المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا)) رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1399، - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(25) باب الموقف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(27) باب ما على الإمام

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(28) باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(29) باب من صلى صلاة مرتين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌((الفصل الثالث))

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(33) باب التحريض على قيام الليل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(35) باب الوتر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(36) باب القنوت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(39) باب التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا)) رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1399،

إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا)) رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

1399، 1400- (7، 8) عن أبي سعيد، وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((من اغتسل يوم الجمعة، لبس من أحسن ثيابه،

ــ

وقيل بالجزم أي يقصد ويذهب. (إلى مقعده) أي إلى موضع قعوده. (فيقعد فيه) قال الزمخشري: خالفني فلان إلى كذا إذا قصده، وأنت مول عنه، وخالفني عنه إذا ولى عنه، وأنت قاصده، ويلقاك الرجل صادراً عن الماء، فتسأله عن صاحبه، فيقول لك: خالفني إلى الماء، يريد أنه ذاهب إليه وارداً، وأنا ذاهب عنه صادراً. ومنه قوله تعالى:{وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} [11: 88]، يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم-انتهى. وقال الطيبي: المخالفة أن يقيم صاحبه من مقامه فيخالف، فينتهي إلى مقعده فيقعد فيه. قال تعالى:{ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} . وفيه إدماج وزجر للمتكبرين، أي كيف تقيم أخاك المسلم، وهو مثلك في الدين لا مزية لك عليه. زاد ابن حجر: فيحرم ذلك بغير رضا الجالس رضاً حقيقياً لا عن خوف أو أحياء، ذكره القاري. قال الشوكاني: وظاهر حديث جابر وحديث ابن عمر أنه يجوز للرجل أن يقعد في مكان غيره إذا أقعده برضاه، قال: ويكره الإيثار بمحل الفضيلة كالقيام من الصف الأول إلى الثاني؛ لأن الإيثار وسلوك طرائق الآداب لا يليق أن يكون في العبادات والفضائل، بل المعهود أنه في حظوظ النفس وأمور الدنيا، فمن آثر بحظه في أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين في الثواب-انتهى. وقال ابن حجر: الإيثار بالقرب بلا عذر مكروه، وأما قوله تعالى:{ويؤثرون على أنفسهم} [59: 9] فالمراد به الإيثار في حظوظ النفس، كما بينه قوله:{ولو كان بهم خصاصة} [59: 9]-انتهى. (ولكن يقول) أي أحدكم للقاعدين. (افسحوا) أي وسعوا في المجلس. وفي حديث ابن عمر: تفسحوا وتوسعوا، يقال فَسَحَ له في المجلس أي وسَّعَ له وتفَسَّحُوا في المجلس وتفاسَحُوا أي توسَّعُوا. فإن زاد {يفسح الله لكم} كما أشارت إليه آيته فلا بأس. وفيه إشارة إلى قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم} [58: 11] لكن هذا إن كان المحل قابلاً للتوسع، وإلا فلا يصيق على أحد، بل يصلي ولو على باب المسجد. (رواه مسلم) في كتاب الأدب والاستيذان. وأخرجه أحمد والبيهقي (ج3ص333) قال القاري: وجه مناسبته للترجمة أنه متضمن للحث على التبكير لئلا يقع فيما يجب عنه التحذير من قيام أخيه المسلم.

1399، 1400- قوله:(ولبس من أحسن ثيابه) قال الطيبي: يريد الثياب البيض-انتهى. يعني أفضلها

ص: 469

ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة، فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته،

