الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استيلاء الشهيد عماد الدين زنكى
على مدينة حلب
وكان آق سنقر البرسقى قد ملك حلب، فلما قتل آق سنقر [هذا (1)] بالموصل كان ولده عز الدين مسعود بقلعتها (2) فسار إلى الموصل وملكها، واستناب بقلعتها رجلا يقال له:«قومان (3)» ، ولما استتب أمره (4) سار إلى الرحبة ليحاصرها.
وورد إلى حلب غلام السلطان محمود، يقال له:«ختلغ أبه (5)» أتى بتوقيع من الأمير عز الدين يتضمن تسليم حلب إليه، وصحبته سنقر [21] الطويل الملقب عمدة الدين - صاحب حرّان - المعروف بدران (6)، فسلّم التوقيع إلى قومان (3)، فلم يقبل واحتج بعلامة بينه وبين عز الدين لم يتضمنها التوقيع، واعترف بالخط، وكان بينهما العلامة صورة غزال، لأن عز الدين كان أحسن الناس نقوشا وتصاوير، وكان مفرط الذكاء، وطال الأمر على ختلغ أبه، ولم يسلم إليه البلد، فأشير إليه بالعود، فعاد، وكان عز الدين محاصرا الرحبة، فوصل [ختلغ (1)] في خمسة أيام، فوجد مسعودا قد مات، وهو مطروح على قطعة بساط، والعسكر مشغولون عن دفنه،
(1) أضفنا ما بين الحاصرتين للايضاح.
(2)
الضمير هنا يعود على حلب.
(3)
في الأصل: «تومان» ، والتصحيح عن (ابن الأثير) و (Zombaur : Op .Cit . P. 34)
(4)
الضمير هنا عائد على عز الدين مسعود بن آق سنقر البرسقى صاحب حلب.
(5)
كذا في الأصل، ويرسم أيضا «قتلغ» أنظر المرجعين بهامش 3
(6)
كذا في الأصل، ولم أستطع تحقيق الاسم بعد مراجعة المراجع المتداولة هنا في الحواشى، ويلاحظ أن ابن واصل لا ينقل في هذا الجزء عن ابن الأثير، وفيما أورده هنا عن الاستيلاء على حلب تفاصيل كثيرة لا توجد في الكامل لابن الأثير أو ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسى أو المختصر لأبى الفدا. وأغلب الظن أنه ينقل هنا عن تاريخ حلب لابن العديم وإن كنت لم أطلع عليه فهو لا يزال مخطوطا، وهذا الاختلاف حينا والاتفاق حينا آخر بين النصين يؤكد ما ذهبنا إليه من أن المؤرخين يأخذان عن مرجع واحد.
وقد نهب بعضهم بعضا، فعاد ختلغ أبه إلى حلب في ثلاثة أيام، وعرّف الناس موته، فأدخله الرئيس فضائل بن بديع - رئيس حلب - المدينة، واستنزلوا قومان من القلعة بعد ما صح عنده وفاة صاحبه، فصانعهم على ألف دينار، وسلّم القلعة إلى ختلغ أبه، واستحلفه الحلبيون، واستوثقوا منه.
وطلع [خلتغ] إلى القلعة لست بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، فبقى أياما يظهر منه شر عظيم وفسق كبير، فتشوشت قلوب الرعايا منه، وحمله قوم على الطمع، فصار يختم على تركة من يموت، ويرفعها إليه، ولا يكشف: هل له ورثة أم لا؟ فاشتدت نفرة الناس منه وعرف الرئيس فضائل والأمير بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق - الذى كان قبل ذلك صاحب حلب - أنه قد عزم على قبضهما، فتحالفا: واتفقا، واتفق معهما أحداث حلب، فثاروا ليلة الثلثاء ثانى شوال من هذه السنة، وكان ختلغ أبه وحجابه وخواصه في قلة، وكلهم يشربون في البلد عند أصحابهم، لأنه عشية يوم العيد، ففبض عليهم الحلبيون، وملأوا منهم الحبوس والمساجد ودار ابن الاقريطشى، وقيدوهم، وزحف الناس إلى باب القلعة، وحاصروها، فقاتلوهم النهار أجمع، ولما كان الليل نزل وأحرق القصر، فتلفت سقوفه وأبوابه، وذهبه وأخشابه ورخامه.
