المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر منازلة الروم حلب ثم شيزر - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - جـ ١

[ابن واصل]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمه المؤلف]

- ‌ذكر نسب بنى أيوب

- ‌ذكر ابتداء أمر نجم الدين أيوب وأخيه أسد الدين شيركوه

- ‌ذكر ابتداء الدولة الأتابكية

- ‌ذكر استيلاء الأمير قسيم الدولة آق سنقر الحاجب على مدينة حلب

- ‌منازلة قسيم الدولة حمص واستيلاؤه عليها

- ‌ذكر مقتل الأمير قسيم الدولة آق سنقر

- ‌ذكر أخبار عماد الدين زنكى ابن قسيم الدولة آق سنقر رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على الموصل

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين على جزيرة ابن عمر

- ‌استيلاء عماد الدين زنكى على نصيبين

- ‌استيلاء عماد الدين زنكى على سنجار والخابور

- ‌استيلاؤه على حرّان

- ‌ذكر استيلاء الشهيد عماد الدين زنكىعلى مدينة حلب

- ‌ذكر استيلاء الأمير عماد الدينعلى مدينة حماة

- ‌ذكر الوقعة الكائنة بين الخليفة المسترشد باللهوبين عماد الدين زنكى

- ‌ذكر منازلة الخليفة المسترشد بالله مدينة الموصل

- ‌استيلاء شمس الملوك صاحب دمشق على حماة وأخذها من عماد الدين

- ‌ استيلاء عماد الدين على قلعة الصور

- ‌استيلاء عماد الدين على قلاع الهكّاريّة

- ‌منازلة عماد الدين دمشق

- ‌ذكر مقتل المسترشد وخلافة الراشد بالله

- ‌ذكر قدوم السلطان محمود بن مسعود بن محمد إلى بغدادوهروب الراشد بالله وعماد الدين زنكى إلى الموصل

- ‌ذكر البيعة بالخلافةللمقتفى لأمر الله بن المستظهر بالله

- ‌منازلة عماد الدين مدينة حمص

- ‌ذكر فتح المعرّة وكفر طاب

- ‌ذكر خروج ملك الروم إلى بلاد الإسلام

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين على حمص

- ‌ذكر منازلة الروم حلب ثم شيزر

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على حرّان ثانيا

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على شهرزور وأعمالها

- ‌ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على بعلبك

- ‌ذكر منازلة عماد الدين زنكى دمشق

- ‌ذكر فتح الرّها

- ‌ ذكر مقتل نصير الدين جقر النائب بالموصل

- ‌ذكر رحيل عماد الدين عن البيرةوتملك المسلمين لها

- ‌ذكر استيلاء زين الدين على كوجك على إربل

- ‌ذكر منازلة عماد الدين قلعة جعبر

- ‌ذكر مقتل الشهيد عماد الدين أتابك زنكى ابن آق سنقر رحمه الله

- ‌ذكر أخبار الأيام النورية

- ‌ذكر استيلاء نور الدين محمود بن زنكى رحمه الله على حصن العزيمة

- ‌كسرة الفرنج بيغرى

- ‌ذكر وفاة سيف الدين غازى بن زنكى ابن آق سنقر رحمه الله

- ‌ذكر سيرة سيف الدين رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكى على الموصل

