المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر عزم جماعة من المصريين على إقامة الدعوة المصريةوما آل اليه أمرهم - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - جـ ١

[ابن واصل]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمه المؤلف]

- ‌ذكر نسب بنى أيوب

- ‌ذكر ابتداء أمر نجم الدين أيوب وأخيه أسد الدين شيركوه

- ‌ذكر ابتداء الدولة الأتابكية

- ‌ذكر استيلاء الأمير قسيم الدولة آق سنقر الحاجب على مدينة حلب

- ‌منازلة قسيم الدولة حمص واستيلاؤه عليها

- ‌ذكر مقتل الأمير قسيم الدولة آق سنقر

- ‌ذكر أخبار عماد الدين زنكى ابن قسيم الدولة آق سنقر رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على الموصل

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين على جزيرة ابن عمر

- ‌استيلاء عماد الدين زنكى على نصيبين

- ‌استيلاء عماد الدين زنكى على سنجار والخابور

- ‌استيلاؤه على حرّان

- ‌ذكر استيلاء الشهيد عماد الدين زنكىعلى مدينة حلب

- ‌ذكر استيلاء الأمير عماد الدينعلى مدينة حماة

- ‌ذكر الوقعة الكائنة بين الخليفة المسترشد باللهوبين عماد الدين زنكى

- ‌ذكر منازلة الخليفة المسترشد بالله مدينة الموصل

- ‌استيلاء شمس الملوك صاحب دمشق على حماة وأخذها من عماد الدين

- ‌ استيلاء عماد الدين على قلعة الصور

- ‌استيلاء عماد الدين على قلاع الهكّاريّة

- ‌منازلة عماد الدين دمشق

- ‌ذكر مقتل المسترشد وخلافة الراشد بالله

- ‌ذكر قدوم السلطان محمود بن مسعود بن محمد إلى بغدادوهروب الراشد بالله وعماد الدين زنكى إلى الموصل

- ‌ذكر البيعة بالخلافةللمقتفى لأمر الله بن المستظهر بالله

- ‌منازلة عماد الدين مدينة حمص

- ‌ذكر فتح المعرّة وكفر طاب

- ‌ذكر خروج ملك الروم إلى بلاد الإسلام

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين على حمص

- ‌ذكر منازلة الروم حلب ثم شيزر

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على حرّان ثانيا

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على شهرزور وأعمالها

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على بعلبك

- ‌ذكر منازلة عماد الدين زنكى دمشق

- ‌ذكر فتح الرّها

- ‌ ذكر مقتل نصير الدين جقر النائب بالموصل

- ‌ذكر رحيل عماد الدين عن البيرةوتملك المسلمين لها

- ‌ذكر استيلاء زين الدين على كوجك على إربل

- ‌ذكر منازلة عماد الدين قلعة جعبر

- ‌ذكر مقتل الشهيد عماد الدين أتابك زنكى ابن آق سنقر رحمه الله

- ‌ذكر أخبار الأيام النورية

- ‌ذكر استيلاء نور الدين محمود بن زنكى رحمه الله على حصن العزيمة

- ‌كسرة الفرنج بيغرى

- ‌ذكر وفاة سيف الدين غازى بن زنكى ابن آق سنقر رحمه الله

- ‌ذكر سيرة سيف الدين رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكى على الموصل