ــ

من حيث اللون البيض للخبر الصحيح: البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم. وفي رواية صحيحة: فإنها أطهر وأطيب. وفيه مشروعية اللبس من أحسن الثياب، واستحباب التجمل والزينة يوم الجمعة الذي هو عيد للمسلمين، ولا خلاف في ذلك. (ومس الطيب إن كان) أي الطيب. (عنده) أي إن تيسر له تحصيله بأن يكون في بيته أو عند امرأته. وفيه مشروعية التطيب يوم الجمعة، ولا خلاف في استحباب ذلك. وروي عن أبي هريرة بإسناد صحيح، كما قال الحافظ في الفتح: إنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة، وبه قال بعض أهل الظاهر. (فلم يتخط أعناق الناس) أي لم يتجاوز رقاب الناس ولم يؤذهم، وهو كناية عن التبكير، أي عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس. وفيه كراهية تخطي الرقاب. قال الشافعي: أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلى إلا بذلك-انتهى. قال الحافظ: وهذا يدخل فيه الإمام، ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبى السابق من ذلك، ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة. وكان مالك يقول: لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر. قال الشوكاني: ولا دليل على ذلك. ويأتي بقية الكلام على ذلك في شرح حديث معاذ بن أنس الآتي. (ثم صلى ما كتب الله له) فيه أنه ليس قبل الجمعة سنة مخصوصة مؤكدة كالسنة بعد الجمعة، فالمصلي إذا دخل المسجد يوم الجمعة فله أن يصلي ما شاء متنفلاً. وأما ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعاً لا يفصل في شيء منهن، ففي إسناده بقية ومبشر بن عبيد والحجاج بن أرطاة وعطية العوفي، وكلهم متكلم فيه. كذا في عون المعبود. (ثم أنصت إذا خرج إمامه) أي ظهر بطلوعه على المنبر استدل به الحنفية على أن وقت الإنصات خروج الإمام، وأجيب عنه بأنه محمول على الأولوية لحديث أبي هريرة المتقدم، وهو خامس أحاديث الفصل الأول، ولحديث ابن عباس الآتي في الفصل الثالث، ولحديث أبي الدرداء مرفوعاً: إذا سمعت أمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد موثقون. قاله الهيثمي. (حتى يفرغ من صلاته) قال ابن حجر: كان حكمة ذكره طلب الإنصات بين الخطبة والصلاة وإن كانت كراهة الكلام عندنا وحرمته عند غيرنا تنتهي بفراغ الخطبة-انتهى. قلت: اختلفوا في الكلام بعد فراغ الخطيب من الخطبة، وقيل الشروع في الصلاة، فذهب أبوحنيفة إلى الكراهة، ومالك والشافعي وأحمد وأبويوسف ومحمد إلى أنه لا بأس بذلك، ورجح ابن العربي السكوت حيث قال: وأما التكلم يوم الجمعة بين النزول من المنبر والصلاة فقد جاءت فيه الروايتان، والأصح عندي أن لا يتكلم بعد الخطبة. قال الشوكاني: ومما يرجح ترك الكلام بين الخطبة والصلاة الأحاديث الواردة في الإنصات حتى تنقضي الصلاة كما عند النسائي من حديث سلمان بإسناد جيد

ص: 470

كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها)) . رواه أبوداود.

1401-

(9) وعن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غسل يوم الجمعة واغتسل،

ــ

بلفظ: فينصت حتى يقضي صلاته، وأحمد بإسناد صحيح من حديث نبيشة بلفظ: فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه. ويجمع بين الأحاديث بأن الكلام الجائز بعد الخطبة، هو كلام الإمام لحاجة، أو كلام الرجل للرجل لحاجة-انتهى. (كانت) أي هذه الأفعال بجملتها. (كفارة لما بينها) أي لما وقع له من الذنوب بين ساعة صلاته هذه. (وبين جمعته) أي صلاة جمعته. (رواه أبوداود) في أواخر الطهارة، وزاد قال. (أي محمد بن سلمة أحد رواة الحديث أو أبوسلمة بن عبد الرحمن راوي الحديث عن أبي سعيد وأبي هريرة)، ويقول أبوهريرة: وزيادة ثلاثة أيام، ويقول. (أي أبوهريرة) إن الحسنة بعشر أمثالها. قال المنذري: وأخرجه مسلم مختصراً من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وأدرج زيادة ثلاثة أيام في الحديث-انتهى. وأخرجه أيضاً الحاكم (ص283) والبيهقي (ج3ص243) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

1401-

قوله: (من غسل يوم الجمعة واغتسل) روى قوله: "غسل" مشدداً ومخففاً، فالمشدد معناه جامع امرأته أو أمته قبل خروجه إلى الصلاة ليكون أملك لنفسه وأحفظ في طريقه لبصره، من غَسَّل امرأته إذا جامعها. ومن هذا قول العرب: فحل غُسَلَه إذا كان كثير الضراب، وقد فسر بذلك وكيع وعبد الرحمن بن الأسود وهلال بن يساف. ويؤيده حديث: أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل يوم جمعة؟ فإن له أجرين اثنين: أجر غسله، وأجر امرأته. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، ذكره السيوطي. وقيل: أراد غَسَّل غيره أي حمله على الاغتسال، وأوجب الغسل عليه. وإذا وطىء امرأته فقد حملها على الاغتسال وأحوجها إليه. وقيل: معناه اغتسل بعد الجماع للجنابة، ثم اغتسل للجمعة، فكرر لهذا المعنى. وقيل: معناه بالغ في غسل الأعضاء إسباغاً وتثليثاً. وقيل: معناه بالغ في غسل الرأس، فالتشديد للمبالغة، كما في قطع وكسر؛ لأن العرب لهم لمم وشعور، وفي غسلها كلفة، فأفرد ذكر غسل الرأس لذلك. وقيل: هما بمعنى واحد، والتكرار التأكيد. وأما المخفف، وقد قال النووي: الأرجح عند المحققين التخفيف، فقيل في معناه كالمشدد أي وطىء صاحبته، وأصابها من غسل امرأته بالتخفيف والتشديد إذا جامعها، قاله الزمخشري، وحكاه صاحب النهاية وغيره أيضاً. وقيل: معناه غسل الرأس واغتسل أي فضل سائر الجسد، وأفراد الرأس بالذكر لما فيه من المؤنة لأجل الشعر، أو لأنهم كانوا يجعلون فيه الخطمي ونحوه، وكانوا يغسلونه أولاً ثم يغتسلون. ويؤيده ما في رواية لأحمد وأبي داود من هذا الحديث: من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل. ويؤيده أيضاً ما روى البخاري

ص: 471

وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة: أجر صيامها وقيامها)) .