- ‌ذكر استيلاء نور الدين محمود بن زنكى على سنجار

- ‌ذكر الصلح بين قطب الدين وأخيه نور الدينورد سنجار إلى قطب الدين

- ‌ذكر قتل البرنس صاحب أنطاكية وكسرة الفرنج

- ‌ذكر فتح أفامية

- ‌ذكر انهزام نور الدين من الفرنج

- ‌ذكر وقوع جوسلين في أسر نور الدين رحمه الله

- ‌ذكر فتح تل باشر

- ‌ذكر استيلاء محمود بن زنكى على مدينة دمشقوخروج الملك عن بيت طغتكين

- ‌ذكر منازلة نور الدين رحمه الله حارم

- ‌ذكر استيلاء نور الدين على بعلبك

- ‌ ذكر استيلاء نور الدين على مدينتى بصرى وصرخد

- ‌ذكر بيعة المستنجد بالله

- ‌ذكر حصر نور الدين مدينة حارم

- ‌ذكر هزيمة نور الدين من الفرنج

- ‌ذكر مسير أسد الدين شيركوه الأوّل إلى مصر

- ‌ذكر وصول الفرنج إلى الديار المصريةومحاصرتهم أسد الدين ببلبيس

- ‌ذكر وقوع الصلح بين أسد الدين والمصريين والفرنج

- ‌ذكر فتح حارم وكسر الفرنج

- ‌ ذكر فتح بانياس

- ‌ ذكر فتح حصن المنيطرة

- ‌ذكر مسير أسد الدين شيركوه بن شاذى المسير الثانى إلى مصر

- ‌ذكر واقعة البابين

- ‌ذكر استيلاء أسد الدين شيركوه على الاسكندرية

- ‌ذكر محاصرة الفرنج لصلاح الدين يوسف بالاسكندرية

- ‌ذكر وقوع الصلح بين أسد الدين والفرنج والمصريين

- ‌ذكر فتح صافيثا والعزيمة

- ‌ذكر فراق الأمير زين الدين على كوجك قطب الدين مودودابن زنكى صاحب الموصل

- ‌ذكر استيلاء الملك العادل نور الدين على قلعة جعبر

- ‌ذكر مسير أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية[96]المسير الثالث

- ‌ذكر منازلة الفرنج بلبيس وملكهم لها

- ‌ذكر منازلة الفرنج القاهرة

- ‌ذكر إحراق مصر

- ‌ذكر وقوع الصلح بين شاور والفرنج

- ‌ذكر قدوم أسد الدين شيركوه مصرورحيل الفرنج عنها

- ‌ذكر مقتل شاور

- ‌ذكر استيلاء أسد الدين شيركوه على الديار المصريةوتقلده وزارة العاضد

- ‌ذكر وفاة أسد الدين شيركوه بن شاذى رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله على الديار المصرية، وتقلده وزارة العاضد

- ‌ذكر وقعة السودان بالقاهرة

- ‌ذكر منازلة الفرنج دمياط وعودتهم عنها خائبين

- ‌ذكر وصول الملك الأفضل نجم الدين أيوب بن شاذىوالد السلطان إلى مصر

- ‌ذكر وفاة قطب الدين مودود بن زنكىصاحب الموصل

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء سيف الدين غازى بن مودود بن زنكى على الموصل

- ‌ذكر استيلاء الملك العادل نور الدين رحمه الله على الموصل، وإقرار ابن أخيه سيف الدين عليها

- ‌ذكر البيعة بالخلافة للمستضىء بنور اللهابن المستنجد بالله

- ‌ذكر الأحداث الكائنة بمصر في هذه السنة- أعنى سنة ست وستين وخمسمائة

- ‌خروج الملك الناصر صلاح الدين إلى الغزاة

- ‌ذكر فتح قلعة أيلة

- ‌ذكر إقامة الدعوة العباسية بمصر وانقراض الدولة العلوية بها

- ‌ذكر وفاة العاضد

- ‌ذكر ابتداء الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين- رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر منازلة السلطان الملك الناصر صلاح الدينرحمه الله الكرك والشوبك

- ‌ذكر وصول الهدية المصرية إلى نور الدين

- ‌ذكر غزوة النوبة

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر المراسلة بين نور الدين وصلاح الدين- رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر قصد نور الدين رحمه اللهبلاد قليج أرسلان

