الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي يعقوب، لما علم كذبهم {بَلْ سَوَّلَتْ} زينت {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} ففعلتموه به {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} لا جزع فيه، وهو ما لا شكوى فيه إلى الخلق {وَاللهُ الْمُسْتَعانُ} المطلوب منه العون {عَلى ما تَصِفُونَ} تذكرون من أمر يوسف أو من هذه المصيبة وهلاكه.
المناسبة:
الكلام مرتبط بما قبله، مبين مكيدة إخوة يوسف له، وخداعهم أباهم، وإظهارهم أنهم في غاية المحبة ليوسف والشفقة عليه، وهم يعلمون أن أباهم كان يحب يوسف محبة شديدة، ويحرص عليه، ويحب تطييب قلبه، فأرسله معهم، وهو غير مقتنع بكلامهم ويخافهم عليه.
التفسير والبيان:
لما تواطأ إخوة يوسف على أخذه وطرحه في البئر، كما أشار به عليهم أخوهم يهوذ أو روبيل، جاؤوا أباهم يعقوب عليه السلام، فقالوا: ما بالك لا تأتمنا على يوسف، وتخافنا عليه، ونحن له ناصحون، أي نحبه، ونشفق عليه، ونريد الخير له، ونخلص له النصح؟ وهم يريدون خلاف ذلك، لحسدهم له، بعد ما علموا من رؤيا يوسف، وأدركوا حب أبيه له، لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة.
أرسله معنا، أي ابعثه معنا في الغد حين نخرج كعادتنا إلى المرعى في الصحراء، يرتع أي يأكل ما يطيب له من الفاكهة والبقول، ويلعب أي ويسعى وينشط ويشاركنا في السباق بالسهام، وإنا له لحافظون من أي أذى ومكروه يصيبه، ونحفظه من أجلك. فأجابهم يعقوب بقوله: إني ليحزنني ويؤلمني ذهابكم به وفراقه لي على أي نحو، وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم، فيأتيه ذئب، فيأكله وأنتم غافلون عنه لا تحسون به.
وبه يتبين أنه اعتذر إليهم بشيئين: أن فراقه إياه مما يحزنه، وخوفه عليه
من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم، لقلة اهتمامهم به، وكأنه لقنهم الحجة، وشدة الحذر دفعته لقول ذلك.
فأجابوه في الحال: والله لئن أكله الذئب، ونحن جماعة أشداء ندافع عن الحرمات، لكنا خاسرين، أي هالكين عاجزين لا خير فينا ولا نفع.
ثم بدؤوا تنفيذ المؤامرة بالفعل، فلما ذهبوا به من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك، صمموا على مرادهم، وعزموا عزما لا تردد فيه على إلقائه في قعر بئر وأسفله، وهو البئر المعروف لديهم، ليذهب حيث شاء، أو يهلك، فيستريحوا منه.
ولكنّ الله تعالى ذا القدرة الشاملة، والإرادة النافذة، والرحمة واللطف، وإنزاله اليسر بعد العسر، والفرج بعد الكرب، أوحى إليه وحي إلهام على الأظهر، مثل قوله:{وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل 68/ 16] وقوله:
{وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى} [القصص 7/ 28] تطمينا لقلبه وتثبيتا له ألا تحزن مما أنت فيه، فإن لك فرجا ومخرجا، وسينصرك الله عليهم، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع السيء، وهم لا يعرفون ولا يشعرون بأنك يوسف. وهو وعد بالخلاص من هذه المحنة، والنصر عليهم، وصيرورتهم تحت سلطانه.
ثم جاء دور الاعتذار بالأعذار الكاذبة لأبيهم يعقوب عليه السلام، فحينما رجعوا إليه في آخر اليوم وقت العشاء في ظلمة الليل، أخذوا يتباكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف، وقالوا معتذرين عما زعموا: إنا ذهبنا نتسابق ونترامى بالنبال، وتركنا يوسف عند ثيابنا وأمتعتنا، حارسا لها، فأكله الذئب، وهذا الذي كان قد جزع منه وحذر عليه، ونحن نعلم أنك لا تصدقنا -والحالة هذه-لو كنا صادقين موثوقين عندك، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؟! وأنت معذور في هذا لغرابة ما وقع، وعجيب ما حدث. والحاصل أنا