يقم بنا حتى بقي ثلث من الشهر. ولفظ الترمذي: ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلث من الشهر، وذكره الجزري في جامع الأصول (ج7 ص82) بلفظ: ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلث من الشهر. وذكره البغوي في المصابيح بلفظ: فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتى بقي ثلاث. والظاهر أن البغوي أخذ قوله "فلما كانت الرابعة لم يقم" من أبي داود، وأخذ قوله "بنا حتى بقي ثلاث" من الترمذي والنسائي وأسقط لفظ: من الشهر، فسياق البغوي مجموع ما في أبي داود والنسائي والترمذي. والمراد بقوله: ثلاث أي ثلاث من الشهر، كما هو مصرح عند الترمذي والنسائي. وأما ما وقع في المشكاة من قوله: ثلث الليل فهو خطأ بلا شبهة، والعجب أنه لم يتنبه لذلك أحد من الشراح. ولفظ ابن ماجه: ثم كانت الرابعة التي تليها فلم يقمها حتى كانت الثالثة التي تليها. (فلما كانت الثالثة) أي من الباقية وهي الليلة السابعة والعشرون (جمع أهله ونساءه) فيه استحباب ندب الأهل إلى فعل الطاعات وإن كانت غير واجبة، وفيه تأكد مشروعية القيام في الإفراد من ليالي العشر الآخرة من رمضان؛ لأنها مظنة الظفر بليلة القدر، واهتم صلى الله عليه وسلم في السابعة والعشرين بجمع أهله وغيرهم؛ لأنها أرجاها. (حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح) قال في القاموس: الفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير والسحور. (قلت) قائله جبير بن نفير الراوي عن أبي ذر. (وما الفلاح قال) أي أبوذر. (السحور) أي المراد بالفلاح السحور، وهو بفتح السين ما يتسحر به من الطعام والشراب، أي ما يوكل وقت السحر، وهو بفتحتين آخر الليل قبيل الصبح، وبالضم المصدر والفعل نفسه. قال القاضي: الفلاح الفوز بالبغية، سمي السحور به؛ لأنه يعين على إتمام الصوم، وهو الفوز بما قصده ونواه والموجب للفلاح في الآخرة. وقال الخطابي: أصل الفلاح البقاء، وسمي السحور فلاحاً لكونه سبباً لبقاء الصوم ومعيناً عليه، ومن ذلك حي على الفلاح أي العمل الذي يخلدكم في الجنة، فهو من تسمية السبب باسم المسبب. وقيل: سمي به لأنه معين على إتمام الصوم المفضي إلى الفلاح، وهو الفوز بالزلفى والبقاء في العقبى. (ثم لم يقم بنا بقيه الشهر) أي في الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين، وحديث أبي ذر هذا يخالف ما روته عائشة من قيامه صلى الله عليه وسلم في ليالي رمضان بالجماعة في المسجد عند الشيخين وغيرهما، فإن ظاهره يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالجماعة كانت في الليالي الموصولة، وفي حديث أبي ذر تصريح بأن صلاته كانت في الليالي المفصولة، أي في الأوتار فقط، فأما أن يحمل على تعدد القصة أو يقال بأنه ليس في حديث عائشة ذكر الوصل صريحاً، فيحمل على الفصل، كحديث أبي ذر. (رواه أبوداود) واللفظ له إلا قوله: بنا حتى بقي ثلث الليل. (والترمذي والنسائي)
وروى ابن ماجه نحوه، إلا أن الترمذي لم يذكر: ثم لم يقم بنا بقية الشهر.
