الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، فأجلس في الملك سيف الدين بن غازى بن قطب الدين مودود، ورحل عماد الدين زنكى بن مودود إلى عمه نور الدين مستنصرا به؛ وكان عمر قطب الدين لما توفى قريبا من أربعين سنة، ومدة ملكه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا.
وفى هذه السنة توفى الأمير مجد الدين بن الداية، وهو رضيع نور الدين، وكان أعظم الأمراء منزلة عنده، وكان له من الإقطاع حارم، وقلعة جعبر، فردّ ما كان إليه إلى أخيه شمس الدين بن الداية.
ذكر استيلاء الملك العادل نور الدين رحمه الله على الموصل، وإقرار ابن أخيه سيف الدين عليها
ولما بلغ نور الدين رحمه الله وفاة أخيه قطب الدين بالموصل، واستيلاء عبد المسيح واستبداده بالأمور أنف من ذلك وعظم عليه، وكان شديد البغض لعبد المسيح - كما ذكرنا - فقصد الرّقة، في سنة ست وستين وخمسمائة، فتسلمها على عوض أعطاه النائب بها.
وحكى عماد الدين الكاتب رحمه الله قال: «استدعانى نور الدين - ونحن بظاهر الرّقة -، وقال لى: قد أنست بك، وأمنت إليك، وأنا غير مختار للفرقة، لكن المهم [118] الذى عرض لا يبلغ الغرض فيه غيرك، فتمضى إلى الديوان العزيز جريدة، وتنهى إليه أنى قصدت بيتى وبيت والدى، فأنا كبيره ووارثه، وتأخذ لى منه إذنا في ذلك، وأنا ممتثل لما يرد علىّ منه؛ وأمر الأمير ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه أن يسيّرنى إلى الرحبة في رجال من عنده،
وسرت منها إلى البرية غربى الفرات بخفير من بنى خفاجة، فوصلت، وقضيت الحاجة، ورجعت من عند الخليفة المستنجد بالله - وهو يحاصر سنجار -.
ولما ملك نور الدين الرّقة سار إلى الخابور فملكه جميعه، ثم ملك نصيبين، وأقام بها بجميع العساكر، فأتاه نور الدين محمود بن قرا أرسلان الأرتقى - صاحب الحصن -، واجتمعت عليه العساكر؛ ثم سار إلى سنجار فحاصرها، ونصب عليها المجانيق، وكان بها عسكر كثير من الموصل، فكاتبه عامة الأمراء الذين بالموصل يحثونه على السرعة إليهم ليسلموا البلد إليه؛ وأشاروا بترك سنجار، فلم يقبل منهم، وأقام حتى ملك سنجار وسلمها إلى ابن أخيه عماد الدين زنكى بن مودود؛ ثم سار إلى الموصل فأنى إلى بلد، وعبر دجلة من مخاضة عندها إلى الجانب الشرقى، ثم سار حتى وصل شرقى الموصل على حصن نينوى، ودجلة بينه وبين الموصل؛ وبوصوله - أعنى وصول نور الدين - سقط من سور الموصل بدنة كبيرة.
وكان فخر الدين عبد المسيح قد سيّره عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود إلى أتابك إيلدكز - صاحب بلاد الجبل وأذربيجان -، وأراد يستنجدوه، فأرسل إيلدكز رسولا إلى نور الدين ينهاه عن قصد الموصل، ويقول له: إن هذه البلاد للسلطان، ولا سبيل لك عليها، فلم يلتفت نور الدين إلى رسالته، وكان بسنجار، فسار إلى الموصل، وقال للرسول: «قل لصاحبك أنا أرفق ببنى أخى منك، فلا تدخل نفسك بيننا، وعند الفراغ من إصلاحهم يكون الحديث معك على باب همذان، فإنك قد ملكت نصف بلاد الإسلام، وأهملت الثغور، حتى غلب الكرج (1) عليها،
(1) الكرج أمة من المسيحيين، كانت مساكنها بجبال القوقاز المجاورة لتفليس، ثم استولوا على تفليس من المسلمين سنة 515 هـ، ولم يزالوا متملكين لها إلى أن أغار عليهم جلال الدين خوارزمشاه سنة 621 هـ واسترد تفليس منهم. انظر:(Allen : History of the Georgian People PP .85 - 112) .
