الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه.
{الفصل الثاني}
1148، 1149- (7) عن علي، ومعاذ بن جبل، رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) . رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب.
ــ
كثرة الفاعلين لذلك، ففيه أنه ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك وكون فعله ممكناً؛ لأن يقع عند ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، وقد أوضحنا ذلك في شرح أول الحديث. وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام، لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم، فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته. وعن ابن عمر تبطل، وبه قال أحمد في رواية، وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، والوعيد بالمسخ في معناه. وقد ورد التصريح بالنهي في حديث أنس ثاني أحاديث هذا الباب عن السبق بالركوع والسجود والقيام والقعود. وفي المغنى عن أحمد أنه قال في رسالته: ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال: ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب، وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة، ولا دلالة فيه؛ لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها. (متفق عليه) واللفظ لمسلم. وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج2 ص93) .
1148، 1149- قوله:(والإمام على حال) أي من قيام أو ركوع أو سجود أو قعود. (فليصنع كما يصنع الإمام) أي ليكبر تكبيرة الإحرام، ويوافق الإمام فيما هو من القيام أو الركوع أو غير ذلك، ولا يخالفه بأداء ما سبق من الصلاة بل يدخل معه في الفعل الذي يؤديه، فيتبعه في القيام والقعود والركوع والسجود، ولا ينتظر رجوع الإمام إلى القيام، كما يفعله العوام. والحديث يدل على أنه يجب على من لحق بالإمام أن يدخل معه في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه من غير فرق بين الركوع والسجود والقعود، لظاهر قوله: والإمام على حال. قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم. (رواه الترمذي) في أواخر الصلاة من طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن يريم عن علي، وعن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل. (وقال: هذا حديث غريب) لا نعلم أحداً أسنده إلا ما روي من هذا الوجه. قال النووي إسناده
1150-
(8) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جئتم إلى الصلاة، ونحن سجود، فاسجدوا ولا تعدوه شيئاً، ومن أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة)) .
ــ
ضعيف. وقال الحافظ في التلخيص (ص117) فيه ضعف وانقطاع. وقال في بلوغ المرام: رواه الترمذي بإسناد ضعيف، وهذا لأن الحجاج بن أرطاة وأباإسحاق السبيعي مدلسان، ولم يصرحا بالسماع هناد بن أبي ليلى قالوا: لم يسمع من معاذ، لكن له شاهد من حديثه أيضاً عند أبي داود والبيهقي (ج3 ص93) يقول: فيه ابن أبي ليلى حدثنا أصحابنا، ثم ذكر الحديث، وفيه فقال معاذ: لا أراه على حال إلا كنت عليها، قال فقال: إن معاذاً قد سن لكم سنة كذلك فافعلوا وهذا متصل؛ لأن المراد بأصحابه الصحابة، كما صرح بذلك في رواية ابن أبي شيبة حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويشهد له أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعاً من وجدني راكعاً أو قائما أو ساجداً، فليكن معي على حالى التي أنا عليها. وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة.
1150-
قوله: (ونحن سجود) جمع ساجد والجملة حالية أي والحال إني ومن معي من المقتدين في حالة السجود. (فاسجدوا) أي وافقوه في السجود، وفيه مشروعية السجود مع الإمام لمن أدركه ساجدا. (ولا تعدوه) بضم العين وتشديد الدال أي لا تحسبوا ذلك السجود. وفي أبي داود: لا تعدوها أي بضمير التأنيث، وكذا ذكره المجد ابن تيمية في المنتقى والجزري في جامع الأصول (ج6 ص406) . والمعنى: لا تعدوا تلك السجدة. (شيئاً) أي معتداً به باعتبار حكم الدنيا من ادراك الركعة؛ لأن مع إدراك السجدة تفوت الركعة ولا يحصل بها إلا ثواب الآخرة. (ومن أدرك ركعة) وفي أبي داود: الركعة أي بالتعريف. (فقد أدرك الصلاة) قيل: المراد بالركعة هنا الركوع، وبالصلاة الركعة. والمعنى من أدرك ركوعاً مع الإمام فقد أدرك الركعة، أي صحت له تلك الركعة، وحصل له فضيلتها فيكون الحديث دليلاً لما ذهب إليه الجمهور من أن مدرك الإمام راكعاً مدرك لتلك الركعة، وتعقب بأن الركعة حقيقة لجميعها، وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة، كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ: فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته، فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع، وههنا ليست قرينة تصرف عن حقيقة الركعة، فالاستدلال به على أن مدرك الركوع مع الإمام مدرك لتلك الركعة لا يخلو عن خفاء. وقيل: المعنى من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة مع الإمام، يعني يحصل له الثواب الجماعة، ويؤيده حديث أبي هريرة بلفظ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل. وفي رواية: فقد أدرك الصلاة وفضلها. قال الطيبي: هذا الحكم في الجمعة، ولا يحصل له ثواب الجماعة إن أدرك بعضاً من الصلاة قبل السلام. ومذهب مالك أنه
رواه أبوداود.
