الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثاني}
1369-
(6) عن أبي هريرة، قال: خرجت إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط،
ــ
جعلوه من قول أبي بردة مقطوعاً به وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه. وقال الحافظ: رواه أبوإسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة، وأبوبردة كوفي، فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد أيضاً، فلو كان عند أبي بردة مرفوعاً لم يقفوه عليه، ولهذا جزم الدارقطني فيما استدركه على مسلم بأن الموقوف هو الصواب. وأجاب النووي عن ذلك بقوله: وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له، ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال، وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال؛ لأنها زيادة ثقة-انتهى. وأجاب بعضهم عن قول الدارقطني: والصواب أنه من قول أبي بردة، بأنه لا يكون إلا مرفوعاً فإنه لا مسرح للاجتهاد في تعيين أوقات العبادة.
1369-
قوله: (خرجت إلى الطور) أي حيث كلم الله موسى عليه السلام. قال القاري: الطور محل معروف المتبادر طور سيناء. وقال الباجي: الطور في كلام العرب واقع على كل جبل، إلا أنه في الشرع يطلق على جبل بعينه، وهو الذي كلم فيه موسى عليه السلام، وهو الذي عناه أبوهريرة-انتهى. وقال ياقوت في معجمه: وبالقرب من مصر عند موضع يسمى مدين، جبل يسمى الطور. وعليه كان الخطاب الثاني لموسى عليه السلام عند خروجه من مصر ببني إسرائيل-انتهى. (فلقيت كعب الأحبار) جمع حبر بالفتح والكسر والإضافة، كما في زيد الخيل، وهو كعب بن ماتع تقدم ترجمته. (فحدثني عن التوراة) يعني أخبرني بما في التوراة التي بأيديهم على وجه القصص والإخبار واعتبار ما يوافق منها ما عند أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الباجي. (حدثته) أي كعباً الأحاديث. (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته) خبر كان. (أن قلت) اسم كان ومقوله. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لفظ مالك، وسياق النسائي قال: أي أبوهريرة أتيت الطور فوجدت ثم كعباً فمكثت أنا وهو يوماً أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن التوراة فقلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وفيه أهبط) قال القاري: الظاهر أن أهبط هنا بمعنى أخرج في الرواية السابقة. وقيل: كان
وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقاً من الساعة، إلا الجن والإنس. وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي
ــ
الإخراج من الجنة إلى السماء، والإهباط أي إنزال منها إلى الأرض، فيفيد أن كلاً منهما كان في يوم الجمعة: أما في يوم واحد: وإما في يومين، قيل: كان هبوط آدم على جبل بسرنديب في أرض الهند، يقال له نود. وقد أورد السيوطي في ذلك أحاديث في الدر المنثور. (وفيه تيب عليه) على بناء المفعول من التوبة أي وفق للتوبة وقبلت التوبة منه قال تعالى:{ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [20: 122] . (وفيه) أي في نحوه من أيام الجمعة. (مات) وله ألف سنة، كما في حديث أبي هريرة وابن عباس مرفوعاً. وقيل: إلا سبعين. وقيل: إلا ستين. وقيل: إلا الأربعين، قاله الزرقاني. واختلف أيضاً في موضع موته ومحل دفنه على أقوال، وصحح ابن كثير أنه مات على جبل نود بسرنديب في الهند، ودفن فيه موضع الذي أهبط عليه، والله أعلم. (وما من دابة) زيادة "من" لإفادة