الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الأول}
1296-
(1) عن أبي هريرة، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد،
ــ
قوم- انتهى. قال الحافظ في الدارية (ص117) وصاحب التنقيح: سند كل من حديث أنس عند ابن خزيمة، وحديث أبي هريرة عند ابن حبان صحيح. وقال ابن القيم ما معناه: الإنصاف الذي يرتضيه العالم المصنف أنه صلى الله عليه وسلم قنت وترك وكان تركه للقنوت أكثر من فعله فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وخلصوا من الأسر، وأسلم من دعى عليهم، وجاؤوا تائبين، وكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت- انتهى. والمسألة السابعة: أنه إذا قنت في النازلة هل يقنت قبل الركوع أو بعده؟ فذهب الشافعي وأحمد إلى أنه بعد الركوع، واختلفت الحنفية فيه، قال في رد المحتار (ج1 ص628) : وهل القنوت هنا قبل الركوع أو بعده؟ لم أره، والذي يظهر لي أن المقتدي يتابع إمامه إلا إذا جهر فيؤمن، وأنه يقنت بعد الركوع لا قبله، بدليل أن ما استدل به الشافعي على قنوت الفجر، وفيه التصريح بالقنوت بعد الركوع حمله علماؤنا على القنوت للنازلة، ثم رأيت الشرنبلالي في مراقي الفلاح صرح بأنه بعده واستظهر الحموي أنه قبله، والأظهر ما قلنا- انتهى. وقال النيموي في تعليق التعليق (ج2 ص21) : والذي يظهر لي أنه يقنت للنازلة قبل الركوع أو بعده كلاهما جائز، لما روى عن غير واحد من الصحابة أنهم قنتوا في صلاة الصبح قبل الركوع، ثم ذكر حديث أنس الآتي في آخر الباب، وقال: ورواه ابن المنذر عن حميد عن أنس بلفظ: أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع- انتهى. قال: ولكن الأفضل أن يقنت بعد الركوع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قنت في النازلة بعد ما رفع رأسه من الركوع- انتهى كلام النيموي. قلت: والمختار عندي أن القنوت في النازلة بعد الركوع؛ لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم غير ذلك، لكن لو قنت قبل الركوع جاز لما جاء عن بعض الصحابة أنهم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع. واعلم أنه لم يثبت في الدعاء في قنوت النازلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن السلف والخلف دعاء مخصوص متعين كقنوت الوتر؛ لأنه من المعلوم أن الصحابة كانوا يقنتون في النوازل، وهذا يدل على أنهم ما كانوا يحافظون على قنوت راتب، ولذلك قال العلماء: أنه ينبغي الدعاء في ذلك بما يناسب الحال، كما صرح به فقهاء الشافعية والعلامة الأمير اليماني في شرح بلوغ المرام، فبأي دعاء وقع كفى وحصل به المقصود.
1296-
قوله: (كان إذا أراد أن يدعو) أي في صلاته. (على أحد) أي لضرره. (أو يدعو لأحد) أي
قنت بعد الركوع، فربما قال إذا قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة،
ــ
لنفعه (قنت بعد الركوع) قال القاري: هو يحتمل التخصيص بالصبح، أو تعميم الصلوات، وهو الأظهر- انتهى. قلت: بل هو المتعين؛ لأنه لا دليل على التخصيص، بل يبطله حديث ابن عباس الآتي وغيره، والحديث يدل بمفهومه على أن القنوت في المكتوبة إنما يكون عند إرادة الدعاء على قوم أو لقوم، ويؤيده ما قدمنا من حديث أنس عند ابن خزيمة، وحديث أبي هريرة عند ابن حبان، وأخذ منه الشافعي، وجمهور أهل الحديث أنه يسن القنوت في أخيرة سائر المكتوبات النازلة أي الشدة التي تنزل بالمسلمين عامة كوباء وقحط وخوف وعدو، أو خاصة ببعضهم كأسر العالم أو الشجاع ممن تعدى نفعه، وفيه رد على ما قال الطحاوي في شرح الآثار (ص149) : فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر في حال الحرب وغيره قياساً ونظراً على ما ذكرنا من ذلك، ورد عليه أيضاً فيما قال:"إن القنوت في الصلوات كلها للنوازل لم يقل به إلا الشافعي"، "فربما قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم. (اللهم