ــ
لا يحصل فضيلة الجماعة إلا بإدراك ركعة تامة سواء في الجمعة وغيرها. وقيل: المعنى من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة، أي حكم صلاة الجماعة من سهو الإمام ولزوم الإتمام وغير ذلك، ويؤيده ما ورد بلفظ: من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة. قلت: ظاهر سياق حديث الكتاب يدل على أن المراد بالركعة الركوع، والقرينة على ذلك قوله: إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا، فذكر السجود أولاً ثم ذكر الركعة، يدل على أن المراد بالركعة هنا الركوع، وأيضاً في قوله: ولا تعدوها شيئاً بيان حكم إدراك السجدة مع الإمام، وأنه لا يعتد به، ويكون مدركه مدركاً للركعة وأما حملها على بيان إدراك فضل صلاة الجماعة أو حكمها فبعيد؛ لأنه لا يبقى حينئذٍ مناسبة بين الجملتين، وأيضاً حصول ثواب الجماعة لا يتوقف على إدراك الركعة، بل يحصل ذلك بإدراك جزء من الصلاة جمعة كانت أو غيرها. وأما رواية: فقد أدرك الفضل أو فقد أدرك الصلاة وفضلها فهو حديث آخر لأبي هريرة، ليس فيه الجملة الأولى مع أنها رواية ضعيفة، وعلى هذا فلا خفاء في دلالة حديث الكتاب على كون مدرك الركوع مدركاً للركعة، لا سيما على مذهب من يعتبر مفهوم المخالفة، فان الجملة الأولى بمفهومها يدل على أن من أدرك الإمام راكعاً يعتد بتلك الركعة، لكن الحديث ضعيف كما ستعرف. ويلزم من يقول أن الصحابي إذا روى حديثاً وعمل بخلافه أن العبرة بما عمل أن لا يقول بكون مدرك الركوع مدركاً للركعة؛ لأن أبا هريرة أفتى بخلاف ما روى، فقد أخرج البخاري في جزء القراءة (ص39) عنه قال: لا يجزيك إلا أن تدرك الإمام قائما قبل أن يركع. وفي لفظ له (ص64) قال: إذا أدركت القوم ركوعاً لم تعتد بتلك الركعة. والحق عندي إن من أدرك الإمام راكعاً ودخل معه في الركوع لم تحسب له تلك الركعة، وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً. (رواه أبوداود) وكذا الحاكم (ج1:ص273، 274) والبيهقي (ج2:ص89) وسكت عنه أبوداود، والمنذري. وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني. قال البخاري في جزء القراءة: يحيى هذا منكر الحديث لم يتبين سماعه من زيد بن أبي العتاب ولا من سعيد بن أبي سعيد المقبري، ولا تقوم به الحجة. وقال البيهقي في المعرفة رواية الحديث من طريق يحيى: تفرد به يحيى بن أبي سليمان هذا وليس بالقوى. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب (ج11:ص228) : قال البخاري إنه منكر الحديث. وقال أبوحاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوي يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات. وأخرج إبن خزيمة حديثه في صحيحه وقال: في القلب شيء من هذا الإسناد. قال: لا أعرف يحيى بن سليمان بعدالة ولا جرح، وإنما أخرجت خبره لأنه لم يختلف فيه العلماء. وقال الحاكم في المستدرك: هو من ثقات المصريين. وقال في موضع آخر منه: يحيى مدني سكن مصر لم يذكر
1151-
(9) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) رواه الترمذي.