ــ

وأحمد وابن خزيمة بإسناد صحيح إلى طاووس قال: قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤسكم وإن لم تكونوا جنباً-الحديث. ويؤيده أيضاً ما روى ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل وغسل رأسه-الحديث. قال المنذري: في هذا الحديث دليل لمن فسر قوله غسل بغسل الرأس. وقيل: المراد غسل أعضائه للوضوء ثم اغتسل للجمعة. وقيل: المراد غسل ثيابه واغتسل في جسده. وقيل: هما بمعنى، والتكرار للتوكيد، والمختار أن المشدد بمعنى جامع امرأته، أو بمعنى غسَّل أي أحوجها إلى الغسل، وأوجبه عليها بالجماع، والمخفف بمعنى غسل رأسه. (وبكر) بالتشديد على المشهور، وجوز التخفيف أي راح في أول الوقت. (وابتكر) قيل: معناهما واحد كرره للتأكيد والمبالغة، وليس المخالفة بين اللفظين لاختلاف المعنيين، وبه جزم ابن العربي. وقيل:"بكر" بمعنى أتى الصلاة في أول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه. و"ابتكر" أي أدرك أول الخطبة وأول كل شيء باكورته، وابتكر الرجل إذا أكل بأكورة الفاكهة. وقيل:"بكر" بمعنى تصدق قبل خروجه، قاله ابن الأنباري، وتأول في ذلك ما روى في الحديث باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها. والراجح ـ كما صرح به العراقي ـ أن "بكر" بمعنى راح في أول الوقت، "وابتكر" بمعنى أدرك أول الخطبة. (ومشى) أي إلى الجمعة على قدميه. (ولم يركب) قيل: هما بمعنى جمع بينهما تأكيداً ودفعاً لما يتوهم من حمل المشي على مجرد الذهاب ولو راكباً، أو حمله على تحقق المشي ولو في بعض الطريق. (ودنا من الإمام) أي قرب منه. (واستمع) أي أصغى. وفيه أنه لا بد من الأمرين جميعاً، فلو استمع وهو بعيد، أو قرب ولم يستمع، لم يحصل له هذا الأجر. (ولم يلغ) أي لم يتكلم، فإن الكلام حال الخطبة لغو، قاله النووي. أو استمع الخطبة ولم يشتغل بغيرها، قاله الأزهري. (كان له بكل خطوة) بضم المعجمة وتفتح، وبعد ما بين القدمين. قال السندي: أي ذهاباً وإياباً أو ذهاباً فقط أو بكل خطوة من خطوات ذلك اليوم. (عمل سنة) أي ثواب أعمالها. (أجر صيامها وقيامها) بدل من "عمل سنة". وقد ورد في المشي إلى مطلق الصلاة رفع درجة في كل خطوة، وكتابة حسنة، ومحو سيئة. أما ثبوت أجر عمل سنة، كما في هذا الحديث، فهو من خصائص الجمعة. قال السندي: والظاهر أن المراد أنه يحصل له أجر من استوعب السنة بالصيام والقيام لو كان، ولا يتوقف ذلك على أن يتحقق الاستيعاب من أحد. ثم الظاهر أن المراد في هذا وأمثاله ثبوت أصل أجر الأعمال لا مع المضاعفات المعلومة بالنصوص. ويحتمل أن يكون مع المضاعفات، وفي الحديث مشروعية الغسل يوم الجمعة،

ص: 472

رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه.

1402-

(10) وعن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)) .

ــ

ومشروعية التبكير والمشي على الأقدام، والدنو من الإمام والاستماع وترك اللغو، وأن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل. (رواه الترمذي) وحسنه. وقال النووي: إسناده جيد. ولم يذكر الترمذي "ومشى ولم يركب". (أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري. (والنسائي وابن ماجه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص8، 9، 10، 104) والطيالسي والدارمي وابن سعد في الطبقات (ج5ص375) ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم (ج1ص282) وصححه والبيهقي (ج3ص227- 229) ، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، قاله المنذري في الترغيب. وقال الشوكاني: وقد رواه الطبراني بإسناد، قال العراقي: حسن، عن أوس المذكور، ورواه أحمد في مسنده (ج2ص209)، والحاكم (ج1ص282) والبيهقي (ج3ص227) عنه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. قلت: في سنده عثمان بن خالد الشامي. قال الحاكم: مجهول، ووافقه الذهبي. وأعل أيضاً البيهقي رواية عثمان هذه بزيادة عبد الله بن عمرو في الإسناد، وبالاختلاف في المتن، وقد رد تعليل من أعله بذلك العلامة الشيخ أحمد شاكر في شرحه للمسند (ج11ص176) ، والحافظ في لسان الميزان (ج4ص159) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2ص171) ، والمنذري في الترغيب، وقالا: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

