الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنوة، [وقتل كل من فيهما وسبى (1)]، وخرّب، وغنم المسلمون غنائم كثيرة، وعادوا إليه وهو بعرقة.
وسار [نور الدين] بالعساكر نحو طرابلس فراسله الفرنج وبذلوا له إعادة (2) ما أخذوه من المركبين، وطلبوا تجديد الهدنة، فأجابهم إلى ذلك، [وردت المركبان بما فيهما إليه ولم ينفد منها شىء (3)].
ذكر ابتداء الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين
- رحمهما الله تعالى
-
وفى هذه السنة أرسل نور الدين إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمصير بها إلى بلاد الفرنج، والنزول بها على الكرك ومحاصرته، ويجتمعا هناك على حرب الفرنج والاستيلاء على بلادهم، فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرم من [هذه (3)] السنة، وكتب إلى نور الدين أن رحيله لا يتأخر، وكان نور الدين قد جمع العساكر وتجهز (4)، فأقام ينتظر ورود (5) الخبر من صلاح الدين ورحيله ليرحل هو؛ فلما أتاه (5) الخبر بذلك رحل من دمشق عازما على قصد الكرك، فوصل إليه، وأقام ينتظر صلاح الدين، فأتاه كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال أحوال البلاد (6)، وأنه يخلف عليها من البعد عنها، فعاد إليها، فلم يقبل نور الدين عذره ورجع.
(1) ما بين الحاصرتين عن س (38 ا)، ومكان هذه الجملة في الأصل:«وكذلك غيرهما» .
(2)
هذا اللفظ غير موجود في س.
(3)
ما بين الحاصرتين زيادات عن س (38 ا).
(4)
في س: «وتجهزوا» .
(5)
هذه الجملة ساقطة من س.
(6)
في س (38 ا): «باختلال البلاد وأحوالها» .
قلت: هكذا ذكر بعضه المؤرخين، ولم يذكر غيره أن نور الدين نازل الكرك في هذه السنة، بل كلهم ذكر أن نور الدين كاتب صلاح الدين بالمسير إلى الكرك، فخرج متوجها إليها، ثم عاد، وكان السبب في عود صلاح الدين أن أصحابه وخواصه خوّفوه من الاجتماع بنور الدين (1).
ولما لم يمتثل صلاح الدين أمر نور الدين عظم ذلك عليه، وعزم على الدخول إلى الديار المصرية وإخراج صلاح الدين عنها، فبلغ الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب، وخاله شهاب الدين الحارمى ومعهم سائر الأمراء، وأعلمهم بما قد عزم عليه نور الدين في قصده وأخذ مصر منه، واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشىء، فقام ابن أخيه الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهنشاه [135] بن نجم الدين أيوب، وقال:«إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد» ، ووافقه غيره من أهله، فشتمهم نجم الدين أيوب، وأنكر ذلك عليهم غاية الإنكار، وقال لصلاح الدين:«أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك، أتظن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا؟» فقال: «لا» ، فقال:«والله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدين لم يمكننا إلا أن نترجل إليه، ولو أمرنا بضرب عنقك بالسيف لفعلنا، فإذا كنا نحن هكذا فكيف يكون غيرنا؟ وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه، ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه، وهذه البلاد له، وقد أقامك فيها، فإن أراد عزلك عزلك (2)، وأى حاجة له إلى المجىء؟ يأمر بكتاب مع نجّاب حتى تقصد خدمته، ويولى بلاده من يريد» ، وقال للجماعة كلهم: «قوموا عنا فنحن
(1) صيغة س يختلف قليلا، وهى:«بنور الدين فعاد إلى مصر ولم يمتثل أمر نور الدين، فلما بلغ نور الدين ذلك عظم عليه. . . إلخ» .
(2)
في س (38 ب)«: فان أراد عزلك فأى حاجة. . . إلخ» .
مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد»، وتفرقوا على هذا الحال، وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر، ولما خلا نجم الدين بابنه صلاح الدين قال له:«أنت جاهل قليل المعرفة، تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على ما في نفسك، فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه من البلاد جعلك من أهم أموره وأولاها بالقصد، ولو قصدك لم تر معك من هذا العسكر أحدا، وكانوا يسلمونك إليه، وأما الآن بعد هذا المجلس سيكتبون إليه ويعرفونه قولى، فتكتب إليه وترسل في هذا المعنى، وتقول: «أي حاجة إلى قصدى؟ نجّاب يأخذنى بحبل يضعه (1) في عنقى» ، فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك (2) واشتغل بما هو أهم عنده، والأيام تندرج، والله كل يوم في شأن»؛ فعلم صلاح الدين صحة ما أشار به والده [ففعل ما أمره به (3)]، فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده، واندرجت الأيام - كما قال نجم الدين (4) - وكان ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
(1) في س: «يصوره» .
(2)
في س: «قصده اليك» .
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن س (39 ا).
(4)
المصدر الأصلى لهذه القصة هو (ابن الأثير: الكامل، ج 11، ص 139) وقد نقلها عنه مع تغييرات طفيفة (أبو شامة: الروضتين، ج 1، ص 203 - 204)، ونص ابن واصل هنا متفق مع نص أبى شامة. وللأستاذ محمد فريد أبو حديد رأى مخالف في هذا الموضوع. أنظر كتابه:(صلاح الدين الأيوبى وعصره، ص 73 - 81). والذى نراه أن ابن الاثير يتلمس المناسبات أحيانا لغمز صلاح الدين ونقده وخاصة عند المقارنة بينه وبين نور الدين، وقد يكون لنشأته في الموصل - موطن نور الدين والبيت الأتابكى عموما - أثر في هذا. أنظر رأى الأستاذ جب في هذا الموضوع في:(H .A .H،Gibb : The : Arabic Sources for the Life of Saladin .Speculum .vol .XXV .No . I January 1950 pp .85 - 47).