ــ
بجرح - انتهى. وهذا يدل على أن يحيى هذا لم يعرفه ابن خزيمة والحاكم بعدالة ولا جرح، وهذا هو شأن المستور ورواية المستور لا تكون حجة على القول الصحيح، ولا يعتد بذكر ابن حبان له في ثقاته لما عرف من اصطلاحه، مع أنه قد ضعفه أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري. وقال أبوحاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوى. ومن المعلوم أن من عرف حجة على من لم يعرف.
1151-
قوله: (من صلى لله) أي خالصاً. (أربعين يوماً) أي ليلة. (في جماعة) متعلق بصلى. (يدرك) حال. (التكبيرة الأولى) أي التكبيرة التحريمة مع الإمام. (براءة من النار) أي خلاص ونجاة. منها يقال برئ من الدين والعيب خلص، ولا يكون الخلاص منها إلا بمغفرة الصغائر والكبائر جميعاً. (وبراءة من النفاق) قال الطيبي: أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ويؤفقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمنه مما يعذب به المنافق أو يشهد له أنه غير منافق، فإن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، وحال هذا بخلافهم. والحديث يدل على فضل إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام. قال ابن حجر: إدراك التكبيرة الأولى سنة مؤكدة، وكان السلف إذا فاتتهم عزوا أنفسهم ثلاثة أيام، وإذا فاتتهم الجماعة عزوا أنفسهم سبعة أيام، ذكره القاري. (رواه الترمذي) وقال: قد روى هذا الحديث عن أنس موقوفاً ولا أعلم أحداً رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو (عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس) . وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس قوله: وكأنه يريد بذلك تضعيف الرفع ولم يبين وجهه، مع أن سلم بن قتيبة وطعمة وبقية رواته كلهم ثقات، على أن هذا مما لا يقال مثله من قبل الرأي والاجتهاد، فالموقوف في حكم المرفوع، مع أنه في فضائل الأعمال. ومن المعلوم أنه يعمل فيها بالضعيف بالشروط المذكورة في أصول الحديث. وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي من حديث أنس وضعفه، ورواه البزار واستغربه - انتهى. وقد وردت في فضل إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام أحاديث أخرى تؤيد حديث أنس، منها: حديث عمر، أخرجه ابن ماجه وسعيد بن منصور، وفيه ضعف وانقطاع. ومنها: حديث عبد الله بن أبي أوفي، أخرجه أبونعيم في الحلية، وفيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف. ومنها: حديث أبي كاهل، أخرجه الطبراني في الكبير والعقيلي في الضعفاء والحاكم أبوأحمد في الكنى. قال العقيلي: إسناده مجهول. ومنها: حديث أبي هريرة، أخرجه البزار والعقيلي، وفيه الحسن بن السكن. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص103) : ضعفه أحمد، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التخليص: لم يكن الفلاس يرضاه. ومنها: حديث أبي الدرداء أخرجه البزار وابن أبي شيبة، وفيه رجل مجهول. ذكر هذه الأحاديث الحافظ في التلخيص (ص121) مع الكلام عليها.
1152-
(10) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص من أجورهم شيئاً)) رواه أبوداود، والنسائي.