ــ
وأخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص159و 163و 172و 180) والحاكم ومحمد بن نصر (ص89) والبيهقي (ج2 ص494) . والحديث صححه الترمذي والحاكم، وسكت عنه أبوداود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. (وروى ابن ماجه نحوه) أي بمعناه. (إلا أن الترمذي لم يذكر: ثم لم يقم بنا بقية الشهر) وكذا لم يذكره النسائي. تنبيه اعلم أنه لم يرو في حديث أبي ذر هذا بيان عدد الركعات التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي، لكن قد ورد بيانه في حديث جابر بن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر- الحديث. أخرجه الطبراني في الصغير، وأبويعلى ومحمد بن نصر في قيام الليل، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. قال الذهبي في الميزان (ج2 ص311) بعد ذكر هذا الحديث إسناده وسط- انتهى. وذكر الحافظ: هذا الحديث في الفتح في شرح عائشة الذي أشرنا إليه لبيان عدد الركعات التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بالجماعة، فهو صحيح عنده أو حسن، لما ذكر في المقدمة أنه يسوق الباب وحديثه أولاً، ثم يذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية، ثم يستخرج ثانياً ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات، وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك، كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما يورده من ذلك، وذكره أيضاً في التلخيص لبيان عدد تلك الركعات، وسكت عنه ولم يتكلم فيه، وذكره أيضاً العيني في شرح البخاري لبيان عدد ركعاته صلى الله عليه وسلم في قيامه بالناس في ليالي رمضان نقلاً عن صحيحي ابن خزيمة وابن حبان، ولم يتكلم فيه. فإن قلت قال النيموني في آثار السنن بعد ذكر حديث جابر المذكور: في إسناده لين، وقال في تعليقه مداره على عيسى بن جارية، ثم ذكر جرح ابن معين وأبي داود والنسائي وتوثيق أبي زرعة وابن حبان، ثم قال قول الذهبي: إسناده وسط ليس بصواب، بل اسناده دون وسط – انتهى. قلت: قال الحافظ في شرح النخبة: الذهبي من أهل الاستقرار التام في نقد الرجال- انتهى. فلما حكم الذهبي بأن إسناده وسط بعد ذكر الجرح والتعديل في عيسى بن جارية، وهو من أهل الاستقرار التام في نقد الرجال، فحكمه بأن إسناده وسط هو الصواب. ويؤيده إخراج ابن خزيمة وابن حبان هذا الحديث في صحيحيهما، فلا يلتفت إلى قول النيموني، ويشهد لحديث جابر هذا حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة: كيف كان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي
ثلاثاً- الحديث. أخرجه الشيخان وغيرهما، فهذا الحديث نص في أنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى التراويح في رمضان ثمان ركعات فقط، ولم يصل بأكثر منها. قال في العرف الشذى (ص201) : هذه الرواية رواية الصحيحين، وفي الصحاح صلاة تراويحة عليه السلام ثمان ركعات. وفي السنن الكبرى وغيره بسند ضعيف من جانب أبي شيبة فإنه ضعيفة اتفاقاً: عشرون ركعة، وقال في (ص329، 330) : ثم أن حديث: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، فيه تصريح أنه حال رمضان، فإن السائل سأل عن حال رمضان وغيره، كما عند الترمذي ومسلم، ولا مناص من تسليم أن تراويحه عليه السلام كانت ثمانية ركعات، ولم يثبت في رواية من الروايات أنه عليه السلام صلى التراويح والتهجد على حدة في رمضان، بل طول التراويح، وبين التراويح والتهجد في عهده عليه السلام لم يكن فرق في الركعات، بل في الوقت والصفة أي التراويح تكون بالجماعة في المسجد بخلاف التهجد، وأن الشروع في التراويح يكون في أول الليل، وفي التهجد في آخر الليل، ثم مأخوذ الأئمة الأربعة من عشرين ركعة هو عمل الفاروق الأعظم. وأما النبي صلى الله عليه وسلم فصح عنه ثمان ركعات، وأما عشرون ركعة، فهو عنه عليه السلام بسند ضعيف، وعلى ضعفه إتفاق- انتهى. فإن قلت قد ثبت في الصحيح من حديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر يجتهد مالا يجتهد في غيره، وفي الصحيح أيضاً من حديثها كان إذا دخل العشر أحيى الليل وأيقظ أخله وجد وشد ميزره، وهذا يدل على أنه كان يزيد في العشر الأواخر على عادته، وهو مخالف لحديث أبي سلمة عن عائشة المذكور. قلت: المراد بالاجتهاد تطويل الركعات لا الزيادة في العدد. قال العيني: إن الزيادة في العشر الأواخر يحمل على التطويل دون الزيادة في العدد- انتهى. وأما ما روى ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي (ج2 ص496) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة سوى الوتر، فهو ضعيف جداً لا يصلح للاستدلال ولا للاستشهاد ولا للاعتبار، فإن مداره على أبي شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو متروك الحديث، كما في التقريب. قال الزيلعي في نصب الراية (ج2 ص153) : هو معلول بأبي شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو متفق على ضعفه، ولينه ابن عدي في الكامل، ثم إنه مخالف للحديث الصحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة- الحديث. انتهى كلام الزيلعي. وقال ابن الهمام في فتح القدير بعد ذكر هذا الحديث: هو ضعيف بأبي شيبة إبراهيم بن عثمان متفق على ضعفه مع مخالفته للصحيح. وقال العيني في شرح البخاري (ج11 ص128) بعد ذكر هذا الحديث: وأبوشيبة هو إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، قاضي واسط، جد أبي بكر أبي شيبة، كذبه