الاستغراق في النفي. (إلا وهي مصيخة) بالصاد المهملة والخاء المعجمة، من أصاخ أي مصغية مستمعة تتوقع قيام الساعة. وروى بسين بدل الصاد، وهما لغتان بمعنى. قال الجزري: والأصل الصاد، قال القاري: وفي أكثر نسخ المصابيح بالسين. (يوم الجمعة) ظرف لمصيخة. (من حين تصبح) قال الطيبي: بني على الفتح لإضافته إلى الجملة، ويجوز إعرابه إلا أن الرواية بالفتح. (حتى تطلع الشمس) ؛ لأن بطلوعها يتميز يوم الساعة عن غيره، فإنها تطلع في يوم الساعة من المغرب. (شفقاً من الساعة) أي خوفاً من قيامها فيه أن البهائم تعلم الأيام بعينها، وأنها تعلم أن القيام تقوم يوم الجمعة، ولا تعلم وقائع التي بين زمانها وبين القيامة، أو ما تعلم أن تلك الوقائع ما وجدت الآن. (إلا الجن والإنس) استثناء من الجنس؛ لأن اسم الدابة يقع على كل ما دب. قال الباجي: وجه عدم إشفاقهم أنهم علموا أن بين يدي الساعة شروطاً ينتظرونها، وليس بالبين؛ لأنا نجد منهم من لا يصيخ وليس له علم بالشروط. وقال ابن عبد البر: فيه أن الجن والإنس لا يعلمون من أمر الساعة ما يعرفه غيرهم من الدواب، وهذا أمر يقصر عنه الفهم. وقال التوربشتي في شرح المصابيح: وجه إساخة كل دابة يوم الجمعة، وهي مما لا تعقل أن نقول: إن الله تعالى يجعلها ملهمة بذلك مستشعرة منه وغير مستنكر أمثال ذلك وما هو فوقه في العجب من قدرة الله سبحانه، والحكمة في إخفاء ذلك من الجن والإنس أنهم مكلفون، ولا سيما بالإيمان بالغيب، فإذا كوشفوا بشيء من ذلك أخلت قاعدة الابتلاء وحق القول عليهم بالاعتداء، ثم أنهم لا يستطيعون به سمعاً إن أظهر لهم، ويجوز أن يكون وجه إساخة كل دابة يوم الجمعة أن الله تعالى يظهر يوم الجمعة في أرضه من عظائم الأمور وجلائل الشيءون ما تكاد الأرض تميد بها، فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة كأنها مسيخة للرعب الذي تداخلها وللحالة التي تشاهدها، حتى كأنها تشفق شفقتها من قيام الساعة. (وفيه ساعة) خفيفة. (لا يصادفها) أي لا يوافقها. (وهو يصلي)
يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبوهريرة: لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة، فقلت له: قال كعب: ذلك في سنة يوم؟ قال عبد الله بن سلام: كذب كعب، فقلت له: ثم قرأ كعب التوراة، فقال: بل هي في كل جمعة، فقال عبد الله بن سلام: صدق كعب، ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أي ساعة هي؟
ــ
حقيقة أو حكماً بالانتظار، كما تقدم يدعو. ولفظ النسائي وفيه: ساعة لا يوافقها مؤمن، وهو في الصلاة. (يسأل الله) حال أو بدل. (شيئاً) من أمر الدنيا والآخرة بشروطه. (إلا أعطاه إياه) ما لم يسأل إثماً أو قطيعة رحم، كما تقدم. (ذلك) أي اليوم. (في كل سنة يوم) واحد. قال الطيبي: الإشارة إلى اليوم المذكور المشتمل على تلك الساعة الشريفة ويوم خبره. قال الباجي: يحتمل أن يكون ذلك على سبيل السهو في الإخبار عن التوراة أو التأويل للفظها. (بل في كل جمعة) أي هي في كل جمعة أو في كل أسبوع يوم، يعني ذلك اليوم المشتمل على ما ذكر كائن في كل أسبوع، وهذا أظهر مطابقة للجواب. (فقرأ كعب التوراة) بالحفظ أو بالنظر. (فقال) كعب (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد النسائي هو في كل جمعة، وفي هذا معجزة عظيمة دالة على كمال علمه عليه السلام، حيث أخبر بما خفي على أعلم أهل الكتاب مع كونه أمياً. (لقيت عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام ابن الحارث. من بني قينقاع الإسرائيلي أبويوسف، حليف