1153-
(11) وعن أبي سعيد الخدري، قال: ((جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟
ــ
1152-
قوله: (ثم راح) أي ثم ذهب إلى المسجد أي وقت كان، فالمراد بالرواح مطلق الذهاب، ويؤيده أن في رواية النسائي: ثم خرج عامداً إلى الصلاة. (قد صلوا) أي فرغوا من صلاتهم في الجماعة. (أعطاه) أي الرجل الذي جاء بعد انقطاع صلاة الجماعة. (مثل أجر من صلاها) أي الصلاة في الجماعة. (وحضرها) أي حضر صلاة الجماعة. (لا ينقص ذلك) أي أعطاه الله إياه مثل أجرهم. (من أجورهم) وفي أبي داود: من أجرهم، أي بالإفراد، وكتب على هامش عون المعبود: أجورهم، بعلامة النسخة، يعني أجر المصليين بالجماعة. (شئياً) من الأجر أو النقص بل لهم أجورهم كاملاً؛ لأداءهم الصلاة بالجماعة، وله مثل أجر أحدهم لسعيه في تحصيل صلاة الجماعة وإن فاتته. قال السندي: ظاهر الحديث أن إدراك فضل الجماعة يتوقف على أن يسعى لها بوجهه ولا يقصر في ذلك سواء أدركها أم لا، فمن أدرك جزءاً منها ولو في التشهد، فهو مدرك بالأولى، وليس الأجر والفضل مما يعرف بالاجتهاد، فلا عبرة بقول من يخالف قوله الحديث في هذا الباب أصلاً. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (والنسائي) وأخرجه أيضاً الحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم. والبيهقي (ج3:ص69) وفي الباب عن سعيد المسيب عن رجل من الأنصار يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه: فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فان أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك. أخرجه أبوداود والبيهقي من طريقه وسكت عليه أبوداود والمنذري.
1153-
قوله: (جاء رجل) أي المسجد، ففي رواية لأحمد (ج3:ص45) والبيهقي (ج3:ص69) أن رجلاً دخل المسجد (وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بأصحابه الظهر، كما في مسند أحمد (ج3:ص85) وزاد فيه: قال فدخل رجل من أصحابه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما حبسك يا فلان عن الصلاة؟ فذكر شيئاً اعتل به، قال فقام يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخ. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ألا رجل يتصدق على هذا) أي يتفضل عليه ويحسن إليه. (فيصلي معه) ليحصل له بذلك أجر الجماعة، فيكون
فقام رجل فصلى معه)) .
ــ
كأنه تصدق عليه. قال المظهر: سماه صدقة؛ لأنه يتصدق عليه بثواب ست وعشرين درجة، إذ لو صلى منفرداً لم يحصل له إلا ثواب صلاة واحدة. قال الطيبي: قوله "فيصلي" منصوب لوقوعه جواب قوله "ألا رجل" كقولك ألا تنزل بنا فتصيب خيراً. وقيل: الهمزة للاستفهام ولا بمعنى ليس، فعلى هذا "فيصلي" مرفوع عطفاً على الخبر، وهذا أولى - انتهى. وقال ابن حجر: بالنصب جواب الاستفهام، ويصح الرفع عطفا على "يتصدق" الوقع خبراً للا التي بمعنى ليس، والمعنى أليس رجل ممن فرغوا من صلاتهم بالجماعة فيتصدق بثواب الجماعة على هذا الرجل الذي فاتته الصلاة مع الإمام فيصلي معه، فيحصل بذلك له ثواب الجماعة، فإنه إذا فعل ذلك فكأنه تصدق عليه. (فقام رجل) أي ممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبوبكر الصديق. وفي رواية للبيهقي (ج3:ص70) أن الذي قام فصلى معه أبوبكر رضي الله عنه. (فصلى معه) أي مقتدياً به. والحديث يدل على مشروعية الدخول مع من دخل في الصلاة منفرداً وإن كان الداخل معه قد صلى في جماعة، وقد استدل الترمذي بهذا الحديث على جواز أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه، قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال آخرون من أهل العلم يصلون فرادى، وبه يقول سفيان ومالك وابن المبارك والشافعي –انتهى. قلت: من ذهب من الأئمة إلى اشتراط الجماعة لصحة الصلاة أو إلى وجوب الجماعة عيناً من غير أن يجعلها شرطاً أجاز تكرار الجماعة مطلقاً، وكل