الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وصول الملك الأفضل نجم الدين أيوب بن شاذى
والد السلطان إلى مصر
[114]
ثم أرسل السلطان الملك الناصر صلاح الدين إلى الملك العادل نور الدين رحمه الله يطلب أن يرسل إليه والده نجم الدين أيوب، فجهّزه نور الدين وسيّر معه عسكرا، واجتمع معهم من التجار خلق كثير، وانضاف إليهم من كان له مع صلاح الدين أنس وصحبة، ثم خاف نور الدين عليهم من الفرنج، فسار إلى الكرك في عساكره، فحصره وضيّق عليه، ونصب عليه المجانيق ليشغل الفرنج عنهم، فأتاه الخبر أن الفرنج قد جمعوا وحشدوا وساروا إليه، فسار نور الدين نحوهم، فرجعوا عنه القهقرى، وسلك نور الدين وسط بلادهم يحرق وينهب ما على طريقه من القرى؛ إلى أن وصل إلى عشترا (1)، فخيّم بها وأقام ينتظر حركة الفرنج ليلقاهم، فلم يبرحوا مكانهم، وأقام هو حتى أتاه خبر الزلزلة العظيمة التي وقعت في هذه السنة، فرحل.
وهذه الزلزلة (2) هى المعروفة بزلزلة حلب التي هدت أكثر منازلها، وكانت عظيمة جدا، وكان تأثيرها في حلب وبلادها نظير تأثير الزلزلة التي كانت بحماة سنة اثنين وخمسين وخمسمائة - التي قدمنا ذكرها -
ووصل الملك الأفضل نجم الدين أيوب رحمه الله إلى القاهرة في الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة - أعنى سنة خمس وستين وخمسمائة -، وخرج العاضد - صاحب القصر - لاستقباله، وبالغ في احترامه والإقبال عليه.
(1) هكذا ضبطها ياقوت وقال إنها موضع بحوران من أعمال دمشق.
(2)
حدثت هذه الزلزلة في ثانى عشر شوال. انظر أخبارها بالتفصيل في: (ابن الأثير: الكامل 2 ج 11، ص 132 - 133) و (الروضتين، ج 1، ص 184).
واتفق لأيوب مع ولده صلاح الدين يوسف شبيه ما اتفق ليعقوب مع ابنه يوسف عليهما السلام حين قدم على ولده، ووجده متملكا للديار المصرية، وقال:{اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (1)} ». وذكر أنه لما خرج ولده الملك الناصر صلاح الدين والخليفة العاضد إلى لقائه، واجتمعا به قرأ بعض المقرئين:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ (2)} » - الآية -
ولما اجتمع صلاح الدين بأبيه سلك معه من الأدب ما جرت به عادته، وفوّض إليه الأمر كله، فأبى ذلك عليه أبوه وقال له:«يا ولدى ما اختارك الله لهذا الأمر إلا وأنت كفؤله، فلا ينبغى أن تغير مواقع السعادة» [115] فحكّمه في الخزائن بأسرها، وأنزله اللؤلؤة (3) المطلة على خليج القاهرة، فأنشده يوما ابن أبى حصينة (4) وغضّ من خلفاء مصر:
(1) السورة 12 (يوسف)، الآية 99 ك.
(2)
السورة 12 (يوسف)، الآية 100 ك.
(3)
اللؤلؤة منظرة من مناظر الفاطميين كانت تعرف بقصر اللؤلؤة، ويشرف من شرقيه على البستان الكافورى، ومن غريبه على الخليج؛ وصفه (المقريزى: الخطط، ج 2، ص 348 إلى 350) بأنه كان من أحسن القصور وأعظمها زخرفة، أنشأ هذه المنظرة العزيز بالله ثم هدمها الحاكم ثم جددها الظاهر؛ ومكانها اليوم تبعا لتحقيقات محمد رمزى (النجوم الزاهرة، ج 4، ص 46، هامش 2) مدرسة الفرير التي بشارع الشعرانى البرانى على رأس شارع الخرنفش بقسم الجمالية. أنظر أيضا: (على مبارك: الخطط التوفيقية، ج 2، ص 128).
