الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرضاع
أو الَرَضاعة، بفتح الراء وكسرها: لغة امتصاص ثدى الأم، واصطلاحًا الرضاع الذى ينبنى عليه نسب فى الرضاعة مانع من الزواج. ومن المفروض أن فكرة النسب فى الرضاعة كانت ذائعة عند العرب قبل الإسلام (انظر Kinship and: Robertson Smith ، Marriage in Early Arabia ط 2 ص 176، 196 هامش رقم 1)، ومما
يدل على ذلك دلالة واضحة الكيفية التى فسر بها الحديث الأوامر المتعلقة بالموضوع. فقد ذكرت الآية 23 من سورة النساء أمهات الإنسان اللواتى أرضعنه وأخواته من الرضاعة من بين الأقارب من الإناث اللاتى يحرم عليه نكاحهن؛ ولابد أن يكون ذلك مطابقاً تمام المطابقة للعادة الجاهلية القديمة التى لم تكن تعتبر النسب فى الدم مانعاً من النكاح إلا بالنسبة لهاتين الدرجتين
من الأقرباء (1)(انظر Robertson smith فى نفس الموضع). ولكن لما كان القرآن فى الآية المتقدمة يوسع نطاق
الأسباب المانعة من الزواج بحيث تتجاوز النسب فى الدم فقد عولجت مسألة النسب فى الرضاعة تبعا لذلك على أساس أنه مانع من الزواج، خلافاً لنص الآية الصريح. وكثيراً ما تساق فى الحديث تأييداً لذلك تلك العبارة المتمشية مع الرأى الجاهلى القديم، وهى أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والحادثة الحاسمة من حيث كونها أساسًا للقاعدة فى تحريم نكاح بنت
الأخ من الرضاعة ترجع إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] نفسه (2). وانظر لما جاء فى الحديث من تحريم النكاح بين الأخوة فى الرضاعة من زوجتين لرجل واحد بعينه (3) فقد
(1) عن ابن عباس وقتادة أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين- راجع مثلا تفسير الطبرى جـ 4، ص 217 - المترجم.
(2)
جاء في كتاب كنز العمال، جـ 3، ص 246، حديث رقم 3912: عن أم سلمة، قالت: قيل: يارسول الله! ألا تخطب ابنة حمزة؟ قال: إن حمزة أخى من الرضاعة- قارن ص 244، حديث رقم 3880، ص 245 حديث رقم 3886، 3896 ص 246 رقم 3917 - المترجم.
(3)
سئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت الواحدة جارية وأرضعت الأخري غلاما، هل يتزوج الغلام الجارية؟ قال لا. اللقاح واحد؛ لا تحل له- كنز العمال، جـ 3، حديث رقم 3898 - المترجم.
أدخلت علاقات التصاهر أيضًا فى دائرة النسب فى الرضاعة. ونجد في الأحاديث المذكورة فى تفسير الآية القرآنية المتقدمة أن النسب فى الرضاع من الأسباب المانعة من النكاح على أساس التصاهر، وُيذكر فى بيان سبب ذلك المنع أن اللقاح (وهو الذى يحدث اللبن) واحد وفى حديث (كنز العمال، جـ 3، رقم 3911) رد على رأى من يقول بالفصل والتمييز بين النسب فى
الدم والنسب فى الرضاع (وهو القول الذى بحسبه لايعتبر أخو زوج الأم من الرضاعة قريباً من الرضاعة).