من ذهب إلى عدم وجوبها عيناً أو إلى سنيتها كرهها، كما ستعرف وإلى الجواز ذهب ابن مسعود. فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن سلمة بن كهيل: أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود، وإسناده صحيح، وهو قول أنس بن مالك. قال البخاري في صحيحه: وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلي فيه فأذن وأقام وصلى جماعة - انتهى. قال الحافظ: وصله أبويعلى في مسنده، وابن أبي شيبة والبيهقي –انتهى مختصراً ملخصاً. قال ابن حزم في المحلى (ج4:ص238) : هذا ممالا يعرف فيه لأنس مخالف من الصحابة. وقال العيني في شرح البخاري: وهو قول عطاء والحسن في رواية، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب عملاً بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ
…
الحديث- انتهى. ومذهب الحنفية في ذلك ما ذكر الشامي في حاشية الدر المختار نقلاً عن الخزائن ويكره. (أى تحريماً) تكرار الجماعة في مسجد محلة. (يعني المسجد الذي له إمام وجماعة معلومون) بأذان وإقامة إلا إذا صلى بهما فيه أو لا غير أهله، أو أهله لكن بمخافتة الأذان ولو كرر أهله بدونهما أو كان مسجد طريق جاز، كما في مسجد ليس له إمام ومؤذن –انتهى. واستدلوا لذلك بما رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم. ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2:ص45) وقال: رجاله ثقات. قال الحنفية: لو كانت
الجماعة الثانية جائزة لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد. قالوا: وفي إطلاق الإذن تقليل الجماعة معنى، فإنهم لا يجتمعون إذا علموا أنها لا تفوتهم. قلت: في الاستدلال بحديث أبي بكرة على كراهة تكرار الجماعة تنزيهاً أو تحريماً نظر؛ لأنه ليس بنص في أنه صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم في منزله، بل يحتمل أن يكون صلى بهم في المسجد. وكان ميله إلى منزله لجمع أهله لا للصلاة فيه، وحينئذٍ يكون هذا الحديث دليلاً لاستحباب الجماعة في مسجد محلة له إمام ومؤذن وأهل معلومون قد صلى فيه مرة، ولا يكون دليلاً لكراهتها، فما لم يدفع هذا الاحتمال كيف يصح الاستدلال. ولو سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأهله في منزله لا يثبت منه كراهة تكرار الجماعة في المسجد، بل غاية ما يثبت منه أنه لو جاء رجل في مسجد قد صلى فيه فيجوز له أن لا يصلي فيه بل يخرج منه، فيميل إلى منزله فيصلي به بأهله. وأما أنه لا يجوز له أن يصلي في ذلك المسجد بالجماعة أو يكره له ذلك فلا دلالة الحديث عليه البتة، كما لا يدل الحديث على كراهة أن يصلي فيه منفرداً، على أنه لو ثبت من هذا الحديث كراهة تكرار الجماعة، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في المسجد لثبت منه كراهة الصلاة فرادى أيضاً في مسجد قد صلى فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلى في المسجد لا منفرداً ولا بالجماعة. وأما قولهم: لو كانت الجماعة الثانية جائزة لما اختار الصلاة في منزله على الجماعة في المسجد، ففيه أنه يلزم من هذا التقرير كراهة الصلاة فرادى أيضاً في المسجد قد صلى فيه مرة بالجماعة، فإنه يقال لو كانت الصلاة فرادى جائزة في مسجد قد صلى فيه بالجماعة لما اختار الصلاة في بيته على الصلاة في مسجده الذي هو أفضل المساجد بعد مسجد الحرام، وهذا كله على تقدير أن يكون هذا الحديث صحيحاً قابلاً للاحتجاج، ومن دونه خرط القتاد. وأما قول الهيثمي:"رجاله ثقات" فلا يدل على صحته؛ لأنه لا يلزم من كون رجال الحديث ثقات أن يكون صحيحاً، كما هو مقرر في موضعه مع أن في سنده معاوية بن يحيى أبا مطيع الاطرابلسي، وهو من رجال الميزان متكلم فيه، وثقة أبوزرعة وأبوعلي النيسابوري وهشام بن عمار. وقال: دحيم وابن معين وأبوداود والنسائي: ليس به بأس. وقال أبوحاتم: صدوق مستقيم