الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ابتداء أمر نجم الدين أيوب وأخيه أسد الدين شيركوه
كان أسد الدين شيركوه (1) أكبر سنا من نجم الدين أيوب، وكانا من أهل مدينة دوين (2) - وهى بلد من بلاد العجم قريب من أخلاط (3) - فاتفق أنهما سافرا منها، وقصدا العراق، وخدما الأمير مجاهد الدين بهروز (4) الخادم، وكان شحنة (5) ببغداد من قبل السلاطين السلجوقية؛ وكانت تكريت (6)
(1) شيركوه كلمة فارسية تتكون من لفظين: شير ومعناها أسد، وكوه ومعناها جبل؛ فالكلمة في جملتها تعنى أسد الجبل.
(2)
هكذا ضبطها (ياقوت، معجم البلدان) وعرفها بأنها بلدة من نواحى ارّان في آخر حدود أذربيجان بقرب من تفليس، منها ملوك الشام بنو أيوب؛ ولكن (ابن خلكان: الوفيات، ج 3، ص 470) ضبطها دوين. وعرفها بما لا يختلف كثيرا عن ياقوت، قال: هى بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرج.
(3)
هكذا ضبطها (القلقشندى: صبح الأعشى، ج 4، ص 353)، ويقال فيها أيضا خلاط، وهى إحدى مدن إرمينية الكبرى.
(4)
هكذا ضبطه (ابن خلكان: الوفيات، ج 3، ص 472). وقال إنه لفظ عجمى معناه يوم جيد على التقديم والتأخير على عادة كلام العجم، وذلك أن به معناها جيد، وروز معناها يوم؛ وقد كان مجاهد الدين بهروز بن عبد الله الغياثى خادما روميا أبيض اللون، تولى شحنة بالعراق من جهة السلطان مسعود السلجوقى. وكان صاحب همة في عمل المصالح الجليلة وعمارة البلاد، واسع الصدر والصبر في البذل والانفاقات والمطاولة والمراجعة إذا امتنع عليه الغرض، وبنى في بغداد رباطا وقف عليه وقفا جيدا، ومات في رجب سنة 540
(5)
جاء في اللسان: «وشحن البلد بالخيل ملأه، وبالبلد شحنة من الخيل أي رابطة، قال ابن برى: وقول العامة في الشحنة إنه الأمير غلط» غير أن هذا الغلط هو ما كان يستعمله الناس دائما ويتردد في كتب التاريخ العربية في العصور الوسطى، فالشحنة - ويقال الشحنسكية - رياسة الشرطة، أو محافظ المدينة أو الأمير المشرف على حراستها؛ ويجمع هذا اللفظ على: شحن، وشحانى. انظر أيضا:(المقريزى: السلوك، ج 1، ص 36، 35، 979، 982؛ Dozy : Sup .Dict .Arab).
(6)
هكذا ضبطها ياقوت، وقال: والعامة تقول: تكريت، وذكر أنها بلدة مشهورة بين بغداد والموصل، وهى إلى بغداد أقرب، ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة، وهى غربى دجلة.
إقطاعه فتقدما عند مجاهد الدين، وفوّض [مجاهد الدين] إلى نجم الدين أيوب دزداريّة (1) تكريت، فسارا إليها، ونزلا بقلعتها، فأقاما بها مدة.
ولما وقعت الحرب بين الخليفة المسترشد بالله (2) والأمير عماد الدين زنكى ابن آق سنقر سنة ست وعشرين وخمسمائة - على ما سنذكره - وكسر الخليفة عماد الدين زنكى، خدم نجم الدين أيوب أتابك زنكى، وأقام له السفن حتى عبر هناك دجلة، واتبعه أصحابه، وأحسن نجم الدين أيوب وأخوه (3) أسد الدين شيركوه صحبته. وكان هذا أول المعرفة بين عماد الدين زنكى وبين نجم الدين أيوب وأخيه أسد الدين شيركوه، ومبدأ سعادتهما، ولكل شىء سبب.
ثم جرى لنجم الدين أيوب ما أوجب صرفه عن ولاية تكريت، فقيل: كان السبب أن أسد الدين شيركوه قتل إنسانا بتكريت ظلما، فعزل مجاهد الدين أخاه [نجم الدين] (4) لذلك؛ وقيل: إن نجم الدين أيوب رمى مملوكا من مماليك مجاهد الدين بهروز بسهم فقتله، فخشى نجم الدين، فتوجّه نحو الموصل ومعه أخوه أسد الدين، فخدما عماد الدين زنكى بن آق سنقر - صاحب الموصل - فأحسن إليهما، وقربهما، ورعى لهما خدمتهما له، وبالغ في إكرامهما، وأقطعهما إقطاعات جليلة وترقّت [4] أحوالهما عنده، فلما فتح عماد الدين زنكى بعلبك، جعل نجم الدين أيوب
(1) كلمة فارسية مكونة من لفظين: دز - ويقال دز - أي قلعة، ودار الحافظ أو الممسك، فكأن معناها صاحب القلعة أو متوليها؛ انظر:(الجواليقى: المعرب، ص 267؛ ابن خلكان: الوفيات، ج 3، ص 472؛ Dozy : Sup .Dict .Arab).