- ‌ذكر استيلاء نور الدين محمود بن زنكى على سنجار

- ‌ذكر الصلح بين قطب الدين وأخيه نور الدينورد سنجار إلى قطب الدين

- ‌ذكر قتل البرنس صاحب أنطاكية وكسرة الفرنج

- ‌ذكر فتح أفامية

- ‌ذكر انهزام نور الدين من الفرنج

- ‌ذكر وقوع جوسلين في أسر نور الدين رحمه الله

- ‌ذكر فتح تل باشر

- ‌ذكر استيلاء محمود بن زنكى على مدينة دمشقوخروج الملك عن بيت طغتكين

- ‌ذكر منازلة نور الدين رحمه الله حارم

- ‌ذكر استيلاء نور الدين على بعلبك

- ‌ ذكر استيلاء نور الدين على مدينتى بصرى وصرخد

- ‌ذكر بيعة المستنجد بالله

- ‌ذكر حصر نور الدين مدينة حارم

- ‌ذكر هزيمة نور الدين من الفرنج

- ‌ذكر مسير أسد الدين شيركوه الأوّل إلى مصر

- ‌ذكر وصول الفرنج إلى الديار المصريةومحاصرتهم أسد الدين ببلبيس

- ‌ذكر وقوع الصلح بين أسد الدين والمصريين والفرنج

- ‌ذكر فتح حارم وكسر الفرنج

- ‌ ذكر فتح بانياس

- ‌ ذكر فتح حصن المنيطرة

- ‌ذكر مسير أسد الدين شيركوه بن شاذى المسير الثانى إلى مصر

- ‌ذكر واقعة البابين

- ‌ذكر استيلاء أسد الدين شيركوه على الاسكندرية

- ‌ذكر محاصرة الفرنج لصلاح الدين يوسف بالاسكندرية

- ‌ذكر وقوع الصلح بين أسد الدين والفرنج والمصريين

- ‌ذكر فتح صافيثا والعزيمة

- ‌ذكر فراق الأمير زين الدين على كوجك قطب الدين مودودابن زنكى صاحب الموصل

- ‌ذكر استيلاء الملك العادل نور الدين على قلعة جعبر

- ‌ذكر مسير أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية[96]المسير الثالث

- ‌ذكر منازلة الفرنج بلبيس وملكهم لها

- ‌ذكر منازلة الفرنج القاهرة

- ‌ذكر إحراق مصر

- ‌ذكر وقوع الصلح بين شاور والفرنج

- ‌ذكر قدوم أسد الدين شيركوه مصرورحيل الفرنج عنها

- ‌ذكر مقتل شاور

- ‌ذكر استيلاء أسد الدين شيركوه على الديار المصريةوتقلده وزارة العاضد

- ‌ذكر وفاة أسد الدين شيركوه بن شاذى رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله على الديار المصرية، وتقلده وزارة العاضد

- ‌ذكر وقعة السودان بالقاهرة

- ‌ذكر منازلة الفرنج دمياط وعودتهم عنها خائبين

- ‌ذكر وصول الملك الأفضل نجم الدين أيوب بن شاذىوالد السلطان إلى مصر

- ‌ذكر وفاة قطب الدين مودود بن زنكىصاحب الموصل

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء سيف الدين غازى بن مودود بن زنكى على الموصل

- ‌ذكر استيلاء الملك العادل نور الدين رحمه الله على الموصل، وإقرار ابن أخيه سيف الدين عليها

- ‌ذكر البيعة بالخلافة للمستضىء بنور اللهابن المستنجد بالله

- ‌ذكر الأحداث الكائنة بمصر في هذه السنة- أعنى سنة ست وستين وخمسمائة

- ‌خروج الملك الناصر صلاح الدين إلى الغزاة

- ‌ذكر فتح قلعة أيلة

- ‌ذكر إقامة الدعوة العباسية بمصر وانقراض الدولة العلوية بها

- ‌ذكر وفاة العاضد

- ‌ذكر ابتداء الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين- رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر منازلة السلطان الملك الناصر صلاح الدينرحمه الله الكرك والشوبك

- ‌ذكر وصول الهدية المصرية إلى نور الدين

- ‌ذكر غزوة النوبة

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر المراسلة بين نور الدين وصلاح الدين- رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر قصد نور الدين رحمه اللهبلاد قليج أرسلان

- ‌ذكر الواقعة الكائنة بين مقدم الأرمن والروم

- ‌ذكر دخول قراقوش التقوى بلاد المغرب

- ‌ذكر دخول الملك المعظم شمس الدولة فخر الدين توران شاهابن أيوب اليمن وتملكه لها

- ‌ذكر عزم جماعة من المصريين على إقامة الدعوة المصريةوما آل اليه أمرهم

- ‌ذكر شىء من خبر عمارة وشعره

- ‌ذكر ورود الرسالة النورية إلى صلاح الدين

- ‌ذكر وفاة الملك العادل نور الدينابن زنكى بن آق سنقر - رحمه الله تعالى

- ‌صفته وسيرته رحمه الله

الفصل: ‌ذكر عزم جماعة من المصريين على إقامة الدعوة المصريةوما آل اليه أمرهم

«سبحان الله! قد كنت أعلمت أنى أدخل عدن في موكب عظيم، فأنا أنتظر ذلك وأسرّ به، ولم أكن أعلم أننى أدخلها على هذه الحالة» .