- ‌ذكر الواقعة الكائنة بين مقدم الأرمن والروم

- ‌ذكر دخول قراقوش التقوى بلاد المغرب

- ‌ذكر دخول الملك المعظم شمس الدولة فخر الدين توران شاهابن أيوب اليمن وتملكه لها

- ‌ذكر عزم جماعة من المصريين على إقامة الدعوة المصريةوما آل اليه أمرهم

- ‌ذكر شىء من خبر عمارة وشعره

- ‌ذكر ورود الرسالة النورية إلى صلاح الدين

- ‌ذكر وفاة الملك العادل نور الدينابن زنكى بن آق سنقر - رحمه الله تعالى

- ‌صفته وسيرته رحمه الله

الفصل: ‌ذكر منازلة الروم حلب ثم شيزر

- وهى لصاحب دمشق أيضا (1) -، ثم سار إلى حمص فحصرها، فلما نازل ملك الروم حلب - على ما نذكره - رحل عن حمص ونزل على سلمية، ثم نزل على حماة - على ما نذكره -، فلما انحلت قضية الروم عاد إلى حمص فنازلها، ثم وقعت بينه وبين شهاب الدين [صاحب دمشق (2)] مراسلة، فانتهى الأمر إلى الصلح، وسلم إليه حمص، وخطب زمرد خاتون - أم شهاب الدين (3) -[45] وهى التي ذكرنا أنها قتلت ولدها شمس الملوك، وزفت إليه في رمضان سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة واعتقد [عماد الدين] أنه إذا تزوجها كان ذلك طريقا إلى تملكه دمشق، فلما لم يحصل له ذلك أعرض عنها.

‌ذكر منازلة الروم حلب ثم شيزر

(4)

ثم لما صالح ملك الروم ابن ليون قصد بزاعة (5) فحصرها، فسيّر عماد الدين جماعة من العسكر إلى حلب ليمنعوها من الروم إن قصدوها، ثم ملك ملك الروم بزاعة

(1) هذه الجملة في س مضطربة الألفاظ والمعنى، ونصها:«وأطاعه وهو مستحفظ باياس وهو لصاحب دمشق ايضا» .

(2)

أضفنا ما بين الحاصرتين عن: (ابن الأثير، ج 11، ص 21) وذلك للايضاح.

(3)

هذان اللفظان لم يذكرا في س، وقد أضاف ابن الأثير للتعريف بهذه السيدة قوله:«وهى التي بنت المدرسة بظاهر دمشق المطلة على وادى شقرا ونهر بردى» . وهذه المدرسة هى المعروفة باسم «المدرسة الخاتونية البرانيه» ، بنتها للحنفية، وأوقفت عليها الأوقاف في سنة 526؛ وزمرد خاتون هى صفوة الملوك ابنة الأمير جاولى، أخت دقاق لأمه، وزوجة تاج الملوك بورى، وأم ولديه: شمس الملوك إسماعيل، ومحمود، وقد تزوجها فيما بعد أتابك عماد الدين زنكى، فبقيت معه تسع سنين، فلما قتل حجت وجاورت بالمدينة المنورة إلى أن ماتت ودفنت هناك بالبقيع في سنة 557، أنظر أيضا:(النعيمى: الدارس في المدارس، نشر جعفر الحسنى، ج 1، ص 502 - 507).

(4)

هذا العنوان غير موجود أيضا في س، ويلاحظ أن النص متصل دائما في نسخة س، وأن العناوين الموضحة قليلة، وسنكتفى بهذه الاشارة وما سبقها إلى هذه الظاهرة ثم نسكت عنها بعد ذلك لتكرارها في معظم الصفحات والموضوعات.

(5)

نص (ابن الأثير، ج 11، ص 21) فيه زيادة للتعريف بالمدينة، قال:«وهى مدينة لطيفة على ستة فراسخ من حلب» .

ص: 77

بعد أن نصب على أهلها المنجنيقات، وضيّق عليهم، فسلموها إليه بالأمان في الخامس والعشرين من رجب سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة، وقتل وأسر وسبا، وكان عدة من خرج إليه من أهلها خمسة آلاف وثمانمائة نفس؛ وتنصّر قاضيها وجماعة من أعيانها - نحو أربعمائة نفس - وأقام الروم عشرة أيام يطلبون من اختفى، فقيل لهم:«إن جماعة نزلوا في المغارات» ، فسّخنوا عليهم، فهلكوا في المغاير.

ثم (1) رحل ملك الروم إلى حلب، فنزل على نهر قويق ومعه الفرنج الذين بساحل الشام، وزحفوا إلى حلب بخيلهم ورجلهم، فخرج إليهم أحداث حلب، فقاتلوهم قتالا شديدا، فقتل من الروم وجرح خلق كثير، وقتل بطريق عظيم القدر عندهم، فأقاموا [على حلب (2)] ثلاثة أيام؛ ولم يظفروا بطائل، فرحلوا إلى قلعة الأثارب، فهرب من بها من المسلمين، فملكوها الروم تاسع شعبان وتركوا (3) بها سبى بزاعة والأسرى، ثم رحلوا عنها، فلما سمع برحيلهم ابن سوار - نائب عماد الدين بحلب - رحل فيمن معه من العسكر، فأوقع بمن في الأثارب من الروم، وخلص الأسرى والسبى، وعاد إلى حلب.

