الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يعبد المشركون، وفي نهايتهم، فكل ما يعبدون باطل وجهل وضلال، وعذابهم محقق لا شك فيه، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد لقومه.
إنهم يعبدون الأوثان والأصنام مثلما يعبد آباؤهم، فهم مثلهم في الجهل، وهم مقلدون لهم، فليس لهم مستند فيما هم فيه إلا اتباع الآباء في الجهالات، وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء، فيعذبهم عذابا لا يعذبه أحدا، أما حسنات أعمالهم في الدنيا فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة تماما غير منقوص، فإذا كانوا محسنين فيها كبّر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء، وفعل الخير، فإن الله تعالى يوفيهم جزاءهم عليها في الدنيا بسعة الرزق والصحة، والسرور، ودفع الضرر، وهو جزاء عاجل زائل، وتمام غير نقص؛ بمقتضى العدل الإلهي، فلا يغترن أحد بما يراه في الكفار أحيانا من نعمة ورخاء في الدنيا، فإن لهم الدنيا فقط، ويحرمون من نعيم الآخرة، وليس لهم فيها إلا العذاب الشديد بسبب كفرهم بالله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على الأحكام التالية:
1 -
الأنبياء على صدق تام فيما أخبروا به من أخبار الماضين، ومغيبات المستقبل، سواء في عالم الدنيا، أو في عالم الآخرة، من وقوع العذاب والعقاب، والحشر والحساب:{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ} أي لعبرة وموعظة لمن يخشى عذاب القيامة. وقوله: {مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ} يدل على إثبات الحشر، فالجمع: الحشر، أي يحشرون ليوم القيامة. وهو يوم يشهده البر والفاجر، ويشهده أهل السماء.
2 -
البعث حق، ولكن اقتضت حكمة الله تأخير يومه لأجل معلوم معدود سبق به قضاؤه.
3 -
السلطان المطلق في يوم القيامة لله عز وجل، فلا يتكلم فيه أحد بحجة ولا شفاعة إلا بإذنه تعالى. قال قوم: ذلك اليوم طويل، وله مواطن ومواقف، في بعضها يمنعون من الكلام، وفي بعضها يطلق لهم الكلام. وهذا يدل على أنه لا تتكلم نفس إلا بإذنه.
4 -
الناس يوم القيامة صنفان: شقي وسعيد، الأشقياء في النار، والسعداء في الجنة، وكلاهما خالد مخلد فيما هم فيه، من العذاب أو الثواب، بمشيئة الله وإرادته.
وهذا الحكم من الله لا يتغير ولا يتبدل، فمن حكم الله عليه بحكم، وعلم منه عمله وأمره، امتنع أن يصير بخلافه، وإلا لزم أن يصير خبر الله تعالى كذبا، وعلمه جهلا، وذلك محال، فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا، وأن الشقي لا ينقلب سعيدا.
5 -
اتفق الجمهور الأعظم من الأمة على أن عذاب الكافر دائم؛ لأن الخلود المذكور في الآية المرتبط بدوام السموات والأرض يقصد به الدوام، على نحو تعبير العرب الذين يعبرون عن الدوام والأبد بقولهم: ما دامت السموات والأرض، وقولهم: ما اختلف الليل والنهار، وما طما البحر، وما أقام الجبل. أو أن المراد سموات الآخرة وأرضها، وفي الآخرة سماء وأرض، بدليل قوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَالسَّماواتُ} [إبراهيم 48/ 14] وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ} [الزمر 74/ 36] وأيضا لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، وذلك هو الأرض والسموات.
6 -
قوله تعالى: {إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ} يدل على أن خلود أهل النار فيها وخلود أهل الجنة فيها حاصل بمشيئة الله تعالى، ولا يخرج شيء في الدنيا والآخرة عن المشيئة الإلهية، والمراد بالآية الدلالة على الثبوت والاستمرار. واستدل الرازي
بالآية على أنه تعالى يخرج الفساق المؤمنين من أهل الصلاة من النار، وهو المراد بهذا الاستثناء في ترجيحه المشابه له ترجيح أبي حيان، فالآية استثناء من الخلود، وهي في الذين زال حكم الخلود عنهم وهم عصاة المؤمنين.
وأما الاستثناء بالنسبة لأهل السعادة فيراد به في وجه ذكره الرازي رفع المنازل، فقد يرفع الله من الجنة إلى العرش، وإلى المنازل الرفيعة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، قال سبحانه:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ، وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ} [التوبة 72/ 9].
7 -
نعيم أهل الجنة دائم غير منقطع ولا ممنوع، لقوله تعالى:{عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقوله: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة 33/ 56].
8 -
إن عبادة المشركين أوثانهم وأصنامهم لا دليل عليها من العقل والمنطق، وإنما صادرة عن محض الجهل وتقليد الآباء والأسلاف، كما قال تعالى:{فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ.} . الآية، أي فلا تك في شك من حال ما يعبدون في أنها لا تضر ولا تنفع، وأن الله عز وجل ما أمرهم بعبادتها، وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا لهم.
9 -
الله تعالى عادل أيضا في حق الكفار، فيوفيهم ثواب أعمالهم الحسنة، في الدنيا، ولا يكون لهم ثواب عليها في الآخرة؛ لأن قبول الأعمال حينئذ منوط بالإيمان، ولقوله تعالى:{وَإِنّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} أي أنهم وإن كفروا وأعرضوا عن الحق فإنا موفوهم نصيبهم من الرزق والخيرات الدنيوية.
ويحتمل أن يكون المراد: ما وعدوا به من خير أو شر، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ويحتمل أيضا إرادة أنه يوفيهم نصيبهم من العذاب، وربما كان الكل مرادا.