الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى (1) سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة نازل عماد الدين دقوقاء (2) وملكها بعد أن قاتل على قلعتها قتالا شديدا.
منازلة عماد الدين مدينة حمص
(3)
قد ذكرنا أن حمص كانت لصمصام الدين خترخان بن قراجا، وأن عماد الدين قبض عليه سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وحبسه في قلعة حلب، ثم نقله إلى الموصل فحبسه بها، وقتل في الحبس سنة تسع وعشرين وخمسمائة، فولى حمص بعده ولده عين الدولة إيلخان (4) بن خترخان، والمدبر لأمره اسباسلار خمرتاش - مملوك أبيه -.
ولما كان في سنة ست وعشرين وخمسمائة وثب على عين الدولة مملوكه [ومملوك أبيه (5)] بزغش فقتله، وكان بالقلعة زوج لجارية خترخان، ومعه ابن لخترخان، فقتل بزغش، وأجلس في الأمر قريش بن خترخان (6)، والمدبر لأمره اسباسلار خمرتاش، ثم سلم خمرتاش حمص الأمير شمس الملوك إسماعيل بن بورى - صاحب دمشق - وأخذ منه عوضا اقترحه عليه، فلما قتل شمس الملوك، وولى أخوه
(1) قبل هذا الخبر في (س) ورد هذا اللفظان: «قال الراوى» دون أن يحدد من هو وأغلب الظن أن كاتب نسخة (س) كتبها بالاملاء عن غيره، وأن هذين اللفظين كانا من مستلزمات المملى.
(2)
في الأصل: «دقوقا» وقد ضبط اللفظ بعد مراجعة ياقوت حيث ذكر أنها مدينة بين إربل وبغداد.
(3)
هذا العنوان غير موجود في (س) والكلام هناك متصل.
(4)
رسم هذا اللفظ في الأصل هكذا: «أي لخان» وهو في (س): «أبى طان» .
(5)
ما بين الحاصرتين عن: (س) ص 2 ب.
(6)
في الأصل: «ختلخان» ، والتصحيح يقتضيه النص.
شهاب الدين محمود بن بورى (1) سلم حمص للأمير معين الدين أنر (2) - مملوك جده طغتكين -، فلما كانت هذه السنة - سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة - توجه الأمير عماد الدين من الموصل إلى حمص، وحصرها، وقبل وصوله إليها نازلها حاجبه [42] الأمير صلاح الدين محمد بن أيوب الياغيسيانى - صاحب حماة، وهو أكبر أمرائه -، وكان ذا مكر وحيل، أرسله عماد الدين (3) ليتوصل مع من فيها ليسلموها إليه، فوصل إليها وفيها الأمير معين الدين أنر (2) - وهو أكبر أمراء دمشق وإقطاعه حمص -، فلم ينفذ فيه مكره، ثم وصل عماد الدين فحصرها، وعاود معين الدين في تسليم البلد غير مرة، تارة بالوعد وتارة بالوعيد، فاحتج بأنها ملك شهاب الدين، وأنها بيده أمانة لا يسلمها إلا عن غلبة (4)، فأقام عليها إلى العشرين من شوال، ثم رحل عنها من غير بلوغ غرض.
ذكر فتح قلعة بارين (5) وكسر الفرنج - لعنهم الله -
ثم سار الأمير عماد الدين من حمص ونازل بارين - وهى للفرنج بالقرب من مدينة حماة -، وزحف إليها، فحشد الفرنج فارسهم وراجلهم، وساروا إلى عماد الدين
(1) هذه الفقرة السابقة لهذا الرقم كلها استطراد من ابن واصل لتفصيل هذه الحقبة من تاريخ حمص، وهو استطراد هام للغاية إذ لا يوجد له شبيه في كل المراجع التي تؤرخ لهذا العصر، وهذه ميزة لابن واصل ولكنا به فقد اعتاد أن يقف طويلا وأن يتحدث تفصيلا كلما ورد ذكر مدينة من مدن الشام الشمالية، وخاصة المدن الهامة الثلاثة: حماة - وطنه الأصلى -، وحمص، وحلب.