ونزل عماد الدين سلمية - كما ذكرنا - وعبر ثقله الفرات، وأقام بسلمية جريدة، ليتبع الروم ويقطع عنهم الميرة.

ثم قصد الروم قلعة شيزر - وصاحبها الأمير أبو العساكر [سلطان بن على ابن مقلد بن نصر بن منقذ الكنانى (4)]- فنازلوها ونصبوا عليها ستة عشر منجنيقا، فسار عماد الدين ونزل على النهر المعروف بالعاصى [46]- بينها وبين حماة -

(1) قبل هذا اللفظ في س (ص 4 ب) عنوان كبير هو: (ذكر منازلة ملك الروم حلب).

(2)

ما بين الحاصرتين عن س.

(3)

في الأصل: «ونزلوا» والتصحيح عن س (ص 4 ب) و (ابن الأثير، ج 11، ص 22).

(4)

ما بين الحاصرتين عن: (س، ص 4 ب)، (ابن الأثير، ج 11، ص 22).

ص: 78

وكان [عماد الدين] كل يوم يركب هو وعسكره ويسيرون إلى شيزر، ويقفون بحيث يراهم الروم، ويرسل السرايا فتأخذ من ظفر به منهم.

ذكر توجه القاضى كمال الدين بن الشهرزورى

إلى السلطان مسعود في معنى الروم واستنجاده [به (1)] عليهم

ولما كان الروم على بزاعة أرسل الأمير عماد الدين زنكى القاضى كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزورى إلى السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه يستنجده ويطلب منه العساكر، فقال [القاضى (1)] لعماد الدين حين أرسله:«أخاف (2) أن تخرج البلاد من أيدينا ويجعل السلطان هذا حجة [علينا (1)]، وينفذ العساكر، فإذا توسطوا البلاد ملكوها» . فقال الأمير عماد الدين: «إن هذا العدو قد طمع في البلاد، وإن أخذ حلب لم يبق بالشام إسلام، وعلى كل حال فالمسلمون أولى من الكفار بها» قال كمال الدين: [فسرت طالب بغداد، وجديت في السير (3)]، فلما وصلت بغداد [وحضرت قدام السلطان (3)] وأديت الرسالة بإنفاذ العساكر، وأنا أخاطب ولا أزاد على الوعد [شيئا (3)]، فلما رأيت قلة اهتمام السلطان بهذا الأمر العظيم أحضرت فلانا - وهو فقيه كان ينوب عنى في القضاء - فقلت [له]:«خذ هذه الدنانير وفرقها في جماعة من أوباش بغداد والأعاجم، وإذا كان يوم الجمعة وصعد الخطيب المنبر بجامع القصر قاموا وأنت معهم واستغاثوا بصوت واحد: «وا إسلاماه! وا دين محمداه!»

(1) ما بين الحاصرتين عن س (ص 4 ب).

(2)

هذا الحديث بين القاضى وعماد الدين غير مثبت في (ابن الأثير) ويلاحظ أن نصى ابن واصل وابن الأثير ينفقان في معظمهما، وقد يختلفان إيجازا وإطنابا، وسقوط هذا الحديث مثل لذلك. والأمثلة بعد هذا كثيرة مما يرجح رأينا أن المؤرخين ينقلان عن مرجع آخر لا نعرفه.

(3)

ما بين الحاصرتين زيادات عن: س (ص 5 ا).

ص: 79

ويخرجون من الجامع ويقصدون دار السلطان مستغيثين؛ ثم وضعت إنسانا آخر فعل ذلك في جامع السلطان؛ فلما كانت الجمعة وصعد الخطيب المنبر قام ذلك الفقيه وشق ثوبه وألقى عمامته عن رأسه، وصاح، وتبعه ذلك النفر بالصياح والبكاء، فلم يبق في الجامع إلا من قام وبكى، وبطلت الخطبة، وسار الناس كلهم إلى دار السلطان؛ وقد فعل أولئك الذين بجامع السلطان مثلهم، فاجتمع أهل بغداد وكل من بالعسكر عند دار السلطان يبكون ويصرخون ويستغيثون، وخرج الأمر عن الضبط، وخاف السلطان في داره [47] وقال:«ما الخبر؟» فقيل: «إن الناس قد ثاروا حيث لم ترسل العساكر إلى الغزاة (1)» ، فقال:«أحضروا [القاضى] ابن الشهرزورى» ، قال: فحضرت عنده وأنا خائف منه، إلا أننى قد عزمت على صدقه وقول الحق.