(2)
المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله (512 - 529)؛ انظر تفاصيل هذه الحرب بينه وبين زنكى في: (ابن الجوزى: المنتظم، ج 10، ص 26؛ ابن الأثير: الكامل، ج 10، ص 289؛ السيوطى: تاريخ الخلفاء، ص 286 - 287).
(3)
في الأصل: «وأخاه» .
(4)
أضفنا ما بين الحاصرتين ليتضح المعنى.
دزدارا فيها، فلم يزل متوليها إلى أن قتل عماد الدين زنكى على قلعة جعبر سنة إحدى (1) وأربعين وخمسمائة - على ما سنذكره.
وكان صاحب دمشق إذ ذاك مجير الدين أبق (2)، بن جمال الدين محمد، ابن تاج الملوك بورى (3)، بن ظهير الدين طغتكين؛ وكان طغتكين هذا أتابك الملك شمس الملوك دقاق، بن تاج الدولة تتش، بن السلطان ألب أرسلان السلجوقى؛ فلما مات دقاق استقل طغتكين بملك دمشق، وملك بعده ابنه تاج الملوك بورى، ثم ملك بعد تاج الملوك ابنه شمس الملوك إسماعيل، فقتلته والدته، وملّكت أخاه شهاب الدين محمود، بن بورى (3)؛ ثم قتل شهاب الدين، وولى أخوه جمال الدين محمد؛ ثم توفى جمال الدين، وملك بعده ولده مجير الدين أبق (2)، وكان أتابكه والقيّم بأمره معين الدين أنر (4) - مملوك جده طغتكين -.
فلما قتل عماد الدين زنكى على قلعة جعبر، راسل مجير الدين وأتابكه معين الدين نجم الدين أيوب ليسلم إليهما بعلبك، على أن يعطوه إقطاعا جليلا بدمشق، فأجابهما إلى ذلك، وسلّم إليهما بعلبك، ونزل نجم الدين أيوب بدمشق، وتسلم الإقطاع الذى عيّن له؛ وقد ذكر أن تسليم نجم الدين أيوب بعلبك
(1) في الاصل: «أحد» .
(2)
في الاصل: «أتق» ، وقد صحح الاسم بعد مراجعة:
(Zambaur،Op .CiT .P ،225) ومجير الدين أبق هو سادس وآخر من حكم دمشق من بنى بورى، حكمها في سنة 534، وظل يحكمها إلى أن عزله عنها نور الدين محمود بن زنكى في سنة 549.
(3)
في الاصل «نورى» .
(4)
تكاد تجمع المراجع على ضبط هذا الاسم هكذا «أنر» ولكن الذهبى انفرد بضبطه كما في المتن ونص عليه «على الالف ضمة وفتح النون» وقد توفى معين الدين أنر في سنة 544، ودفن بدمشق بقبته بين دار البطيخ والشامية، وبنى في دمشق مدرسته المعينية لتدريس المذهب الحنفى. انظر:(النعيمى: الدارس في المدارس، ج 1، ص 588؛ Zambaur : Op Cit .P . 30،225).
إلى صاحب دمشق كان سببه أنه راسل الأمير سيف الدين غازى بن عماد الدين زنكى - وهو أكبر من أخيه نور الدين محمود رحمه الله ليسلم إليه بعلبك ويرسل إليه من يحفظها، فأبطأ عليه بسبب اشتغال سيف الدين بترتيب الممالك الشرقية، وخاف نجم الدين أن تؤخذ منه عنوة، ويناله أذى، فسلّمها إلى صاحب دمشق بسبب ذلك.
واتصل الأمير أسد الدين شيركوه بن شاذى - أخو نجم الدين أيوب - بخدمة نور الدين محمود، بن عماد الدين زنكى، وصار من أخص أصحابه، ومقدما على سائر أمرائه، لما عرفه من شهامته وشجاعته، وإقدامه في الحرب على ما لا يقدم عليه غيره؛ ولم يزل حاله ينمو عنده إلى أن أقطعه مدينتى حمص والرحبة.
ولما قويت أطماع نور الدين محمود بن زنكى في ملك دمشق [5] وأخذها من صاحبها مجير الدين أبق بن محمد، أمر أسد الدين شيركوه بمكاتبة أخيه نجم الدين أيوب، وكان بها مقيما، وطلب منه مساعدته على ما هو بصدده، فطلب هو وأخوه نجم الدين أيوب من الإقطاع شيئا كثيرا ببلد دمشق، فبذل لهما نور الدين ما طلبا، وحلف لهما على ذلك فساعد نجم الدين في تسليم البلد إلى نور الدين، فتسلمه، ووفى لهما بما حلف لهما عليه، وصارت منزلتهما عنده في أعلا الرتب؛ وصار أسد الدين شيركوه مقدم جيوشه وعساكره
ثم كان من قصد أسد الدين الديار المصرية بعساكر نور الدين ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ولما كان ابتداء أمر نجم الدين وأخيه أسد الدين مبنيا على الدولة الأتابكية كان الأولى الابتداء بذكر الدولة الأتابكية.