الحديث. وقال البغوي والدارقطني: ضعيف. وذكره الدارقطني في المتروكين، وقال: هو أكثر مناكير من معاوية بن يحيى الصدفي. وقال ابن عدي: في بعض رواياته ما لا يتابع عليه، كذا في تهذيب التهذيب (ج10 ص221) وقال في التقريب: صدوق له أوهام. وأجاب الحنفية عن حديث أبي سعيد الذي نحن في شرحه بأنه ليس بحجة علينا؛ لأن المختلف فيه ما إذا كان الإمام والمقتدي مفترضين، وفي هذا الحديث كان المقتدي متنفلاً، قال الشيخ في شرح الترمذي متعقباً على هذا الجواب ما نصه: إذا ثبت من هذا الحديث حصول ثواب الجماعة بمفترض ومتنفل فحصول ثوابها بمفترضين بالأولى، ومن ادعى الفرق فعليه البيان، على أنه لم يثبت عدم جواز تكرار الجماعة أصلاً
لا بمفترضين ولا بمفترض ومتنفل، فالقول بجواز تكرارها بمفترض ومتنقل وعدم جواز تكرارها بمفترضين مما لا يصغى إليه، كيف وقد تقدم أن أنساً جاء في نحو عشرين من فتيانه إلى المسجد قد صلى فيه فصلى بهم جماعة، وظاهر أنه هو وفتيانه كلهم كانوا مفترضين، وكذلك جاء ابن مسعود إلى مسجد قد صلى فيه فجمع بعلقمة ومسروق والأسود، وظاهر أنه هو وهؤلاء الثلاثة كلهم كانوا مفترضين - انتهى. ومذهب الشافعية ما ذكره الشافعي في الأم (ج1:137، 136) وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة صلوا فرادى ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فان فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه، وإنما كرهت ذلك لهم؛ لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم. قال الشافعي: وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة وأن يرغب الرجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيختلف هو، ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة وفيهما المكروه، وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن، فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلي فيه السمارة ويستظلون فلا أكره ذلك فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة، وإن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماماً غيره وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم - انتهى. قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج1:ص431) بعد تصويب قول الشافعي وتحسينه: وهذا المعنى الذي ذهب إليه الشافعي لا يعارض حديث الباب، يعني حديث أبي سعيد الذي نحن في شرحه، فان الرجل الذي فاتته الجماعة لعذر ثم تصدق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصلاة معه، وقد سبقه بالصلاة فيها هذا الرجل، يشعر في داخلة نفسه كأنه متحد مع الجماعة قلباً وروحاً وكأنه لم تفته الصلاة. وأما الناس الذي يجمعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين فإنما يشعرون أنهم فريق آخر خرجوا وحدهم وصلوا وحدهم إلى آخر ما قال. ومذهب المالكية ما في المدونة (ج1:ص89) قلت: فلو كان رجل هو إمام مسجد قوم ومؤذنهم أذن وأقام فلم يأته أحد فصلى وحده ثم أتى أهل المسجد الذين كانوا يصلون فيه، قال فليصلوا أفذاذاً ولا يجمعوا؛ لأن إمامهم قد أذن وصلى، قال: وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن أتى هذا الرجل الذي أذن في هذا المسجد وصلى وحده أتى مسجداً فأقيمت الصلاة أيعيد أم لا في جماعة في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئاً، ولكن لا يعيد؛ لأن مالكاً قد جعله وحده جماعة - انتهى. وقال ابن العربي في شرح الترمذي (ج2:ص21) : هذا معنى محفوظ في الشريعة عن زيغ المبتدعة لئلا يتخلف عن الجماعة ثم يأتي فيصلي بإمام آخر، فتذهب حكمة الجماعة وسننها، لكن ينبغي إذا أذن الإمام في ذلك أن يجوز، كما في حديث أبي سعيد، وهو قول بعض علماءنا - انتهى. ولعلك عرفت بما ذكرنا من مذاهب العلماء وما استدلوا به عليها أنه لا دليل على كراهة تكرار