الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزلت في ابن سلام وأصحابه، وقوله:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.} . [114] فإنها نزلت في نبهان التمار.
وقد نزلت بعد سورة يونس، وهي منفقة معها في معناها وموضوعها وافتتاحها ب {الر} واختتامها بوصف الإسلام والقرآن والنبي الذي جاء بالحق من الله، والدعوة إلى الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفصيلها ما أجمل في سورة يونس من أمور الاعتقاد من إثبات الوحي والتوحيد والبعث والمعاد والثواب والعقاب والحساب، وإعجاز القرآن وإحكام آياته، ومحاجّة المشركين في ذلك وتحديهم بالقرآن، وذكر قصص بعض الأنبياء كنوح وإبراهيم وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام.
وتمتاز هذه السورة بما فيها من القوارع والزواجر التي اشتملت عليها قصص هؤلاء الأنبياء، والدعوة الشديدة إلى الاستقامة، مبتدأة بالنبي صلى الله عليه وسلم،
روى أبو عيسى الترمذي عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، قد شبت، قال:«شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشمس كورت» .
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عما شيبة من سورة هود، فقال: قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ} .
ومن فضائلها:
ما أسنده أبو محمد الدارمي في مسنده عن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة»
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة هود، أعطي من الأجر عشر حسنات..» .
ما اشتملت عليه السورة:
تضمنت هذه السورة كسورة يونس أصول الدين العامة وهي التوحيد، والرسالة، والبعث والجزاء، وتوضيح هذه العناصر إجمالا فيما يأتي:
1 -
إثبات كون القرآن من عند الله، من طريق إحكام آياته وإتقانها بنظمها نظما رصينا محكما لا نقص فيه ولا خلل، كالبناء المحكم، ثم تفصيلها في الحال دون تراخ، ببيان دلائل التوحيد والنبوة والأحكام والمواعظ والقصص والتفرقة بين الحق والباطل، ومن طريق إعجاز القرآن وتحديه العرب بأن يأتوا بعشر سورة مثله:{أَمْ يَقُولُونَ: اِفْتَراهُ، قُلْ: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [هود 13/ 11] وبعد أن عجزوا عن محاكاته والإتيان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه، أعلن الله تعالى إفلاسهم وعجزهم فقال:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ} [هود 14/ 11].
2 -
توحيد الله: وهو نوعان:
أ-توحيد الألوهية: وهو عبادة الله وحده وعدم عبادة أحد سواه، كما قال تعالى في مطلع هذه السورة:{أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ.} . فعبادة كل من سواه كفر وضلال.
ب-توحيد الربوبية: أي الاعتقاد بأن الله وحده هو الخالق المدبر لهذا الكون، والمتصرف فيه على مقتضى حكمته ونظام سنته. وكان عرب الجاهلية يؤمنون بأن الله هو الرب الخالق:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، لَيَقُولُنَّ اللهُ.} . [العنكبوت 61/ 29] ولكنهم كانوا يقولون بتعدد الآلهة. وورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تثبت توحيد الربوبية، مثل المذكور في هذه السورة:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ.} .
[7] والخلق: التقدير المحكم الذي تكون فيه الأشياء على مقادير متناسبة، ثم أريد به الإيجاد التقديري.
3 -
إثبات البعث والجزاء: للإيمان بهما وللترغيب والترهيب، كما في قوله
تعالى: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [4] وقوله: {وَلَئِنْ قُلْتَ: إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ} [7].
4 -
اختبار البشر لمعرفة إحسان أعمالهم: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [7].
5 -
الموازنة بين طبع المؤمن والكافر في أحوال الشدة والرخاء، فالمؤمن صابر وقت الشدة، شاكر وقت الرخاء، والكافر فرح فخور حال النعمة، يئوس كفور حال المصيبة [الآيات 9 - 11].
6 -
استعجال البشر الخير والنفع، والعذاب الذي ينذر به الرسل:{وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ: ما يَحْبِسُهُ.} . [8] وقال تعالى في سورة يونس المتقدمة: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ، لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [11].
7 -
طبائع البشر مختلفة حتى في قبول الدين إلا من رحم ربك:
{وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ.} . [118 - 119] أي أن لهذا الاختلاف فوائد علمية وعلمية، كما أن فيه مضارّ إذا أدى إلى التفرق في الدين والاختلاف في أصول الحياة والمصالح العامة.
8 -
إيراد قصص الأنبياء بالتفصيل تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يتعرض له. من أذى قريش وصدودهم عن دعوته: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ.} . [120]، وفي كل قصة عبرة وعظة أيضا للمؤمنين. وقد ذكر الله قصة نوح أب البشر الثاني وأمره له بصناعة الفلك، لنجاته ومن معه من المؤمنين، وإغراق قومه بالطوفان الذي عم الأرض، ونوح أطول الأنبياء عمرا، وأكثرهم بلاء وصبرا [الآيات: 25 - 49] وتبين من قصته أن أتباع الرسل عادة هم
الفقراء، كما حكى تعالى عن قوم نوح:{وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} [هود 27/ 11].
ثم ذكر الله تعالى قصة هود الذي سميت السورة باسمه، ودعوته قومه «عاد» الأشداء العتاة المتجبرين إلى عبادة الله تعالى، فاعترفوا بقوتهم وقالوا:
{مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً؟} فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية في بحر أسبوع:
{سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً} [الحاقة 7/ 69] وعبر عن ذلك بأنه عذاب غليظ، بسبب الكفر والجحود بالآيات الإلهية:{وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ، وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ.} . [الآيات: 50 - 60].
ثم ذكر سبحانه قصة صالح مع قومه ثمود [الآيات: 61 - 68]. وأشار إلى قصة ضيوف إبراهيم من الملائكة [الآيتان: 69 - 70] ثم قصة «لوط» [الآيات: 70 - 83] ثم قصة شعيب [الآيات: 84 - 95] ثم قصة موسى مع فرعون [الآيات: 96 - 99].
9 -
التعقيب المباشر على ما في تلك القصص من عبر وعظات، بإهلاك الظالمين، كما قال تعالى:{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ، مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ، وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ} [الآيات: 100 - 111].
10 -
الأمر بالاستقامة في الدين [الآية: 112] وهو أمر ثقيل شديد على النفس، يتطلب جهاد النفس، والصبر على أداء الواجبات، وحمايتها من الموبقات المهلكات.
11 -
الطغيان سبيل الدمار، والركون إلى الظلم موجب عذاب النار:
{وَلا تَطْغَوْا، إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ} [الآية: 113].
12 -
الأمر بإقامة الصلاة في أوقاتها ليلا ونهارا؛ لأن الحسنات يذهبن