الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر البيعة بالخلافة
للمقتفى لأمر الله بن المستظهر بالله
[39]
قال مؤيد الدين بن الأنبارى (1). كاتب الانشاء: - «لما كان هذا اليوم - وهو يوم الأحد سابع عشر (2) ذى القعدة - من هذه السنة - أعنى سنة ثلاثين وخمسمائة - مضى الوزير شرف الدين على بن طراد الزينبى إلى دار السلطان ونحن معه، وأخذ السلطان خط الوزير وخطوطنا بالضمان، ثم صرنا إلى دورنا، وأصبحنا يوم الاثنين فحضرنا عند الأمير أبى عبد الله محمد بن المستظهر بالله، وتحدث الوزير معه، وتحدثنا معه، وشرطنا عليه القيام بأمر الخلافة وطاعة السلطان، وأعلمناه أننا قد ضمنا للسلطان جميع ما اقترحه علينا، فرضى بذلك، وانفصلنا عنه، ومضينا إلى السلطان، وأعلمناه ما جرى، وأنه رضى بما اشترطنا عليه، فقال السلطان: «إذا كان كما قلتم فبايعوه» ، فلما كان الغد صعدنا إلى الدار فأخرجنا منها أشياء من الآلات التي تصلح للغناء، وأشياء لا تليق، وشهد جماعة من أهل الدار أن الراشد كان يشرب الخمر، فأفتى العلماء بخلعه، وحكم القضاة بذلك، فخلعوه من الخلافة.
ودخلت إلى الأمير عبد الله محمد، أنا والوزير وصاحب المخزن، وتحدثنا معه، وناولته رقعة (3) مما يلقب به، فكان فيها: المقتفى بأمر الله، والمستضئ بنور الله،
(1) هذا الحديث منقول أيضا عن الفارقى.
(2)
في الفارقى: «عاشر ذى القعدة» ، وهو خطأ واضح لأنه قال بعد ذلك:«وأصبحنا يوم الاثنين سابع عشر ذى القعدة. .» .
(3)
الفارقى: «رقعة فيها ما يسمى به من اللقب» .
والمستجير بالله (1)، فقال الخليفة:«ذلك إليكم» ، ثم قال لى الخليفة:«ماذا ترى؟» فقلت: «المقتفى لأمر الله» فقال: «مبارك» ثم مد يده، فأخذها الوزير وقبلها، وقال:«بايعت سيدنا ومولانا الإمام المقتفى لأمر الله أمير المؤمنين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتهاده» ؛ ثم أخذها صاحب المخزن وقبلها، وبايعه على مثل ذلك، ثم أخذت يده، وقلت بعد أن قبلتها: «بايعت سيدنا ومولانا الإمام المقتفى لأمر الله أمير المؤمنين على ما بايعت عليه أباه وأخاه وابن أخيه في ولاية عهده -، وكنت بايعت الإمام المستظهر بالله لما خدمته في وكالة الدار سنة اثنتين (2) وتسعين وأربعمائة، وبقيت إلى سنة سبع وخمسمائة (3) وبايعت المسترشد، وبايعت الراشد بولاية العهد -[40] قال: ثم قمت من عنده، ودخل أمراء الدار وبايعوه، ودخل العلماء والقضاة والفقهاء وأكابر الناس أجمع فبايعوه، ثم حضر السلطان مسعود عنده، وكلمه المقتفى بالله بكلام وعظه فيه وعرفه ما يلزمه من طاعة الخلافة، وأمره بالرفق بالرعية، والإحسان إليهم، وخوّفه عاقبة الظلم، فبايعه السلطان، وقبل يد الخليفة، ورجع إلى دار السلطنة.
وأما الراشد بالله فإنه أقام بالموصل مع عماد الدين أتابك زنكى، والخطبة بالموصل وسائر بلاد عماد الدين للراشد بالله، ثم أرسل عماد الدين زنكى إلى بغداد القاضى كمال الدين محمد بن عبد الله بن الشهرزورى وصحبته رسول الراشد بالله، فأما رسول الراشد فلم تسمع رسالته، وأما كمال الدين فأحضر في الديوان وسمعت رسالته،
(1) كذا في الأصل، وفى الفارقى:«والمستنجد بالله» .
(2)
الفارقى: «سنة 90» فقط.
(3)
في الأصل: «وخمسين» والتصحيح عن الفارقى.