شعبة، وضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وغيرهم، وأورد له ابن عدي هذا الحديث في الكامل في مناكيره- انتهى. وقال البيهقي (ج2 ص496) بعد روايته: تفرد به أبوشيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، وهو ضعيف- انتهى. وقال النيموني في تعليق آثار السنن (ج2 ص56) : وقد أخرجه عبد بن حميد الكشي في مسنده، والبغوي في معجمه، والبيهقي في سننه، كلهم من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف، ثم نقل كلام البيهقي المذكور، وجروح أئمة الجرح والتعديل عن التهذيب والميزان والتقريب. وقال الزرقاني في شرح الموطأ: حديث ابن عباس في عشرين ركعة حديث ضعيف. وهذا كله يدل على أن حديث ابن عباس هذا ضعيف جداً عند جميع العلماء الحنفية والشافعية والمالكية وغيرهم، ومع ذلك قد تفوّه بعض الحنفية في هذا العصر بأن رواية ابن عباس إذ هي مؤيدة بآثار الصحابة أولى من رواية جابر. (المتقدمة) وإن كان فيها بعض الضعف، فإن جمهور الصحابة متفقة على صلاة التراويح بعشرين ركعة- انتهى. قلت: قد تقدم أن حديث ابن عباس ضعيف جداً، قد أطبق الأئمة على ضعفه، ومع هذا فهو مخالف لحديث عائشة المتفق عليه بخلاف حديث جابر فإنه صحيح أو حسن، ولم يضعفه أحد ممن يعتمد عليه، وله شاهد صحيح، وهو حديث عائشة، فهو أولى بالقبول وأحق بالعمل. وأما دعوى تأيد حديث ابن عباس بعمل جمهور الصحابة فهي مردودة بما سيأتي من حديث السائب بن يزيد قال: أمر عمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وبما روى سعيد بن منصور في سننه عن السائب بن يزيد قال: كنا نقوم في زمن عمر بن الخطاب بإحدى عشرة ركعة. قال السيوطي: هذا الأثر إسناده في غاية الصحة، هذا وقد حاول بعضهم إثبات صحة حديث ابن عباس حيث قال في تعليقه على المشكاة: حديث ابن عباس في عشرين ركعة الذي ضعفه أئمة الحديث هو صحيح عندي، لما ذكر السيوطي في التدريب. قال بعضهم: يحكم للحديث بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وإن لم يكن له إسناد صحيح، يعني فحديث ابن عباس هذا حقيق بأن يصحح، لما تلقاه الخلفاء الراشدون والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذي استقر عليه الأمر في سائر البلدان والأمصار- انتهى كلامه مخلصاً مختصراً. قلت: التصدي لإثبات صحة حديث ابن عباس المتفق على ضعفه بمثل هذا الكلام الواهي عصبية باردة، لا يفعل هذا إلا صاحب التقليد الأجوف والعصبية العمياء؛ لأن الصحيح الثابت عن عمر، هو جمعه الناس على إحدى عشرة ركعة لا عشرين، كما تقدم، وسيأتي أيضاً، ولو سلمنا أن طائفة من الصحابة والتابعين كانوا يصلون عشرين ركعة فليس ههنا أثر للتلقي الذي جعله بعض العلماء موجباً لقبول الخبر الغير الصحيح؛ لأنه لا دليل على أن حديث ابن عباس هذا قد بلغ هؤلاء الصحابة ولا على أنهم
1307-
(5) عن عائشة، قالت: ((فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسول؟ قلت: يا رسول الله! إني ظننت إنك أتيت بعض نسائك،
ــ
تعرضوا للاحتجاج به واستشهدوا به عند العمل أو استأنسوا به، وما لم يثبت ذلك لا تصح دعوى وجود التلقي المصطلح الذي يكون فيه غني من الإسناد، على أنه قال السيوطي في التدريب (ص115) : مما يدل على صحة الحديث أيضاً كما ذكره أهل الأصول موافقة الإجماع له على الأصح لجواز أن يكون المستند غيره. وقيل يدل- انتهى. والحاصل أن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان في الجماعة هو إحدى عشرة ركعة مع الوتر لا غير، فهي السنة لا العشرون، ولله در ابن الهمام حيث اعترف بضعف حديث ابن عباس ومخالفته لحديث عائشة الصحيح، ولم يتحمل لتصحيح حديث ابن عباس، وصرح بأن العشرين ليست سنة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ويدل أيضاً على كون التراويح ثمان ركعات ما روي عن جابر بن عبد الله قال: جاء أبيّ بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! أنه كان منى الليلة شيء، يعني في رمضان قال: وما ذاك يا أبيّ؟ قال: نسوة في داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك، قال: فصليت بهن ثمان ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئاً. رواه أبويعلى والطبراني بنحوه في الأوسط. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2 ص74) : إسناده حسن- انتهى. قلت: وأخرجه أيضاً محمد بن نصر المروزي في قيام الليل وعبد الله بن أحمد في المسند (ج5 ص115) ، وفي إسناده من لم يسم، وسيأتي مزيد الكلام في هذه المسألة.