فلما دخلت قال: «يا قاضى، ما هذه الفتنة؟» فقلت: «إن الناس قد فعلوا هذا خوفا من الفتنة والشر، ولا شك أن السلطان لم يعلم كم بينه وبين العدو، وإنما بينكم نحو أسبوع، وإن أخذوا حلب انحدروا إليكم في الفرات وفى البر، وليس بينكم بلد يمنعهم عن بغداد» ، وعظّمت الأمر عليه حتى كأنه ينظر إليه؛ فقال:«اردد هؤلاء العامة عنا، وخذ من العساكر ما شئت، والأمداد تلحقك» . قال: «فخرجت إلى العامة ومن انضم إليهم، وعرفتهم الحال، وأمرتهم بالعود، فعادوا وتفرقوا، وانتخبت (2) من عسكره عشرة آلاف فارس [من خيار العسكر (3)]، وكتبت إلى الشهيد أعرفه الخبر وأنه لم يبق غير المسير، وأجدد استئذانه في ذلك، فأمرنى بتسييرهم والحث على ذلك، وعبرت بالعساكر الجانب الغربى، فبينما نحن

(1) في س (ص 5 ب): «العراق» وهو خطأ واضح.

(2)

في الأصل: «وانتخب» ، وما هنا عن س.

(3)

ما بين الحاصرتين زيادة عن س (ص 5 ب).

ص: 80

نتجهز للحركة، وإذا قد وصل نجّاب من الشهيد يخبر بأن الروم والفرنج رحلوا عن حلب خائبين لم ينالوا منها غرضا، ويأمرنى بترك استصحاب العساكر؛ فلما خاطبت السلطان في ذلك أصرّ على إنفاذ العساكر إلى الجهاد وقصد بلاد الفرنج وأخذها، وكان قصده أن تطأ عساكره البلاد ويملكها، ولم أزل أتوصل مع الوزير وأكابر الدولة حتى أعدت العساكر إلى الجانب الشرقى، وسرت إلى الشهيد».

ذكر تخذيل (1) عماد الدين

بين الفرنج والروم حتى رحلوا خائبين

قد ذكرنا منازلة الروم والفرنج شيزر، ونزول عماد الدين زنكى رحمه الله على العاصى بالقرب منهم، ثم إنه أرسل إلى ملك الروم يقول له:«إنكم قد تحصنتم منى بهذه الجبال، فانزلوا منها إلى الصحراء حتى نلتقى، فإن ظفرت بكم أرحت المسلمين منكم، وإن ظفرتم بى استرحتم وأخذتم شيزر وغيرها» ؛ ولم يكن لعماد (1)(2) الدين بهم طاقة ولا قوة، وإنما كان يوهمهم بهذا القول وأشباهه، فأشار الفرنج على ملك الروم بمصافقته (3)[48] وهوّنوا أمره عليهم، فلم يفعل، وقال:«أتظنون أنه ليس له من العسكر إلا ما ترون؟ وإنما يريد أنكم تلقونه فيجىء إليه من [نجدات] (4) المسلمين ما لاحد عليه» .

وكان أيضا عماد الدين يرسل إلى ملك الروم يوهمه بأن فرنج الشام خائفون منه، فلو فارق مكانه لتخلوا عنه، ويرسل إلى فرنج الشام يخوّفهم من ملك الروم، ويقول لهم:

(1) في س: «تحديد» .

(2)

في الأصل: «بعماد» ، وما هنا عن س (ص 6 ا).

(3)

في (اللسان): «أصفقوا على الأمر اجتمعوا عليه، وأصفقوا على الرجل كذلك» .

(4)

ما بين الحاصرتين عن: س (ص 16)، (ابن الأثير، ج 11، ص 22).

ص: 81

«إن ملك بالشام حصنا واحدا ملك بلادكم جميعا» ؛ فاستشعر كلّ من صاحبه، فرحل ملك الروم (1) من شيزر في هذه السنة، وترك المجانيق وآلات الحصار بحالها، فاتبع عماد الدين ساقة العسكر، فظفر بجماعة منهم، وأخذ جميع ما تركوه، ورجع ملك الروم خائبا إلى بلاده.