فحكى عن كمال الدين (1) أنه قال: «لما حضرت الديوان قيل لى: «تبايع أمير المؤمنين؟» فقلت: «أمير المؤمنين عندنا بالموصل (2)، وله في أعناق الخلق بيعة متقدمة» . وطال الكلام وعدت إلى منزلى، فلما كان الليل جاءتنى امرأة عجوز سرا (3)، فاجتمعت بى وأبلغتنى رسالة عن الخليفة المقتفى لأمر الله، مضمونها (4) عتابى على ما قلت، واستنزالى عنه، فقلت:«غدا أخدم (5) خدمة يظهر أثرها» ؛ فلما كان الغد أحضرت (6) الديوان، وقيل لى في معنى البيعة، فقلت:«أنا رجل فقيه قاضى، ولا يجوز لى أن أبايع لخليفة إلا أن يثبت عندى خلع المتقدم» . فأحضروا الشهود وشهدوا عندى بالديوان بما أوجب خلعه، فقلت:«هذا ثابت لا كلام (7) فيه، ولكن لا بد لنا في هذه الدعوة من نصيب، لأن أمير المؤمنين قد حصل له خلافة الله في أرضه، والسلطان فقد استراح ممن كان يقصده، فنحن بأى شىء نعود؟» فرفع الأمر إلى الخليفة فأمر أن يقطع عماد الدين زنكى صريفين (8)
(1) هذا الحديث يرويه ابن واصل عن ابن الأثير، فقد ذكره الأخير مرويا عن أبيه حيث قال (ج 11، ص 17): «حكى لى والدى عنه - أي عن كمال الدين -» .
(2)
عند هذا اللفظ يبدأ الاتفاق ثانيه بين نصى (س)، (ك)، فان ص (12) من نسخة س تبدأ بهذين اللفظين:«عندنا بالموصل. . . الخ» ، ويلاحظ هنا أيضا أن الخلاف لا زال واضحا بين نصى النسختين، فان ما هنا - أي نص ك - مفصل، وما في س ملخص عنه.
(3)
في (س): «شريفة» ، وما هنا هو الصحيح لاتفاقه مع نص ابن الأثير وهو المرجع الذى ينقل عنه المؤلف هذا الحديث.
(4)
في (س): «تتضمن» وهذا مثل يدل على الطريقة التي يتبعها كاتب هذه النسخة عند الاختصار.
(5)
في (س): «أخدمه» ، وما هنا هو الصحيح لاتفاقه مع ابن الأثير.
(6)
في (س): «أحضرت إلى الديوان» ، وفى (ابن الأثير):«حضرت إلى الديوان» .
(7)
في (س): «لا كلام لأحد فيه ولا بد» ، وما هنا يتفق ونص ابن الأثير.
(8)
في (س): «عبر نفس» بدون نقط، وصريفين - أو صريفون كما رسمها ياقوت - في سواد العراق في موضعين: أحدهما قرية كبيرة قرب عكبراء وأوانا على ضفة نهر دجيل والثانية من قرى واسط؛ أنظر (ياقوت: معجم البلدان).
ودرب (1) هرون وحزمى (2) مالكا - وهى من خاص الخليفة - وأمر بأن يزاد في ألقابه (3)، وقال:«هذه قاعدة لم يسمح لأحد بها من زعماء الأطراف أن يكون له نصيب [41] في خاص الخليفة» .
فبايعت وعدت مقضى الحوائج، وقد حصلت (4) على جملة صالحة من الأموال والتحف، وكانت بيعة القاضى كمال الدين للخليفة المقتفى لأمر الله (5) سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة.
ولما عاد كمال الدين [الشهرزورى](6) سيّر على يده المحضر يخلع الراشد، فحكم به قاضى القضاة الزينبي بالموصل - وكان عند عماد الدين (7) - وخطب للمقتفى بالموصل وسائر البلاد العمادية، ثم فارق الراشد بالله الموصل، وسار نحو الرى، ثم توجه نحو همذان، ولم تزل الأحوال تترامى به إلى أن عرض له مرض شارف به التلف، ثم وثب عليه جماعة من الباطنية في يوم الثلاثاء سادس شهر رمضان سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة، فقتلوه ودفن بشهرستان في جامعها (8).
(1) في الأصل: «وصرف» والتصحيح عن (ابن الأثير)، (س)، هذا ولم يوفق الناشر لتحقيق موضع هاتين الجهتين، وإنما عاد ابن الأثير إلى ذكرهما مرة ثانية في حوادث سنة 568، وذلك في (ج 11، ص 148)، قال:«وفيها أرسل نور الدين محمود رسولا إلى الخليفة. . . يطلب تقليدا بما بيده من البلاد. . . وأن يعطى من الاقطاع بسواد العراق ما كان لأبيه زنكى وهو: صريفين ودرب هارون، والتمس أرضا على شاطىء دجلة يبنيها مدرسة للشافعية ويوقف عليها صريفين ودرب هارون. . .» .
(2)
كذا في الأصل، وفى (ابن الأثير، ج 11؛ ص 17): «وجرى ملكا» وفى (س): «وحرص مالكا» .
(3)
في (ابن الأثير): «ويزداد في ألقابه» وفى (س): «وأمر أن يزاد في الغاية» .
(4)
في (س): «خلصت» .
(5)
في الأصل: «بالله» وما هنا عن (س) وهو الصحيح.
(6)
ما بين الحاصرتين عن: (ابن الأثير).
(7)
هنا ينفصل ابن الأثير عن ابن واصل، ويورد تفاصيل مختلفة عن حوادث أخرى.
(8)
ورد تاريخ قتل الراشد في نسخة (س) متأخرا عن الخبر ومكان الدفن، وهو هنا متقدم.