بني عوف بن الخزرج، أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ونزل فيه:{وشهد شاهد من بني إسرائيل} وقوله تعالى: {ومن عنده علم الكتاب} [13: 43] ، وشهد مع عمر فتح بيت المقدس والجابية، قيل: كان اسمه الحصين، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، روى خمسة وعشرين حديثاً، اتفقا على حديث، وانفرد البخاري بآخر، مات بالمدينة سنة. (43) . (فحدثته بمجلسي) أي بجلوسي. (وما حدثته) أي وأخبرته بالحديث الذي حدثت به كعباً. (في يوم الجمعة) أي في شأنه أو فضله. (فقلت له) أي لعبد الله بن سلام. (كذب كعب) أي أخطأ وغلط: قال الباجي: والكذب إخبار بالشيء على غير ما هو به سواء تعمد ذلك أو لم يتعمد. (بل هي) أي ساعة الإجابة. (في كل جمعة) كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. (قد علمت) بصيغة المتكلم. (أية ساعة هي) بنصب "أية" على أنها مفعول علمت، أي عرفت تلك الساعة. وفي بعض النسخ برفعها، كقوله تعالى:{لنعلم أي الحزبين أحصى} [18: 12] قال ابن عبد البر: وفيه إظهار العالم لعلمه بأن يقول أنا عالم
قال أبوهريرة: فقلت: أخبرني بها ولا تضن علي، فقال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة.
ــ
لكذا وكذا إذا لم يكن على وجه الفخر والرياء والسمعة. (قال أبوهريرة فقلت) أي لعبد الله بن سلام. (أخبرني بها) أي بتلك الساعة. (ولا تضن علي) بكسر الضاد وفتحها وبفتح النون المشددة من باب تعب وضرب، أي لا تبخل علي، قلت: وضبط في جامع الترمذي: لا تضنن بسكون الضاد وفتح النون الأولى، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج10ص172) عن الترمذي، ونقل عن الموطأ والنسائي لا تضنن. قال العراقي: يجوز في ضبطه ستة أوجه: أحدها فتح الضاد وتشديد النونين وفتحهما، والثاني بكسر الضاد والباقي مثل الأول، والثالث فتح الضاد وتشديد النون الأولى وفتحها وتخفيف الثانية، والرابع كسر الضاد والباقي مثل الذي قبله، والخامس إسكان الضاد وفتح النون الأولى وإسكان الثانية، والسادس كسر النون الأولى والباقي مثل الذي قبله-انتهى. قال أبوالطيب المدني: حاصل جميع الوجوه أنه من باب التأكيد بالنون الثقيلة أو الخفيفة، أو من باب الفك، وعلى التقديرين فالباب يحتمل فتح العين في المضارع وكسرها فتصير الوجوه ستة-انتهى. (هي آخر ساعة في يوم الجمعة) ولفظ الترمذي: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وسياق الحديث صريح في أن ذلك من قول عبد الله بن سلام حيث لم يصرح بسماعه منه صلى الله عليه وسلم، لكن قول الصحابي فيما لا مسرح للاجتهاد فيه مرفوع حكماً، ويدل على كونه مرفوعاً صريحاً ما رواه ابن ماجه من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة-انتهى. وفيه قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة، فقلت: صدقت أو بعض ساعة، قلت: أية ساعة هي؟ قال: هي آخر ساعات النهار، قلت: انها ليست ساعة الصلاة، قال: بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يحبسه إلا الصلاة فهو في الصلاة. قال الحافظ: وهذا يحتمل أن يكون قائل قلت: أية ساعة هي عبد الله بن سلام، فيكون مرفوعاً، ويحتمل أن يكون أبا سلمة، فيكون موقوفاً، وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب. أخرجه ابن أبي خيثمة، نعم رواه ابن جرير من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً أنها آخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة، ولم يذكر عبد الله بن سلام قوله ولا