الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبقى في قلة من العسكر، فساروا (1) إلى [مدينة (2)] بلد، وعبر الملك ألب أرسلان دجلة من هناك، ودخل الوزير جمال الدين الموصل، وأرسل الأمير عز الدين أتابك الدبيسى (3) في عسكر إلى الملك ألب أرسلان - وهو في نفر يسير - فأخذه وأدخله الموصل، فكان آخر العهد به، فذكر أنه خنق بوترقوس.
واستقر الملك بالموصل لسيف الدين غازى بن زنكى، وأقر الأمير زين الدين على كوجك (4) على ما كان عليه من ولاية الموصل، ومعه جمال الدين محمد بن على - وزيره -، وأرسلوا إلى السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، فاستحلفوه لسيف الدين [غازى]، فحلف له وأقرّه على البلاد، وأرسل إليه الخلع؛ وقد ذكرنا أنه كان في خدمته في حياة أبيه، وكان السلطان مسعود يحبه ويأنس به، فلم يتوقف في تقرير البلاد له والحلف له.
ذكر أخبار الأيام النورية
قد ذكرنا مقتل الأمير عماد الدين وتملك ولده سيف الدين غازى الأكبر الموصل، وتملك ولده نور الدين محمود حلب، وكانت بعلبك قد ملكها الشهيد، واستناب بها الأمير نجم الدين أيوب بن شاذى والد الملك الناصر [صلاح الدين (5)]،
(1) في الأصل: «فسار» ، وقد صححت، بعد مراجعة س (111 ا) و (الروضتين، ج 1، ص 47).
(2)
ما بين الحاصرتين عن الروضتين؛ والنص في س: «إلى بلد الموصل» وهو خطأ، وبلد - ويقال بلط - مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل بينهما سبعة فراسخ؛ (ياقوت: معجم البلدان).
(3)
في الأصل، وفى س:«الديسنى» ، أنظر ما فات، ص 101، هامش 2
(4)
في الأصل: «كوجل» ، أنظر ما فات، ص 28، هامش 1
(5)
ما بين الحاصرتين عن س.
فلما بلغه وفاة الشهيد كاتبه الأمير مجير الدين آبق (1) بن محمد بن بورى بن طغتكين - صاحب دمشق - في تسليمها، وبذل له أموالا [كثيرة (2)] وقرايا من أعمال دمشق، فسلّمها إليه، وانتقل نجم الدين أيوب إلى دمشق، وأقام بها، وذلك لأربع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة - أعنى سنة إحدى وأربعين [65] وخمسمائة - وتسلم نور الدين من حاجب أبيه صلاح الدين محمد بن أيوب الياغيسيانى (3) حماة، وعوضّه عنها مدينة حمص وقلعتها، قلت: وهكذا ذكر ابن منقذ؛ وذكر ابن الاثير: أن حمص كانت بيد الأمير سيف الدين غازى، وإنما تسلمها نور الدين بعد، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عصيان الرّها (4) وعودها إلى المسلمين
وكنا قد ذكرنا افتتاح الرّها، افتتحها الأمير عماد الدين زنكى من الإفرنج، وكانت لجوسلين بن جوسلين (5)، وكانت له أيضا من غربى الفرات تل باشر، فلما قتل الشهيد راسل جوسلين (5) أهل الرّها، وعامتهم من الأرمن، وحملهم على العصيان على المسلمين وتسليم البلد إليه، فأجابوه إلى ذلك، وواعدهم (6)
(1) في الأصل: «أتق» وصحة الاسم «آبق Abaq» أنظر: (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، ج 5، ص 381)(Zambaur ، Op .Cit . P. 225) وقد حكم مجير الدين أبق مدينة دمشق من سنة 534 إلى سنة 549 حيث انتقل ملكها إلى نور الدين محمود بن زنكى وتوفى مجير الدين سنة 564 وهو آخر من حكم دمشق من الأسرة البورية. هذا وسيصحح اسمه فيما يلى دون الاشارة إلى ذلك.
