الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى في هذه الآيات عن موقف الملك الذي استراح لتعبير يوسف رؤياه، فعرف فضل يوسف وعلمه، وسعة اطلاعه، واهتمامه بأهل بلده ورعاياه، وأدرك أن تفسير الرؤيا بما سمع كلام خطير يدل على رجاحة عقل يوسف وقوة ذكائه، فهو جدير بمقابلته شخصيا ليسمع منه الأمر.
{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} أي أخرجوه من السجن، وأحضروه لي، كي أستمع إلى كلامه، وأتلمس مصداق الرؤيا بنفسي، فلما جاءه الرسول بذلك، امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن كان ظلما وعدوانا.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم موقف يوسف عليه السلام، ونبه على فضله وشرفه، وعلو قدره وصبره،
ففي مسند أحمد والصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف، لأجبت الداعي» .
{قالَ: اِرْجِعْ.} . قال يوسف ردا على طلب مثوله أمام الملك: ارجع إلى سيدك، فاسأله عن حال النسوة اللاتي جرحن أيديهن؛ إذ لا أحب أن آتيه وأنا متهم بمسألة سجنت من أجلها، واطلب من الملك أن يحقق في تلك القضية قبل أن آتيه، ليعرف حقيقة الأمر، إن ربي العالم بخفايا الأمور عليم بكيدهن وتدبيرهن وما دبرن لي من كيد.
فجمع الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز، فقال مخاطبا لهن كلهن، وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز: ما خطبكن أي ما شأنكن وخبركن حين راودتن يوسف عن نفسه يوم الضيافة، أو ما شأنكن الخطير حين دعوتن يوسف إلى ارتكاب الفاحشة؟!
{قُلْنَ: حاشَ لِلّهِ.} . أجبن الملك: معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء، وهو تعبير أريد به تبرئته والتعّجب من نزاهته وعفّته، أي حاشا لله أن يكون يوسف متّهما، والله ما علمنا عليه سوءا في تاريخه الطويل.
وحينئذ قالت امرأة العزيز: الآن تبيّن الحقّ وظهر، أنا راودت يوسف عن نفسه، لا هو، فإنه استعصم وامتنع أيّما امتناع، وإنه لصادق في قوله:{هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} وقد أرادت بذلك مكافأة يوسف على صون سمعتها، وإخفاء أمرها، وإعراضه عن شأنها. وهو اعتراف صريح من امرأة العزيز ببراءة يوسف من الذّنوب والعيوب.
ثم قالت: ذلك الاعتراف منّي بالحقّ، ليعلم يوسف في سجنه أنّي لم أخنه أثناء غيبته، أو أطعن في شرفه وطهارته وعفّته. ويجوز كما رأى الزّمخشري أن يكون ذلك الكلام كلام يوسف عليه السلام وهو متّصل بقوله:{إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} والمعنى: ذلك الأمر الذي فعلته من ردّ الرّسول والتّثبت ومطالبة الملك بالتّحقيق في أمري، حتى تظهر براءتي أمام الملك والنّاس، وليتيقّن العزيز أنّي لم أخنه في زوجته أثناء غيابه، بل تعففت عنها
(1)
. وعقّب أبو حيان على ذلك فقال: ومن ذهب إلى أن قوله: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ.} . إلخ من كلام يوسف يحتاج إلى تكلّف ربط بينه وبين ما قبله، ولا دليل يدلّ على أنه من كلام يوسف
(2)
. وقال الزّمخشري: كفى بالمعنى دليلا قائدا إلى أن يجعل من كلام يوسف عليه السلام. والظاهر لي هو رأي أبي حيان.
{وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ} وليعلم الجميع أن الله تعالى لا ينفذ ولا يسدّد كيد الخائنين، بل يبطله ويبدد أثره.
(1)
الكشاف: 142/ 2
(2)
البحر المحيط: 317/ 5