ولما فرغ الملك المعظم من أمر عدن عاد إلى زبيد، وحصر ما في الجبل من الحصون، فملك قلعة تعز، وهى من أحصن القلاع، وبها تكون خزائن صاحب (1) زبيد، وملك الجبل وغيرها من المعاقل والحصون (2)، واستناب بعدن الأمير عز الدين عثمان (3) بن الزنجبيلى، وبزبيد سيف الدولة مبارك بن منقذ، وهلك عبد النبى [وياسر (4)] في أسره، وجعل [الملك المعظم] في كل قلعة نائبا من أصحابه، وأحسن إلى أهل البلاد، وعدل فيهم، فعمرت البلاد وأمنت، [وأما الحرة زوجة عبد النبى فبلغه كثرة صدقتها وخيرها، فأحسن إليها وأطلقها، وأقطعها إقطاعا يقوم بأودها وأود من معها (5)].

‌ذكر عزم جماعة من المصريين على إقامة الدعوة المصرية

وما آل اليه أمرهم

وفى هذه السنة أراد جماعة من شيعة القصر الوثوب بمصر وإقامة الدعوة العلوية، وردها إلى ما كانت عليه؛ وكان منهم عمارة بن على اليمنى، وعبد الصمد الكاتب،

(1) س: «أصحاب» .

(2)

نص س: «وملك ما في الجبل من القلاع والحصون» . وفى (ابن الاثير): «وملك أيضا قلعة التعكر والجند وغيرها من المعاقل والحصون» .

(3)

س: «الامير عثمان عز الدين» فقط؛ هذا ويجد القارىء وصفا تفصيليا شائقا لخط سير الحملة الايوبية في اليمن وفتوحها هناك فيما رواه ابن أبى طى في (الروضتين، ج 1، ص 217) وفى مخطوطة: (السمط الغالى الثمن، ص 3 ا - 6 ب).

(4)

ما بين الحاصرتين عن س (43 ب).

(5)

ما بين الحاصرتين عن س (43 ب)، وهذا مثل واضح يدل على أن نسخة س - رغم عيوبها الكثيرة، أفادت بعض الأحيان في إقامة النص وتصحيحه وإكمال ما به من نقص.

ص: 243

والقاضى العويرس، وداعى الدعاة ابن عبد القوى، وغيرهم من جند المصريين ورجالتهم السودان، وحاشية القصر، ووافقهم على ذلك جماعة من أمراء صلاح الدين وجنده، فاطلعوا على أسرارهم؛ وعينّوا [145] الخليفة والوزير، وتقاسموا الدور والأملاك، واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من صقلية والشام إلى مصر، وبذلوا لهم شيئا (1) من المال والبلاد، وكان مقصودهم وما انطوت عليه نيتهم الرديّة أن الفرنج إذا قصدوا البلاد وخرج إليهم صلاح الدين بنفسه ثاروا هم بالقاهرة ومصر، وأعادوا الدعوة العلوية، وعاد من معه من العسكر الذين وافقوهم عليه، فلا يبقى لهم مقام مقابل الفرنج، وإن كان صلاح الدين يقيم ويرسل العساكر إليهم، ثاروا به، وأخذوه أخذا باليد، لعدم الناصر له والمساعد، وقال لهم عمارة:«أنا قد أبعدت (2) أخاه إلى اليمن خوفا أن يسد مسده (3)، وتجتمع الكلمة عليه بعده» ؛ فأرسلوا إلى الفرنج بصقلية والشام، وتقررت القواعد بينهم، ولم يبق إلا إتمام أمرهم، فكان ما قدرّه الله من فضيحتهم وانتهاك سر نيتهم (4)، - لما أراده الله تعالى من سعادة صلاح الدين وظهور أمره -، أن الفقيه الواعظ زين الدين على بن نجا (5) أدخلوه معهم في سرّهم، فداخلهم وأظهر لهم أنه على رأيهم، فاطلع على جميع أمورهم، وجاء إلى صلاح الدين وأظهره على جميع أمورهم، وكشفها له، وطلب

(1) في الاصل: «شىء» ، وما هنا عن س.