(2)
ما بين الحاصرتين عن س.
(3)
في الأصل، وفى س:«الباغيسانى» ؛ أنظر ما فات، ص 104، هامش 2
(4)
في س (111 ب): «أهل الرها» .
(5)
في س (111 ب): «لجوسلين الفرنجى» .
(6)
في س: «وواعدوه يوما» .
يوما يصل إليهم فيه، وسار في عساكره إلى الرها، فملك البلد، وعصت عليه القلعة بمن فيها من المسلمين، فقاتلهم، وبلغ ذلك ثور الدين رحمه الله وهو بحلب، فسار مجدا إليها بعسكره، فلما قاربها خرج جوسلين منها هاربا إلى بلده، ودخل نور الدين المدينة فنهبها وسبى أهلها (1)، فخلت منهم ولم يبق بها إلا القليل، ولما بلغ خبر الفرنج إلى سيف الدين بالموصل (2) جهّز العساكر إلى الرّها فوصلت وقد ملكها نور الدين، فبقيت في يده، ولم يعارضه فيها أخوه سيف الدين.
وفى هذه السنة رحل الأمير سيف الدين إلى الشام، وكان أخوه نور الدين قد خافه واستشعر منه، وأخوه سيف الدين يكاتبه ويستميله، فلما وصل سيف الدين إلى الشام استقرت القاعدة بينهما على أن يجتمعا خارج العسكر السيفى، ومع كل واحد منهما خمسمائة فارس، فلما كان يوم الميعاد سار نور الدين من حلب في خمسمائة فارس، وسار سيف الدين من معسكره في خمسة فوارس، فلم يعرف نور الدين سيف الدين حتى قرب منه، فحين عرفه ترجّل له، وقبّل الأرض بين يديه، وأمر أصحابه بالعود عنه، فعادوا، وقعد سيف الدين ونور الدين بعد أن اعتنقا وبكيا، فقال له سيف الدين:«لم امتنعت من المجئ إلىّ، كنت تخافنى على نفسك؟ [66] والله ما خطر ببالى ما تكره (3)، فلمن أريد البلاد، ومع من أعيش، وبمن اعتضد، إذا فعلت السوء مع أخى وأحب الناس إلىّ؟» فاطمأن نور الدين،
(1) كذا في الأصل، وفى س (111 ب):«فنهبها وقتل رجالها من الأرمن، وسبا نساها» .
(2)
إلى هنا تنتهى (ص 111 ب) من نسخة س، وبانتهائها تضطرب الصفحات مرة أخرى في تلك النسخة، وتنقطع الصلة بين (ص 111 ب) و (ص 112 ا) وبالتالى بين النص هنا وبينه هناك في تلك النسخة.
(3)
في الأصل: «تذكره» والتصحيح عن: (الروضتين، ج 1، ص 48).
وسكن روعه، وعاد إلى حلب، وتجمل (1) وعاد بعسكره إلى خدمة أخيه سيف الدين، فأمره سيف الدين بالعود وترك عسكره عنده، وقال له:
«لا غرض لى في مقامك عندى، وإنما غرضى أن تعلم الملوك والفرنج اتفاقنا، فمن يريد السوء بنا يكفّ عنه» ، فلم يرجع نور الدين ولزمه إلى أن قضيا ما كانا عليه، وعاد كل منهما إلى بلده.
وفى سنة اثنين وأربعين وخمسمائة دخل نور الدين بلد الفرنج، ففتح مدينة أرتاح (2) وعدة حصون.
وفى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة نازل ملك الألمان (3) بجموعه، ومن انضم إليه من فرنج الساحل مدينة دمشق - وصاحبها مجير الدين آبق بن محمد، والقيّم بأمر دولته معين الدين أنر مملوك جده طغتكين - فزحفوا إلى البلد سادس ربيع الأول، وقاتلوا أهله قتالا شديدا؛ ثم نزل الفرنج على الميدان الأخضر (4)، وضاق الأمر على أهل البلد، وأيقنوا أن العدو يملكه، وراسل الأمير معين الدين سيف الدين غازى بن زنكى صاحب الموصل يدعوه إلى نصرة المسلمين، فسار إلى الشام، واستصحب أخاه نور الدين محمود بن زنكى - صاحب حلب - فنزلوا بمدينة حمص، وأرسل سيف الدين إلى معين الدين يقول له: «قد حضرت ومعى
(1) في الروضتين: «فتجهز» .