القصة. وروى أبوداود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن جابر مرفوعاً: يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا آتاه الله عزوجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر، وروى أحمد (ج2ص272) عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعاً: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم-الحديث. وفيه وهي بعد العصر، وفي سنده محمد بن مسلمة الأنصاري روى عنه رجل اسمه عباس. قال الذهبي: لا يعرفان، وتعقبه الحافظ في اللسان (ج5ص318) فقال: عباس معروف، وهو عباس بن عبد الرحمن بن
قال أبوهريرة، فقلت: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال أبوهريرة: فقلت بلى، قال: فهو كذلك)) رواه مالك، وأبوداود، والترمذي، والنسائي، وروى أحمد إلى قوله: صدق كعب
ــ
ميناء. وقال في التقريب في ترجمته: أنه مقبول. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2ص165) : وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد-انتهى. ومحمد بن مسلمة المذكور تابعي، ذكره ابن حبان في الثقات. والحديث صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر، لكن قال: إن العباس راوي هذا الحديث ليس هو ابن ميناء، بل هو رجل آخر، وهو عباس ابن عبد الرحمن بن حميد القرشي من بني أسد بن عبد العزى المكي، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. قلت: ويؤيد حديث أبي هريرة هذا حديث أنس الآتي، والحديثان وإن كانا مطلقين غير مقيدين بآخر ساعة إلا أنهما يحملان على الأحاديث المقيدة بأنها آخر ساعة بعد العصر، فإن حمل المطلق على المقيد متعين، كما تقرر في الأصول. (قال أبوهريرة فقلت) لعبد الله بن سلام. (وكيف تكون) أي تلك الساعة. (وقد قال) الواو حالية. (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شأنها. (وهو يصلي فيها) قال القاري: وفي نسخة: وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها. قلت هكذا وقع في الموطأ وسنن أبي داود وجامع الترمذي، وكذا نقله الجزري (ج10ص172) ولفظ النسائي: وهو في الصلاة، وليست تلك الساعة صلاة. (فقال عبد الله بن سلام) في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم. (من جلس مجلساً) أي جلوساً أو مكان الجلوس. (ينتظر الصلاة) أي في هذا المجلس. (فهو في صلاة) أي حكماً. (حتى يصلي) أي حقيقة يعني يفرغ من الصلاة، ولفظ النسائي: من صلى وجلس ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى تأتيه الصلاة التي تليها. (فقلت: بلى) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك. (قال) أي عبد الله بن سلام. (فهو ذلك) أي هذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي. وقال القاري: فهو أي المراد بالصلاة ذلك أي الانتظار. ولفظ النسائي: فهو كذلك أي فالجالس في تلك الساعة منتظراً كذلك أي مصل. قال السيوطي في التنوير: هذا أي تأويل عبد الله بن سلام مجاز بعيد، ورد عليه الزرقاني بأنه بعد الثبوت وبعد قبول الصحابي إياه لا بُعد فيه ولا ريب أن الداعي آخر ساعة بعد العصر عازم على المغرب. (رواه مالك وأبوداود) وسكت عنه. (والترمذي) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ونقل المنذري كلامه هذا وأقره. (والنسائي الخ) وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (ج1ص278) والبيهقي (ج3ص250، 251) .
1370-
(7) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس)) . رواه الترمذي.