وبليت أنا بأشجع الناس - الفرنج -، وأخذت بلادهم، وأسرت ملوكهم، فلا يجوز لى أن أتركك على ما أنت عليه، فإنه يجب علينا الحفظ لما أهملت من بلاد الإسلام، وإزالة الظلم [119] عن المسلمين». وعاد الرسول بهذا الجواب.
ثم إن الأمراء الذين بالموصل كاتبوا نور الدين وأعلموه عزمهم على الوثوب بعبد المسيح وتسليم البلد إليه، ولما علم عبد المسيح بذلك راسله في تسليم البلد إليه وتقريره على سيف الدين، ويطلب الأمان وإقطاعا يكون له، فأجابه إلى ذلك، وقال:«لا سبيل إلى لقائك بالموصل؛ بل تكون عندى بالشام، فإنى لم آت لآخذ البلاد من أولادى. وإنما جئت لأخلص الناس منك، وأتولى أنا تربية أولادى» ؛ واستقرت القاعدة على ذلك؛ وتسلم نور الدين الموصل، ودخلها لثلاث عشرة ليلة مضت من جمادى الأولى من هذه السنة - أعنى سنة ست وستين وخمسمائة -، ونزل في القلعة، وولّى بالقلعة سعد الدين كمشتكين، وأبقى بالموصل سيف الدين غازى بن مودود، واسم الملك له، وقسّم تركة قطب الدين بين أولاده بمقتضى الفريضة.
ذكر وفاة الخليفة المستنجد بالله (1) أبى المظفر يوسف بن المقتفى وسيرته
كنا ذكرنا وفاة المقتفى لأمر الله في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ومصير الخلافة إلى ولده المستنجد بالله أبى المظفر يوسف، وأنه أقام بوزارته عون الدين
(1) أنظر ترجمته في: (ابن الجوزى: المنتظم، ج 10، ص 192 - 194 و 236) و (ابن الأثير: الكامل، ج 11، ص 134 - 135) و (سبط ابن الجوزى: مرآة الزمان، ج 8، ق ا، ص 282 - 283) و (ابن طباطبا: الفخرى، ص 279 - 282) و (السيوطى: تاريخ الخلفاء، ص 293 - 294) و (ابن دحية: النبراس، ص 158 - 159).
أبا (1) المظفر يحيى بن هبيرة (2) - وزير والده -، وكان عنده معظما كما كان عند والده، ثم بعد ذلك جرت مشاحنة بين الوزير عون الدين وأستاذ الدار عضد الدين محمد بن عبد الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء، واشتد الأمر بينهما (3)؛ وكان عضد الدين هذا متمكنا عند الخليفة المستنجد بالله، فبقى عون الدين مداريا له مستوحشا منه [وطلب الإقالة من الخليفة فأقاله، ولزم بيته (4)]، إلى أن توفى الوزير عون الدين ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الأول سنة ستين وخمسمائة.
وكان من أعيان الوزراء، وكان إقطاعه في ديوان الخلافة (5) في كل سنة ما يقارب مائة ألف دينار، ومات وعليه ديون جمة، ولم يدخر ملكا ولا دينارا ولا درهما؛ وكان ابتاع دارا من (6) صدقة بباب العامة، فقيل له: باسم من تكتبه؟ فقال: باسم الوكلاء - أجلهم الله تعالى - يعنى وكلاء الخليفة؛ فقيل له في ذلك، فقال:«إن كنت في الوزارة فهذه الدار لى وغيرها، وإذا عزلت عنها فأرجو أن أمكّن من الإقامة ببعض المساجد» .
وكانت مدة وزارته للخليفتين المقتفى والمستنجد، ست (7) عشرة سنة (8).
(1) في الأصل: «أبو» .
(2)
أنظر ترجمته في: (ابن الجوزى: المنتظم، ج 10، ص 214 - 217) و (ابن خلكان: الوفيات، ج 5، ص 274 - 287).
(3)
بهذا اللفظ تبدأ ص (30 ا) من نسخة س. وبذلك نعود للمقارنة بين نصى النسختين: (ك، س).
(4)
ما بين الحاصرتين زيادات عن س (ص 30 ا).
(5)
في س: «الخليفة» .
(6)
في س: «دارين صدقة» .
(7)
في س (30 ا): «سبع» .
(8)
يوجد في س (ص 30 ا) بعد هذا اللفظ الجملة الآتية: «وقد ذكرناه في تاريخ القاضى شهاب الدين على غير هذه الصورة» .