1402-

قوله: (ما على أحدكم) ما نافية أي ليس على أحدكم حرج من حيث الدنيا، يريد الترغيب فيه بأنه شيء ليس فيه حرج وتكليف على فاعله، وهو خير إذ لا يفوته الإنسان. وقال الزرقاني: استفهام يتضمن التنبيه والتوبيخ يقال لمن قصر في شيء، أو غفل عنه ما عليه لو فعل كذا، أي يلحقه من ضرر أو عار أو نحو ذلك-انتهى. وقال القاري: قيل "ما" موصولة. وقال الطيبي: ما، بمعنى ليس، واسمه محذوف، و"على أحدكم" خبره، وقوله:(إن وجد) أي سعة يقدر بها على تحصيل زائد على ملبوس مهنته وهذه شرطية معترضة وقوله: (أن يتخذ) متعلق بالاسم المحذوف، معمول له ويجوز أن يتعلق "على" بالمحذوف، والخبر "أن يتخذ" كقوله تعالى:{ليس على الأعمى حرج} إلى قوله: {أن تأكلوا من بيوتكم} [24: 61] والمعنى ليس على أحد حرج أي نقص يخل بزهده في أن يتخذ. (ثوبين) قميصاً ورداءً أو جبةً أو إزاراً ورداءً. (ليوم الجمعة) أي يلبسهما فيه وفي أمثاله. من العيد وغيره. وفيه أن ذلك ليس من شيم المتقين لولا تعظيم الجمعة، ومراعاة شعائر الإسلام. (سوى ثوبي مهنته) بفتح الميم أي بذلته وخدمته أي غير الثوبين الذين يلبسهما في أشغاله، وكسر الميم جائز

ص: 473

رواه ابن ماجه.

ــ

قياساً، كالجلسة والخدمة. فجوزه بعضهم نظراً على ذلك، ومنعه الآخرون وعدوه خطأ نظراً إلى السماع. قال الزمخشري في الفائق: روي بكسر الميم وفتحها، والكسر عند الإثبات خطأ. وقال الأصمعي: بالفتح الخدمة، ولا يقال بالكسر، وكان القياس، لو جيء بالكسر، أن يكون كالجلسة والخدمة إلا أنه جاء على فعلة. وقال ابن عبد البر: المهنة بفتح الميم الخدمة. وأجاز غير الأصمعي كسر الميم، ذكره الزرقاني. وقال المجد في القاموس: المهنة بالكسر والفتح والتحريك وككلمة الحذق بالخدمة والعمل، مهنة كنصره ومنعه مَهْناً ومَهْنَةً ويكسر-انتهى. ويقال: هو في مهنة أهله أي في خدمتهم، وخرج في ثياب مهنته، أي في ثياب خدمته التي يلبسها في أشغاله. والحديث يدل على استحباب لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة، وتخصيصه بملبوس غير ملبوس سائر الأيام، قال ابن عبد البر: وفيه الندب لمن وجد سعة أن يتخذ الثياب الحسان للجمع والأعياد ويتجمل بها، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ويعتم ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد في الجمعة والعيد. وفيه الأسوة الحسنة، وكان يأمر بالطيب والسواك والدهن-انتهى. (رواه ابن ماجه) وكذا البيهقي (ج3ص242) كلاهما من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة: ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته. قال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات-انتهى. قلت: هو منقطع؛ لأن محمد بن يحيى بن حبان لم يدرك عبد الله بن سلام، فإن ابن حبان مات سنة إحدى وعشرين ومائة، وهو ابن أربع وسبعين سنة. وعلى هذا فكانت ولادته سنة سبع وأربعين. ومات عبد الله بن سلام قبل ولادته سنة ثلاث وأربعين. ثم أخرجه ابن ماجه من طريق آخر قال: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة ثنا شيخ لنا عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن يحيى بن حبان عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك، وفيه رجل مجهول. قال المزي: هذا الشيخ هو محمد بن عمر الواقدي-انتهى. والواقدي متروك. وأخرجه أبوداود من ثلاثة وجوه: الأول طريق يحيى ابن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على أحدكم الخ، وهذا مرسل، لأن ابن حبان تابعي. والثاني طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخ. وهذا يحتمل أن يكون المراد بابن سلام عبد الله بن سلام، وبه جزم الحافظ في التلخيص، وفي التهذيب في باب من نسب إلى أبيه أو جده أو أمه أو عمه أو نحو ذلك. ويحتمل أن يكون المراد به يوسف بن عبد الله بن سلام، كما يدل عليه الطريق الآتي، فيكون الحديث من مسند يوسف بن عبد الله بن سلام لا من مسند عبد الله بن سلام، والوجه الثالث طريق يحيى بن أيوب

ص: 474

1403-

(11) رواه مالك عن يحيى بن سعيد.

