الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المسترشد، وحذّر السلطان جانبه، وأعلمه أنه قد جمع العساكر عازما على منعه من العراق، فسار السلطان إلى بغداد، وجرت حروب ووقائع، ليس هذا موضع (1) ذكرها.
ذكر تولى الأمير عماد الدين زنكى (2) شحنكية (3) بغداد
ثم نظر السلطان محمود بن محمد فيمن يصلح لشحنكيّة العراق، بحيث يأمن معه من الخليفة، ويضبط الأمور، فرأى أن زنكى أصلح الناس لذلك، فولاّه الشحنكية - مضافا إلى ما بيده من البلاد والإقطاع - وسار السلطان من بغداد.
وفى سنة عشرين وخمسمائة قتل آق سنقر البرسقى، قتلته الباطنية (4)، وكانت بيده الموصل وحلب.
ذكر استيلاء عماد الدين زنكى على الموصل
لما توفى البرسقى فوّض السلطان الأمر بعده بالموصل إلى ولده الأمير عز الدين مسعود بن آق سنقر [البرسقى]، فلم تطل أيامه، وتوفى في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وولى بعده أخ له، وقام بتدبير أمره مملوك لأبيه، يقال له جاولى، فأرسل إلى السلطان محمود [18] يطلب تقرير البلاد على ولد آق سنقر البرسقى،
(1) أنظر تفاصيل هذه الحروب والوقائع في (ابن الجوزى: المنتظم، ج 9، ص 249 وما بعدها).
(2)
أنظر ترجمته في: (ابن خلكان: الوفيات ج 1، ص 343 - 344) و (أبو شاهة: الروضتين، ج 1، ص 27 وما بعدها).
(3)
أنظر ما فات، ص 7، هامش 5
(4)
أنظر تفاصيل قتله في: (ابن خلكان: الوفيات، ج 1، ص 140).
وبذل الأموال الكثيرة على ذلك، وكان الرسول في ذلك القاضى بهاء الدين أبو الحسن على بن القاسم الشهرزورى، وصلاح الدين محمد الياغيسيانى (1) - أمير حاجب البرسقى - فحضرا دركاة (2) السلطان ليخاطباه في ذلك، وكانا يخافان (3) جاولى ولا يرضيان بطاعته، فاجتمع صلاح الدين [محمد الياغيسيانى] ونصير الدين جقر (4)، وكانت بينهما مصاهرة، وذكر له صلاح الدين ما ورد فيه، وأفشى (5) إليه سره، فخوّفه نصير الدين [من (6)] جاولى، وقبّح عنده طاعته، وقرّر في نفسه [أنه (6)] إنما أبقاه وأمثاله لحاجته إليهم، ومتى أجيب إلى مطلوبه لا يبقى على أحد منهم.
وتحدث معه صلاح الدين في أن يخاطب السلطان في ولاية عماد الدين زنكى، وضمن له الولايات والإقطاع الكثير، وكذلك للقاضى بهاء الدين بن الشهرزورى، وخاطباه في ذلك، وضمنا له كلما أراده، فوافقهما على ما طلبا.
وركب هو وصلاح الدين إلى دار الوزير شرف الدين أنوشروان [بن (7)] خالد، فقالا: «إنه قد علمت أنت والسلطان أن ديار الجزيرة والشام قد تمكن الفرنج منها،
(1) في الأصل: «الباعنسانى» ، أنظر ما فات ص 19، هامش 2
(2)
الدركاة - والجمع دركاوات - عرفها (Dozy،Supp Dict Arab)
فقال إنها لفظ فارسى معناه الفضاء أو الممر المؤدى إلى مدخل قصر أو بناء كبير:
(Cour devant un palais،vestibule،portique،porte).
(3)
في الأصل: «يخافا» .
(4)
هو نصير الدين جقر بن يعقوب نائب عماد الدين زنكى على الموصل إلى سنة 539 حيث قتل، وقد رسم هذا الاسم في (Zambaur،Op .Cit . P. 38)
هكذا: «نصير الدين تشغرا Nasiraddin Tschaghra» ، أنظر بعض أخباره في:(ابن القلانسى: ص 217، 263، 280، 281).
(5)
في الأصل: «وأفشا» بالألف.
(6)
أضفنا ما بين الحاصرتين عن: (ابن الأثير: الكامل، ج 10، ص 274) وذلك للايضاح.
(7)
ما بين الحاصرتين عن ابن الاثير، نفس الجزء والصفحة، وهو شرف الدين أنو شروان ابن خالد بن محمد الكاشانى، ولى الوزارة للسلطان محمود السلجوقى في العراق من ربيع الثانى سنة 521 إلى رجب سنة 522، أنظر:(Zambaur،Op .Cit . P. 225).
وقد قويت شوكتهم فاستولوا على أكثرها، وقد أصبحت ولايتهم من حدّ ماردين إلى عريش مصر - ما عدا البلاد الباقية بيد المسلمين -، وقد كان البرسقى - مع شجاعته - يكفّ بعض عاديتهم، فمذ قتل زاد طمعهم، وولده طفل، ولا بد للبلاد من رجل شهم شجاع ذى (1) رأى وتجربة يذبّ عنها ويحمى حوزتها، وقد أنهينا الحال إليك لئلا يجرى خلل أو وهن على المسلمين، فيختص اللوم بنا، ويقال لنا: لم لا أنهيتم إلينا جلية الحال». فأنهى الوزير ذلك إلى السلطان، فشكرهما عليه، وأحضرهما، واستشارهما (2) فيمن يصلح للولاية، فذكرا (3) جماعة، منهم: عماد الدين زنكى، وبذلا عنه - تقربا إلى خزانة السلطان - مالا جليلا، فأجاب [السلطان] إلى ذلك، لما يعلمه من كفايته لما يليه؛ وولاّه البلاد كلها، وكتب منشوره بذلك (4) وضم إليه ولده الملك ألب أرسلان - المعروف بالخفاجى - وجعله أتابكه، فمن ثم قيل لزنكى:«أتابك (5)» ، فسار أتابك زنكى (4).
(1) في الأصل: «ذو» .
(2)
في الأصل: «واستشاره» والتصحيح عن ابن الأثير حيث ينقل عنه هنا ابن واصل نقلا يكاد يكون حرفيا مع تغييرات طفيفة في اللفظ دون المعنى.
(3)
في الأصل: «فذكروا» والتصحيح عن ابن الأثير.
(4)
هذه الجملة لا توجد في ابن الاثير وإنما أضافها ابن واصل من عنده للايضاح، وهو إيضاح له أهميته لتحديد التاريخ الذى لقب فيه عماد الدين بلقب أتابك وهو اللقب الذى ميز الدولة التي حكمت من نسله.
(5)
«أتابك» لقب يتكون من لفظين تركيين: أطا بمعنى أب، وبك بمعنى أمير؛ وذكر صاحب (صبح الأعشى، ج 4، ص 18) أن أول من لقب بهذا اللقب هو نظام الملك وزير ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقى (465 - 485 هـ) حين فوض اليه ملكشاه تدبير المملكة؛ ثم أصبح ملوك السلاجقة يطلقون هذا اللقب على كبار قواد جيشهم الذين يولونهم الوصاية على أبنائهم القاصرين. وكثيرا ما كان الأمير الأتابك يتزوج أم الطفل الموصى به، وبذلك تصبح العلاقة بينه وبين هذا السلطان القاصر علاقة شبه أبوية. أنظر أيضا:(Demombynes : La Syrie a l'Epoque des Mamlouks،Pref P. XXVII،LVI) و (دائرة المعارف الاسلامية: مادة أتابك).