1371-
(8) وعن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة،
ــ
1370-
قوله: (التمسوا) أي أطلبوا، ورواه الطبراني بلفظ: ابتغوا. (الساعة التي ترجى) بصيغة المجهول أي تطمع إجابة الدعاء فيها. (بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) هذا يؤيد قول عبد الله بن سلام، وهو محمول على أن المراد بها آخر ساعة بعد العصر، كما تقدم. وقد اقتصر المصنف على ذكر قولين في تعيين ساعة الجمعة، كالبغوي كأنهما رأيا هذين القولين أرجح وأقوى من غيرهما دليلاً. (رواه الترمذي) أي من طريق محمد بن أبي حميد عن موسى بن وردان عن أنس، قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه، ثم تكلم في محمد بن أبي حميد بأنه ضعف من قبل حفظه، وقال: هو منكر الحديث. قلت: ورواه الطبراني في الأوسط من طريق ابن لهيعة، كما في الترغيب (ج1ص216) ومجمع الزوائد (ج2ص166) وزاد في آخره: وهي قدر هذا يعني قبضة. قال المنذري: وإسناده أصلح من إسناد الترمذي-انتهى. ورواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً، ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: فالتمسوها بعد العصر. وذكر ابن عبد البر: إن قوله: "فالتمسوها" إلى آخره، مدرج في الخبر من قول أبي سلمة. ورواه ابن مندة من هذا الوجه وزاد: أغفل ما يكون الناس. ورواه أبونعيم في الحلية من طريق الشيباني عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله، كقول ابن عباس، كذا في الفتح.
1371-
قوله: (وعن أوس بن أوس) الثقفي، صحابي، سكن دمشق، ومات بها، له حديثان أحدهما في الصيام والآخر في الجمعة. (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة) فيه إشارة إلى أن يوم عرفة أفضل أو مساو؛ لأن زيادة "من" تدل على أن يوم الجمعة من جملة الأفاضل من الأيام، وليس هو أفضل الأيام مطلقاً. (فيه خلق آدم) أي طينته. (وفيه) أي في جنسه. (قبض) أي روحه. (وفيه النفخة) قال الطيبي: أي النفخة الأولى، فإنها مبدأ قيام الساعة، ومقدم النشأة الثانية. (وفيه الصعقة) أي الصيحة. والمراد بها الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله، وهي النفخة الأولى. قال تعالى:{ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [39: 68] فالتكرار باعتبار تغاير الوصفين. وقال القاري: المراد بالنفخة الثانية، وبالصعقة النفخة الأولى، قال: وهذا أولى لما فيه من التغاير الحقيقي، وإنما سميت النفخة الأولى بالصعقة؛ لأنها تترتب عليها، وبهذا
فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟
ــ
الوصف تتميز عن الثانية. وقيل: إشارة إلى صعقة موسى عليه السلام. (فأكثروا علي من الصلاة فيه) أي في يوم الجمعة، وهو تفريع على كون الجمعة من أفضل الأيام. (فإن صلاتكم معروضة عليّ) يعني على وجه القبول فيه وإلا فهي دائماً تعرض عليه بواسطة الملائكة، قاله القاري. وقال السندي: هذا تعليل للتفريع أي هي معروضة عليّ كعرض الهدايا على من أهديت إليه، فهي من الأعمال الفاضلة ومقربة لكم إليّ، كما يقرب الهدية المهدي إليه، وإذا كانت بهذه المثابة، فينبغي إكثار باقي الأوقات الفاضلة، فإن العمل الصالح يزيد فضلاً بواسطة فضل الوقت، وعلى هذا لا حاجة إلى تقييد العرض بيوم الجمعة، كما قيل. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعد ذكر أحاديث إبلاغ السلام إليه صلى الله عليه وسلم وعرض الصلاة عليه ما لفظه: وظاهر الجميع أن كل صلاة وسلام تبلغه صلى الله عليه وسلم، وسواء كان ذلك في يوم الجمعة أو في غيره من الأيام والليالي، فلعل في العرض عليه زيادة على مجرد الإبلاغ إليه، ويكون ذلك من خصائص الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة. (وقد أرمت) جملة حالية بفتح الراء وسكون الميم وفتح التاء المخففة على وزن ضربت، ويروى بكسر الراء أي بَلِيْتَ. وقيل: أُرِمْت على البناء للمفعول من الأرم، وهو الأكل أي صرت مأكولاً للأرض. وقيل: أَرَمَّت بالميم المشددة والتاء الساكنة أي أَرَمَّتِ العظام وصارت رميماً من رَمَّ الميتُ وأَرَمَّ إذا بلى، ويروي أَرَمَمتَ بالميمين أي صرت رميماً، فعلى هذا يجوز أن يكون أَرِمتَ بحذف إحدى الميمين، كظلت ثم كسرت الراء لالتقاء الساكنين أو فتحت بالأخفية أو بالنقلية، وفي ضبطه أقوال أخر. قال