وكانت مسألة كمية الرضاعة التى لابد منها لإيجاد النسب فى الرضاعة نقطة خلاف قديمة: فبعض الأحاديث تعتبر أن الرضعة والرضعتين أو المصة والمصتين غير كافية فى ذلك، وبعضها الآخر يحتم سبع رضعات، وبعضها يحتم الحضانة وما فتق الأمعاء وأنشأ العظم وأنبت اللحم، أى ما غذى الرضيع حقيقة. وقالت طائفة فى الرد على ذلك إنه يحرم النكاح من الرضاع قليله وكثيره، بل يقال إنه كان فى القرآن عشر رضعات، ثم رُدَ ذلك إلى خمس، ولكن هذه الرواية التى لا شك أنه يقصد منها أن تؤيد الرأى الذى ينبنى عليها غير جديرة بالثقة (انظر. Nodeke Geschichte des Qorans: Schwally
ج 1 ص 253 وما بعدها؛ كنز العمال، حديث رقم 3923 وما بعده) ومن الثابت أن البعض كان يعمد إلى إلارضاع بقصد
إيجاد النسب فى الرضاع على نحو غير طبيعى، وتدل على هذا الصنيع أحاديُث أخرى كثيرة لا تعتد به، وهى لا تعتد به إما بصراحة وإما على وجه غير صريح (كما قيل فى المثل الفقهى، الرضاعة من المجاعة) والمرجع الأعلى فى جعله مانعاً من الزواج إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] نفسه يرخص به (كنز العمال، رقم 3919)، وكذلك يوجد نص يدل على أنّه كان لا يعتد بإرضاع الأطفال بقصد إيجاد النسب فى الرضاع المانع من النكاح (رقم 3885) وفى بعض الأحاديث أنه تكفى لإثبات النسب فى الرضاعة شهادة المرضعة نفسها على أن تُسْتَحلف، بل من غير أن تْسَتحلف، وبوجه عام تكفى شهادة امرأة أو شهادة رجل وامرأة. أما فى البعض الآخر من الأحاديث فنجد،
خلافا لهذا الذى أجيز فى أول الأمر، أنه لابد من الشهادة العادية، وهى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وهذه النقط الخلافية التى تتجلى فى الأحاديث ظلت نقطة من النقط الخلافية عند أوائل الفقهاء، وقد ذكر الشوكانى فى كتابه نيل الأوطار (ط. القاهرة 1346 هـ، جـ 6، ص 269 وما بعدها) آراء كبار الفقهاء .. أما أهم نقطة خلافية ظهرت فى هذه الفترة الثانية، وهى نقطة تكاد الأحاديث لا تتناولها، فهى مسألة المدة التى فى أثنائها ينشأ عند الطفل نسب الرضاعة، فنجد أحيانا أنها الفترة إلى
الفطام، أو الطفولة كلها دون تحديد ثابت؛ وأحيانا أخرى نجد أنها على التحديد مدة سنتين أو سنتين ونصف، أو ثلاث سنين، أو سبع سنين. وفيما يتعلق بتحديد مدة السنتين احتج البعض بآية 233 من سورة البقرة، وهى: "والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين، لمن أراد أن يتم الرضاعة" (وفيما يتعلق بالتفاصيل راجع الشوكانى، نفس المصدر، ص 272). والمذاهب الأربعة مجتمعة على أن النسب فى الرضاعة يقوم بين الرجل وكل ذريته من جهة، وبين مرضعته وكل أقاربها فى النسب والرضاعة وزوجها وكل أقربائه فى النسب من جهة أخرى، ولكن لا نسب فى الرضاعة بين رجل وبين آباء إخوته فى الرضاعة أو أقاربهن من غير العصبة ولا بين المرضعة وبين آباء رضيعها وأقاربه من غير العصبة.
والحنفية والمالكية لا يشترطون فى الرضاعة التى يحرم معها النكاح حداً أدنى، أما الشافعية فقد اشترطوا خمس رضعات. ومدة الرضاع عند المالكية (إلا إذا وقع الفطام مبكراً) وكذلك الشافعية والحنابلة سنتان، وعند الحنفية سنتان ونصف سنة. وأجاز الظاهرية رضاع الشخص الكبير. وقد اكتفى الشافعية أيضا فى إثبات النسب فى الرضاعة بشهادة أربع نساء، والمالكية بشهادة
امرأتين إذا كانت المسألة مسألة خطيرة، واكتفى الحنفية بشهادة امرأة واحدة.
ومنذ فجر الإسلام إلى اليوم قد احتفظ أشراف مكة بعادة استرضاع أبنائهم من مرضعات من أهل البادية (انظر La Meque a la Veille: Lammens)