(4)
هو يحيى بن سالم بن أبى حصينة الأحدب، ترجم له (العماد الأصفهانى: الخريدة، قسم شعراء مصر، ج 2، ص 157) فقال إنه من أهل مصر، وجده من أهل المعرة بالشام، من نسب الشاعر المعروف، ثم أورد له بعض شعره، وقد ذكر ناشر الخريدة أن لهذا الشاعر ترجمة في (ابن سعيد: المغرب، الجزء الثانى، الورقة 173) و (ابن حجر: التجريد، الورقة 257). وقد ترجم صاحب الخريدة لأبيه سالم بن مفرج بن أبى حصينة في (نفس المرجع، ص 107 - 108). أنظر أيضا: (عمارة: النكت العصرية، ص 292)، وفى (النجوم الزاهرة، ج 5، ص 75) ترجمة لشاعر آخر من نفس الأسرة، فقد قال في وفيات سنة 456 هـ:«توفى الحسن بن عبد الله بن أحمد أبو الفتح الحلبى الشاعر المعروف بابن أبى حصينة، كان فاضلا شجاعا فصيحا يخاطب بالأمير» .
يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا
…
منها، وما كان فيها لم يكن طرفا
قد عجّل الله هذى الدار تسكنها،
…
وقد أعدّ لك الجنّات والغرفا
تشرّفت بك عمّن كان يسكنها
…
فالبس بها العزّ، ولتلبس بك الشّرفا
كانوا بها صدفا، والدار لؤلؤة،
…
وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا
فرد عليه عمارة (1) بن على اليمنى الشاعر، وكان يتعصب لخلفاء مصر، لاصطناعهم إياه وإحسانهم إليه، فقال:
أثمت (2) يا من هجا السادات والخلفا
…
وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا
جعلتهم صدفا حلّوا بلؤلؤة
…
والعرف: ما زال سكنى (3) اللؤلؤ الصّدفا
وإنما هى دار، حلّ جوهرهم
…
فيها، (4) وشفّ فأسناها الدى وصفا
فقال: لؤلؤة! عجبا ببهجتها،
…
وكونها حوت (5) الأشراف والشّرفا
فهى بسكّانها (6) الآيات إذ سكنوا
…
فيها، ومن قبلها قد أسكنوا الصّحفا
والجوهر الفرد نور، ليس يعرفه
…
- من البريّة - إلا كلّ من عرفا
لولا تجسّمه فيهم (7) لكان على
…
ضعف البصائر للأبصار مختطفا
فالكلب - يا كلب - أسنى منك مكرمة، (8)
…
لأنّ فيه حفاظا دائما ووفا
(1) أشير إلى اسم الشاعر - في الأصل - بعلامة، وكتبت أمامه في الهامش هذه الجملة اللاتينية (Vide plura de hoc poeta infra pag .128) ويشير كاتب هذه الجملة من الفرنج إلى قصيدة أخرى لعمارة وردت في ص 128 من المخطوطة وهى القصيدة التي رثى بها عمارة الفاطميين.
(2)
في الأصل: «ألمت» والتصحيح عن: (عمارة: النكت العصرية، ص 292) و (المقريزى: الخطط، ج 2، ص 351).
(3)
في الأصل: «كن» والتصحيح عن المرجعين السابقين.
(4)
في الأصل: «بها» ، والتصحيح عن المرجعين السابقين.
(5)
في الأصل: «حلت» والتصحيح عن المرجعين السابقين.
(6)
في الاصل: «فهم بسكنايها» ؛ وفى الخطط «فهم بسكناهم» ؛ وما هنا صيغة «النكت» .
(7)
كذا في الاصل وفى (النكت)؛ وفى (الخطط): «فيه» .
(8)
كذا في الاصل وفى (الخطط)؛ وفى (النكت): «معروفة» .