(2)

س: «انفدت» .

(3)

س: «أن يشد عتيده» والمؤلف ينقل هنا عن (ابن الأثير: الكامل، ج 11؛ ص 149 - 150).

(4)

س: «ستر سرهم» .

(5)

هو زين الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن نجا الدمشقى الحنبلى الواعظ، توفى بمصر في رمضان سنة 600 هـ عن إحدى وتسعين سنة، انظر ترجمته في:(النجوم الزاهرة، ج 6، ص 183 - 184) و (ابن العماد: شذرات الذهب).

ص: 244

منه ما لابن كامل (1) الداعى من الدور والعقار وكلما له من الموجود والمذخور، فبذل له صلاح كل ما طلبه، وأمره بمخالطتهم ومواطأتهم (2) على ما يريدون أن يفعلوه، وتعريفه بالمتجدد من أمورهم أولا فأولا، فصار يعلمه بكل (3) ما يتجدد لهم، ثم اتفق وصول رسول الفرنج بالساحل إلى صلاح الدين بهدية ورسالة، وهو في الظاهر إليه، وفى الباطن إلى أولئك الجماعة، فكان يرسل إليهم بعض النصارى، وتأتيه رسلهم.

وأتى الخبر إلى صلاح الدين من بلاد الفرنج بجلية الحال، فوضع صلاح الدين على الرسول بعض (4) من يثق إليه من النصارى، فداخله، فأخبره الرسول بالخبر على الحقيقة.

وقد ذكر في انكشاف [146] أمرهم أن عبد الصمد الكاتب كان إذا لقى القاضى الفاضل رحمه الله يخدمه ويتقرب إليه، ويبالغ في التواضع له، فلقيه يوما فلم يلتفت إليه، فقال القاضى الفاضل:«ما هذا إلا لسبب» ، وخاف أن يكون قد صار له باطن مع (5) صلاح الدين، فأحضر [زين الدين] على بن نجا الواعظ

(1) هو أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن كامل داعى الدعاة؛ ترجمته في: (العماد الأصفهانى: الخريدة، قسم شعراء مصر، ج 1، ص 186 - 187) و (ابن العماد: شذرات الذهب، ج 4، ص 235).

(2)

س: «وموافقتهم» ، والمؤلف هنا ينقل عن (البرق الشامى للعماد الأصفهانى) أنظر:(الروضتين، ج 1، ص 219).

(3)

س: «يعلم صلاح الدين بما يتجدد لهم» .

(4)

هذا اللفظ ساقط من س؛ والمؤلف يختصر هنا عن رسالة بقلم القاضى الفاضل - أوردها ابن أبى طى - مرسلة من صلاح الدين إلى نور الدين يشرح له فيها قصة المؤامرة في تفصيل شيق هام، انظر:(الروضتين، ج 1، ص 221).

(5)

في الأصل: «من» وما هنا عن س (44 ب) والمؤلف يعود هنا فينقل عن (ابن الأثير: الكامل، ج 11، ص 150).

ص: 245

وأخبره الحال، وقال:«أريد أن تكشف الأمر لى» ، فسعى (1) في كشفه فلم ير له من جانب صلاح الدين شيئا، فعدل إلى الجانب الآخر، فكشف الحال إليه، فحضر عند القاضى الفاضل فأعلمه، فقال له:«تحضر الساعة عند صلاح الدين وتنهى الحال إليه» ، فحضر عند صلاح الدين وهو في الجامع، وذكرا الحال، فأخذ الجماعة وقررهم، فأقروا، فحينئذ قبض عليهم، وأمر بصلبهم.