(2)
هكذا ضبطها (ياقوت، معجم البلدان)، وقال إنها حصن منيع من أعمال حلب، وفى (Dussand ، T .H .223 - 228) أنها موقع يبعد 15 كيلومترا إلى الشرق من بحيرة أنطاكية
أنظر أيضا: (CL .Cahen،La Syrie du Nord .PP 141 - 148)
(3)
هو «كونراد الثالث Conrad III» امبراطور المانيا وقد اشترك معه في قيادة الحملة الصليبية المعروفة بالثانية لويس السابع ملك فرنسا.
أنظر (Stevenson،Crusaders in the East) و (حسن حبشى، نور الدين والصليبيون).
(4)
كان هذا الميدان يقع غربى المدينة.
أنظر: (Ibn El Qalanisi،Trad .Fran per Roger Le Tourneau، P. 125) .
كل من يحمل السلاح في بلادى، فأريد أن تكون نوابى بمدينة دمشق لأحضر وألقى الفرنج، فإن انهزمت دخلت أنا وعسكرى البلد، واحتمينا به، وإن ظفرنا فالبلد لكم لا ينازعكم فيه أحد.» وأرسل إلى الفرنج يتهددهم إن لم يرحلوا عن البلد وإلا أتيتهم. فكفّ الفرنج عن القتال، وقوى أهل البلد على حفظه، واستراحوا من الحرب.
وأرسل معين الدين إلى الفرنج الغربا يقول لهم: «إن ملك الشرق قد حضر، فإن رحلتم وإلا سلمت البلد إليه، وحينئذ تندمون» . [67] وأرسل إلى أهل الساحل ويقول لهم: «بأى عقل تساعدون هؤلاء علينا وأنتم تعلمون أنهم إن ملكوا مدينة دمشق أخذوا ما بأيديكم من البلاد الساحلية، وأما أنا إن رأيت الضعف عن حفظ البلد سلمته إلى سيف الدين، وأنتم تعلمون أنه إن ملك دمشق لا يبقى لكم معه مقام بالشام» . فأجابوا بالتخلى عن ملك الألمان، وبذل لهم حصن بانياس، فاجتمعت الفرنج الساحلية بملك الألمان وخوّفوه من استيلاء سيف الدين على دمشق، وأنه إن ملكها لا يكون لهم به طاقة، ولم يزالوا به حتى رحل عن دمشق، وتسلموا بانياس، ورجع ملك الألمان إلى بلاده، وقد ذكرناه.
وفى هذه النوبة قتل شاهنشاه بن نجم الدين (1) أيوب جد جد مولانا السلطان الملك المنصور (2) - صاحب حماة، خلّد الله سلطانه (3) - على باب دمشق، قتلته الفرنج المحاصرون للبلد، ودفن بالشرف ظاهر مدينة دمشق، وخلّف ولدين،
(1) في الأصل: «جمال الدين» وهو خطأ واضح.
(2)
هو الملك المنصور الثانى حكم حماة من سنة 642 إلى سنة 683. وقد خدمه مؤلف هذا الكتاب وعين قاضيا لقضاة حماة في عهده، وله ألف هذا الكتاب.
(3)
لهذا الدعاء أهمية خاصة فهو يعين على تحديد تاريخ تأليف هذا الكتاب، ومنه نستبين أن هذا الجزء من الكتاب كتب بعد سنة 642 وهى السنة التي ولى فيها المنصور الثانى حكم حماة؛ أنظر ما فات ص 2، هامش 2 وص 99 هامش 4