(2)
في الأصل: «أتز» أنظر ما فات هنا، ص 9، هامش 4
(3)
في (س): «عماد الدين إليها ليسلموها» ، وما هنا يتفق ونص ابن الأثير (ج 11، ص 19)
(4)
في (س): «عن إذنه» وما هنا يتفق ونص ابن الأثير.
(5)
في الأصل: «ماردين» وهو خطأ، والتصحيح عن:(س) و (ابن الأثير)؛ أنظر أيضا النص فيما يلى. وهى في (ابن الأثير، ج 11 ص 20): «بعرين» ؛ والرسمان صحيحان، وإنما بعرين هو ما تستعمله العامة، وبارين تقع بين حماة وحلب، (ياقوت: معجم البلدان).
في ملوكهم وقمامصتهم (1) وكنودهم (1) ليرحلوه عن بارين فلقيهم وقاتلهم أشد قتال، وصبر الفريقان، فهزم الفرنج، وأخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب، فاحتمى ملوكهم وفرسانهم بحصن بارين - لقربه منهم -، فحصرهم المسلمون، ومنع عماد الدين منهم كل شىء، وتعذر وصول الأخبار إليهم، ودخلت القسوس والرهبان بلاد الروم والفرنج وما والاها من بلاد النصرانية، مستنصرين على المسلمين، وأعلموهم أن زنكى إن أخذ حصن بارين ومن فيها من الفرنج ملك جميع بلادهم في أسرع وقت لعدم المحامى عنها، وأن همة المسلمين مصروفة إلى فتح بيت المقدس، فحشدت النصرانية وجمعت، وقصدوا الشام مع ملك قسطنطينية.
وجدّ عماد الدين في حصار بارين، وعدمت عندهم الذخائر حتى أكلوا الدواب، فأذعنوا بالتسليم ليؤمنهم ليعودوا إلى بلادهم، فلم يجبهم [إلى ذلك (2)] فلما سمع بقرب ملك الروم واجتماعه بمن بقى من الفرنج أعطاهم الأمان، وتسلم منهم الحصن،
(1) يتردد ذكر «القومص» كثيرا في الكتب العربية التي أرخت للحروب الصلبية كالروضتين لابى شامة والكامل لابن الأثير، وهو تعريب حرفى للفظة اللاتينية (Comes) أي الأمير، ومعناها الأصلى في اللاتينية «الرفيق» لأنه كان في بادىء الأمر يرافق الملك في حروبه وتنقلاته، ثم سمى بالأمير، وقد تختلف المراجع في رسم هذا للفظ، فهو القمّس، أو القومس أو القمّص، أو القومص؛ وهم تارة يؤنثونه فيقولون: القومصيّة، أو القومصة، وكما اختلفت المراجع في رسم المفرد اختلفت أيضا في رسم الجمع، فهو عندهم: قمامس، وقمامسة، وقمامصة، وقوامص؛ ولفظة (Comes) هى التي حورت في اللغة الفرنسية إلى (Comte) وهذه هى ما اعتادت نفس المراجع أن تعربها إلى «كد»؛ واختلفوا في رسم هذا اللفظ أيضا فهو عندهم: كند، وقند، وهم يجمعونهم على كنود. وهو عين اللفظ الذى اعتاد الكتاب المحدثون أن يرسموه هكذا «كنت» أو «كونت» ، ومعنى اللفظين واحد وهو الأمير، وإنما الأول مأخوذ عن اللاتينية (Comes) والثانى عن الفرنسية (Comte) أنظر:(الأب انستاس مارى الكرملى: ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب، مجلة الرسالة، العدد 411، 19 مايو سنة 1941).
(2)
ما بين الحاصرتين عن (س) و (ابن الأثير).