1404-

(12) وعن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احضروا الذكر وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)) .

ــ

عن ابن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا صريح في أن الحديث من مسند يوسف بن عبد الله بن سلام. وذكر البخاري أن يوسف له صحبة. فالحديث بهذا الطريق موصول، لكن قال المزي في الأطراف: هو أي كونه من مسند عبد الله بن سلام أشبه بالصواب.

1403-

(ورواه مالك) في الموطأ، وكذا أبوداود والبيهقي وغيرهم. (عن يحيى بن سعيد) أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على أحدكم الخ، قال الحافظ في الفتح (ج4ص483) : وصله ابن عبد البر في التمهيد من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة. وفي إسناده نظر، فقد رواه أبوداود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة، وعبد الرزاق عن النوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن جبان مرسلاً. ووصله أبوداود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام. ولحديث عائشة طريق عند ابن خزيمة وابن ماجه-انتهى. قال الزرقاني: ويقال لا نظر. (أي في إسناد ابن عبد البر) ؛ لأن الأموي الراوي عن الأنصاري ثقة، فأي مانع من كون الأنصاري له فيه شيخان: عمرة عن عائشة موصولاً، ومحمد بن يحيى بن حبان مرسلاً-انتهى. ويحيى بن سعيد الأنصاري المذكور هو يحيى بن قيس الأنصاري المدني ثقة ثبت من صغار التابعين. وسيأتي البسط في ترجمته في أوائل الجنائز.

1404-

قوله: (احضروا الذكر) أي الخطبة المشتملة على ذكر الله وتذكير الأنام. (وادنوا) أي اقربوا قدر ما أمكن. (من الإمام) يعني إذا لم يكن هناك مانع من القرب منه. وهذا إشارة إلى التبكير إلى الجمعة أي التعجيل في الرواح إليها. (فإن الرجل لا يزال يتباعد) أي يتأخر في الحضور إلى الجمعة فيتباعد من الإمام. وقيل: أي عن مواطن الخيرات بلا عذر. (حتى يؤخر) على صيغة المجهول. (في الجنة) أي في دخولها أو في درجاتها. (وإن دخلها) قال الطيبي: أي لا يزال الرجل يتباعد عن استماع الخطبة، وعن الصف الأول الذي هو مقام المقربين حتى يؤخر إلى آخر صف المتسفلين، وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفافها. وفي قوله: "وإن دخلها، تعريض بأن الداخل قنع من الجنة ومن المقامات العالية والدرجات الرفيعة بمجرد الدخول-انتهى. وقال الشوكاني: وفيه أن التأخر عن الإمام يوم الجمعة من أسباب

ص: 475

رواه أبوداود.

1405-

(13) وعن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تخطى رقاب الناس

ــ

التأخر عن دخول الجنة - جعلنا الله تعالى من المتقدمين في دخولها-. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد كلاهما عن علي بن عبد الله المديني نا معاذ بن هشام الدستوائي قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه، ثنا قتادة عن يحيى بن مالك عن سمرة بن جندب. قال الشوكاني: قال المنذري: في إسناده انقطاع-انتهى. وسببه أن معاذاً لم يسمع هذا الحديث من أبيه، بل أخذه منه على سبيل الوجادة، وهي من أنواع التحمل، وقد تقدم بيان حكمها، وأخرجه الحاكم (ج1ص289) من هذا الطريق. وصرح بسماع معاذ عن أبيه، وأخرجه البيهقي (ج3ص238) من رواية أبي داود، ثم ذكر رواية الحاكم واعترض عليها، فقال: لا أحسبه إلا واهماً في ذكر سماع معاذ عن أبيه هو أو شيخه-انتهى. والحديث ذكره المنذري في الترغيب (ج1ص221)، قال: وروي عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام فإن الرجل ليكون من أهل الجنة فيتأخر عن الجمعة فيؤخر عن الجنة، وأنه لمن أهلها. رواه الطبراني والأصبهاني وغيرهما، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2ص177) إلى الطبراني في الصغير، وقال: وفيه الحكم بن عبد الملك، وهو ضعيف. قلت: وأخرجه من طريقه البيهقي أيضاً.