وكان عمارة بينه وبين القاضى الفاضل عداوة من أيام العاضد وقبلها، فلما أراد صلاح الدين صلبه قام القاضى الفاضل وخاطب صلاح الدين في إطلاقه، فظن عمارة أنه يحرّض على هلاكه، فقال لصلاح الدين:«يا مولانا، لا تسمع منه في حقى» ؛ فغضب القاضى الفاضل وخرج، وقال صلاح الدين لعمارة: إنه كان [والله (2)] يشفع لك»، فندم.

وأخرج عمارة ليصلب، فطلب أن يمرّ به على مجلس القاضى الفاضل، فاجتازوا به عليه، فأغلق بابه، ولم يجتمع به، فقال:

عبد الرحيم قد احتجب

إن الخلاص من العجب

ثم صلب هو والجماعة بين القصرين، وذلك يوم السبت لليلتين مضتا من شهر رمضان من هذه السنة - أعنى سنة تسع وستين وخمسمائة - وأفنى (3)[صلاح الدين] بعد ذلك من بقى منهم.

قال عماد الدين الأصفهانى: «وكان فيهم داعى الدعاة ابن عبد القوى، وكان عارفا بخبايا القصر وكنوزه، فباد (4) ولم يسمح بإبدائها، وبقيت تلك الدفائن مخزونة،

(1) في الأصل: «فسعا» .

(2)

ما بين الحاصرتين عن س.

(3)

في الأصل: «وأفنا» .

(4)

س: «فمات» .

ص: 246

وتلك الخزائن مدفونة (1)، قد دفن دافنها، وخزن تحت الثرى (1) خازنها، إلى أن يأذن الله تعالى في الوصول إليها، والاطلاع عليها».

واحتيط على ولد العاضد وغيرهم (2) من أهله، وأما الذين نافقوا على صلاح الدين [147] من جنده فلم يعرض لهم، ولا أعلمهم أنه علم بحالهم، وجمع من أموال الذين قبض عليهم ما يحمل إلى الشام ليستعين به نور الدين رحمه الله على الجهاد؛ [وكان شيئا كثيرا من الذهب والفضة وغير ذلك (3)].

وكان من جملة الذين أمر صلاح الدين بصلبهم قبالة القصر العوريس وكان قاضى

(1) س: «مخزونة» و «التراب» ، وما بالمتن يتفق ونص العماد، أنظر:(الروضتين، ج 1 ص 120).

(2)

في الأصل: «غيره» وما هنا عن (45 ا).

(3)

ما بين الحاصرتين عن س بعد تصحيحه لغويا، والذى نلاحظه أن ابن واصل يعتمد هنا في حديثه عن هذه المؤامرة الخطيرة على العماد الأصفهانى، وابن الأثير، وأبى شامة: وهؤلاء جميعا مؤرخون سنيون. ولابن أبى طى - وهو مؤرخ شيعى - رواية أخرى تتضمن حقائق وتفصيلات جديده هامة عن هذه المؤامرة، ولهذا آثرنا نقل روايته هنا، قال:«وفى هذه السنة اجتمع جماعة من دعاة المصريين والعوام، وتآمروا فيما بينهم خفية، وبكوا على انقراض دولة المصريين، وما صاروا إليه من الذل والفقر، ثم أجمعوا آراءهم على أن يقيموا خليفة ووزيرا، وتجمعوا هم وجماعة عينوهم من الامراء وغيرهم، وأن يكاتبوا الفرنج، وأن يثبوا بالملك الناصر، وأدخلوا معهم في هذا الأمر ابن مصال، وأعدوا جماعة من شيعة المصريين ليلة عينوها، وكاتبوا الفرنج بذلك، وقرروا معهم الوصول إليهم في ذلك الزمان المقرر، فخانهم ابن مصال فيما عاهدهم عليه، ونكث في اليمين وكفر عنها، وصار إلى الملك الناصر وعرفه بجلية ما جرى؛ قال: فأحضرهم واحدا واحدا وقررهم على هذه الحالة، فأقروا واعترفوا، واعتذروا بكونهم قطعت أرزاقهم وأخذت اموالهم، فأحضر السلطان العلماء واستفتاهم في أمرهم، فأفتوه بقتلهم وصلبهم ونفيهم، فأمر بصلبهم؛ وقيل بأن الذى أذاع سرهم زين الدين على الواعظ، وطلب جميع ما لابن الداعى (كذا) من العقار والمال، فأعطاه جميع ذلك؛ وكان الذين صلبوا منهم: المفضل بن كامل القاضى، وابن عبد القوى الداعى، والعوريس وكان قد تولى ديوان النظر ثم القضاء بعد ذلك، وشبر ما كاتب السر، وعبد الصمد القشة - أحد الأمراء المصريين - ونجاح الحمامى، ورجل منجم نصرانى أرمنى كان قال لهم إن أمرهم يتم بطريق علم النجوم، وعمارة اليمنى الشاعر» .

