الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما نمدّ إليه أيدينا؛ لأنا لا نأكل. ولوط: النبي الكريم ابن أخي إبراهيم وأول من آمن به.
{وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ} وراء الستر، تسمع محاورتهم، أو تقوم بالخدمة. {فَضَحِكَتْ} سرورا بزوال الخوف، أو بهلاك أهل الفساد {وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} أي وهبناها من بعد إسحاق يعقوب {يا وَيْلَتى} أصله يا ويلي وهلاكي أي يا عجبا، وهي كلمة تقال عند التعجب من بلية أو فجيعة أو فضيحة. {بَعْلِي} زوجي، وأصله القائم بالأمر، ويجمع على بعولة {شَيْخاً} ابن مائة أو مائة وعشرين {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} ابنة تسعين أو تسع وتسعين، فهي عقيم {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} يعني الولد من هرمين، وهو تعجب من حيث العادة لا القدرة الإلهية {مِنْ أَمْرِ اللهِ} قدرته وحكمته، فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات، ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل، فضلا عمن نشأت وشبت في ملاحظة الآيات. {إِنَّهُ حَمِيدٌ} تحمد أفعاله {مَجِيدٌ} كثير الخير والإحسان {الرَّوْعُ} الخوف والرعب {وَجاءَتْهُ الْبُشْرى} بدل الروع.
{يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ} يجادل رسلنا في شأنهم قائلا: إن فيها لوطا. {لَحَلِيمٌ} غير عجول على الانتقام من المسيء إليه {أَوّاهٌ} كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس {مُنِيبٌ} راجع إلى الله، والمقصود من ذلك بيان الحامل له على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط رحمته.
{يا إِبْراهِيمُ} على إرادة القول، أي قالت الملائكة: يا إبراهيم {أَعْرِضْ} عن هذا الجدال {إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} قدره بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم {غَيْرُ مَرْدُودٍ} غير مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك.
المناسبة:
هذه هي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة، وقد ذكرت قصة إبراهيم في سورة البقرة، وذكر إبراهيم في القرآن كثيرا، ذكر مع أبيه وقومه، وذكر هنا مع الملائكة مبشرين له بإسحاق ويعقوب، مخبرين له بهلاك قوم لوط، وذكر مع إسماعيل خاصة في موضع آخر، وكانت قرى لوط بنواحي الشام، وإبراهيم ببلاد فلسطين، فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط، مروا بإبراهيم ونزلوا عنده، وكان كل من نزل عنده يحسن ضيافته.
التفسير والبيان:
والله لقد جاءت رسلنا الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقيل مع
جبريل سبعة ملائكة آخرون، وذلك مروي عن عطاء وغيره من التابعين، جاءت الرسل إبراهيم بالبشرى تبشره بالولد إسحاق لقوله تعالى هنا:
{فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ} وقوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات 28/ 51].
وقيل: البشرى بهلاك قوم لوط وسلامة لوط. قالوا: سلاما عليك، قال: سلام عليكم، وهذا أحسن مما حيوه لأن الرفع بقوله {سَلامٌ} يدل على الثبوت والدوام، كما ذكر علماء البيان.
فما لبث أي فما أبطأ وذهب سريعا، فأتاهم بالضيافة بعجل (وهو فتى البقر) مشوي على الرّضف (جمع رضفة) وهي الحجارة المحماة بالنار أو بالشمس، كما قال تعالى:{فَراغَ إِلى أَهْلِهِ، فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، قالَ: أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات 26/ 51].
فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تمتد إلى الطعام، أنكر ذلك منهم، ووجد في نفسه خوفا وفزعا منهم، إذ أدرك أنهم ليسوا بشرا، وربما كانوا ملائكة عذاب.
قالوا له: لا تخف، فنحن لا نريد سوءا بك، وإنما أرسلنا لا هلاك قوم لوط، وكانت ديارهم قريبة من دياره.
ونحن نبشرك بغلام عليم، يحفظ نسلك، ويبقي ذكرك، وهو إسحاق، ثم يعقوب من بعده وهو الذي من ذريته أنبياء بني إسرائيل.
وكانت امرأة إبراهيم قائمة وراء ستار بحيث ترى الملائكة، أو كانت واقفة تخدم الملائكة، فضحكت سرورا بزوال الخوف وتحقيق الأمن، أو استبشارا بهلاك قوم لوط لكراهتها لأفعالهم المنكرة، وغلظ كفرهم وعنادهم، فجوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس:{فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ} أي فبشرناها بولد هو إسحاق، وسيلد لإسحاق ولد هو يعقوب كما في قوله تعالى:{وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ} [الأنعام 84/ 6].
وفسر مجاهد وعكرمة: {فَضَحِكَتْ} أي حاضت، وكانت آيسة، تحقيقا للبشارة.
وهو تفسير غريب مخالف لرأي الجماهير.
وذلك لأنه لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر، تمنّت سارّة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنّها، فبشرت بولد يكون نبيا، ويلد نبيا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.
قالت سارّة لما بشرت بالولد: عجبا كيف ألد وأنا عجوز كبيرة شيخة عقيم، وزوجي في سن الشيخوخة لا يولد لمثله، إن هذا الخبر لشيء عجيب غريب عادة.
فأجابتها الملائكة: كيف تعجبين من قضاء الله وقدره، أي لا عجب من ان يرزقكما الله الولد، وهو إسحاق، فإن الله لا يعجزه شيء في الكون وهو على كل شيء قدير:{إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ} [يس 82/ 36].
فإن رحمة الله الواسعة وبركاته الكثيرة عليكم يا أهل بيت النبوة، وقد توورثت النبوة في نسل إبراهيم إلى يوم القيامة، إنه تعالى المحمود في جميع أفعاله وأقواله، المستحق لجميع المحامد، الممجد في صفاته وذاته، الكثير الخير والإحسان، فهو محمود ماجد.
ثم أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه لما ذهب عنه الخوف من الملائكة حين لم يأكلوا، وبشروه بعد ذلك بالولد، وأخبروه بهلاك قوم لوط، وعلم أنهم ملائكة العذاب لقوم لوط، أخذ يجادل الملائكة وهم رسل الله في قوم لوط، وجعلت مجادلتهم مجادلة لله؛ لأنهم جاؤوا بأمره.
لأن إبراهيم حليم غير متعجل بالانتقام من المسيء إليه، كثير التأوه مما يسوء الناس ويؤلمهم، ويرجع إلى الله في كل أموره، أي أن رقة قلبه وفرط رحمته حملته على المجادلة.