وهجم الناس [22] صبيحة تلك الليلة، وأخذوا منه ما قدروا عليه، وقتل خلق كثير من الناس، ووصل الأميران حسن وحسّان - ابنا البعلبكى صاحبا منبج - من بزاعة (1) سابع شوال، فساماه الخروج، فأبى، ثم وصل الجوسلين - ملك الفرنج - في مائتى فارس إلى بانقوسا، ونفذ رسوله يصانعوه فدفعوه.
(1) في (ابن الأثير، ج 10، ص 276): «فوصل إلى حلب حسان صاحب منبج وحسن صاحب بزاعة» .
وفى آخر شوال وصل الملك إبراهيم بن رضوان بن تاج الدولة تتش، فأدخله أهل حلب البلد، ونادوا بشعاره، ثم وصل بيمند الأفرنجى - صاحب أنطاكية - وضايق البلد، فركب الملك إبراهيم وبدر الدولة سليمان بن أرتق والرئيس فضائل ابن ربيع في خلق من الحلبيين، وترددت الرسل بينهم حتى استقر الأمر على الهدنة مدة، وحمل إلى بيمند ما اقترحه بعد أن أشرف البلد على الهلاك.
وطال الحصار على ختلغ أبه إلى نصف ذى الحجة، فوصل الأمير سنقر دراز والأمير حسن قراقوش، ومع سنقر وحسن توقيع سلطانى لعماد الدين زنكى بالموصل والجزيرة والشام، ومعهما جماعة من الأمراء، واتفق الأمر على أن يسير ختلغ أبه وبدر الدولة [بن عبد الجبار] إلى الأمير عماد الدين زنكى فلمن ولى استقر الأمر (1)؛ فمضيا إلى باب عماد الدين، وبقى في البلد حسن قراقوش واليا ولاية مستعارة.
ولما مضى بدر الدولة وختلغ أبه إلى عماد الدين أصلح بينهما، ولم يوقع لأحد، وطمع في البلد، وسيّر جيشا مع الأمير صلاح الدين الياغيسيانى - حاجبه - فصعد إلى قلعة حلب، ورتّب الأمور فيها.
ثم سار الأمير عماد الدين إلى الشام - في جيوشه وعساكره - فملك بزاعة ومنبج في طريقه، وخرج أهل حلب إليه، فالتقوه واستبشروا بقدومه، ودخل البلد، واستولى عليه، ورتّب أموره، ثم قبض على ختلغ أبه، وسلّمه إلى ابن بديع، فكحله (2) بداره بحلب، فمات، فاستوحش ابن بديع، فهرب إلى قلعة جعبر، واستجار بصاحبها فأجاره.
(1) كذا في الأصل، والمعنى غير واضح، والمقصود أن أي الرجلين يولى عماد الدين يستقر له الأمر.
(2)
في الأصل: «فسلمه» والتصحيح عن (ابن الأثير: ج 10، ص 277) حيث يعود النص هنا فيتفق ونص ابن الأثير اتفاقا كبيرا.
وولّى عماد الدين رياسة حلب أبا الحسن على بن عبد الرزاق، وكان دخول عماد الدين مدينة حلب واستقراره بها في [23] جمادى الآخرة من سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
ثم سار من حلب إلى خدمة السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه - في تجمل عظيم -، وعاد من عنده إلى الموصل في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، ومعه منشوره بالجزيرة والشام وما اتصل بهما، بعد أن يحمل إلى السلطان وأصحابه ما يزيد على مائة ألف وعشرين ألف دينار.
وفى مستهل رجب سنة أربع وعشرين وخمسمائة وصل عماد الدين زنكى إلى الفرات، وفتح قلعة السن (1)، وسيّر عسكرا أغاروا على بلد عزاز (2) - وهى للفرنج - وعاثوا في بلد جوسلين، وذلك لليلتين بقيتا من رجب؛ وخيّم عماد الدين ظاهر حلب، وترددت الرسل بينه وبين الفرنج، واصطلحوا مدة؛ ولعشر بقين من شعبان تزوج الأمير عماد الدين خاتون بنت الملك رضوان ابن تتش.
(1) كذا في الأصل، ولم أستطع تحقيق هذا الموقع لأن أخبار استيلاء عماد الدين على هذه القلعة وعلى عزاز ثم خبر زواجه لم ترد جميعا في حوادث سنة 524 في المراجع الكثيرة المتداولة في هذه الحواشى، ولعل المقصود قلعة البيرة فهى واقعه على الفرات.
(2)
عزاز - وربما قيلت بالألف في أولها - بليده فيها قلعة ولها رستاق شمال حلب، بينهما يوم. (ياقوت: معجم البلدان).