ص: 247

القضاة لهم، فحكى لى (1) القاضى تاج الدين - المعروف بابن بنت الأعز - قاضى القضاة بالديار المصرية رحمه الله (2) - قال:«كان العوريس رأى في منامه كأن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أخرج رأسه له من السماء، فقال له العوريس: الصلب حق؟ فقال المسيح عليه السلام: نعم الصلب حق؛ فقصّ العوريس رؤياه على معبر، فقال المعبر: الذى رأى هذه الرؤيا يصلب، لأن المسيح معصوم، فلا يقول إلا حقا، ولا يمكن كون ذلك راجعا إلى المسيح عليه السلام، لأن القرآن العظيم قد نصّ بأنه لم يصلب ولم يقتل، فبقى أن يكون ذلك راجعا إلى الرائى، فهو الذى يصلب، فكان الأمر كما قال المعبر» .

وسيّر صلاح الدين كتابا إلى نور الدين يتضمن ذكر القضية (3) بخط المرتضى ابن قريش، فاتفق وصول الكتاب إلى دمشق يوم وفاة نور الدين رحمه الله فمنه فصل يقول فيه:

«لم نزل نتوسم من جند مصر، ومن أهل القصر، بعد ما أزال [الله (4)] من بدعتهم، ونقض من عرى دولتهم، وخفض من مرفوع كلمتهم، أنهم أعداء وإن قعدت بهم الأيام، وأضداد وإن وقعت عليهم كلمة الإسلام» .

(1) المتحدث هنا هو المؤلف ابن واصل، لأن القاضى ابن بنت الاعز لم يكن معاصرا لصلاح الدين أو لهذه المؤامرة، إنما ولد سنة 614 هـ وتوفى سنة 665 هـ. انظر أخبار هذا القاضى وترجمته في:(ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، ج 7) و (ابن العماد: شذرات الذهب، وفيات 665 هـ).

(2)

هذا الدعاء يدل على أن ابن واصل كان يكتب هذا الجزء من تاريخه بعد سنة 665 هـ، وهى السنة التي توفى فيها ابن بنت الأعز.

(3)

س: «القصة» .

(4)

ما بين الحاصرتين عن: (الروضتين، ج 1، ص 220)، وقد أورد أبو شامة هناك فصولا من هذا الخطاب أطول بكثير مما أورده ابن واصل هنا.

ص: 248

ثم ذكر مكاتبتهم للفرنج وتردد رسلهم إليهم (1).

فصل: «والمولى عالم أن عادة أوليائه المستفادة من أدبه أن لا يبسطوا عقابا (2). مؤلما، ولا يعذبوا عذابا محكما، وهؤلاء القوم لا يزيدهم العفو إلا ضراوة ولا الرأفة عليهم إلا قساوة (3)، فقبضنا على طائفة مفسدة، وجماعة من هذا الجنس متمردة، قد اشتملت على الاعتقادات المارقة، والسراير المنافقة، فكلا أخذ الله [تعالى] بذنبه، فمنهم من أقرّ طائعا [148] عند إحضاره، ومنهم من أقرّ عند ضربه ولم يقم على إصراره، فانكشفت لنا تقريرات مختلفة في المراد، متفقة في الفساد؛ فمنهم من أقام رجلا من بنى عم العاضد، ومنهم من جعل ذلك لبعض أولاد العاضد، واختلف هؤلاء في تعيين واحد من ولدين له؛ وأما بنو رزيّك وبنو شاور فكل منهم أراد الوزارة لينيهم (4) من غير أن يكون لهم غرض في تعيين الخليفة» .