أنج) بفتح الهمزة أمر من الإنجاء أي أخلص. (الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة) هذا مثال الدعاء لأحد كما أن قوله: اللهم اشدد وطأتك الخ مثال للدعاء على أحد، وكان هؤلاء الصحابة الذين دعا لهم بالإنجاء أسراء في أيدي الكفار بمكة. أما الوليد بن الوليد فهو أخو خالد بن الوليد المخزومي القرشي، شهد بدراً مشركاً فأسره عبد الله بن جحش فقدم في فداءه أخواه خالد وهشام وكان هشام أخا الوليد لأبيه وأمه فافتكاه بأربعة الآلف درهم، فلما اقتدى وذهبا به أسلم، فقيل له: هلا أسلمت قبل أن تفتدي وأنت مع المسلمين؟ قال: كرهت أن تظنوا بي إني جزعت من الإسار، فحبسوه بمكة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت بالنجاة فيمن يدعو لهم من المستضعفين ثم أفلت من أسارهم، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه عمرة القضية. وقال الحافظ في الفتح: كان ممن شهد بدراً مع المشركين وأسر وفدى نفسه، ثم أسلم فحبس بمكة، ثم تواعد هو وسلمة وعياش المذكورون معه، وهربوا من المشركين، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمخرجهم فدعا لهم حتى قدموا فترك الدعاء لهم. قال: ومات الوليد لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما سلمة فهو سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي كان من مهاجري الحبشة، وكان من خيار الصحابة وفضلائهم، وهو أخو أبي جهل بن هشام، وابن عم خالد بن الوليد، وكان قديم الإسلام حبس بمكة وعذب في الله عزوجل ومنع من الهجرة إلى المدينة ولم يشهد بدراً لذلك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت، فأفلت ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل بالمدينة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم -
اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف، يجهر بذلك.
ــ
فخرج إلى الشام مجاهداً حين بعث أبوبكر الجيوش إلى الشام، فقتل بمرج الصفر في المحرم سنة (14)، وقيل: بأجنادين. وأما عياش بتشديد التحتية بعد العين المهملة المفتوحة وآخره معجمة، فهو ابن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة المخزومي، وهو أخو أبي جهل لأمه أسلم قديماً قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر الهجرتين، ثم خدعه أبوجهل، فإنه لما قدم عياش إلى المدينة قدم عليه أبوجهل والحارث ابنا هشام فذكرا له أن أمه حلفت أن لا تدخل رأسها دهناً ولا تستظل حتى تراه، فرجع معهما فأوثقاه وحبساه بمكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له، ثم تخلص وفَرّ مع رفيقه المذكورين، وعاش على خلافة عمر، فمات سنة (15) وقيل: قبل ذلك. وزاد في رواية: اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، وهو تعميم بعد تخصيص. (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وهمزة مفتوحة، وأصلها الدوس بالقدم سمي بها الإهلاك؛ لأن من يطأ على شيء برجله فقد استقصى في إهلاكه، والمعنى خذهم أخذاً شديداً، ذكره السيوطي. قال السندي: الأقرب أن المراد ههنا العقوبة والبأس، كما يدل عليه آخر الكلام لا الإهلاك كما يدل عليه أوله. (على مضر) بميم مضمومة وفتح ضاد معجمة، وترك صرف بن نزار بن معد بن عدنان، وهو شعب عظيم، فيه قبائل كثيرة كقريش وهذيل وأسد وتميم ومزينة وغيرهم، والمراد كفار أولاد مضر. (واجعلها) الضمير للوطأة أو السنين أو للأيام وإن لم يجر لها ذكر لما يدل عليه المفعول الثاني وهو (سنين) جمع سنة، وهو القحط. (كسني يوسف) أي كسني أيام يوسف عليه السلام من القحط العام في سبعة أعوام، فالمراد بسني يوسف ما وقع في السنين السبع، كما وقع في قوله تعالى:{ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} [12: 48] وقد بين ذلك في حديث