وفى خروج ملك الروم إلى الشام وحلب وعوده عنها خائبا يقول المسلم (2) ابن خضر بن قسيم الحموى قصيدة يمدح بها الأمير عماد الدين زنكى رحمه الله.

أولها:

بعزمك أيّها الملك الرّحيم

تذلّ لك الصّعاب وتستقيم

[ومنها يقول (3)]:

ألم تر أنّ كلب الرّوم لمّا

تبيّن أنّك الملك الرّحيم

فجاء يطبّق الفلوات جيشا (4)

كأنّ الجحفل اللّيل البهيم

وقد نزل الزّمان على رضاه

وكان (5) لخطبه الخطب العظيم

فحين رميته بك (6) في خميس

تيقّن أنّ ذلك لا يدوم

(1) كان امبراطور الدولة البيزنطية في هذه السنة (532 - 1138) هو الامبراطور يوحنا الثانى كالوجوهانيز Calojohannes [1118 - 1543] ؛ انظر كتاب (الامبراطورية البيزنطية، تأليف نورمان بينز، وترجمة الدكتور حسين مؤنس، والأستاذ محمود يوسف زايد، ص 401).

(2)

لم أعثر على ترجمة مفصلة لهذا الشاعر، وإنما ذكر (الصابونى، تاريخ حماة، ص 100) أنه كان من الشعراء المجيدين، وأنه توفى سنة 534، ثم استشهد بهذه الأبيات المذكورة هنا.

(3)

ما بين الحاصرتين عن: س (ص 6 ا)، (ابن الأثير، ج 11، ص 23).

(4)

كذا في الأصل، وهى في: س (ص 6 ا): «حينا» ، وفى (ابن الأثير):«خيلا» .

(5)

كذا في الأصل وفى س، وهى في (ابن الأثير):«ودان» .

(6)

كذا في الأصل وفى ابن الأثير، وهى في س:«لك» .

ص: 82

وأبصر في المفاضة منك ليثا (1)

فأخرق لا يسير ولا يقيم

كأنّك في العجاج شهاب نور

توقّد وهو شيطان رجيم

أراد بقاء مهجته فولّى

وليس سوى الحمام له حميم

ولما رجع ملك الروم وصل إلى عماد الدين زنكى رسول الخليفة الإمام المقتفى لأمر الله أمير المؤمنين، وهو مؤيد الدين سديد الدولة بن الأنبارى - كاتب الإنشاء ورسول السلطان مسعود - بالخلع، فلبس خلعة الخليفة والسلطان وركب بهما، وذلك بظاهر مدينة حمص يوم عرفة [49] من هذه السنة - أعنى سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة - ودخل بزمرد خاتون أم الأمير شهاب الدين محمود، صاحب دمشق - كما تقدم -.

وفى المحرم سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وصل الأمير عماد الدين رحمه الله إلى حلب، واستقر أهلها وأهل حماة وأهل منبج على حصن بزاعة حتى فتحه بالسيف [وقتل كل من فيه من الروم والفرنج (2)] وجمعت رؤوس القتلى وبنيت منها منارة أذّن عليها؛ ثم تحول بالعسكر إلى حصار قلعة الأثارب ففتحها في صفر، ثم توجه إلى البلاد الشرقية.

وفى هذه السنة نازل عماد الدين قلعة دارا، وهى للأمير حسام الدين تمرتاش [ابن] ايلغازى بن أرتق (3)[فلم ينل منها طائلا، وخاف على المسلمين، ثم رحل منها إلى حرّان (2)].

(1) في س: «ليث» ومعظم الكلمات الأخرى غير منقوطة، أما في (ابن الأثير) فالنص يختلف، وهو: وأبصر في المغاضة منك جيشا فاحرب لا يسير ولا يقيم

(2)

ما بين الحاصرتين زيادات عن س (ص 6 ب).

(3)

في الأصل: «برتق» والتصحيح عن س، وحسام الدين ثانى أمير من فرع الأراتقة الذين حكوا ماردين، وليها من سنة 516 إلى سنة 547.

أنظر: (Zambaur. Manuel de Genealogie et de Chronologie pour l'Histoire de l'Islam . P. 228).

ص: 83