السندي: لا بد ههنا أولا من تحقيق لفظ أرمت، ثم النظر في السؤال والجواب وبيان انطباقها، فأما أرمت بفتح الراء كضربت أصله أرممت من أرم بتشديد الميم إذا صار رميماً، فحذفوا إحدى الميمين، كما في ظلت، ولفظه: إما على الخطاب أو الغيبة على أنه مستند إلى العظام. وقيل: من أرم بتخفيف الميم أي فني، وكثيراً ما يروى بتشديد الميم والخطاب، فقيل هي لغة ناس من العرب. وقيل: بل خطأ والصواب سكون التاء لتأنيث العظام، أو أرممت بفك الإدغام. وأما تحقيق السؤال فوجهه أنهم فهموا عموم الخطاب في قوله: فإن صلاتكم معروضة للحاضرين ولمن يأتي بعده صلى الله عليه وسلم، ورأوا أن الموت في الظاهر مانع عن السماع والعرض، فسألوا عن كيفية عرض صلاة من يصلي بعد الموت، وعلى هذا فقولهم: وقد أرمت كناية عن الموت، والجواب بقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم الخ. كناية عن كون الأنبياء أحياء في قبورهم، أو بيان لما هو خرق للعبادة المستمرة بطريق التمثيل أي ليجعلوه مقيساً عليه للعرض بعد الموت الذي هو خلاف العادة المستمرة، ويحتمل أن المانع من العرض عندهم فناء البدن لا مجرد الموت ومفارقة الروح، لجواز عود الروح إلى البدن ما دام سالماً عن التغير الكثير، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى
قال: يقولون: بليت، قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء)) . رواه أبوداود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، والبيهقي في الدعوات الكبير.
ــ
بقاء بدون الأنبياء عليهم السلام، وهذا هو ظاهر السؤال والجواب، بقي أن السؤال منهم على هذا الوجه يشعر بأنهم ما علموا أن العرض على الروح المجرد ممكن، فينبغي أن يبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يمكن العرض على الروح المجرد ليعلموا ذلك، ويمكن الجواب عن ذلك بأن سؤالهم يقتضي أمرين مساواة الأنبياء عليهم السلام وغيرهم بعد الموت، وأن العرض على الروح المجرد لا يمكن والاعتقاد الأول أسوء فأرشدهم صلى الله عليه وسلم بالجواب إلى ما يزيله وآخر ما يزيل الثاني إلى وقت يناسبه تدريجاً في التعليم. والله أعلم. (قال) أي أوس. (يقولون) أي الصحابة أي يريدون بهذا القول. (بليت) بفتح الباء وكسر اللام أي صرت باليا. (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء) أي منعها من أن تأكل أجسادهم، فإن الأنبياء أحياء في قبورهم، لكن بحياة برزخية ليست نظير الحياة المعهودة، وهي أقوى وأكمل من حياة الشهداء. والحديث يدل على مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وأنها تعرض عليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. (رواه أبوداود والنسائي) في الجمعة. (وابن ماجه) في الجنائز، وروى هو في الجمعة عن شداد بن أوس بمثل حديث أوس بن أوس وهو خطأ، والصواب ما وقع في الجنائز أي عن أوس بن أوس. (والدارمي والبيهقي في الدعوات الكبير) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص8) وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه (ج1ص278) وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. وقال النووي: إسناده صحيح، وأخرجه البيهقي (ج3ص248) في السنن من طريق الحاكم، وسكت عنه أبوداود. وقال المنذري: له علة دقيقة، أشار إليها البخاري وغيره، وقد جمعت طرقه في جزء-انتهى. وقال الشوكاني في النيل: ذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه حديث منكر؛ لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو منكر الحديث. وذكر البخاري في تأريخه: أنه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم. وقال ابن العربي: إن الحديث لم يثبت-انتهى. قلت: هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، والأول ثقة، وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن سعد والنسائي ويعقوب بن سفيان وأبوداود وابنه أبوبكر بن أبي داود وابن حبان وأبوحاتم والذهبي والحافظ. والثاني أي ابن تميم ضعيف منكر الحديث، فالحق أن الحديث صحيح، ومن قال أنه ضعيف أو منكر، فكأنه اشتبه الأمر عليه لظنه أن الحديث من رواية ابن تميم. وقال ابن دحية: أنه صحيح بنقل العدل عن العدل، ومن قال: إنه منكر أو غريب لعله خفية به، فقد استروح؛ لأن الدارقطني ردها.