فصل: «وفى أثناء هذه المدة كاتبوا سنانا (5) صاحب الحشيشية بأن الدعوة واحدة، والكلمة جامعة، وأنه ما بين أهلها خلاف يجب به قعود عن نصره، واستدعوا منه من يقم على الملوك غيلة، ويثب عليه مكيدة وحيلة، فقتل الله بسيف

(1) في الأصل: «إليه» وما هنا عن س (45 ب).

(2)

في الأصل: «عذابا» ، وما هنا عن (الروضتين)؛ هذا والنص يختلف هنا أحيانا عما أورده أبو شامة في الروضتين، لأن المؤلف هنا يختصر، أما أبو شامة فيورد الفقرات التي ينقلها من نص الرسالة كاملة غير منقوصة.

(3)

س: «خسارة» .

(4)

س: «لبيتهم» وهو موافق لما في: (الروضتين، ج 1، ص 221).

(5)

هو راشد الدين سنان بن سلمان مقدم إسماعيلية الشام وكان يلقب بالشيخ أو شيخ الجبل ومعنى «الشيخ» هنا السيد أو الرئيس لا الرجل المسن. وقد عرفت هذه الفرقة «بالحشيشية» لأن أتباعها كانوا يتعاطون «الحشيش» . انظر: (محمد عبد الله عنان: تراجم إسلامية، ص 55 - 60) و (Casanova : Les Derniers Fatimides .Men oires de la Mission Archcelogique Francaise du Caire .Tome VI،3، P. P .415 - 445) .

ص: 249

الشرع المطهر جماعة من الغواة الغلاة، الدعاة إلى النار، الحاملين لأثقالهم وأثقال من أضلوه من الفجار، وشنقوا على أبواب قصورهم، وصلبوا على الجذوع المواجهة لدورهم، ووقع التتبع لأتباعهم، وشرد طائفة الاسماعيلية ونفوا، ونودى أن يرحل طائفة كافة الأجناد وحاشية القصر، وراجل (1) السودان إلى أقصى الصعيد، وأما من في القصر فقد وقعت الحوطة عليهم، ورأى المملوك إخراجهم من القصر فإنهم مهما بقوا (2) فيه بقيت مادة لا تنحسم الأطماع عنها، فإنه قبلة (3) للضلالة منصوبة، وبيعة للبدع محجوجة (4)».

«ومما يطرف به المولى أن ثغر الإسكندرية على عموم مذهب السنة فيه، اطلع البحث أن فيه داعية خبيثا أمره، محتقرا شخصه، عظيما كفره، يسمى قديدا القفّاص، وأن المذكور مع خموله في الديار المصرية قد فشت في الشام (5) دعوته، وطبقت عقول أهل مصر فتنته، وأن أرباب المعايش فيها يحملون إليه جزءا من كسبهم، والنساء يبعثن إليه شطرا [وافيا (6)] من أموالهن، ووجدت في منزله بالإسكندرية عند القبض عليه والهجوم إليه، كتب مجردة (7)، فيها خلع العذار، وصريح الكفر الذى ما عنه اندفاع واعتذار [149][ورقاع (8)]

(1) في الأصل: «ورحل» والتصحيح عن: س (46 ا) و (الروضتين، نفس الجزء والصفحة).

(2)

في الاصل: «بقيوا» والتصحيح عن س والروضتين.

(3)

في الروضتين: «حبالة» .

(4)

كذا في الاصل، وفى (الروضتين، ج 1، ص 221)؛ وقد علق عليها أبو شامة بقوله: «ولعلها محجوبة» .

(5)

كذا في الاصل، وفى (الروضتين)؛ وفى س (46 ا):«في البلد» .

(6)

ما بين الحاصرتين عن (الروضتين).

(7)

هذا اللفظ ساقط من (س).

(8)

ما بين الحاصرتين عن (الروضتين).

ص: 250