1405-

قوله: (وعن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه) كذا في جميع النسخ، وهو سهو؛ لأن أنساً والد معاذ ليس له صحبة ولا رواية، وإن ذكره ابن مندة في الصحابة كما يظهر من تجريد الذهبي (ج1ص33) وذكره خليفة فيمن نزل الشام من الصحابة. وما وقع في بعض الروايات مما يدل على كونه صحابياً له رواية فهو خطأ. وارجع إلى الإصابة (ج1ص74، 75) . فالصواب حذف قوله: عن أبيه أو أن يقول عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، كما في الترمذي وابن ماجه، وسهل بن معاذ بن أنس الجهني تابعي شامي نزل مصر. قال الحافظ: لا بأس به إلا في روايات زبان بن فائد عنه، وهذا الحديث من رواية زبان عنه. وقال ابن معين. ضعيف. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: لا يعتبر بحديثه ما كان من رواية زبان بن فائد عنه، وذكره في الضعفاء، وقال: منكر الحديث جداً، فلست أدري أوقع التخليط في حديثه منه أو من زبان؟ فإن كان من أحدهما فالأخبار التي رواها ساقطة، وإنما اشتبه هذا لأن راويها عن سهل زبان إلا الشيء بعد الشيء، وزبان ليس بشيء. وقال العجلي: مصري تابعي ثقة. كذا ي التهذيب (ج4ص258، 259)، وأما والده معاذ بن أنس فقد تقدم ترجمته. (من تخطى) أي تجاوز. (رقاب الناس) قال القاضي: أي بالخطو عليها. وقال في القاموس: تخطى الناس واختطاهم ركبهم

ص: 476

يوم الجمعة، اتخذ جسراً إلى جهنم)) .

ــ

وجاوزهم. (يوم الجمعة) ظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الكراهة مختصة به. ويحتمل أن يكون التقييد خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات فلا يختص ذلك بالجمعة، بل يكون حكم سائر الصلوات حكمها. ويؤيد ذلك التعليل بالأذية، كما في بعض الروايات. وظاهر هذا التعليل أن ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها. ويؤيده أيضاً ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة مرفوعاً: من تخطى حلق قوم بغير إذنهم فهو عاص، لكن في إسناده جعفر بن الزبير، وقد كذبه شعبة وتركه الناس، وقال العيني: تقييد التخطي بيوم الجمعة هو المذكور في الأحاديث، وكذلك قيده الترمذي في حكايته عن أهل العلم، وكذلك قيده الشافعية في كتب فقههم في أبواب الجمعة، وكذلك هو عبارة الشافعي في الأم، إذ قال: وأكره تخطى رقاب الناس يوم الجمعة لما فيه من الأذى وسوء الأدب-انتهى. لكن هذا التعليل يشمل الجمعة وغيرها سائر الصلوات في المساجد وغيرها، وسائر المجامع من حلق العلم وسماع الحديث ومجالس الوعظ، فيحمل التقييد بالجمعة على أنه خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بمكان الخطبة وكثرة الناس بخلاف غيره. ويؤيد ذلك ما رواه أبومنصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس فذكره. (اتخذ) على بناء المفعول أي يجعل يوم القيامة (جسراً) بفتح الجيم وسكون المهملة أي معبراً يمر عليه من يساق. (إلى جهنم) مجازاة له بمثل عمله. ويجوز بناءه للفاعل أي اتخذ لنفسه بصنيعه ذلك طريقا يؤديه إلى جهنم لما فيه من إيذاء الناس واحتقارهم. فكأنه جسرا اتخذه إلى جهنم، أو المعنى اتخذ نفسه جسراً الأهل جهنم، إلى جهنم بذلك العمل، والثالث أبعد الوجوه. وقال الطيبي: والشيخ التوربشتي ضعف المبني للمفعول رواية ودراية-انتهى. والحديث يدل على كراهة التخطي يوم الجمعة. واختلف في حكمه أنه للتحريم أو لا، فقال الترمذي حاكيا عن أهل العلم أنهم كرهوا ذلك وشددوا فيه. قال العيني: المتقدمون يطلقون الكراهة. ويريدون التحريم. وحكى الشيخ أبوحامد في تعليقه عن نص الشافعي التصريح بتحريمه، وصرح النووي في شرح المهذب أنه مكروه بكراهة تنزيه. وقال في زوائد الروضة: إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة، واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط-انتهى كلام العيني. ويكره عند المالكية لغير فرجة قبل جلوس الإمام على المنبر، ويحرم بعده ولو لفرجة، ثم اختلفوا في أنه هل يستثنى أحد من كراهة التخطي أو لا، فقال الحنفية: يجوز التخطي بشرطين: عدم الإيذاء وعدم خروج الإمام؛ لأن الإيذاء حرام والتخطي عمل، والعمل بعد خروج الإمام حرام، فلا يرتكبه لفضيلة الدنو من الإمام، بل يستقر في موضعه من المسجد، ذكره الطحطاوي على المراقى. وقد تقدم مذهب المالكية. وقال الشافعية إنه مكروه إلا أن يكون قدامه فرجة لا يصلها إلا بالتخطي، فلا يكره حينئذٍ. وقال ابن المنذر: بكراهته مطلقاً، ونقل ذلك عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وكعب وابن المسيب وعطاء وأحمد بن حنبل. وفي فقه الحنابلة أنه يستثنى الإمام والمؤذن

ص: 477

رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غريب.