1372-
(9) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعوا الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه منه)) . رواه أحمد، والترمذي،
ــ
1372-
قوله: (اليوم الموعود) أي الذي ذكره الله في سورة البروج. (يوم القيامة) ؛ لأن الله وعد الناس بإتيانه، أو لأنه وعد المؤمنين بعد إتيانه بنعيم الجنة. (واليوم المشهود يوم عرفة) ؛ لأن المؤمنين يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه. (والشاهد يوم الجمعة) ؛ لأنه يشهد لمن حضر صلاته، أو لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه. قال في اللمعات: إنما سمي يوم عرفة مشهوداً ويوم الجمعة شاهداً؛ لأن الخلائق يذهبون إلى عرفة ويشهدون فيها فكان مشهوداً، وفي يوم الجمعة هم على مكانهم فكان اليوم جاءهم وحضر فكان شاهداً. واعلم أنه وقع الإجماع على أن المراد باليوم الموعود المذكور في سورة البروج، هو يوم القيامة، واختلفوا في تفسير الشاهد والمشهود على أقوال، والراجح ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين. ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة لحديث الباب، وهو وإن كان ضعيفاً فله شاهد من حديث أبي مالك الأشعري عند ابن جرير والطبراني وابن مردويه، وفيه إسماعيل بن عياش روى عن ضمضم بن زرعة الحمصي، وإسماعيل صدوق في روايته عن أهل بلده، ومن حديث جبير بن مطعم عند ابن عساكر وابن مردويه، ومن مرسل سعيد بن المسيب عند سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه. (وما طلعت الشمس ولا غربت) في الثاني زيادة تأكيد للأول. (على يوم) أي في يوم أو على موجود يوم وساكنه. (أفضل منه) أي من يوم الجمعة. (عبد مؤمن) قال القاري: من باب التفنن في العبارة فبالحديثين علم أن المؤمن والمسلم واحد في الشريعة، كقوله تعالى:{فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} [51: 36] . (يدعو الله بخير) فيه تفسير لقوله: "يصلي" مع زيادة التقييد بالخير. (إلا استجاب الله له) أي بنوع من الإجابة. (ولا يستعيذ من شيء) أي من شر نفس أو شيطان أو إنسان أو معصية أو بلية أو عار أو نار. (إلا أعاذه منه) أي أجاره بنوع من الإعاذة. والحديث من أدلة فضل يوم الجمعة. (رواه أحمد)(ج2ص298) مقتصراً على تفسير الآية موقوفاً من طريق يونس بن عبيد عن عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة من قوله، ومرفوعاً من طريق ابن جدعان عن عمار عن أبي هريرة، وكذا أخرجه البيهقي (ج3ص170) . قال ابن كثير: والموقوف أشبه. (والترمذي) في التفسير من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة، أخرجه أيضاً من هذا الطريق ابن أبي حاتم