الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاتهام من جملة كيدكن {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي إن مكر المرأة وكيدها شديد التأثير في النفوس، غريب لا يفطن له الرجال، ولا قبل لهم به، ولا لحيلها وتدبيرها.
ويا يوسف أعرض عن ذكر هذه الواقعة واكتم خبرها عن الناس، ويا أيتها المرأة اطلبي المغفرة لذنبك، إنك كنت من زمرة الخاطئين أي المذنبين. وقوله هذا؛ لأنه لم يكن غيورا، فكان ساكنا، أو لأن الله تعالى سلبه الغيرة، وكان فيه لطف بيوسف، حتى كفي ما قد يبادر به وعفا عنها.
فقه الحياة أو الأحكام:
موضوع الآيات بيان محنة يوسف، وإظهار براءته، واتهام زوجة العزيز، وتكون الآيات دالة على ما يأتي:
1 -
اتهام امرأة العزيز بمراودة يوسف عن نفسه، وذكر في الآية ثلاثة تصرفات تؤكد تهمتها وهي: المراودة، وإغلاق الأبواب، ودعوتها يوسف لنفسها قائلة:{هَيْتَ 1 لَكَ} وهي لغة أهل حوران جنوب سوريا، أي هلمّ أقبل وتعال.
2 -
دفاع يوسف عن نفسه، مستخدما في الجواب ثلاثة أشياء:{مَعاذَ اللهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ} ، استعاذ بالله واستجار به مما دعته إليه، وتذكر فضل سيده عليه إذ آواه وأحسن مثواه ومقامه وتعهده بالرعاية والحفظ، ونظر إلى المستقبل نظرة العاقل المتأمل الذي يصون
(1)
قال النحاس: فيها سبع قراءات: هيت وهيت وهيت (الهاء فيهن مفتوحة) وهيت لك بكسر الهاء وفتح التاء، وهيت لك بكسر الهاء والياء الساكنة والتاء المضمومة، وهئت لك، وهئت لك.
مستقبله، وقرر أنه لا يظفر الظالمون الخائنون الذين يقابلون الإحسان بالإساءة.
3 -
هناك فرق واضح بين همّها به وهو المعصية من مخالطة وانتقام، وبين همّه بها وهو الفرار والنجاة منها؛ لأن الأنبياء معصومون عن المعاصي.
وأدلة عصمة الأنبياء
(1)
:
الدليل الأول-إن الزنى من منكرات الكبائر، وكذلك الخيانة من منكرات الذنوب، وأيضا مقابلة الإحسان العظيم بالإساءة الموقعة بالفضيحة التامة والعار الشديد من منكرات الذنوب، ثم إن إقدام الصبي الذي تربى في حجر إنسان على الإساءة إلى المنعم عليه من أقبح المنكرات والأعمال.
الدليل الثاني-إن ماهية السوء والفحشاء مصروفة عن النبي، لقوله تعالى:
{كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ} ثم إن الله تعالى جعل يوسف عليه السلام من عباده المخلصين-بفتح اللام-الذين خلصهم الله من الأسواء، وبكسر اللام: من الذين أخلصوا دينهم لله تعالى، ويحتمل أن يكون المراد أنه من ذرية إبراهيم عليه السلام الذين قال الله فيهم:{إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ} [ص 46/ 38 - 47].
الدليل الثالث-من المحال أن يصدر عن الأنبياء عليهم السلام زلة أو هفوة ثم لا يتبعونها بالتوبة والاستغفار.
الدليل الرابع-كل من كان له تعلق بتلك الواقعة، فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام من المعصية.
والذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف عليه السلام، وتلك المرأة وزوجها،
(1)
تفسير الرازي: 115/ 18 وما بعدها.
والنسوة، والشهود، ورب العالمين، وإبليس، الكل شهدوا ببراءة يوسف عن الذنب والمعصية، كما تقدم سابقا.
4 -
قال العلماء: لما برّأت نفسها؛ ولم تكن صادقة في حبه-لأن من شأن المحبّ إيثار المحبوب-قال: {هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} نطق يوسف بالحق في مقابلة بهتها وكذبها عليه.
5 -
الشاهد من أهلها: إما طفل في المهد تكلم، قال السهيلي: وهو الصحيح،
للحديث المتقدم: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» وذكر فيهم شاهد يوسف، وإما رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره في أموره، وكان من جملة أهل المرأة، وكان مع زوجها.
6 -
في آية قدّ القميص مقبلا ومدبرا دليل على القياس والاعتبار، والعمل بالعرف والعادة؛ لأن القميص إذا جبذ من خلف تمزّق من تلك الجهة، وإذا جبذ من قدّام تمزق من تلك الجهة، وهذا هو الأغلب.
7 -
إذا كان الشاهد على براءة يوسف طفلا صغيرا، فلا يكون فيه دلالة على العمل بالأمارات؛ وإذا كان رجلا صحّ الاعتماد على الأمارة، كالعلامة في اللقطة وغيرها؛ فقال مالك في اللصوص: إذا وجدت معهم أمتعة، فجاء قوم فادعوها، وليست لهم بينة، فإن السلطان ينظر في ذلك، فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم.
وقال الحنفية وغيرهم: إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت: إن ما كان للرجال فهو للرجال، وما كان للنساء فهو للمرأة، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل. وكان شريح وإياس بن معاوية يعملان على العلامات في الحكومة؛ وأصل الاعتماد على الأمارات هذه الآية.
8 -
الحذر من فتنة النساء، فإن كيدهن عظيم؛ لعظم فتنتهن، واحتيالهن في التخلص من ورطتهن،
ذكر مقاتل عن أبي هريرة قال: قال