الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعراب:
{وَمَنْ تابَ مَعَكَ} مرفوع بالعطف على ضمير {فَاسْتَقِمْ} وجاز العطف على الضمير المرفوع؛ لأن الفصل بالظرف، وهو قوله تعالى:{كَما أُمِرْتَ} ينزّل منزلة التأكيد، فجاز العطف. ويجوز أن يكون {وَمَنْ تابَ} في موضع نصب؛ لأنه مفعول معه.
{وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} الواو للحال.
المفردات اللغوية:
{فَاسْتَقِمْ} على العمل بأمر ربّك والدّعاء إليه، والاستقامة شاملة للاستقامة في العقائد والأعمال، من تبليغ الوحي وبيان الشرائع كما أنزلت، والقيام بوظائف العبادات من غير إفراط ولا تفريط. والاستقامة في غاية العسر، لذا
قال عليه الصلاة والسلام: «شيبتني سورة هود» .
{وَمَنْ تابَ مَعَكَ} أي وليستقم من تاب معك، بأن تاب من الشرك والكفر وآمن معك.
{وَلا تَطْغَوْا} لا تجاوزوا حدود الله، والطغيان: مجاوزة الحدّ بالإفراط أو التفريط. {إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فهو مجازيكم عليه، وهو في معنى التّعليل للأمر والنّهي.
{وَلا تَرْكَنُوا} لا تميلوا إليهم أدنى ميل، والرّكون: الميل اليسير. {إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} لا تميلوا إلى الظالمين بمودة أو مداهنة أو رضى بأعمالهم. {فَتَمَسَّكُمُ النّارُ} فتصيبكم النّار كونكم إليهم. {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} أي غيره. {مِنْ أَوْلِياءَ} {مِنْ} : زائدة، و {أَوْلِياءَ} مناصرون يحفظونكم منه، أو أنصار يمنعون العذاب عنكم. {ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} تمنعون من عذابه، ولا ينصركم الله إذ سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم. و {ثُمَّ}: لاستبعاد نصره إياهم بعد أن أوعدهم بالعذاب على فعلهم، وأوجبه.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى أمر المختلفين في التّوحيد والنبّوة، وأطنب في بيان وعدهم ووعيدهم، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة مثلما أمر بها غيره، وهي كلمة شاملة لكلّ ما ينعق بالعقيدة والعلم والعمل والأخلاق.
التفسير والبيان:
فالزم يا محمد ومن آمن معك طريق الاستقامة في الاعتقاد والأعمال
والأخلاق، دون إفراط ولا تفريط. فالاستقامة تقتضي توحيد الله في ذاته وصفاته، والإيمان بالغيب من جنّة ونار وبعث وحساب وجزاء، وملائكة وعرش، والتزام ما أمر به القرآن في نطاق العبادات والمعاملات. وهي درجة عليا وعسيرة إلا على من جاهد نفسه، وترفّع عن أهوائه وشهواته، وقد أمر بها موسى وهارون بقوله تعالى:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس 89/ 10]، وكان جزاؤها تطمين الملائكة بعدم الخوف والحزن، والتّبشير بالجنّة، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللهُ، ثُمَّ اسْتَقامُوا، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت 30/ 41]، و
أجاب النّبي صلى الله عليه وسلم سائلا-هو سفيان الثقفي فيما رواه مسلّم- قال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك؟ فقال:«قل آمنت بالله ثم استقم» .
ولا يعني أمر الرّسول بالاستقامة أنه لم يكن مستقيما، وإنما كان على العكس في غاية الاستقامة، والمقصود بهذا الأمر الدّوام والاستمرار على ما هو عليه. فالله تعالى يأمر رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدّوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النّصر على الأعداء. وخطاب الرّسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بالاستقامة للتّثبيت على الاستقامة.
وفي الآية دليل على وجوب اتّباع النّصوص الشّرعية من غير تصرّف وانحراف، ولا تقليد وعمل برأي فاسد غير صحيح، ومن حاد عن منهج السّلف زاغ وضلّ، فكانوا كقوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرّوم 32/ 30].
وطريق رفع الخلاف الرّد إلى القرآن والسّنة، فقال تعالى:{فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النّساء 59/ 4].
وبعد أن أمر الله تعالى بالاستقامة، نهى عن ضدّها وهو الطّغيان، أي البغي وتجاوز حدود الله، فإنه مزلقة إلى الهلاك، فقال تعالى:{وَلا تَطْغَوْا} .
ثمّ حذّر الله تعالى من المخالفة، فقال:{إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي إنه تعالى بصير بأعمال العباد، لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء، فيجازي عليها.
والدّعوة إلى الاستقامة وتجنّب الطّغيان هو هدف القرآن الكريم المتكرر فيه، فقال تعالى:{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ:}
ثم نبّه الله تعالى إلى خطر الميل مع الظالمين، فقال:{وَلا تَرْكَنُوا.} . أي ولا تميلوا إلى الظالمين بمودة أو مداهنة أو رضى بأعمالهم، أو استعانة بهم، أو اعتماد عليهم، فتصيبكم النّار بركونكم إليهم، فالرّكون إلى الظّالمين ظلم، وليس لكم من غير الله أنصار أبدا ينفعونكم، ويمنعون العذاب عنكم، ثم لا ينصركم الله، أي لا تجدون من ينصركم من تلك الواقعة؛ لأنه تعالى لا ينصر الظّالمين:
{وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} [البقرة 270/ 2]، {وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحجّ 71/ 22، فاطر 37/ 35].
والآية تدلّ على عاقبة الرّكون، وعلى أن الميل إلى الظّالمين موقع عادة في الظّلم، ومزلقة تستدعي إقرارهم على ما يفعلون، والرّضى بما هم عليه من الظّلم، واستحسان طريقتهم، وتزيينها عندهم وعند غيرهم، ومشاركتهم في أعمالهم الظّالمة. قال البيضاوي: ولعل الآية أبلغ ما يتصوّر في النّهي عن الظّلم والتّهديد عليه.
وإذا كان الرّكون إلى الظّلم موجبا عذاب النّار، فكيف يكون حال الظّالم في نفسه؟!