1406-

(14) وعن معاذ بن أنس، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة

ــ

والتخطي إلى الفرجة. وقال العراقي: وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي. وهكذا أطلق النووي في الروضة، وقيد ذلك في شرح المهذب، فقال: إذا لم يجد طريقاً إلى المنبر والمحراب لا بالتخطي لم يكره؛ لأنه ضرورة. وروى نحو ذلك عن الشافعي، وحديث عقبة بن الحارث عند البخاري والنسائي قال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه-الحديث، يدل على جواز التخطي للحاجة في غير الجمعة. فمن خصص الكراهة بالجمعة فلا معارضة بينه وبين أحاديث الباب عنده. ومن عمم الكراهة لوجود العلة المذكورة سابقاً في الجمعة وغيرها فهو محتاج إلى الإعتذار عنه. وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره، ويسرهم ذلك، ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التي هي التأذي، كذا في النيل. قلت: والراجح عندي أنه يحرم التخطي مطلقاً لإطلاق الأحاديث المقتضية للكراهة إلا لمن يتبرك الناس بمروره، ويسرهم ذلك، ولا يتأذون لحديث عقبة بن الحارث المذكور. (رواه الترمذي) وابن ماجه أيضاً كلاهما من طريق رشدين بن سعد، وهو صالح عابد سيء الحفظ، عن زبان بن فائد، وهو ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته، ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة، لا يحتج به عن سهل بن معاذ. وقد تقدم أنه لا يعتبر بحديثه إذا كان من رواية زبان عنه. ورواه أحمد في مسنده (ج3ص437) وابن عبد الحكم في فتوح مصر. (298) كلاهما من طريق ابن لهيعة عن زبان. وفي الباب عن جماعة من الصحابة ذكر أحاديثهم الشوكاني في النيل (ج3ص128) والهيثمي في مجمع الزوائد (ج2ص178- 179) مع الكلام عليها وفي أكثرها ضعف. وأقوى ما ورد في ذلك حديث عبد الله بن بسر قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت. أخرجه أحمد وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج3ص231) وسكت عنه أبوداود والمنذري، وصححه ابن خزيمة وغيرهم.

1406-

قوله: (نهى عن الحبوة) مثلثة الحاء، اسم من الاحتباء. قال القاضي عياض في المشارق (ج1ص176- 177) : الاحتباء هو أن ينصب الرجل ساقيه ويدير عليهما ثوبه، أو يعقد يديه على ركبتيه متعمداً على ذلك-انتهى. وقال التوربشتي في شرح المصابيح: الحبوة بضم الحاء وكسرها الاسم من الاحتباء، وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب وقد يحتبى بيديه. ووجدت الرواية بكسر الحاء، والحبوة بالفتح المرة من الاحتباء، ولا معنى لها ههنا ووجه النهي-والله اعلم- هو أنها مجلبة للنوم فيلهى عن الخطبة، ثم أنها هيئة

ص: 478

يوم الجمعة والإمام يخطب)) .