ابن مسعود عند البخاري حيث قال: سبعاً كسبع يوسف، وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها، وشبه بها لتشديد القحط واستمراره زماناً. وإجراء سنين مجرى المذكر السالم في الإعرابي بالواو والياء وسقوط النون بالإضافة شائع. وقال القسطلاني: فيه شذوذان تغيير مفرده من الفتح إلى الكسر، وكونه جمعاً لغير عاقل، وحكمه أيضاً مخالف لجموع السلامة في جواز إعرابه كمسلمين، وبالحركات على النون وكونه منوناً وغير منون منصرفاً وغير منصرف- انتهى. (يجهر بذلك) أي بالدعاء المذكور. وفي حديث جواز الدعاء في قنوت غير الوتر لضعفة المسلمين بتلخيصهم من الأسر، ويقاس عليه جواز الدعاء لهم بالنجاة من كل ورطة يقعون فيها من غير فرق بين المستضعفين وغيرهم، وفيه جواز الدعاء على الكفار بالجدب والبلاء، وفيه مشروعية الجهر بالقنوت للنازلة، وفيه أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آباءهم لا يقطع الصلاة، وأن الدعاء على الكفار والظلمة
وكان يقول في بعض صلاته: اللهم العن فلاناً وفلاناً، لأحياء من العرب، حتى أنزل الله
{ليس لك من الأمر شيء} الآية. متفق عليه.
1297-
(2) وعن عاصم الأحول، قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة، كان قبل
الركوع أو بعده؟ قال
ــ
لا يفسدها (وكان يقول في بعض صلاته) زاد في رواية للبخاري: في صلاة الفجر، وهو بيان لقوله في بعض صلاته. قال الحافظ: فيه إشارة إلى أنه كان لا يداوم على ذلك. (اللهم العن فلاناً فلاناً لأحياء) أي لقبائل جمع حي بمعنى القبيلة. (من العرب) أي أبعدهم وأطردهم عن رحمتك، وهذا لا يستلزم الدعاء بالإماتة على الكفرة وسوء الخاتمة، وأراد بفلاناً وفلاناً القبائل نفسها لا إعلاما خاصة لما وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ: اللهم العن رعلا وذكوان وعصية، وكذا وقع تسميتهم بذلك في حديث ابن عباس الآتي، وسنذكره قصتهم في شرح حديث أنس. (حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء) المعنى أن الله مالك أمرهم. فأما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم أن أسلموا أو يعذبهم أن أصروا على الكفر وماتوا عليه وليس لك من أمرهم شيء إنما أنت مبعوث؛ لأنذارهم ومجاهدتهم، فليس لك من الأمر إلا التفويض والرضى بما قضى. (الآية) بتثليثها وتمامها أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون واستشكل هذا بأن قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد ونزول ليس لك من الأمر من شيء في قصة أحد، كما بينه في حديث أنس عند مسلم وأحمد والترمذي وغيرهم، وفي حديث ابن عمر عند البخاري وغيره فكيف يتأخر السبب عن النزول وأجاب في الفتح بأن قوله: حتى أنزل الله. منقطع من رواية الزهري عمن بلغه، كما بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري ثم أنه ترك ذلك لما نزلت، قال: وهذا البلاغ لا يصح وقصة رعل وذكوان أجنبية عن قصة أحد ويحتمل أن كان محفوظا أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلاً ثم نزلت في جميع ذلك. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي وغيرهما واللفظ المذكور للبخاري في تفسير آل عمران.
1297-
قوله: (وعن عاصم الأحول) هو عاصم بن سليمان الأحول أبوعبد الرحمن البصري، ثقة تابعي، لم يتكلم فيه إلا قطان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، مات سنة. (140) وقيل. (141) وقيل. (142) وقيل. (143) قال ابن سعد: كان من أهل البصرة، وكان يتولى الولايات، فكان بالكوفة على الحسبة في المكائيل والأوزان، وكان قاضيا بالمدائن لأبي جعفر. (سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة) أي في صلاة الوتر هذا، هو الظاهر عندي. وقيل: المراد في الصلاة المكتوبة عند النازلة. (كان) أي محله. (قبل الركوع أو بعده قال)