1307-
قوله: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي غاب عني. قال في النهاية: فقدت الشيء أفقده إذا غاب عنك. (ليلة) من ليالي تعني الليلة التي كان فيها عندي. (فإذا هو بالبقيع) أي فخرجت أطلبه فإذا هو واقف بالبقيع، والمراد بالبقيع بقيع الغرقد، وهو موضع بظاهر المدينة، فيه قبور أهلها، كان به شجر الغرقد، فذهب وبقي اسمه، كذا في النهاية. (أن يحيف) الحيف الظلم والجور، أي أظننت أن قد ظلمتك يجعل نوبتك لغيرك، وذلك مناف لمنصب الرسالة وذكر الله تعظيماً لرسوله ودلالة على أن فعل الرسول عادة لا يكون إلا بإذنه وأمره. وقال الطيبي: أو تزييناً للكلام وتحسيناً، أو حكاية لما وقع في الآية أم تخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، وإشارة إلى التلازم بينهما كالإطاعة والمحبة. قال العيني: يعني ظننت أني ظلمتك بأن جعلت من نوبتك لغيرك، وذلك مناف لمن تصدي بمنصب الرسالة، وهذا معنى العدول عما هو مقتضى ظاهر العبارة، وهو ظننت أني أحيف عليك، فوضع رسوله موضع الضمير للاشعاء بأن لحيف ليس من شيم الرسل، وفيه أن القسم كان واجباً عليه، إذ لا يكون تركه جوراً إلا إذا كان واجباً. (قلت يا رسول الله إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك) أي زوجاتك لبعض مهماتك فأردت تحقيقها، وحملني على
فقال: إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب)) . رواه الترمذي، وابن ماجه. وزاد رزين: ممن استحق النار. وقال الترمذي: سمعت محمداً ـ يعني ـ يضعف هذا الحديث.
ــ
هذا الغيرة الحاصلة للنساء التي تخرجهن عن دائرة العقل وحائزة التدبر للعاقبة من المعاتبة أو المعاقبة. والحاصل إني ما ظننت أن يحيف الله ورسوله علي أو على غيري، بل ظننت أنك بأمر من الله أو باجتهاد منك خرجت من عندي لبعض نسائك؛ لأن عادتك أن تصلي النوافل في بيتك، كذا في المرقاة. ولفظ ابن ماجه قالت. (أي عائشة) : قد قلت. (أي في جوابه صلى الله عليه وسلم) وما بي ذلك. (أي الخوف والظن السوء بالله ورسوله) ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك. قال السندي: أي لكني ظننت أنك فعلت ما أحل الله لك من الإتيان لبعض نسائك، تريد أنها ما جوزت ذلك ولا زعمته من جهة كونه حيفا وجورا، ولكونه جوزته من جهة أنه في ذاته إتيان بعض النساء، وهو حلال، والمقصود أنها ما لاحظت ذلك من جهة كونه ظلماً، ولكن لاحظت من جهة كونه حلالاً، فلذلك جوزته فانظر إلى كمال عقلها، فإنها قد زعمت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك جوراً، وقال: أتخافين من الله تعالى ورسوله؟ فإن قالت في الجواب نعم خفت ذلك يكون قبيحاً، وإن قالت ما خفته يكون كذباً فتفطن- انتهى. (فقال: إن الله تعالى ينزل) استئناف لبيان موجب خروجه من عندها، يعني خرجت للدعاء لأهل البقيع لما رأيت من كثرة الرحمة في هذه الليلة. (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) أي قبيلة بني كلب وخصمهم؛ لأنهم أكثر غنماً من سائر العرب نقل الأبهري عن الأزهار: أن المراد بغفران أكثر عدد الذنوب المغفورة لا عدد أصحابها، وهكذا رواه البيهقي- انتهى. وأما الحديث الآتي فيغفر لجميع خلقه فالمراد أصحابها، كذا في المرقاة. (رواه الترمذي) في الصيام. (وابن ماجه) في أواخر الصلاة كلاهما من رواية حجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والحديث منقطع، كما ستعرف. (وزاد رزين ممن استحق النار) قال ابن حجر: أي من المؤمنين، كما صرح به قوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [4: 48] . وقيد ذلك في روايات بينتها ثم بغير المشاحن وقاطع الرحم ومدمن الخمر ومسبل الإزار وعاق لوالديه. (وقال الترمذي: سمعت محمداً يعني البخاري) هو تفسير من المصنف. (يضعف) يعني البخاري. (هذا الحديث) ويقول يحيى بن أبي كثير: لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير- انتهى. فالحديث منقطع في موضعين أحدهما ما بين الحجاج ويحيى، والآخر ما بين يحيى وعروة. والحديث المنقطع من أقسام
(1)
كذا في الأصل، ولعله وسمي ذلك جوراً.