ــ

لا يكون معها تمكن، فربما تفضي إلى انتفاض الطهارة فيمنعه الاشتغال بالطهارة عن استماع الخطبة وحضور الذكر إن لم تفته الصلاة، مع ما يتوقع منه من الافتتان في الصلاة لغلبة الحياء ممن يخلو عن علم يسوسه وورع يحجزه-انتهى. (يوم الجمعة، والإمام يخطب) قال القاري: هو قيد احترازي، والأول واقعي اتفاقي أو تأكيدي-انتهى. وقال الشوكاني: وقد ورد النهي عن الاحتباء مطلقاً غير مقيد بحال الخطبة ولا بيوم الجمعة؛ لأنه مظنة؛ لأنكشاف عورة من كان عليه ثوب واحد. وقد اختلف أهل العلم في كراهة الاحتباء يوم الجمعة، فقال بالكراهة قوم من أهل العلم، كما قال الترمذي، منهم عبادة بن نسي التابعي. قال العراقي: وورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا، والإمام يخطب يوم الجمعة. رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: ولكنه قد اختلف عن الثلاثة، فنقل عنهم القول بالكراهة، ونقل عنهم عدمها. واستدل من قال بالكراهة بحديث معاذ بن أنس، وبحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند ابن ماجه، وفي سنده بقية بن الوليد، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة عن شيخه عبد الله بن واقد. قال العراقي: لعله من شيوخه المجهولين. وقال الحافظ في التقريب: عبد الله بن واقد شيخ لبقية مجهول، يحتمل أن يكون الهروي يعني عبد الله بن واقد بن الحارث الحنفي الهروي، وهو ثقة موصوف بخصال من الخير، وبحديث جابر عند ابن عدي في الكامل، وفي إسناده عبد الله بن ميمون القداح، وهو ذاهب الحديث كما قال البخاري. وقال الشوكاني: وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً. وذهب أكثر أهل العلم- كما قال العراقي-إلى عدم الكراهة، فروى أبوداود والطحاوي والبيهقي (ج3ص235) عن يعلى بن شداد قال: شهدت مع معاوية فتح بيت المقدس فجمع بنا، فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب. روى الطحاوي وابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يحتبى يوم الجمعة والإمام يخطب. وذكر أبوداود عن أنس بن مالك وشريح القاضي وصعصعة بن صوحان التابعي المخضرم وابن المسيب والنخعي ومكحول وإسماعيل بن محمد بن سعد ونعيم بن سلامة أنهم كانوا يحتبون والإمام يخطب، قال أبوداود ولم يبلغني أن أحدا كرهها إلا عبادة ابن نسي. وقال ابن عبد البر: ولم يرو عن أحد من الصحابة خلافه، ولا روي عن أحد من التابعين كراهة الاحتباء إلا وقد روى عنه جوازه-انتهى. قلت: وإلى عدم الكراهة ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، واعتذر هؤلاء عن أحاديث الباب بوجوه: منها أنها كلها ضعيفة. وفيه أن حديث معاذ قد حسنه الترمذي وسكت عليه أبوداود، وصححه الحاكم، وله شاهدان ضعيفان من حديث عبد الله بن عمرو وحديث جابر، كما تقدم. ومنها أنها منسوخة لعمل جل الصحابة بخلافها، وإليه يشير صنيع أبي داود حيث روى حديث يعلى المتقدم بعد حديث معاذ بن أنس، وذكر عن ابن عمر وغيره أنهم كانوا يحتبون يوم الجمعة، والإمام يخطب إلى آخر ما قال. وذكر

ص: 479

رواه الترمذي، وأبوداود.

1407-

(15) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نعس أحدكم يوم الجمعة، فليتحول

ــ

الطحاوي في مشكل الآثار: أن النهي محمول على إحداث الحبوة واستينافها في حالة الخطبة؛ لأنه عمل في الخطبة واشتغال بغير الخطبة وإقبال على ما سواها. وأما الحبوة التي كان الصحابة يفعلونها فكانت قبل الخطبة، أي ما كانوا يستأنفونها وإمامهم يخطب، بل كانوا يستعملونها قبل الخطبة. وقيل: النهي مختص بمن يجلب الاحتباء النوم له. وقال شيخنا في شرح الترمذي بعد ذكر الجواب الأول: أحاديث الباب، وإن كان ضعيفة، لكن يقوي بعضها بعضاً ولا شك في أن الحبوة جالبة لنوم، فالأولى أن يحترز عنها يوم الجمعة في حال الخطبة. هذا ما عندي والله أعلم بالصواب. (رواه الترمذي وأبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد والحاكم (ج1ص289) والبيهقي (ج3ص235) وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص297) كلهم من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس عن معاذ. والحديث قد حسنه الترمذي وسكت عليه أبوداود وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي: وسهل بن معاذ ضعفه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره، وأبومرحوم ضعفه ابن معين. وقال أبوحاتم الرازي: لا يحتج به-انتهى. قلت: قد تقدم أن سهل بن معاذ لا بأس به إلا في روايات زبان عنه، وهذا ليس من رواية زبان عنه، وأبومرحوم قد ذكره ابن حبان في الثقات. وقال النسائي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن يونس: زاهد يعرف بالإجابة والفضل، فالظاهر أن الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، لا سيما وقد تأيد بالشاهدين المذكورين.

1407-

قوله: (إذا نعس) بفتح العين من باب نصر ومنع، والنعاس الوسن وأول النوم، وهي ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل إلى القلب، فإذا وصله كان نوماً. (أحدكم) في مجلسه. (يوم الجمعة) أي وهو في المسجد، كما في رواية أبي داود وأحمد (ج2ص32) . قال الشوكاني: لم يرد بيوم الجمعة جميع اليوم، بل المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صلاة الجمعة، كما في رواية أحمد في مسنده (ج2ص32) بلفظ: إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة، وسواء فيه حال الخطبة أو قبلها، لكن حال الخطبة أكثر-انتهى. وقد استثنى الحنفية حال الخطبة، فقالوا: التحول في حالة الخطبة ممنوع؛ لأن العمل في الخطبة منهي عنه. فلا يدخل وقت الخطبة في عموم الحديث. قلت: ظاهر الحديث الإطلاق، ولذلك بوب عليه أبوداود باب الرجل ينعس والإمام يخطب. (فليتحول) أي فليتنقل؛ لأنه إذا تحول حصل له من الحركة ما ينفي الفتور المقتضي للنوم. قيل: فإن لم يجد

ص: 480